أحمد صبحي منصور: تحرير الأزهر أولا قبل تحرير الخطاب الديني

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٠ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


أحمد صبحي منصور: تحرير الأزهر أولا قبل تحرير الخطاب الديني

   أحمد صبحي منصور: تحرير الأزهر أولا قبل تحرير الخطاب الديني

 أحمد صبحي منصور يؤكد أن الإخوان أعادوا إنتاج الفكر المتشدد وقدموه بصورة عصرية.
أحمد صبحي منصور: لا يوجد رجال دين في الإسلام

فيرجينيا (الولايات المتحدة) - تحمل قضية تجديد الخطاب الديني مساحة كبيرة من الجدل حول أهميتها وكيفية تحقيقها في ظل اندلاع أفكار متطرفة في كافة المؤسسات الدينية العربية والتي لا تقبل التسامح أو النقاش، وترفض المساس بكتب تراثية دينية باعتبارها فوق النقد والتعديل.

لكن مفهوم الإصلاح الديني لدى أحمد صبحي منصور، الباحث المصري في التراث والمقيم حاليا في ولاية فيرجينيا الأميركية، يُقدم رؤية مُغايرة للتعامل مع الإسلام من خلال رد كافة الأمور إلى النص القرآني بعيدا عن كلام الفقهاء وعبدة النص النقلي.

وقال لـ”العرب” التي التقته بمقر إقامته في فيرجينيا، إن “الإسلام دين لكرامة الإنسان وضمان حقوقه في العيش الآمن مُتمتعا بالعدل والمساواة وحرية العقيدة والفكر”.

وفُصل منصور من جامعة الأزهر بالقاهرة سنة 1987 بسبب آرائه المُناهضة للمؤسسة الدينية في مصر وفي مقدمتها الأزهر، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة. ويعتمد مشروعه الفكري على تحرير المسلمين من سيطرة الكهنوت، وهدم مبدأ تقديس رجال الدين، فالإسلام نقيض للكهنوت.

وأكد في حوار مع لـ”العرب”، “ليس في الإسلام مؤسسة دينية أو رجال دين ولا واسطة بين الناس والله، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تلعن الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ويكتمون الحق القرآني”.

ويصب الكثير من التنويريين غضبهم على مؤسسة الأزهر باعتبارها المركز الرئيسي للإسلام السني الذي يأتي على عاتقه إجراء الأبحاث والتجديد، وهو ما تفشل فيه وأحيانا تحاربه.

وعلّق منصور على دور الأزهر بأنه لن يتم تجديد الخطاب الديني من خلال “مؤسسة خربة مسؤولة عن إفساد عقول المصريين والعرب”. وأشار إلى ضرورة “تحويل الأزهر إلى مؤسسة مدنية لها دور استشاري يدافع عن حرية الإنسان الدينية والفكرية، لأن شيخ الأزهر مُعين من رئيس الجمهورية في مصر”.

واتهم الأزهر صراحة بأنه مؤسسة ترغب في احتكار الخطاب الديني وتصفية أي دور مواز له والتماهي في خلق سلطوية دينية تنفرد بها، وتقطع الطريق على غيرها، فهي تطعن في شرعية المثقف الذي يخرج عن طوعها أو يقدم قراءة دينية من خلال مناهج غير تقليدية ورؤية لا تتفق مع السائد.

فتح مجال الحرية الدينية على مصراعيه لن يؤثر على الحاكم بل يدخل به التاريخ باعتباره بدأ إصلاحا فعليا، وهذا الإصلاح يحتاج سنوات حتى ينشأ عليه جيل يمارس التحول الديمقراطي

وأرجع منصور أسباب فشل الأزهر في القيام بدوره إلى أنه “في الثلاثينات من القرن الماضي، وخلال الحقبة الليبرالية في مصر كان عدد المعاهد الأزهرية 4 معاهد فقط، أحدها في القاهرة، لذا أنجبت مصر عباقرة في مُختلف المجالات، أما الآن فهناك معهد أزهري في كل قرية وأكثر من ذلك في كل مدينة على مستوى مصر وشاع الجهل والتطرف والإرهاب”.

وقال صبحي منصور إن الجمود والتقليد هما سبب تخلف المُجتمعات العربية التي لا تتغير دون تغير حقيقي على الساحة السياسية، وكما يقول فإن “عزرائيل ـ ملك الموت في بعض كتب التراث ـ هو الوحيد الذي يقوم بالتغيير في منطقة الشرق الأوسط”.

ويعني بذلك أن “طول بقاء الحكام في السُلطة يُساهم في تأجيج حالة الجمود الطاغية على المُجتمعات العربية، ما يشير إلى أن الحكام أنفسهم يستحسنون استمرار حالة التبلّد ورفض الإصلاح الديني والفكري”.

ويرى مفكرون أن الإسلام يطرح مبدأ الحرية بمفهوم شامل يتضمن حرية العقيدة وحرية الشعائر وحرية الدعوة، وهي القواعد التي يجب أن تقوم عليها المشروعات لتجديد الخطاب الديني.

ولفت منصور إلى “أن أول مبدأ إصلاحي يستلزم الحرية الدينية الكاملة لكل فرد على مستوى الإيمان أو الكفر، وعلى مستوى إقامة الشعائر وبيوت العبادة وعلى مستوى الدعوة على قدم المساواة للجميع دون سيطرة لاتجاه على حساب آخر ودون تدخل السلطة في هذه الحرية الدينية، أي منح كل صاحب فكر أو دعوة حريته في طرح ما يراه، حتى لو كان ملحدا، ثم ترك الإنسان حُرّا في اختياره ما يراه مُقنعا”.

ولد أحمد صبحي منصور بمحافظة الشرقية (شمال القاهرة) عام 1949. وحسب حديث لـ”العرب”، كان من عائلة أزهرية وتخرج من قسم التاريخ بكلية اللغة العربية عام 1973، وعين معيدا في الكلية وحصل على الماجستير ثم الدكتوراه.

وكانت رسالته عن “أثر التصوف في مصر العصر المملوكي”، وهو ما اصطدم بالفكر السائد المدافع عن التصوف بزعامة شيخ الأزهر وقتها الدكتور عبدالحليم محمود.

واشتهر منصور بآرائه الجدلية المثيرة خلال عمله مدرسا بقسم التاريخ، وطالب بضرورة إعادة النظر في الكثير من كتب التراث ومواجهة الإسرائيليات التي دخلت على الكثير من أفرع الدين، واضطر منصور للهجرة إلى الولايات المتحدة بعد فصله من الجامعة وتعرضه للسجن وتكالب الاتهامات عليه بازدراء الأديان.

وعلى الرغم من حملة الاضطهاد والتكفير التي تُلاحق منصور في مصر أو في منفاه الاختياري، إلا أنه تحدث بروح مرحة وابتسامة هادئة وتواضع جم عندما يُكرر أنَّ “العالم العربي يواجه حروباً وحملات كراهية وقتلا على الهوية بسبب الفكر السائد مُنذ عصور”.

ولخص منصور الأزمة في مناهج التعليم الديني المسؤولة عن استحلال الدِماء وفتاوى الكراهية، لذا لم يكن غريبا أن يطالب مبكرا بإصلاح مناهج التعليم الأزهري في مواد الفقه والتوحيد والتفسير والحديث. وهي مؤلفات عتيقة من مخلفات العصر العثماني، الذي أسماه بـ”عصر الانحطاط الفكري والجمود العقلي”.

وقال “بدأت بتمحيص التصوف في رسالتي للدكتوراه، وأنا مدرس مساعد فتعرضت لاضطهاد استمر ثلاث سنوات، وانتهى بأن حذفت ثلثي الرسالة، ثم بدأت في غربلة الأحاديث وإصلاح ما يعرف بالسُّنّة، فأسفر الأمر عن محاكمتي خلال عامين، ثم تركي للأزهر وإدخالي السجن وأسفر ذلك عن وصولي إلى ما أؤمن به الآن، وهو القرآن وكفى، ومن المؤسف أن تفتح مصر أبوابها للوهابيين والسلفيين، بينما اضطر أنا إلى الهجرة من بلدي”.

وتوالى نمو الفكر المتمرد والرافض للسلفية في مصر بعد خروجه منها، فظهر العشرات من المنتقدين للتراث الديني والفقه ,

تسييس النصوص

Thumbnail

في عام 1778، كان المفكر والفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري آروويه الشهير بفولتير يحتضر، عندما زاره أحد قساوسة الكنيسة الفرنسية ليمنحه بركته وغفرانه. اعتدل الجسد الواهن عندما سمع من القس كلماته وسأله: من الذي أرسلك؟ فردَّ رجل الدين: الرب. فقال فولتير “إذن أرني أوراق اعتمادك، أنا لا أحتاج إليك”، ونظر إلى السماء وهو يقول “أموت الآن وأنا أعبد الله وأحب أصدقائي ولا أكره أعدائي”.

بعبارات مشابهة يقول منصور إن “رجال الدين في العالم العربي يزعمون أنهم أصحاب الدين ولا يوجد رجال دين في الإسلام، كذلك فإنه لا توجد أحزاب سياسية دينية لأن ذلك يُمثل احتكارا للإسلام واستغلالا له في سبيل حُطام دنيوي”.

وقال “التنافس السياسي قائم على أساس الندية والمساواة، ومحاولة كل فريق كسب الجمهور، كل هذا يضيع حين يزعم فريق من السياسيين أنه يتكلم باسم الله تعالى ويمثل الإسلام، هنا أصبح من ينافسه ليس فقط خارج الساحة السياسية بل من أهل النار”.

ورأى مؤيدون للفكر العلماني أن إقحام الدين في السياسة تسبب في الإساءة للمجالين وخلق بيئة من التطرف.

في الثلاثينات من القرن الماضي، كان عدد المعاهد الأزهرية 4 معاهد فقط، أما الآن فهناك معهد أزهري في كل قرية وأكثر من ذلك في كل مدينة على مستوى مصر، وشاع الجهل والتطرف

وأوضح منصور “أن الإخوان مثلا ظلوا 80 عاما يفكرون ويعملون للوصول إلى الحكم في مصر، ولم يفكروا 80 دقيقة في كيف يحكمون. وجماعة الإخوان في مصر مثل إخوان المغرب وتونس وسوريا واليمن، ولا تتغير سوى الأقنعة”.

ويواصل المفكر الإسلامي نقده للإخوان حاكيا أنه استضاف يوما في رواق ابن خلدون بالقاهرة المهندس أبوالعلا ماضي، مؤسس حزب الوسط صاحب التوجهات الإسلامية، والذي حاول أن يبدو ديمقراطيا فسأله بعض الحضور عن رأيه في حد الردة وفي تطبيق الشريعة ولم يتمكن من الإجابة.

ويرى منصور أن الإخوان المسلمين مسؤولون عن تدمير الحياة السياسية والليبرالية في مصر خلال الثلاثينات من القرن العشرين عندما سمحت لهم الحرية السائدة حينذاك بأن يؤسسوا 50 ألف شعبة لهم في مختلف أنحاء مصر، ثم انطلقوا بعد ذلك لغزو العالم العربي البلد بعد الآخر.

وتابع أن “الإخوان أعادوا إنتاج الفكر السلفي المتشدد بشعارات رنانة وصورة عصرية فاجتذبوا العوام، فضلا عن إجادتهم للنفاق وفنون التآمر والتكلم بخطابين مزدوجين واعتمادهم المبدأ المكيافيلي، أي الغاية تبرر الوسيلة، فغايتهم الوصول للحكم تحت راية الإسلام، ويستحلون أي وسيلة تصل بهم إلى أن يركبوا ظهور الناس باسم الإسلام”.

وشدد على أن عباءة الإخوان المسلمين خرجت منها كل التنظيمات الإرهابية التي تحمل زورا اسم الإسلام، وفي عصرنا ظهر دورهم في العراق وسوريا وسيناء وليبيا.

الشباب المثقف

 

لو انتهى داعش ستولد تنظيمات أكثر تشددا
لو انتهى داعش ستولد تنظيمات أكثر تشددا

 

عزا خبراء في السياسة أسباب انتشار التطرف تحديدا بين الشباب في الدول العربية إلى طول بقاء الزعماء العرب في مقاعد الحكم قبل انتفاضات الربيع العربي سنة 2011، الأمر الذي أدّى إلى تنامي السخط بين الفئات العمرية الأكثر حداثة، بعد أن انعدم الأمل في التغيير.

وهو ما يؤكد عليه منصور قائلا إنه في هذا المناخ الذي يغلفه الإحباط “يكون سهلا بوجود المال والسلاح أن تتأسس تنظيمات تجتذب لها مئات الآلاف من الشباب الفقير، وتجد زعماء جددا من الشباب المثقف من الطبقة الوسطى، ويكون سهلا رفع شعارات إسلامية، ومن السهل استغلالهم في تدمير المنطقة وإنعاش تجارة السلاح العالمية”.

وأشار منصور إلى أن هذا موجز تاريخ داعش وأخواته، ولو انتهى هذا التنظيم سوف تولد تنظيمات أكثر تشددا وأوسع انتشارا، لأن البيئة الحاضنة لا تزال مستعدة للمزيد.

وقال “لقد انتهت الماركسية في العالم العربي وسقطت فكرة القومية تماما وصارت البضاعة الرائجة هي بضاعة الدين، لذا ندفع جميعا الثمن موتا وتخلفا، والذي يدفع الثمن باهظا هو الإسلام نفسه، لقد أرسل الله عز وجل رسوله الكريم بالقرآن الكريم رحمة للعالمين، فصار الإسلام متهما بإرهاب العالمين”.

ويلخص الأكاديمي الحل في نشر ثقافة الديمقراطية، لأنها لا يمكن أن تنجح إلا عبر الوعي بالحقوق وبالمشاركة، فنشرها يحتاج وقتا يتم فيه الإصلاح التشريعي ليزيل كل القوانين التي تعوق حرية الدين وحرية الفكر وحرية الرأي وحرية الإبداع، ويتم فيه الإصلاح التعليمي من المستوى الابتدائي إلى الجامعي.

وذكر منصور أن حرية الإعلام أيضا هي أحد أسس التغيير والإصلاح، ويجب ضمان استمرار حياديتها ودورها، موضحا أنه مهما كانت خطورة الكلمة فهي لا شيء بالنسبة إلى الرصاصة، فالكلمة تواجهها كلمة، وبالحوار المتكافئ تظهر الحقائق، وينسى المتطرفون السلاح وينصرفون إلى التعلم كيف يدافعون عن مذاهبهم.

وفتح مجال الحرية الدينية والفكرية على مصراعيه لن يؤثر على الحاكم طيلة حياته، بل يدخل به التاريخ باعتباره قد بدأ إصلاحا فعليا، وهذا الإصلاح يحتاج إلى العشرات من السنين حتى ينشأ عليه جيل يمارس التحول الديمقراطي وتداول السلطة بسهولة كما يحدث في الغرب.

 

اجمالي القراءات 2067
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق