كان الإمام محمد عبده مناوئا لعلماء الأزهر بسبب أفكاره الإصلاحية وآرائه التنويرية، ورغبته في خلع رداء الجمود من المشيخة وعلمائها، لذا ثاروا ضده واتهموه بالكفر، وأطلقوا عليه أوصافا لا تليق، وأوعزوا صدر عباس حلمي خديوي مصر ضده.

مقالات متعلقة :

لم يكن الإمام محمد عبده يعلم أن حياته ستكون مليئة بالمخاطر بسبب آرائه، وأن تلك الآراء ستدفعه للإقامة والتنقل بين عدة دول منفيا ومشردا بأوامر عليا من حكام مصر في ذلك الوقت، حيث أقام في لبنان وتزوج هناك، وأقام في صحراء عين شمس شرق #القاهرة حتى وفاته.

ويقول الدكتور مالك منصور، طبيب الأسنان المقيم في أميركا وحفيد الإمام الراحل، إن جده عانى كثيرا بسبب أفكاره التنويرية السابقة لعصره، والتي ما زالت رغم مرور عشرات السنين عليها باقية وتتمدد.

د.مالك منصور حفيد محمد عبده

السم وخادمة

وأضاف لـ"العربية.نت" أنه سمع من جدته أن العائلة كلها كانت لديها شكوك في وفاة الإمام بالسم، متهمين خديوي مصر عباس حلمي بدسه له عن طريق خادمه، كما علموا من أحد الشيوخ العظام الثقاة الذي حضر معزيا في الإمام، أن الخديوي عباس حلمي أرسل لهذا الشيخ سكرتيره الخاص يخبره بوفاة الإمام، وقال له نصا "الكافر مات"، فنهر هذا العالم الجليل سكرتير الخديوي وأبلغه أنه سيذهب لأسرته لتقديم واجب العزاء.

معلومة السم ذكرها الكاتب الصحافي حلمي النمنم في كتابه "الأزهر الشيخ والمشيخة"، حيث قال إن #الإمام_محمد_عبده كان معلما وداعيا إلى الإصلاح، وتعرض للحرب من فريق من علماء الأزهر ارتبط بالجمود الفكري، وفق ما ذكره شيخ الأزهر الأسبق محمد الظواهري في مذكراته، مضيفا أن علماء الأزهر المتهمين بالجمود تحركوا بتوجيهات من الخديوي عباس حلمي ضد جده، وانتهى الأمر بإبعاد الإمام الراحل وتحديد إقامته في عين شمس، كما كان هناك أزمة بين الخديوي والإمام بسبب تصدي محمد عبده له في بيع بعض أراضي الأوقاف.

ويؤكد النمنم في كتابه أن أقاويل كثيرة ترددت في ذلك الوقت حول وفاة الإمام محمد عبده بالسم بتحريض من الخديوي عباس حلمي.

صور خادشة

أفكار محمد عبده كما يقول حفيده الدكتور مالك، دفعت الكثيرين لإبعاده عن مصر، ولقبه الخديوي بالكافر بناء على تصريحات من علماء الأزهر المناوئين لفكر الإمام، وبسبب تلك الأفكار نفي الشيخ إلى لبنان، كما لفق له البعض صورا خادشة لتشويه سمعته، واتهم الإمام الخديوي عباس حلمي بتدبيرها، وأقام دعوى قضائية ضد من روجوا الصور الخادشة له، وأنصفه القضاء المصري ورد إليه اعتباره.

وأثناء إقامته في لبنان، أوصت زوجته المصرية التي كانت تعاني من مرض حمى النفاس بعد ولادتها لجدة الدكتور مالك، وهي أصغر بنات الإمام، السيدة هانم محمد عبده، وشهرتها هانم المفتية، بأن يتزوج الإمام من بيت مفتٍ في لبنان، حيث أدركت أنها على حافة الموت، وأنها ستترك طفلة رضيعة حديثة الولادة، ويجب رعايتها، فتزوج الإمام من السيدة رضا من عائلة المفتي وأنجب منها ابنة أخرى وهي عائشة التي تزوجت فيما بعد ولم تنجب، وكانت تقود المظاهرات مع السيدة صفية زغلول حرم تلميذه سعد زغلول.

كان للشيخ تلاميذ كثيرون في أغلب الدول الإسلامية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تونس، وفي المغرب الشيخ علال الفاسي، وفي الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي، ويوجد في إندونيسيا الجمعية المحمدية، وتتبع مبادئ الإمام وأتباعها نحو حوالي مليونين من الأنصار والمريدين.

ويقول الدكتور مالك إنه تتلمذ على يد جده شيخ الإسلام في روسيا القيصرية إبان الثورة البلشفية العلامة موسى جار الله.

في مرضه الأخير كان الشيخ يعلم بدنو أجله، وعبر عن حزنه الشديد من حال مصر وحال أمة الإسلام، وعقب وفاته بأيام قليلة وفق ما يذكر الدكتور مالك اتصل رئيس الوزراء بابنة الإمام الراحل، وأبلغها برغبة الحكومة المصرية شراء مكتبته، وتبرعت لهم ابنته بدون مقابل، قائلة لهم إن ثمنها لا يقدر بمال، وإن مصر لها حق امتلاك المكتبة، فعلم الشيخ ليس للبيع بل هو حق لكل أبناء مصر وأمة الإسلام.