لا حماية لأحد».. التعاون مع الجيش التهمة التي تذبح عليها «ولاية سيناء

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٧ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


لا حماية لأحد».. التعاون مع الجيش التهمة التي تذبح عليها «ولاية سيناء

في رفح والشيخ زويد والعريش، المدن الواقعة في شبه جزيرة سيناء، إذ طلب منك ضابط الجيش المصري الإجابة عن سؤال فعليك الرد، وإذ ذهب جندي للشراء منك أو تقديم خدمة فعليك التعامل معه، يبدو ذلك طبيعيًّا للغاية في أي من المجتمعات، لكن نظير ذاك الموقف قد يتم ذبحك أو شنقك بعدما تحفر بيدك قبرك في رمال الصحراء.

يحدث ذلك حتى الساعات الأخيرة قبيل إعداد هذا التقرير، إذ أقدم تنظيم «ولاية سيناء» مؤخرًا على ذبح أربعة مواطنين من سيناء مختلفي الأعمار بسبب تعاملهم مع الجيش المصري بالقول أو الفعل العفوي الذي تفرضه الحياة، أو التعاون المنسق بين القبائل والجيش.

في الحقيقة، إن أهالي سيناء يتعرّضون أيضًا للتهجير والطرد، والقتل على يد الجيش المصري، كما أنهم يوصمون من قبل الجيش بأنهم «طابور خامس»، يحدث ذلك بينما تتناثر على رؤوسهم منشورات تحذيرية بعدم التعاون مع الجيش يلقيها التنظيم.

أبناء سيناء.. الذبح والشنق مقابل «كلمة واحدة» أو «بيع أثاث» للجيش

شيخٌ كبير، لم يخلع ثوبه البدوي، وفتى صغير، وأربعة رجال آخرون في منتصف العمر ارتدوا زيًّا برتقاليًّا، هم آخر الضحايا الذين أظهرهم شريط فيديو نشره تنظيم «ولاية سيناء»، وتم ذبحهم عقابًا على تهمة «التعاون مع الجيش».

قتل التنظيم مؤخرًا كلًّا من المسن «شحادة حامد سليم»، والطفل «عيد محمد عيد عبدون»، و«حسين سليمان سالم»، و«سعيد سالم صباح» وابنه «سالم»، و«يوسف سليمان هاني» وذلك بعد أيام من اختطافهم من مدينة «قبر عمير» شرق العريش، لتظهر صور هؤلاء الضحايا.

استمرار وحشية التنظيم في قتل أبناء سيناء على خليفة تلك التهمة، ولنضرب مثلًا بما حدث في 10 سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما بثّ تنظيم «ولاية سيناء» مقطعًا مصورًا عبر الإنترنت يظهر إعدامه لنحو 20 مواطنًا من سيناء بتهمة «التعاون مع الجيش المصري»، وقبل تنفيذ عمليّة القتل، ظهر تسع من الضحايا «يعترفون» بتعاونهم مع قوات الأمن المصرية، فقالوا إن هذا التعاون «سمح بتدمير منازل، وقطع الأشجار، وقتل جهاديين معتقلين»، و في 27 فبراير (شباط) الماضي، تمت جريمة إحراق بحق المواطن «أحمد حامد»، بتهمة «التعاون مع الأمن المصري، وتسريب أخبار التنظيم إليه»، بل استفحالًا في الإجرام أقدم التنظيم على فقأ عين هذا الشاب قبل إحراقه.

التنظيم يعدم مواطنًا من سيناء

ووصل الأمر بـولاية سيناء للوصول لمن يتهم بالتعاون مع الجيش حتى في منتصف الشوارع الرئيسية للمدن العامرة بالجيش كمدينة العريش، ففي نهار 10 نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي وصلت سيارتان لميدان وسط العريش، ثم خرج منهما خمسة رجال مسلحين، وسحبوا رجلًا في الأربعينات من عمره مقيّد اليدين، هو تاجر أثاث معروف، ثم هتفوا «الله أكبر» وأطلقوا الرصاص على رأسه، وقد تحدثت «فورين أفيرز» الأمريكية لأحد أقرباء الضحية، فقال إنّ التاجر: «يملك شركة أثاث، وتولى تزويد وحدات الجيش في العريش بالأثاث المكتبي. لم يرشد التاجر الجيش إلى أحد رجال تنظيم الدولة؛ بل كان يتاجر معه فقط؛ لكن عقابه كان التصفية في الطريق في وضح النهار. ولم يرف للجيش جفن، ولا تعهد حتى بالقبض على الجناة».

أضاف الشاب مخاطبًا الدولة: «إنكم تحتجزوننا، وتدعوننا بالخونة، وتقصفون بيوتنا؛ لكنكم لا تهتمون بالقبض على من يقتلنا إذا تعاونا أو تعاملنا معكم. لن يؤدي هذا القمع والظلم الذي تمارسونه على أهل سيناء إلا إلى خلق بيئة خصبة لتجنيد أعضاء جدد في تنظيم الدولة. لقد جعلتم من سيناء مفرخة للإرهاب. ولا تلومُوا إلا أنفسكم».

انفجارات في سيناء (رويترز)

أما في عام 2014، فقد اتهم التنظيم، وقد كان يطلق على نفسه آنذاك «جماعة أنصار بيت المقدس»، مواطنين بالعمالة لإسرائيل، فذبح ثلاثة مواطنين بتهمة «التخابر مع الموساد الإسرائيلي»، بينما الرابع قتل رميًا بالرصاص، بتهمة «التعاون مع الجيش المصري»، وعرض الفيديو لقطات لشخص تم إعدامه يدعى «سليمان سالمان سليم»، من عائلة النواميس التابعة لقبيلة السواركة.

قبائل سيناء عالقة بين «مطرقة» الجيش و«سندان» ولاية سيناء

«رسالة من واحد بيحفر قبره بإيده. هذا مصير اللي بيشتغل مع الجيش. لا أحد يشتغل مع الجيش. شاب شايب كبير صغير طفل. لا أحد يشتغل مع الجيش. وصية الأخ اللي بيحفر قبره بإيده»، هذا ما أجبر «عبد الرحمن المقاطعة» على قوله في مقطع فيديو بثه تنظيم «ولاية سيناء»، لقد كان يقف في حفرة يصل عمقها إلى وسطه، كان واحد من تسعة آخرين أعدموا في يناير (كانون الثاني) العام الماضي بتهمة التعاون مع الجيش المصري.

رؤساء القبائل يلتقون مع قادة جيش في سيناء (نون بوست)

اتبع تنظيم «ولاية سيناء» بعد مبايعته في نوفمبر 2014 «تنظيم الدولة»، سياسة الترهيب الشديد في محاولاته لمنع سكان شبه الجزيرة من العمل ضد عناصره ومصالحه، فكما وضع الجيش المصري السكان في موضع المُدان، عكف التنظيم على نشر الفيديوهات التي تظهر ما يسميه بعمليات «إعدام جواسيس»، تم ذلك بالذبح أو الرمي بالرصاص أو الشنق، وحتى في سبتمبر (أيلول) الجاري عثر أهالي «الشيخ زويد» على منشورات تحذرهم من التعامل مع قوات الأمن، كما أعلن التنظيم في وقتٍ سابق أنه يقيم حواجز أمنية بغية تعقُّب كل من يتعاون مع الجيش وقتله.

لكنّ القبائل التي رفضت التعاون مع الجيش في البداية، انتقلت مؤخرًا إلى مرحلة أكثر علنية للتعاون مع الجيش المصري، وذلك عندما ولد دخول قبيلة «الترابين» في صراع مع التنظيم، مبادرة قبليَّة مطروحة لتسليح أفراد من كل قبيلة للمساعدة في الصراع، وأصبحت الآن القبائل تتحدث عن أنها تعمل مع الجيش عبر ثلاثة مسارات وهي «تقصي الأثر»، و«رصد الغرباء والإبلاغ عنهم»، و«لجان شعبية داخلية».

يقول الباحث في شؤون الأمن والإرهاب في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحمد كامل البحيري، إنّ: «دخول القبائل في الصراع مع التنظيمات المسلحة ليس جديدًا، وقائم منذ زمنٍ طويل عبر ما يعرف بالكتيبة 103»، مضيفًا لـ«القدس العربي»: «450 سيناويًّا مدنيًّا من القبائل قتلوا على يد تنظيم الدولة بدعوى تعاونهم مع أجهزة الأمن على مدار السنوات الماضية، بينهم 36 شيخ قبيلة وعشيرة».

طفل يتوسط مجموعة من الجمال (أ ف ب)

وبالرغم من الحديث مؤخرًا عن مبادرات تعاون بين القبائل والجيش، إلا أن مصادر من سيناء تؤكد لـ«العربي الجديد» في أبريل (نيسان) الماضي أن: «المتعاونين مع الجيش والشرطة هم فقط عائلات صغيرة جدًّا وعددهم محدود، وليس لهم أي ثقل في سيناء مقارنة بالقبائل والعائلات الكبيرة»، فأهالي سيناء الذين يواجهون التهجير والنزوح هم على علاقة متوترة مع الجيش المصري الذي يطالبهم بالتعاون معه.

وحسب تقرير مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية فإنه: «مع خلو المشهد من الزعماء الأقوياء، يبقى سكان سيناء عالقين بين المطرقة والسندان: الجيش وتنظيم الدولة، وترفض أغلبية السكان -رغم تديُّنهم- خطاب التنظيم، وتحمل التنظيم مسؤولية زیادة بؤسها. وعلى الجانب الآخر، تنخفض ثقة السكان في الجيش يومًا بعد يوم، مع قطعه الاتصالات والخدمات، ومحاصرته المدينة، وقصفه القرى، وتهجيره السكان» ويوضح تقرير المجلة أنه: «عندما يسلم أهل المدينة إرهابيًّا إلى الجيش، يذبحهم تنظيم الدولة دون مواجهة عوائق تذكر. وإذا ظلوا صامتين، تعتقلهم المخابرات العسكرية وتهدم منازلهم، أحيانًا دون إخراجهم منها».

استراتيجية الجيش المصري «عفا عليها الزمان» ولا تضمن حماية للمتعاونين معه

بقيت ذريعة افتقاد المعلومات، هي «مربط الفرس» في حرب الجيش المصري ضد تنظيم «ولاية سيناء»، فنقص المعلومات الاستخباراتية، وعدم معرفة موقع عناصر التنظيم كان دائمًا السبب الرئيس الذي يذكر وراء فشل عملية مكافحة الإرهاب في سيناء، هذا الجيش الذي أيقن متأخرًا أهمية تكثيف التعاون مع القبائل، فكما يقول المرشد والصحافي الإسرائيلي «تسور شيزاف»: «لا يمكن السيطرة على أية منطقة في الشرق الأوسط دون التحالف مع البدو. يبدو أن نظام الحكم في مصر فهم هذه النقطة في وقت متأخر نسبيًّا وبدأ مؤخرًا فقط بدعم البدو في سيناء».

مسلحون من القبائل في سيناء (تصوير: مصعب الشامي)

في البداية، شكّل الجيش المصري في عام 2015 ما عرف بـ«فرقة الموت» أو «المجموعة 103»، فكوّن تنظيمًا يضم مسلحين ينتمون إلى قبائل سيناوية، ويحملون أسلحة لمواجهة «ولاية سيناء»، وبغض النظر عن موقف بعض زعماء القبائل من تسليح أفراد القبائل كونهم رأوا فيه مجالًا لحدوث اقتتال داخلي، فإن العقاب القاسي الذي يتلقاه سكان شبه الجزيرة من «ولاية سيناء» كان كفيلًا بأن يُحجم الكثير عن التجنيد لصالح الجيش المصري، ويخلق المزيد من النفور لقبائل تفضل الابتعاد عن الصراع، فالتشكك في قدرة الجيش على تبني تكتيكات جديدة آتٍ من عقيدته التي «عفا عليها الزمان».

تفتقد استراتيجية الجيش أي حماية لأبناء القبائل المتعاونين معه، ولذلك ما يزال هناك ضرورة لـ«اتخاذ إجراءات تنسيقية بين القبائل وقوات الأمن في ضبط العناصر المسلحة، وتأمين أفراد القبيلة في الوقت ذاته للحيلولة دون استهدافهم كما يحدث خلال الفترة الماضية» كما يقول الخبير العسكري المصري، اللواء المتقاعد، طلعت مسلم، مضيفًا لوكالة «الأناضول» التركية: «أن استهداف العناصر الإرهابية لكل من يتعامل مع الأمن جعل الكثيرين يحجمون عن ذلك، مع توافر الحماية ستكون الأمور أكثر إيجابية من الطرفين».

مدرعات للجيش المصري في سيناء (القدس العربي)

ويبيّن الباحث والخبير الاستراتيجي المصري «سمير غطاس» في طرحه لطريقة الفصل بين الإرهابيين والمواطنين أنّ: «ذلك يتم بطريقتين: الأولى أن تكسب المواطنين لصفك بأن تقدم لهم خدمات عظيمة تستطيع من خلالها تأمينهم؛ فيكونوا معك ويعملوا ضد الإرهابيين. أما الطريقة الثانية فعليك أن تقوم بفصل عضويٍّ بمعنى أن تخرج المواطنين وتعزل الإرهابيين لتصفيتهم، لكن هذا الطريقة الثانية لا بد أن تكون مؤقتة»، مضيفًا لصحيفة «العرب» اللندنية: «لكن للأسف الشديد نحن في مكافحة الإرهاب نتعامل بالفهلوية وليس بعلم مكافحة الإرهاب».

اجمالي القراءات 3569
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق