وظيفة رسمية في مصر.. واعظة بكل مسجد كبير

اضيف الخبر في يوم السبت ١٨ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


وظيفة رسمية في مصر.. واعظة بكل مسجد كبير

وظيفة رسمية في مصر.. واعظة بكل مسجد كبير

 

  • تمثل المرأة المصرية مثالا حيا عن محاولات نسوية للقطع مع إقصاء المرأة الواعظة عن المساجد، حيث أفسح غياب الدور النسائي الدعوي المعتدل عن المساجد والمراكز الدينية المجال للجماعات المتطرفة في نشر أفكار التطرف واستقطاب مئات العناصر مستغلين السيدات وحرفهن عن دورهن كنواة للأسرة والمجتمع. وأخذت واعظات عربيات على عاتقهن مسؤولية تنوير الرأي العام وأداء رسالة الوعظ بالمساجد والمدارس والمؤسسات. وأصبحت للواعظة الدينية في مصر مهنة ذات طابع رسمي لها آليات في العمل، بعد اعتراف وزارة الشؤون الدينية (الأوقاف).

حضور نسوي كبير

القاهرة - انتبهت بعض الدول العربية إلى أن تجاهل تأثير الواعظات في إحداث التغيير الاجتماعي واستثنائهن من مبادرات منع التطرف تحد من فعالية هذه التدابير، بالإضافة إلى أن تقويضهن أفسح المجال لمتطرفات هاويات غير منتميات للمؤسسات الدينية الرسمية بتغذية عقول المتلقين الذين يقعون تحت دائرة تأثيرهن بأفكار هدامة وفتاوى شاذة ومن ثم تفريخ أجيال أكثر تطرفا.

وأشارت العديد من المصادر إلى أن دور المرأة الواعظة دون رقيب ولا محاسبة يساهم في التشجيع على التطرف، فبعضهن جعلن من المعرفة الناقصة حكرا لهن دون الرجوع لأيّ مستند ديني يقوم على دليل شرعي وثابت، وأخريات طرحن أفكارا في المجالس العامة والخاصة أحدثت بلبلة وتشكيكا في الفتاوى والأحكام الشرعية ومنهن من شجعن المترددات عليهن على الانضمام إلى الجماعات المتطرفة تحت زعم الجهاد في سبيل الله.

استفاقة ضرورية

ظهرت من منطلق أن المرأة لا يتغلب عليها إلا امرأة مثلها، في الآونة الأخيرة، مبادرات فردية ومؤسساتية وندوات ودراسات لتفعيل دور الواعظات المعتدلات في المجال الدعوي في مقابل المتطرفات.

وأخذت واعظات مواطنات إماراتيات حاصلات على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية على عاتقهن مسؤولية تنوير الرأي العام وأداء رسالة الوعظ بالمساجد والمدارس والمؤسسات، آخذات في الاعتبار الوسطية والاعتدال، وانتظمن في العمل مباشرة لدى الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.

ونظم القسم النسائي بجامع عائشة الراجحي بمكة المكرمة، ندوة علمية بعنوان “دورة المرأة في الإسلام”، وشددت سوزان المشهراوي المحاضرة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أمّ القرى على أن المرأة الداعية لا بد أن يكون لها مشروع يترك أثرا في نفوس الحاضرات، ولأنها أعلم ببنات جنسها فتكون هناك أريحية في التعامل وطرح الأسئلة فيما بينهن.

وصرح محمد القضاة أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية أن وظيفة الواعظة بمثابة الرسالة المقدسة، فتوعية الناس وتبصيرهم بأحكام الشرع من أخطر المناصب التي تبني أو تهدم، ومن الضروري تخير المعلمة البصيرة بأمور دينها، ذات علم شرعي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتكون مسؤولة عن مراقبة الواعظات المعينات في كوادرها، لتتأكد من كفاءتهن العلمية.

المرأة الداعية لا بد أن يكون لها مشروع يترك أثرا في نفوس الحاضرات، ولأنها أعلم ببنات جنسها فتكون هناك أريحية في التعامل معها وطرح الأسئلة عليها دون حرج

أما في مصر فقد أصبحت الواعظة الدينية مهنة ذات طابع رسمي لها آليات في العمل، بعد اعتراف وزارة الشؤون الدينية (الأوقاف)، ومجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف بشرعية تولي السيدات لهذه المناصب، ومنذ أيام تم تسليمهن “كارنيهات الوعظ” ويتلقين أجرا شهريا يتراوح بين 58 و165 دولارا.

وأوضح جابر طايع رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف أن بناء مجتمع صحي متزن وتنشئة أجيال قادمة أكثر انفتاحا وتقبلا للآخر يبدأ من المرأة، لذلك اعتمدت الأوقاف في خطتها لنشر الوسطية والاعتدال على تأهيل الواعظات لتصبحن قادرات على مناقشة القضايا الاجتماعية الهامة والحساسة كالختان وزواج القاصرات.

وكانت الوزارة اشترطت في المتقدمة لشغل تلك الوظيفة أن تكون وسطية أزهرية حظيت من قبل بمحاضرات وندوات على أيدي علماء مشهود لهم بالوسطية، وعملت في المساجد ودرست القرآن الكريم، ومن خريجات مراكز إعداد الدعاة التابعة لوزارة الأوقاف فقط.

ويُقدر عدد المراكز الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف في مصر رسميا بنحو 9 مراكز تخرج واعظات ودعاة جديدات.

وقال طايع لـ”العرب” إن الوزارة عقدت اختبارا للسيدات المتقدمات للعمل كواعظات، لاكتشاف المتميزات والدفع بهن إلى المساجد الكبرى وتم اختيار 144 واعظة كمرحلة أولى، وسيتضاعف عددهن خلال الشهور المقبلة خاصة أن الهدف في النهاية هو وجود واعظة في كل مسجد كبير.

ويوجد في مصر أكثر من 120 ألف مسجد تابع لوزارة الأوقاف وهي المساجد الحكومية، بالإضافة للمساجد الأهلية والزوايا، وكل هذه المساجد تشرف عليها وزارة الأوقاف دعويا.

وتم تنظيم دورة تدريبية مكثفة لـ”الواعظات الأزهريات” في مختلف التخصصات الشرعية مع توفير مجمع البحوث لهن المكتبات الإسلامية لمساعدتهن على أداء مهامهن.

وأشادت سعاد صالح أستاذة الفقه في جامعة الأزهر، بتجربة الواعظات طالما أن الأمر سيقتصر على الوعظ والإرشاد وبيان جوانب العظمة في الإسلام والتوعية بقضايا الأسرة.

وأكدت أستاذ الفقه على ضرورة توافر شروط في المتصديات لتلك المهمة، منها أن تكون ملمة بالدين حسب مفهومه الصحيح، وألا تردد الأقاويل والمفاهيم الخاطئة، وعليها تصحيح الرؤية وانتهاج النهج الوسطي المعتدل، والتدقيق في النصوص والمعاني والمقارنة بين الأحاديث حتى تدرك ما يخالف ما جاء به القرآن الكريم أو يطابقه وإذا خالف القرآن يجب أن تبحث في السند حتى تدرك مدى ضعفه.

مواجهة التحديات

وأوضحت صالح لـ”العرب” أن نجاح تلك المهنة الجديدة يعتمد على حصول الواعظات على دورات تدريبية مستمرة على إلقاء الدروس الدينية لتتسق عظتهن مع ما يحيط بالمرأة من تحديات، ناصحة الواعظات بأن يلتزمن بما تقول به المؤسسات الدينية التي تعمل على تأهيلهن حتى لا يقع الناس في بلبلة.

وحذرت من اقتراب الواعظات من الفتوى فهن لسن على القدر الذي يؤهل لذلك فهناك فرق كبير بين الواعظ والمفتي، فالإفتاء لا يتم إلا بضوابط ترجع لعلماء متخصصين.

وسبق للأوقاف المصرية أن عينت منذ أكثر من عشر سنوات مرشدات في المساجد، وتم وقتها تدريب الحاصلات على مؤهلات عليا من مختلف التخصصات لمدة سنتين في المراكز الثقافية لتأهيلهن والدفع بهن في المساجد للقيام بدورهن الدعوي، بغرض رفع الحرج عن النساء في السؤال عن الأمور التي تخصهن ويتحرجن من سؤال الرجال عنها.

وقررت الحكومة المصرية في ديسمبر عام 2015 وقف عمل معاهد إعداد الدعاة والقراءات التابعة لجميع الجمعيات الدعوية، التي لم توفق أوضاعها على مناهج الأزهر وبموافقته واعتماد وزارة الأوقاف، لكن هذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ فقد تم التحايل عليه من قبل بعض الجمعيات.

أسلمة الخطاب النسائي

يرى مراقبون أن خطوة الأوقاف ستواجه بقوة من قبل الجماعات المتشددة لمنع وصول الواعظات إلى المجتمع المصري، خاصة في أماكن الصلاة المُلحقة بالمساجد.

وإن كانت هذه الجماعات المتشددة بمختلف تياراتها المذهبية أدركت مبكرا أهمية نشاط المرأة الدعوي على مستوى الاتصال الشخصي والجماهيري.

وأضحى من الضروري تنشيط وتنمية هذا الدور على مستوى وسائل الاتصال الجماهيري واكتساب النساء الداعيات مهارة مخاطبة المجموعات. ومع مرور الوقت أصبح النشاط الدعوي النسائي داعما للنشاط الذكوري لإسراع عجلة “الأسلمة الاجتماعية” بتغطية كل مناحي الحياة الاجتماعية في مصر وتنفيذ فكرة المجتمع الإسلامي.

وانتشرت معاهد ومراكز دينية خاصة تابعة لجمعيات أهلية مثل “الجمعيات الشرعية والدعوة السلفية والجماعة الإسلامية” مثلت الحاضن الرئيسي لهؤلاء النساء الهاويات وأفرزت داعيات وواعظات مواليات لأفكار الإخوان.

ودفع الإخوان بهن في الدروس الدينية بالمساجد بشكل غير رسمي، وتوافدت عليهن الراغبات في تعلم مبادئ الفقه والشريعة والسيرة، والهاربات من ملل الحياة وأحيانا الراغبات في التوبة.

وأكدت وكالة “رويترز” في تقرير نشرته عن نساء الإخوان بعد أشهر من أحداث 30 يونيو 2013، أن معظم قيادات الجماعة إما في السجون وإما في المنفى، فتصدرت النساء طليعة المشهد لخوض المعركة.

وبحسب التقرير، دأبت نساء الجماعة منذ زمن طويل على التركيز على القيام بدور مساعد في مجالات التعليم والعمل الاجتماعي، إلا أن التجربة الأخيرة زادتهن إصرارا وشجاعة للعمل فوق الأرض، عندما وجدت قيادات الجماعة تساهلا من قبل الحكومات المصرية.

ورصدت أسماء أحمد فؤاد باحثة في علم الاجتماع بجامعة القاهرة في دراستها لأطروحة الماجستير بصمة واضحة ومؤثرة في العمل الدعوي لنساء تيار الإسلام السياسي وضعف حضور النساء المنتميات إلى مؤسسة الأزهر وعدم تمتع كثير منهن بشعبية واضحة، في ظل تعاون مشترك وتنسيق بين داعيات الإسلام السياسي.

وثبت للباحثة التقاط تيارات الإسلام السياسي “السلفي والإخواني” للعناصر النسائية الشابة مبكرا وإخضاعهن لعمليات الإعداد والتأهيل بناء على آلية روحية أساسية هي “الإثارة الدينية” متمثلة في حلقات الدروس الدينية المنتظمة.

وميزت الدراسة بين نوعين من الداعيات المحترفات وهن من تلقين تعليما أزهريا خالصا ومارسن الدعوة الإسلامية عبر وسائط متعددة أبرزها الفضائيات الخاصة مثل آمنة نصير وسعاد صالح وعبلة الكحلاوي، أما النوع الآخر فهو داعيات هاويات تلقين تعليم مجانيا بحكم التنشئة الاجتماعية وبعد ذلك خضعن لإعداد وتأهيل ديني وحركي، ووجدن في الغرف الصغيرة الملحقة للسيدات بالمساجد مبتغاهن لتوصيل أفكارهن.

مراقبون يرون أن خطوة الأوقاف ستواجه بقوة من قبل الجماعات المتشددة لمنع وصول الواعظات إلى المجتمع المصري، خاصة في أماكن الصلاة المُلحقة بالمساجد

واستفادت المؤسسات الدينية الرسمية في مصر من أخطاء الماضي وأولت اهتماما للأزهريات المتخصصات في العلوم الشرعية والفقه الإسلامي لمواجهة تسلل نساء الجماعات المتشددة، فطبيعة دراستهن تؤهلهن للوعظ والإرشاد في مصليات النساء، وستكون لديهن القدرة على الرد على كل القضايا الخاصة بالمرأة.

كما أن الدراسة والمعرفة بالأحاديث وعلوم التفسير والفقه تمكن الأزهريات من بيان الأحكام والتوعية الصحيحة في العبادات والمعاملات وغيرها.وأوضحت يمني أبوالنصر واعظة بأحد مساجد محافظة القاهرة أن هناك إقبالا كبيرا من السيدات على حضور الدروس الدينية، وتشمل هذه الدروس التركيز على قضايا المرأة والأسرة، وأهمية التواصل مع الأبناء، وحثهم على الاجتهاد وطاعة الوالدين، وتحذيرهم من الجماعات التي تتاجر بالمصطلحات، وتسعى للسيطرة عليهم من خلال مفاهيم وأفكار خاطئة.

ويرد على الواعظات شقان من الأسئلة، منها ما هو متعلق بالمشاكل الأسرية كالعلاقة الزوجية وتربية الأبناء، أو النزاعات بين العائلات وصلة الأرحام، ومنها ما هو متعلق بالمسائل الفقهية، وإذا تلقت الواعظة سؤالا فقهيا صعبا تحيل السائلة إلى المركز الرسمي للإفتاء لكي لا تفقد ثقة الجمهور المتابع.

وأكدت أبوالنصر لـ”العرب” أن وزارة الأوقاف تقدم كل الدعم المادي والمعنوي للواعظات، فهناك الكتب والمراجع واللقاءات المستمرة مع المسؤولين بالوزارة، إلى جانب مركز التدريب بمسجد النور بالعباسية، بالإضافة إلى المشاركة في الندوات والمعسكرات للاستفادة من العلماء المحاضرين في الدورات التدريبية.

لكن هناك واعظات التقتهن “العرب” رفضن ذكر أسمائهن، عانين من مشاكل عدة، وأوضحن أن الصورة “ليست وردية” كما ذكرت زميلاتهن.

وتولد لديهن شعور بأنهن ما زلن يرضخن للفكر الذكوري، وعزز من ذلك أن وزارة الأوقاف في مصر أحكمت السيطرة على من تم تعيينهن، ومنعتهن من التواصل أو الظهور في أيّ وسيلة إعلامية إلا بموافقة مدير مكتب الوزير نفسه.

وتساءلت إحداهن بغضب كيف يأتمن المسؤولون الواعظات على تعليم الناس دينهم ويطالبوهن بدورهن المنشود في مواجهة الداعيات التابعات للتيارات الإسلامية وفي ذات الوقت ترى أنهن لا يستطعن التعامل مع وسائل الإعلام المختلفة وتعاملهن كناقصات للأهلية وغير جديرات بالظهور والتحدث، أليس في ذلك كيل بمكيالين وتقليل من شأنهن؟

وطالبت واعظة بتوفير مساحات لهن في القنوات الفضائية بحيث يصل صوتهن إلى كل بيت، وأشارت إحداهن على استحياء بأن المقررات المالية لهن لا تكفي ضروريات الحياة حتى يتفرغن لعملهن الدعوي.

وهناك سيدات وقعن تحت تأثير شيوخ الفضائيات خلال أعوام كثيرة مضت وتشربن بأفكار متطرفة من الصعب محوها في فترات وجيزة، هؤلاء يتربصن بالواعظة وبكل هفوة تصدر عنها.

اجمالي القراءات 1249
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق