هل تشعل الإمارات الحرب الأهلية من جديد في الصومال لفرض نفوذها؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٧ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


هل تشعل الإمارات الحرب الأهلية من جديد في الصومال لفرض نفوذها؟

بربره ليس للبيع يا إمارات. *شعار واحد ضمن جملة من الشعارات رفعها صوماليون كرروا احتجاجهم مؤخرًا على ما اعتبروه تدخلًا إماراتيًا في بلادهم.

مقالات متعلقة :

لم يكن قطاع كبير من شعب الصومال وحده من رأى في التوغل الإماراتي خطرًا على بلاده، إذ إن الحكومة الصومالية اتخذت خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة من الإجراءات تؤكد جديتها في مواجهة هذا النفوذ والتوغل، فصادرت أموالًا ومعدات عسكرية٬ وأعلنت إنهاء الوجود العسكري الإماراتي، لكن مع ردة الفعل الإماراتية المستنكرة لهذه الإجراءات، تصر أبوظبي على تحقيق مصالحها العسكرية والاقتصادية والسياسية التي على رأسها منع العلاقات الصومالية مع قطر وتركيا، حتى لو اضطرت في نظر البعض لإشعال جولة جديدة من الحرب الأهلية الصومالية عبر أموالها ودعمها العسكري للحركات الانفصالية.

الإمارات.. من مد «يد الخير» لمد «السلاح» في الصومال

نظر أهل الصومال إلى الجهود الإماراتية في بلادهم في الماضي بعين الامتنان، فقد عكف هذا البلد الخليجي في عهد الراحل «زايد بن سلطان آل نهيان» على إقامة المشاريع الخيرية والتنموية التي نجدت العديد من الفقراء الصوماليين.

 

مساعدات إماراتية لسكان الصومال (المصدر: صحيفة الاتحاد الإمارتية)

تعود تاريخ هذه العلاقات إلى أواخر الستينيات، حين كان البلدان ضمن مصاف الدول المؤسسة لمنظمة التعاون الإسلامي عام 1969، وقد حافظت الإمارات على علاقة مستقرة مع الحكومات ا target="_blank">وقد حافظت الإمارات على علاقة مستقرة مع الحكومات الصومالية المتعاقبة تحت مظلة المساعدات الإنسانية التي قدمتها مؤسسة «خليفة بن زايد» والهلال الأحمر الإماراتي، وقد بلغ إجمالي تلك المساعدات منذ بدء المجاعة في الصومال حوالي 40 مليون دولار.

لكن الأمور تغيرت كثيرًا في أعقاب التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، إذ تؤكد الصومال أن الإمارات تقوم بدور «تخريبي» في هذا البلد الأفريقي، وتعمل على تقوية النزعة الانفصالية بين الصوماليين، وذلك بقيامها بدعم الأقاليم الإنفصالية في الصومال وتعظيم دورها على حساب الحكومة المركزية المعترف بها دوليًا، فقد بدأت أبو ظبي قبل نحو ستة سنوات بخلق جو طائفي بين القبائل الصومالية، فقدمت حزمة من المساعدات المالية إلى «أرض الصومال» (أو صوماليلاند) الانفصالية التي أعلنت استقلالها في مايو (أيار) 1991م عن الصومال، وقامت ببناء مركز للتدريب العسكري فيها، كما توجهت أبو ظبي نحو منطقة الحكم الذاتي «أرض البنط» (أو بونتلاند) في شمال شرق الصومال، فموّلت قوات الشرطة البحرية بهدف مواجهة ظاهرة القرصنة البحرية من خلال برنامج تدريبي لمكافحة القرصنة، وتقوم أيضًا بتمويل «وكالة الاستخبارات في أرض البنط» وتدريب عناصرها.

وبدأت تحركات الحكومة الصومالية ضد النفوذ الإماراتي على أراضيها تظهر بوضوح، حين صادرت قوات الأمن في الثامن من أبريل (نيسان) الجاري مبلغ 9.6 مليون دولار من طائرة حطت في مطار مقديشو قادمة من الإمارات، في حين سمحت المخابرات الصومالية للطائرة بالمغادرة، وتتابعت الإجراءات الصومالية حين استولت سلطات الأمن في مطار «بوصاصو» بإقليم بونتلاند (شمال شرقي الصومال) على معدات وصناديق تحتوي على أجهزة عسكرية كان ضباط إماراتيون يحاولون نقلها بطائرة عسكرية خاصة إلى الإمارات.

 

 

 

 

 

عناصر من حركة أرض الصومال (المصدر: شبكات التواصل الاجتماعي)

وفيما أعلنت الصومال في 11 أبريل (نيسان) الحالي، إنهاء الوجود العسكري الإماراتي في أراضيها ونقل مسؤولية التدريب إلى قيادة الجيش الوطني، وتتوالى الحكومة لدفع أجور هذه القوات، أعلنت كذلك أبو ظبي منتصف هذا الشهر إنهاء مهمة قواتها التدريبية في الصومال، وكانت الإمارات تقوم بتدريب مئات الجنود الصوماليين ضمن جهود البعثة العسكرية للاتحاد الأفريقي منذ عام 2014، بهدف تأمين الحكومة في الصومال التي تحظى بدعم دول غربية وتركيا والأمم المتحدة.

هل تستطيع الصومال وقف اتفاق ميناء «بربرة» مع الإمارات؟

ركزت «أبو ظبي» على إقامة علاقات مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي كما أسلفنا، وبدأت هذه العلاقات بالبروز حين حصلت شركة «مواني دبي العالمية» على عقد مدته 30 عامًا لإدارة ميناء بربرة بلغت قيمته 442 مليون دولار لتطوير الميناء الذي يستخدم بشكل أساسي لتصدير الماشية.

 

وفي مايو (أيار) 2017، تسلمت مواني دبي إدارة الميناء الذي يقع على ممر بحري هو الأكثر استخدامًا عالميًا، وكان هذا الاتفاق من وراء ظهر الحكومة في الصومال، وهو ما اعتبرته الأخيرة تجاهل وتهميش تام لها لصالح طرف انفصالي غير معترف به دوليًا، كما نظرت الصومال إلى إشراك شركة مواني دبي العالمية لإثيوبيا في هذا الاتفاق -لضمان التحركات الدبلوماسية في حال اعترضت الحكومة الصومالية على الاتفاق- أنه وسيلة لتمرير الاتفاق عبر قنوات رسمية، وبالرغم من صغر ميناء بربرة، إلا أنه من الممكن أن يصبح بعد عقد من الزمان أكبر ميناء في القرن الإفريقي، وهو بالنسبة لحكومة «أرض الصومال» أكبر استثمار منذ أن أعلنت استقلالها.

هذا الوضع، دفع الصومال في مارس (آذار) الماضي، لاتخاذ قرار بحظر عمل مواني دبي العالمية في أراضيها، وإلغاء العقد الذي وقعته الشركة مع أرض الصومال، حيث جاء في نص قرار البرلمان الصومالي أن: «أي اتفاق موقع مع مواني دبي العالمية باطل ولاغ كونه يعارض الدستور وقواعد الاستثمار الأجنبي في الصومال وغيرها من القواعد في البلاد».

وأكد البيان على أنه: «انتهكت مواني دبي العالمية استقلال ووحدة الصومال انتهاكًا صارخًا ومن ثم فإن مواني دبي محظورة من العمل في الصومال»، وردًا على الموقف الرسمي الصومالي وصف رئيس حكومة «أرض الصومال»، «موسى بيحي عبدي» قرار الحظر بـ«بالخطأ السياسي»، متوقعًا إكمال الاتفاق بين الطرفين خلال شهرين، ومؤكدًا على أن: «الإمارات العربية المتحدة ستدرب قوات الجيش والشرطة في المنطقة التي يتولى إدارتها وتتمتع بحكم شبه ذاتي وتسعى للانفصال عن دولة الصومال» وقال لـ«رويترز» أن: «التدريب يأتي في إطار اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في أرض الصومال، بما يشكل رادعًا للجماعات المسلحة ومصدرًا للتنمية وخلق فرص العمل».

 

 

 

 

 

ميناء بربرة (المصدر: رويترز)

وترى مجلة «إيكونوميست» البريطانية أن: «الميناء والمشروع الإماراتي الآخر، وهو بناء قاعدة عسكرية في بربرة، هما تذكير بالكيفية التي يقوم فيها المال الخليجي بتغيير القرن الإفريقي، وهما يحملان مخاطر زيادة الصراع بين الحكومة الصومالية الضعيفة في مقديشو، والمعترف بها دوليًا، والأقاليم الانفصالية الأخرى».

وقد ذكرت المجلة أن: «المسؤولين في جمهورية أرض الصومال (صومالي لاند) يأملون بسرقة جزء من حركة النقل، ففي مارس (آذار) أعلنت إثيوبيا عن شراء حصة 19% من ميناء بربرة، وقد أغضب المشروع المسؤولين في مقديشو، الذين يخشون من خسارتهم سلطتهم، وهي ضعيفة على أية حال، ولذلك هاجموا الإمارات، ففي الشهر الماضي أصدر البرلمان قرارًا يمنع شركة دبي للمواني العالمية من العمل في الصومال كلها، وهو أمر لا تستطيع تنفيذه» حسب المجلة.

دوافع اهتمام الإمارات بالصومال

منذ بضعة سنوات، أخذ الوجود الإماراتي في القرن الأفريقي يعتمد على استراتيجية شراء وإدارة المواني ذات الأهمية العسكرية والاقتصادية، فوقعت ضمن هذه الاستراتيجية اتفاقية تطوير ميناء «عصب» العسكري المطل على البحر الأحمر في إرتيريا، ونشرت الإمارات قوات عسكرية في جيبوتي، كما تواصل سيطرتها على المناطق الاستراتيجية في اليمن خاصة المطلة على باب المندب، و قد دخلت الصومال هذا البلد الفقير اقتصاديًا والمتصدع سياسيًا ضمن استراتيجية الإمارات تلك.

 

 

 

 

 

 طائرة هليكوبتر عسكرية إماراتية تحلق فوق اليمن (المصدر: أ ف)

وعند الوقوف على دوافع الإمارات في تركيز اهتمامها على الصومال، يمكن القول أن بوابة القرن الأفريقي «الصومال» هو دولة مركزية في أفريقيا، فعلي سبيل المثال لا يمكن الوصول إلى إثيوبيا التي تحظى بمنفذ بحري فقط هو ميناء بربرة ودول أخرى إلا عبر المرور بالصومال.

ويوضح تقرير وكالة «defense one» الأمريكية وهي معنية بالشؤون الأمنية والدفاعية أن: «السلطات الإماراتية دفعت الرشاوى لسياسيين ووجهاء في أرض الصومال لتمرير هذه الصفقة (ميناء بربرة)، لتكون قاعدة دعم في منطقة القرن الإفريقي المرشحة لأن تكون ساحة مواجهات في المدى المنظور، عدا عن توفيرها منصة جديدة لمواجهة الحوثيين في اليمن، لا سيما مع انتشار قوات عسكري من الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وإيطاليا والصين وإسبانيا في جيبوتي المجاورة في إطار مكافحة الإرهاب أو القرصنة».

وتشير الوكالة إلى أن: «طموح دولة الإمارات العربية المتحدة يأتي أيضًا لمواجهة حضور تركيا المتنامي في المنطقة، والذي ينظر إليه على أنه تهديد استراتيجي لحلفائها البريطانيين والأمريكيين، فالنموذج التركي الذي يجمع بين العمل الإنساني والاستثماري أصبح موضع حسد للعديد من الدول التي تقاتل من أجل كسب مزيد من النفوذ داخل الصومال، بما في ذلك القطريين والإثيوبيين والاتحاد الأوروبي والإماراتيين».

وفي المحصلة، يبدو أن الهدف الرئيس للإمارات في الصومال هو التمكن من بناء شبكة عسكرية، يمكن من خلالها وضع منطقة باب المندب بشكل عام وحركة النفط الدولية بشكل خاص في جيب «أبوظبي» دون القوى الدولية الأخرى.

الإمارات.. نحو إشعال الحرب الأهلية في الصومال

حازت الإمارات على ولاء شخصيات سياسة صومالية، على رأسهم الرئيس الأسبق «حسن شيخ محمود»، الذي دفع عجلة السيطرة الإماراتية على المواني الصومالية، ثم جاء فوز « محمد عبد الله محمد» (فرماجو) مؤخرًا على غير رغبة الإماراتيين، فهو الذي أصر على الحياد في قضية المقاطعة الخليجية لقطر، وهو من عجل بالعمل ضد بعض القوى الأجنبية التي تعمل على إضعاف حكومته من خلال إبرام اتفاقات خاصة مع الحكومات الإقليمية.

 

 

 

 

 

الجيش الصومالي (المصدر: رويترز)

وترى الامارات في فرماجو عقبة بسبب رفضه الولاء التام لها، وأيضًا لاتفاقه مع تركيا على" target="_blank">يقول المحلل السياسي الأميركي «أندرو كريبو» أنه: «يمكن القول بأن الإمارات العربية المتحدة تحاول زعزعة استقرار الصومال، كردّ على رفض مقديشو قطع العلاقات مع قطر واتفاقها مع أنقرة للسماح بوجود قاعدة عسكرية تركية في البلاد»، ويوضح الكاتب في مقال تحليلي بموقع «جلوبال ريسرش» الكندي أن: «الصومال تجنّبت حتى الآن الانجرار إلى حرب الخليج الباردة، ربما ظنًا منها أن حيادها في هذا النزاع سيحول دون زعزعة استقرارها؛ لكن يبدو الآن أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقوم بشكل غير متكافئ بتحركات عدوانية ضد البلاد، في محاولة لتوسيع نطاق نفوذ خليج عدن المكتشَف حديثًا في جميع أنحاء المنطقة، عن طريق إزالة أي قوى تقف في طريقها».

 

 

 

 

 

جنود صوماليون يتدربون في قاعدة عسكرية تركية (المصدر: غيتي)

ولذك يتوقع بعض المراقبين أن تستمر الإمارات في محاولات تقويض سلطة الحكومة المركزية في الصومال، وزعزعة استقرار الصومال، عبر تمويلها للحركات الانفصالية الصومالية من أجل الضغط على الرئيس الصومالي لتحقيق مصالحها، بل يذهب المحلل السياسي الأميركي «أندرو كريبو» للقول أنه: «إذا لم ينجح هذا المخطط في تحقيق أهدافه، فمن المتوقع أن تشرع الإمارات في إشعال جولة جديدة من الحرب الأهلية داخل البلد، من أجل محاصرة منافسيها وخلق فرص لها لتوسيع نفوذها».

اجمالي القراءات 2113
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق