المساواة في الإرث.. هكذا يغازل السبسي أصوات النساء في تونس

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٧ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


المساواة في الإرث.. هكذا يغازل السبسي أصوات النساء في تونس

تعيش تونس منذ أيام على وقع جدل أثاره رئيس البلاد، الباجي قائد السبسي، عندما قال في خطابه بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة 13 أغسطس (آب) الماضي، إن المساواة بين الرجل والمرأة التي أقرها الدستور، يجب أن تشمل جميع المجالات بما فيها المساواة في الميراث.

وأضاف السبسي، في خطابه الذي ألقاه بقصر قرطاج أن التفكير في التناصف يفرضه الدّستور، وهو ما يُحتّم الذّهاب في هذا الاتجاه، مُؤكّدا أنه من غير الصحيح القول بأن الاتجاه نحو التناصف يُخالف الدّين، وفق تعبيره.

وشدد السبسي على ضرورة مراعاة دستور الدولة المدني والدين الإسلامي للتونسيين، وعدم القيام بإصلاحات تصدم مشاعر الشعب التونسي. وقال: «ولكن، يجب أن نقول إن هناك اتجاهًا للمساواة بينهم في جميع الميادين»، معتبرًا أن المسألة كلها تتمحور حول المساواة في الإرث.

وأشار الرئيس التونسي إلى أن «الإرث ليس مسألة دينية وإنما يتعلق بالبشر، وأن الله ورسوله تركا المسألة للبشر للتصرف فيها»، وفق تقديره.

وفي الكلمة ذاتها؛ طالب السبسي بتغيير «المنشور 73» الذي يمنع زواج المرأة التونسية بأجنبي غير مسلم نظرًا للمتغيرات التي يشهدها المجتمع، وسفر المرأة إلى الخارج سواء للعمل أو الإقامة، ودعا السبسي رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير العدل إلى العمل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية على تغيير المنشور وفق ما يقتضيه الفصل السادس من الدستور.

ويحظر الإجراء الصادر عن وزارة العدل في سنة 1973 زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين، وتطلب حاليًا بموجب القانون، شهادة اعتناق الإسلام من أي رجل غير مسلم -أجنبي عادة- ، لإتمام زواجه بتونسية مسلمة، وفي حال إبرام الزواج خارج تونس دون هذه الوثيقة فان عقد الزواج لا يمكن تسجيله في تونس.

وأعلن السبسي عن تكوين لجنة لدراسة مسألة الحقوق الفردية وتفعيلها والنظر في المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات، مبديًا ثقته في ذكاء التونسيين، على حد تعبيره.

المرأة التونسية.. الأكثر حظًّا عربيًّا على مر التاريخ

تحظى المرأة التونسية بأكثر القوانين «تقدّمية» مقارنة بباقي الدّول العربية. وفي الحقيقة؛ يعود هذا التّميّز في وضع المرأة التونسية داخل المُجتمع إلى قرون خلت عندما برز العقد أو الصّداق القيرواني والذي يُمنع بموجبه الرّجل بأن يُعدّد على زوجته.

العقد القيرواني

يروي المُؤرّخون كيف أن أبا جعفر المنصور توجّه إلى إلى القيروان هاربًا من ملاحقة الأمويين فنزل في بيت منصور والد أروى القيروانية، وانبهر بجمالها وخطبها، فاشترط عليه والدها «ألا يتزوّج غيرها وألاّ يتخذ ملكات اليمين معها»، وإلا فإن طلاقها بيدها على عادة أهل القيروان (الصداق القيرواني). وكان ذلك في أواخر عهد هشام بن عبد الملك (105- 125هـ/ 724-743م).

وبعد أن أصبح أبو جعفر خليفة وصار بمقدوره أن يتخذ لنفسه ما شاء من الجواري أراد أن يتحلّل من عقده، فكتب إلى الفقهاء في الحجاز والعراق يستفتيهم في الزواج والتسرّي، ولكن لم يفتوا للمنصور بما كان يرغب فيه.

و قد دعا أبو جعفر المنصور أبا حنيفة وقال له: كم ﯾحلّ للرجل الحرّ من النساء؟ فقال: أربع، فقال الخليفة لأروى: اسمعي ﯾا حرّة! … فقال أبو حنيفة على البدﯾھة: ﯾا أمير المؤمنين: ﻻ ﯾحلّ لك إﻻ واحدة! فغضب الخليفة وقال: اﻵن قلتَ أربع؟ فقال: ﯾا أمير المُؤمنين، قال اﷲ تعالى «فانحكوا ما طاب لكم من النساء مَثنى وثلاث ورُباع، فإن خفتم أﻻّ تعدلوا فواحدة»، فلمّا سمعتك تقول: اسمعي ﯾا حرة عرفت أنك ﻻ تعدل، فلھذا قلتُ ﻻ ﯾحلّ لك إﻻّ واحدة.

وقد أنجبت أروى للمنصور ابنه محمد الذي تولّى الخلافة بعده بلقب المهدي 158 – 169هـ/ 778 – 785م. وظلّ المنصور وفيًّا لها طيلة حياتها، وحينما توفّيت تزوّج أكثر من مرّة واتخذ لنفسه مئات الجواري. ولم يكن يخلو صداق قيرواني منذ ذلك التاريخ وحتى استقلال البلاد التونسية في 20 مارس 1956 من هذا الشرط والالتزام بأن لا يتزوّج الزوج ولا يتسّرى على زوجته.

مجلة الأحوال الشخصية

وإثر الاستقلال، عمل المُشرّع التونسي على تنظيم الحياة الأسرية من خلال «مجلة الأحوال الشخصية» وهي مجموعة قوانين اجتماعية صدرت في تونس في 13 أغسطس (آب) 1956 خلال فترة تولي الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة لرئاسة الحكومة قبيل العهد الجمهوري، وسُنت فيها قوانين للأسرة تحوي تغيرات جوهرية من أهمها منع تعدد الزوجات وسحب القوامة من الرجل وجعل الطلاق بيد المحكمة عوضًا عن الرجل. ولا زال يعمل بها حتى اليوم. واستمدت المجلة نصوصها من أفكار عدد من الزعماء الإصلاحيين التونسيين بينهم الطاهر الحداد.


ومن بين أهم الفصول التي احتوتها المجلة

  • منع إكراه الفتاة على الزواج من قبل الولي عليها.
  • تحديد الحد الأدنى للزواج بـ 17 سنة للفتاة و20 سنة للفتى.
  • منع الزواج العرفي وفرض الصيغة الرسمية للزواج وتجريم المخالف.
  • إقرار المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءات الطلاق وآثار الطلاق.
  • منع تعدد الزوجات ومعاقبة كل من يخترق هذا المنع بعقوبة جزائية في مُواصلة لموروث العقد القيرواني.

يُذكر أيضًا أن تونس كانت من بين أوائل الدول العربية التي منحت المرأة الحق في التصويت منذ سنة 1956.

تمييز إيجابي وإشراك في القرار السياسي

بعد الثورة التونسية وإسقاط نظام بن علي، تم إقرار مبدأ التناصف بين الرجل والمرأة في كل القائمات التي قُدمت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، الذي سهر على إعداد دستور جديد للبلاد. وجاء في ذلك تعديل الفصل السادس عشر  من المرسوم المتعلق بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي والذي كان يقر في صيغته الأولى إسناد ربع عدد المقاعد للمرأة.

وصادق مجلس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، وهي الهيئة التي سهرت على الإعداد للانتخابات التأسيسية وإدارة الفترة الانتقالية الأولى، بالأغلبية على هذا التعديل الذي وصف بالتاريخي. وبمُقتضى هذا القرار، كانت كل القائمات المتنافسة على عُضوية المجلس الوطني التأسيسي مُتناصفة عموديًا بين النساء والرجال.


لاحقًا؛ نص الفصل 46 من الدستور التونسي الجديد على التزام الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة والعمل على دعمها وتطويرها. ونصّ أيضًا على أن الدولة هي الضامن لتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات. وجاء فيه أن الدولة تسعى إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة، وتتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة.

وتنزيًلا لهذه الفصل الدستوري، وخلافًا للقانون الانتخابي الخاص بالانتخابات التشريعية لسنة 2014 الذي كان ينص فقط على التناصف العمودي بين الرجال والنساء؛ أقرّ قانون الانتخابات البلدية والجهوية لسنة 2017 التناصف الأفقي والعمودي في القوائم الانتخابية، بمعنى أن تتشكل كل قائمة ضرورة من رجل تليه امرأة، هذا على مستوى التناصف العمودي، ومن رجل تُقابله امرأة في رئاسة القوائم بالتراوح والتوازي بين القائمات المترشحة باسم كل حزب أو تكتل انتخابي، في مستوى التناصف الأفقي، أي أن الحزب الذي يقدم خمسين قائمة مترشحة في ستين دائرة انتخابية عليه أن يقدم ثلاثين  قائمة تترأسها سيدات ومثلها يترأسها رجال.

قانون مُناهضة العنف

صادق مجلس نواب الشعب التونسي يوم 26 يوليو(تموز) الماضي بإجماع كل النواب الحاضرين بالجلسة على مشروع قانون القضاء على العنف ضد المرأة. وتعد المصادقة على هذا القانون حدثًا قانونيًا ومجتمعيًا هامًا بتونس لكونه يعدّ –بحسب مراقبين– ثورة تشريعية خاصّة وأنه يقطع مع الفلسفة التي كان يعتمدها القانون الجزائي التونسي في مختلف الجرائم التي يكون سبب ارتكابها أو العامل الذي سهلها الهشاشة الاجتماعية للضحية، وخصوصًا منها الجرائم التي تستهدف المرأة بسبب تمييز جنسي.

ففيما كان المشرع يبدي في السابق تفهمًا لها وتخفيفًا للعقوبات أو فتح أبواب التسوية مراعاة للتقاليد الموروثة (مثل زواج المُغتصب من ضحيته)، اتّجه مع إقرار هذا المشروع إلى تشديد العقوبة بالنسبة إلى هذه الجرائم، في محاولة منه لوضع حدّ لهذه التقاليد المبنية أصلًا على اللامساواة، وهكذا، بدل أن يستفيد الجرم المبرر من تفهم المشرع، بات محلّ تشدده.

الوجه الآخر للمرأة التونسية.. صفقة انتخابية رابحة

وفق استطلاع للرأي نشره المكتب المتخصص في استطلاع الآراء «سيغما كونساي»، صوتت أكثر من مليون امرأة تونسية لفائدة السبسي بالجولة الثانية للانتخابات الرّئاسية الماضية، بعد حصوله على مليون و731 ألفا و529 ناخبًا بنسبة 55.68%، أي أن  أي ما يفوق 60% ممن انتخبوه هم من النساء، وكان لهن الفضل في ترجيح كفّته أمام منافسه المنصف المرزوقي.

هذه الحقيقة الإحصائية لم تمر مرور الكرام، إذ وجد الساسة أنفسهم أمام كتلة انتخابية صلبة بمقدورها تحديد مصير استحقاق انتخابي، ما دفعهم دفعًا للاهتمام بهذه الشريحة الانتخابية، بل إن السياسات الإعلامية والتواصلية للأحزاب أصبحت تُبنى، في جانب منها، على مقاس هذه الكتلة المُرجّحة، وتسويق ارتفاع الشعبية لدى النّساء أضحى أحد مظاهر التباهي بالقوة الحزبية في تونس.


مُحسن مرزوق، الأمين العام لحزب مشروع تونس، والقيادي المنشق عن نداء تونس، اختار أن يحتفل بعيد المرأة على طريقته، إذ نظّم اجتماعًا عامّا لحزبه حضرته، وفق أرقام الحزب، 1500 امرأة، ولسان حاله يقول :«الطريق نحو الفوز بالانتخابات يمر عبر نساء تونس، وأنا قويّ بالتفاف هؤلاء».

هل من أهداف خفية لخطاب الرئيس؟

أتت تصريحات السبسي في ظل واقع اجتماعي واقتصادي صعب تعيشه تونس، وتزامنت مع نقاط إضافية كسبها رئيس الحكومة الشاب الذي أتى به السبسي نفسه إلى قصر الحكومة بالقصبة، وفي ظل انطلاق حسابات الانتخابات الرّئاسية القادمة، وهو ما دفع العديد من الأطراف لاعتبار الموضوع برمّته يندرج في سياق مُزايدات وحسابات سياسية.

في تعليقه حول خطاب الرئيس التونسي؛ قال الجيلاني الهمامي، القيادي والنائب بالجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية وقومية)، إن السبسي أراد من خلال خطابه أمس استعادة أوراق اللعبة السياسية التي يبدو أنه أحس بالتفريط في جزء منها بصعود نجم يوسف الشاهد في المدة الماضية من خلال ما يسمى «الحرب على الفساد»، وفق تعبيره.

وأضاف: «رئيس الجمهورية يريد أن يرسّخ في ذهن الجميع أنه رجل المحطات التاريخية الكبرى من مصاف بورقيبة وكبار الزعماء وما صرح به أمس يندرج في إرضاء أناه المتضخمة».

من جهته؛ عبّر الناصر العوني؛ عميد عدول الإشهاد (وظيفة تشبه وظيفة المأذون في مصر لكن عنده مهام أخرى)، في تصريح إذاعي، عن رفضهم تغيير المنشور 73 الذي يمنع زواج المرأة التونسية بأجنبي غير مسلم. ودعا العوني رئيس الدولة إلى مراجعة تصريحاته في هذا الصدد، مطالبًا مفتي الجمهورية التونسية إلى إصدار فتوى في الغرض.

واعتبر العوني تصريح السبسي حملة انتخابية سابقة لأوانها، مؤكدًا أن هناك عدّة نقاط يجب مراجعتها ستكون في مصلحة المرأة التونسية أكثر من منشور زواجها بغير المسلم، على حدّ تعبيره.

وفي السياق ذاته؛ قال المنصف المرزوقي، الرّئيس السابق ورئيس حزب حراك تونس الإرادة المُعارض، عبر تغريدة نشرها على صفحته الرسمية بفيسبوك، إن تصريح السبسي هو «عملية سياسوية بامتياز للتعمية على الإخفاق المهين للرجل ولحزبه، لمزيد من إذلال النهضة وإضعافها، ولخلق شرخ بين التونسيين في موضوع خلافي بامتياز يجب تركه للوقت ولحوار مجتمعي معمّق».

كما دعا المرزوقي إلى وجوب رفض هذه المهاترات التي تفرّق وتجميع الناس حول القضايا المصيرية، وفق تعبيره.

اجمالي القراءات 3239
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق