محمد طاهر إيلا».. خليفة البشير ومهندس «احتلال شلاتين عسكريًّا

اضيف الخبر في يوم السبت ١٨ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


محمد طاهر إيلا».. خليفة البشير ومهندس «احتلال شلاتين عسكريًّا

في يونيو (حزيران) 1989، تحقق لضابط الجيش السوداني المغمور، آنذاك، عُمر البشير، ما تمناه طيلة سنوات خدمته بالسيطرة على السلطة بانقلاب مهد له أطول فترة حُكم في بلاده؛ إذ قاربت 25 عامًا، وسعى البشير طيلة سنوات حُكمه إلى حصار أي منافس مُحتمل له على كرسي الرئاسة عن طريق الجهاز الأمني الذي كان أداته الرئيسية لبقائه هذه السنوات.

في بداية الشهر الجاري، حسم البشير أسطورة الرئيس الخالد، بإعلانه عدم ترشحه للرئاسة عام 2020، ليترك بذلك الاحتمالات مفتوحة لمن يخلفه، والذي سينال دعمه لاستكمال حُكم البلد الغارق في المشاكل محليًّا، وإقليميًّا، قبل أن يُنهي هذا الجدل الدائر بدعم ترشيح والي الجزيرة، محمد طاهر إيلا، لمنصب الرئيس. يحاول هذا التقرير أن يرسم لك صورةً كاملةً عن رئيس السودان المُحتملة خلافته للبشير، وخلفيته السياسية، والأيديولوجية، والاقتصادية.

إسلامي المنشأ وينتمي إلى عائلة ثرية ويسوق نفسه على فيسبوك

ينتمي محمد طاهر إيلا إلى عائلة سودانية ثرية؛ فهو ابن تاجر كبير، عُرف عنه أفعاله الخيرية الكُبرى، وتبرعاته المالية السخية، وينحدر أصله من كُبرى القبائل؛ فهو ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭﺍﻟﺪﻩ إلى ﻘﺒﻴﻠﺔ ﺍلأﻣﻴﺮﺍﺏ، ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻷﻡ ﻳﻨﺤﺪﺭ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺮﻋﻴﺐ؛ انحداره من كلتا القبيلتين يجعله «هدندوي» ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺘﻴﻦ، ﻭﺍﻟﻬﺪﻧﺪﻭﺓ ﺃﻛﺒﺮ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺍلسودان.

ﺩﺭﺱ ﻣﺤﻤﺪ ﻃﺎﻫﺮ إﻳﻼ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻻﺑﺘﺪﺍﺋﻴﺔ في ﺠﺒﻴﺖ خلال ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻦ 1958 إلى 1962، ﻭﺍﻟﻮﺳﻄﻰ في ﺴﻨﻜﺎﺕ خلال ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻦ 1962 إلى 1966، وانتقل بعد ذلك إلى مدرسة بورتسودان الثانوية التي انتهت في عام 1970، لينتقل بعد ذلك للانخراط في المرحلة الجامعية بكلية ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ.

عمل طاهر عقب تخرجه في هيئة المواني البحرية، قبل أن يُبتعث إلى إنجلترا لاستكمال الماجستير، يعود بعد ذلك للعمل بهيئة المواني في عام 1989 مديرًا عامًا لها مدة خمسة أعوام، ويتدرج داخل سلم السلطة وزيرًا اتحاديًّا في عدد من الوزارات، على مدار 10 أعوام كاملة، في وزارة التجارة الخارجية، ووزارة الطرق، ووزارة الاتصالات.

لا ينكر طاهر تأصل النزعة الإسلامية داخله، وميوله الإسلامية في الحُكم ورؤيته للمجتمع؛ فدوره التنظيمي الواسع داخل الحركة الإسلامية بدأ خلال مرحلته الثانوية، قبل أن ينتقل إلى المرحلة الجامعية، وتنشط عضويته داخل الحركة، قبل أن يؤهله هذا النشاط إلى موقع ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻤﻜﺘﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑولاية اﻟﺒﺤﺮ ﺍﻷﺣﻤﺮ.

«بجهد الرجال وعزيمة الأبطال سنكمل مسيرة التنمية والإعمار»، يروج محمد طاهر لنفسه في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك عبر هذا الشعار، ويسعى دومًا إلى نشر منشورات عن إنجازاته بشكل دوري؛ إذ يحاول تسويق نفسه على السوشيال ميديا، وزيادة عدد معجبي صفحته التي قاربت على 30 ألف معجب، وترسم منشوراته على فيس بوك صورة أوضح عن خليفة «البشير» المحتمل؛ إذ يُحب الانتشار بين عدد أكبر من مريديه، ويُجيد تسويق نفسه، ويمتدح من يدعمه، ويسعى للوصول إلى عدد أكبر من الجمهور.

«ﻫﺎﺩﺉ ﺍﻟﻄﺒﺎﻉ، ﻣﻨﻔﺘﺢ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﻪ، ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻑ عنه ﺍﻻﻧﻄﻮﺍﺋﻴﺔ ﺃﻭ ﺍلاﻧﻌﺰﺍﻟﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ (ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﻋﺎﻣﺔ)»، تُعزز الصورة السابقة هذه السمات التي يرويها عنه ﺤﻤﺪ ﻃﺎﻫﺮ ﺑﺎﻧﻔﻴﺮ، ﻣﺪﻳﺮ ﺍﻟﺨﻄﻮﻁ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺳﻮﺩﺍﻥ ﻻﻳن، والذي زامله خلال فترات دراسته الثانوية والجامعية، ويصفه: «لديه ﻧﺰﻋﺔ ﻣﺘﺪﻳﻨﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻷﺳﺎﺗﺬﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺩﻭﺭ ﻣﻘﺪﺭ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻬﻨﺎ ﺍﻹﺳﻼمي».

«وجود الأعداء والمعارضة؛ حتى الرسل والأنبياء كان لديهم أعداء، ولا يوجد من أجمع عليه الكل، حتى الذات الإلهية هنالك من لديهم رأي فيها، فما بالك ببشر.. هذا شيء طبيعي بيني وبينهم مواطن، هم يقولون كلامهم ونحن نقول كلامنا»، ترسم إجابة طاهر في حوار سابق له مع جريدة «اليوم التالي» السودانية، في 2014، صورة عن دهاء الرجل الذي يجيد الحديث إلى وسائل الإعلام، ويلاعب خصومه بالكلمات.

يُقدم «طاهر» نفسه دومًا في حواراته الإعلامية في صورة «الزاهد» عن المناصب، القريب من أبناء ولايته، الذي يتنقل دون حراسة، ويحرص دومًا على حضور المناسبات الاجتماعية لسكان ولايته؛ وهي المسألة التي أدت من وجهة نظره إلى ارتفاع شعبيته دومًا.

الرجل الذي ينتصر له الرئيس دومًا في صراعاته مع خصومه السياسيين

اعتاد محمد طاهر إيلا الدخول في صراعات مع خصومه السياسيين حول توزيع الصلاحيات والسلطات داخل المجلس التشريعي للولاية، ويسعى دومًا لأن يحوز على السلطات كاملة. يرفض خيار تقسيم الصلاحيات مع خصومه أو منحهم حقهم الدستوري في الصلاحيات، ويكسب دومًا خصومه بالضربة القاضية، التي تأتي دومًا من دعم الرئيس السوداني عُمر البشير، وينتصر لصالحه على مر جولات الصراع التي خاضها داخل ولاية الجزيرة التي جاء تعيينه حاكمًا لها بتكليف مُباشر منه، بجانب منصبه الحزبي الذي يتمثل في رئاسته لفرع حزب المؤتمر الوطني الحاكم في ولاية الجزيرة.

في نزاعه الأخير مع المجلس التشريعي وبعض القيادات السياسية في المؤتمر الوطني الحاكم في الولاية، حسم البشير هذا النزاع لصالح طاهر عبر مرسوم جمهوري يقضي بحل المجلس التشريعي (البرلمان) في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وفرض حالة الطوارئ في الولاية.

لم يكن هذا تدخل البشير الأول لصالح طاهر؛ إذ سبق أن حسم مساعي عدد من قيادات المؤتمر الوطني في الولاية بعزله عبر تقديم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بذلك، لكنه حسم هذا الصراع أيضًا في إحدى خطبه في الجزيرة أمام الجميع بدعم طاهر للاستمرار على رأس الولاية حتى موعد قيام انتخابات 2020، وقال: «إيلا سيبقى في منصبه إلا يأتي قدر الله أو يرفضه أهل الجزيرة».

يظهر في أحاديث رئيس الجمهورية في المؤتمرات المغلقة، رضاه عن إيلا واليًا للجزيرة، وكان يقول في كل مناسبة لأهل الجزيرة: «إن إيلا هدية لكم». يُعزز هذا الدعم المباشر، ما ذكره الفريق بكري صالح رئيس وزراء السودان والنائب رئيس الجمهورية الأول حين زار الجزيرة، وسعى بعض من خصوم طاهر استمالته تجاههم: «إيلا تبع الرئيس وليس لأحد كلام حوله».

وانتشرت مقالات للرأي تطالبه بالاستقالة، وسعت مجموعات من الشباب المنتمين للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني بولاية الجزيرة إلى الخروج في مسيرة واعتصام أمام المجلس التشريعي، في محاولة لعزل طاهر، لكن باءت هذه المحاولات بالفشل دومًا بفضل تدخلات خط الدفاع الأول له، وهو البشير.

لم تكن هذه الحملة الأولى التي تطالب طاهر بالاستقالة؛ إذ سبقتها حملات عديدة خلال ولايته لولاية البحر الأحمر تطالب باستقالته، وذلك في مايو (أيار) 2014، وانطلقت الحملة آنذاك عبر المساجد والمقاهي (حملة المليون توقيع) لإقالة محمد طاهر إيلا من منصب والي الولاية، برعاية مجموعة أطلقت على نفسها اسم «اللجنة العليا للمطالبة بسحب الثقة عن الوالي».

مُهندس انتزاع حلايب وشلاتين للسودان عسكريًّا

سعى محمد طاهر إيلا خلال فترة حُكمه لولاية البحر الأحمر إلى تكثيف الضغوط على مصر سياسيًّا وعسكريًّا، وذلك من أجل ضم منطقة حلايب وشلاتين إلى الأراضي السودانية كجزء من ولايته. كان أحد أشكال الضغوط التي مارسها إصداره قرار من الحكومة السودانية باعتبار منطقة «حلايب وشلاتين»، المتنازع عليها مع مصر، دائرة انتخابية سودانية في انتخابات 2015.

وذكرت تقارير سودانية رسمية، خلال ولاية طاهر لولاية البحر الأحمر، في الفترة التي تلت عزل الإخوان المسلمين من السلطة، أن قوة من مشاة البحرية السودانية عادت إلى «المرابطة» في حلايب، مؤكدة استعدادها لـ«الفداء والتضحية في سبيل سيادة الوطن»، في إشارة إلى المثلث الحدودي المتنازع عليه بين مصر والسودان.

اقرأ أيضًا: «إخوة أم أعداء؟»: التفاصيل شبه الكاملة للصراع المحتدم بين مصر والسودان

ونقلت الوكالة عن والي ولاية البحر الأحمر السودانية، محمد طاهر إيلا، تأكيده دور القوات المسلحة في «حماية الوطن، وتحقيق مبدأ سيادة السودان على أراضيه»، مبينًا أن وجودها في منطقة حلايب «تعبير عن السيادة السودانية بالمنطقة».

«محمد طاهر إيلا، رجل مفكر صاحب رؤية ثاقبة واستراتيجية علمية، وفي عهده حدث تحوّل غير مسبوق بالولاية، وذلك بشهادة رئيس الجمهورية»، الكلمات السابقة شهادة لمستشار والي البحر الأحمر لذوي الاحتياجات الخاصة والطلاب، آدم محمد عثمان، توضح نفوذ الرجل الطاغي لدى مساعديه، ونمو المشاريع خلال حُكمه لولاية البحر الأحمر.

ونشطت قدرات طاهر خلال حكمه لولاية البحر وبعدها الجزيرة في جذب العديد من الاستثمارات الأجنبية، وإنجاز العديد من الخدمات مثل رصف الطرق والمياه لسكانها، وافتتاح العديد من المستشفيات، وتأسيس جامعات، وقناة فضائية لولاية الجزيرة.

«أخي الرئيس. أهلك في الجيرة يعاهدونك على أن يكونوا جُندًا لك»، بهذه الكلمات خاطب طاهر الرئيس السوداني خلال افتتاح عدد من المشروعات القومية في ولاية الجزيرة، وسط الآلاف من أنصاره الذين ملأوا جنبات الاستاد الذي انعقد فيه المؤتمر. اعتاد طاهر دومًا على نسب أي إنجاز داخل ولاية الجزيرة وقبلها البحر الأحمر «للبشير»، مع تبرعاته المالية التي تعتبر العامل الرئيسي وراء ازدهار المشروعات.

يحظى طاهر، كذلك، بشعبية كُبرى في ولاية الجزيرة، تدعمه في أوقات الأزمات مع خصومه. يحشد دومًا الجماهير للخروج في مسيرات مساندة، تهتف ببقائه، وتُهدد خصومه السياسيين. يريد دائمًا أن يكون مُحاطًا بأنصار تحتشد من أجله، تهتف باسمه، حتى لو اضطرهم إلى الخروج لاستقباله خلال عودته من إحدى رحلاته العلاجية في الخارج، كما حدث منذ عامٍ.

اجمالي القراءات 2264
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق