الميثولوجيا الإنسانية.. قصصٌ دينية تشاركت فيها حضارات وأديان مختلفة

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٦ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


الميثولوجيا الإنسانية.. قصصٌ دينية تشاركت فيها حضارات وأديان مختلفة

ربما يبدو للوهلة الأولى أن من البديهي أن تتفرد، أو تتميز قصص التراث الإنساني والميثولوجيا (الأساطير) لكل حضارة أو منطقة ما من العالم عن سواها، إذ يرى البعض أن اختلاف السير والقصص الأسطوري من ضمن الخصائص التي تميز تاريخ كل شعب عن الآخر.

ولكن بدراسة تلك الميثولوجيا والتراث الإنساني وُجدت بعض القصص، أو الجذور الميثولوجية التي تكررت بشكل أو بآخر في حضارات وديانات مختلفة، وهي متباينة حتى في بنائها الثقافي، ما بين الشرق والغرب؛ مما أثار العديد من علامات الاستفهام التي تبِعت تساؤلات على غرار: هل بدأت الأساطير العقائدية من أصلٍ واحد؟ أو ما إذا كانت بعض ميثولوجيا الشعوب تتكرر، أو تنتقل بطريقة ما من حضارة إلى أخرى عن طريق السرد الشعبي وتدوين التراث.

من آمون إلى أودين.. فوق الآلهة إلهٌ أكبر

باختلاف الجغرافيا عبر أغلب حضارات الكوكب، كانت هناك دائمًا فكرة تعدد الآلهة، ووجود إله لكل شيء من آلهة الحرب إلى آلهة الحب، والخصوبة، والحكمة، وحتى الشمس والقمر باختلاف البناء الثقافي لكل حضارة أو ديانة قديمة، ولكن العنصر الأبرز الذي شاركته أغلب الميثولوجيا والأديان القديمة كانت فكرة كبير الآلهة، أو وجود إله يعلو بسلطته كل الآلهة الأخرى.

الحضارة المصرية القديمة كانت واحدة من أوائل الحضارات التي دونت دياناتهم وعقائدهم، والتي قامت على تعدد الآلهة، وكان هناك في الميثولوجيا المصرية القديمة كبير للآلهة، وهو آمون، ويعنى اسمه «الخفي» أو «الغامض»، وكان يتم تصويره على شكل رجل برأس كبش، وقد اتحد في ما بعد مع رع إله الشمس ليعرف في ما بعد بـ«ملك الآلهة»، وهو ما تشابهت فيه الديانة المصرية مع نظيرتها الإغريقية (اليونانية) القديمة التي كان كبير الآلهة فيها هو «زيوس» مُرسل الصواعق والمطر والرياح.

بينما تكرر المفهوم نفسه في كل من الديانة الرومانية القديمة بوجود الإله جوبيتر، والهندوسية التي تتخذ الإلهة إندرا كبيرًا للآلهة –لم يعد كذلك لاحقًا مع التطورات التي حدثت في الديانة الهندوسية-، وكذلك الأمر في ديانة الشمال الإسكندنافي بوجود أودين كبير للآلهة.

خلق العالم من العدم.. هكذا تشابهت تساؤلات الأقدمين

ربما يتشابه التاريخ الثقافي والديني للشعوب المختلفة في الكثير من النواحي، من بينها التساؤل عن كيفية نشأة الكون، وقد كانت دائمًا هناك إجابة تقدمها الديانات إلى البشر باختلاف أصولها ولُب إيمانها؛ فمثلًا حضارة بلاد الرافدين -الآشورية والسومرية والبابلية- تسرد ملحمة «إنوما إليش»، أو ما يترجم إلى «ما حدث في الأعالي» عن كيفية خلق كبير الآلهة مردوك العالم من العدم أو الفوضى.

وفي الديانة الهندوسية خلق الإله براهما كل شيء من لا شيء أو من «العدم»، وهو بمثابة إله الخلق في الهندوسية، وفي حضارة الشمال الإسكندنافي نشأ العالم من العدم الذي يسمى «جينونجاجاب» عندما اتحد فيه عنصرا النار والجليد، والذي نشأ منهما أول معبود أو إله شمالي باسم يمير، وفي الديانة المصرية القديمة كان البدء فيها من العدم بعدما أرسل هيكا (إله السحر) نفخته الأولى ليوجد الإله أتوم الذي كان وحده في العدم، ثم بدأ ملحمة خلق الحياة، وحتى الديانات الإبراهيمية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام) قد تجلّت فيها فكرة خلق الله العالم من العدم في ستة أيام.

إله يسكن أعلى جبل ويرسل الصواعق.. هل يبدو هذا مألوفًا؟

بينما تشاركت أكثر من ديانة أو حضارة قديمة مفاهيم أساسية، إلا أن التشابه على المستويات الأكثر تفصيلًا يأتي في كُل من الديانة الإغريقية القديمة والديانة الهندوسية، إذ إن كلتا الديانتين لهما كبير الآلهة (زيوس للإغريق، وإندرا للهندوس)، ولكن كلا الإلهين يتشابهان في العديد من النقاط؛ فكلاهما إله يتحكم في الطقس، ويرسل الرياح والمطر والصواعق، والأكثر إثارة للدهشة هو تشابه كلا الإلهين في الأسلحة التي يحملها؛ ألا وهي صاعقة البرق أو «الرُّمح الصاعق» الذي يسمى في الهندوسية «الفاجرا».

ناحية أخرى تشابه فيها الإلهان، وهي تعدد العلاقات النسائية، فبينما تسرد الميثولوجيا الإغريقية غيرة هيرا زوجة زيوس كبير الآلهة من تعدد علاقاته حتى مع نساء البشر؛ تحكي أيضًا الميثولوجيا الهندوسية عن مدى «خصوبة» الإله إندرا، وميله إلى النساء، وغضب زوجته إندراني منه إثر خيانته لها مع إناث أخريات.

 


تمثال الإله إندرا

 

حتى في أماكن المعيشة يتشابة الإلهان، زيوس يعيش على قمة جبل «الأوليمب» الذي هو أعلى جبال اليونان -بحسب الميثولوجيا-، ويعيش إندرا على قمة جبل «ميرو» الشاهق، وفي كلتا القصتين نجد أن والدي زيوس كرونوس ورهيا يفضلان شقيقه بوسيدون عليه، بينما يفضل كاشايابا وأديتي والدا إندرا شقيقه «فارونا» عليه.

مفهوم «الثالوث المقدس».. أقدم من المسيحية

واحدة من أوائل العقائد القديمة التي جاءت بها فكرة «ثالوث» مقدس أو «ثلاثة آلهة» يشكلون عقيدة واحدة كانت ديانة بلاد الرافدين، فملحمة خلق العالم (الإينوما إيليش) تحكي عن الثالوث (آنو وإنيلل وإيا) الذين حكموا الأرض والسماء والماء، وكوّن ثلاثتهم ما يعرف بـ«ثالوث الآلهة العظمى»، وتكرر المفهوم ذاته في الديانة المصرية القديمة التي تفصح عنه النصوص المصرية القديمة، وتحديدًا أن آمون الإله لم يأت أحد من قبله، وهو آمون باسمه، ورع بوجهه، وبتاح بجسده؛ أي أن الثلاثة هم تجليات لذات الإله.

وفي الديانة الهندوسية يُعد ثالوث الآلهة (فيشنو وبراهما وشيفا) بالقدسية ذاتها، وبحسب بعض النصوص الميثولوجية الهندية فإن براهما إله الخلق نفسه قد وُجد عندما «فكّر» الإله فيشنو في فكرة الخلق، بينما بقيت شيفا إلهة الحرب والدمار، وهو عكس الخلق، وتكرر مفهوم الثالوث أيضًا في الميثولوجيا الإغريقية بتقديس كل من زيوس كبير الآلهة، وشقيقه بوسيدون إله البحر، وشقيقهم هيديز حاكم العالم السفلي، وهم بمثابة «الثالوث الجبار» لكل الآلهة.

 


رسم الثالوث الهندوسي المقدس

 

وفي الديانة المسيحية تجتمع جميع الطوائف المسيحية تقريبًا على قبول «ثالوث» الأب -متمثلًا في الله- والابن -متمثلًا في المسيح- والروح القدس -متمثلًا في باعث الروح لميلاد المسيح دون أب-، جميعهم بمثابة كيان مقدس واحد.

الطوفان العظيم.. وعدة عقائد

ربما يعتقد البعض أن الديانات الإبراهيمية هي فقط التي تعتقد في حدوث طوفان عظيم أرسله الرب (الله) ليمحو الحياة من على الأرض، ويتيح النجاة لنبيه نوح ومن تبعه فقط على متن السفينة التي أمره الله ببنائها؛ ولكن فكرة الطوفان العظيم الذي يمحي الحياة من على وجه الأرض تكررت في عقائد وقصص غير الإبراهيمية.

في حضارة بلاد الرافدين وتحديدًا «ملحمة جلجاميش» البطل الأسطوري، يُحكى عن مقابلته رجل صالح يدعى أوتنابشتم، والذي صار خالدًا بعدما بنى سفينة عظيمة حملته هو وأهله وكل فصائل الكائنات الحية أثناء طوفان عظيم ابتلع الأرض بأكملها، والتي رست أعلى قمة جبل عالٍ بعدما انتهى الطوفان، وهو ما يتشابه مع سيرة النبي نوح -عليه السلام- في الإسلام، واليهودية، والمسيحية.

 


رسم للنبي التوراتي نوح أثناء بناء السفينة

 

كما جاء أيضًا ذكر طوفان عظيم اجتاح الأرض في الميثولوجيا الهندوسية باسم «طوفان مانو»، وهو شخص تقي، وقريب من الآلهة، اعتاد الصلاة والتأمل وعمل الخير، وعندما جاء طوفان عظيم -جزء من إصلاح العالم- لم يبنِ سفينة؛ بل ذهب إلى قمة جبل عالٍ، ومكث يتأمل حتى مرت آلاف السنوات حتى تجلى له الإله براهما وأخبره بانتهاء إصلاح العالم، بخلاف ذكر قصة طوفان عظيم في كل من الميثولوجيا الإغريقية، والشمال الإسكندنافي أيضًا.

اجمالي القراءات 3006
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق