في ذكرى اغتيال محمد بوضياف: بعد ربع قرن.. من قتل الرئيس الجزائري ؟

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٣٠ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


في ذكرى اغتيال محمد بوضياف: بعد ربع قرن.. من قتل الرئيس الجزائري ؟

ما زالت عملية الاغتيال التي تمّت في مدينة عنابة الجزائرية للرئيس الجزائري محمد بوضياف عام 1992م، تعدّ من أكثر عمليات الاغتيال السياسي التي تمت في التاريخ الحديث شهرة وجدلاً وإثارة اهتمام العالم، ليس لأنها طالت الرئيس الجزائري فحسب، ولكن لعدة ظروف أحاطت بها، كالتقاط كاميرات التصوير حادثة الاغتيال مباشرةً، واعتقاد الجزائريين أن هناك مؤامرة كبرى تمت من أجل اغتيال بوضياف، بالرغم من اعتقال منفِّذ الاغتيال.

مقالات متعلقة :

ولد  محمد بوضياف في 23 يونيو (حزيران) 1919م بمدينة المسيلة، حيث عرف  بـ«سي الطيب الوطني»، وهو اللقب الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية، ويعدُّ أحد كبار رموز الثورة الجزائرية وقادتها والرئيس الرابع للدولة الجزائرية.

درس محمد بوضياف تعليمه الابتدائي في مدرسة «شالون» في بوسعادة، ثمّ اشتغل بمصالح تحصيل الضرائب بمدينة جيجل، وخلال الحرب العالمية الثانية قاتل في صفوف القوات الفرنسية، لينضمّ بعدها إلى صفوف حزب الشعب الجزائري ويصبح عضوًا في المنظمة السرية، وفي أواخر عام 1947 كلف بتكوين خلية تابعة للمنظمة الخاصة في قسنطينة، وفي 1950 حوكم غيابيًّا مرتين، وصدر عليه حكم بثماني سنوات سجنًا، وتعرض للسجن في فرنسا مع عدد من رفاقه، وفي عام 1953 أصبح عضوًا في حركة انتصار الحريات الديمقراطية.

بعد عودته إلى الجزائر، ساهم محمد بوضياف في تنظيم اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي ترأسها  والتي  كانت تشتهر باسم مجموعة الـ22، وهي التي قامت بتفجير ثورة التحرير الجزائرية. وفي 22 أكتوبر (تشرين الأول) 1956، كان رفقة كل من حسين آيت أحمد، وأحمد بن بلة، ومحمد خيضر، والكاتب مصطفى الأشرف الذين كانوا على متن الطائرة المتوجِّهة من الرباط إلى تونس، والذين اختطفتهم السلطات الاستعمارية الفرنسية في الجوّ، وقد عين عام 1961 نائب رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

بعد الاستقلال بوضياف يختار المنفى

استقر في باريس بشكل مؤقت، ثم انتقل إلى المغرب واستقر في مدينة القنيطرة وأسس مصنعًا للأجر(الطوب) وحقق ثروة لنفسه بعيدًا عن ما كان يحدث في الجزائر التي وصلت إلى انزلاقٍ خطير بدءًا من عام 1988، وبالرغم من كل محاولات «هواري بومدين» ليدخل إلى الجزائر، إلا أن اختياره كان اقتناعًا، وليس ردة فعل زائلة تزول بزوال مسببها، وبقي في المنفى مدة 28 عامًا؛ حتى دعاه الواجب الوطني مرة أخرى، لكن في ظروفٍ مختلفة هذه المرة، فبالأمس في مجابهة المستعمر الفرنسي، أما اليوم في مواجهة أبناء جلدته، وقد بدت الحرية والسلام يتلاشيان في تصاعد المد الدموي في تلك الفترة.

عاد محمد بوضياف في الوقت الذي كانت الجزائر تشتعل وتلتهب، فعاد للوطن حاملًا معه مشروع «إنقاذ الجزائر»، والتي عبّر عليها في الكثير من المناسبات، وأنه هنا من أجل اقتلاع الفساد من جذوره والمحاسبة، وهي الكلمة التي وقعت على آذان الكثير من التكتلات على أساس أنها تهديد لهم، بل وقع في صدام مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ظل رفض الرجوع الى المسار الانتخابي.

الجزائر من الأحاديّة إلى التعدديّة

بعد خريف الغضب في 05 نوفمبر (تشرين الثاني) 1988 أضطّر الرئيس  الشاذلي بن جديد، وقصد لتجاوز الانتفاضة الشعبية العارمة وآثارها أن يعلن – وعلى مسمع ومرأى الشعب الجزائري – عن مشروع للإصلاحات السياسية والاقتصادية، ودعا الشعب الجزائري لإبداء رأيه في الدستور الجديد المعدّل الذي تصبح التعددية السياسية بموجبه متاحة وكذا التعددية الإعلامية. وتمّت الموافقة الشعبية على هذا الدستور في شهر فبراير(شباط) 1989 وكان ذلك إيذانًا بميلاد التعددية السياسية والإعلامية في الجزائر، وشرع المعارضون التقليديون للنظام الجزائري بالعودة إلى الجزائر بدءًا بحسين آيت أحمد الذي كان يدير حزبه جبهة القوى الاشتراكية انطلاقًا من أوروبا، ثمّ تلاه أحمد بن بلة الذي كان مقيما في سويسرا وهناك كان يتزعم حزبه الحركة من أجل الديمقراطية، وبعودة هؤلاء الرموز الذين كانوا وراء تفجير الثورة الجزائرية، تساءل بعض الجزائريين عن موعد عودة محمد بوضياف الى الجزائر!
لم تطل الإجابة عن الجزائريين، إذ ردّ بوضياف بأنّه لا يؤمن بهذه الديمقراطية، ولا بالمشروع الديمقراطي المطروح في الجزائر، والذي أملته ظروف معينة – ويقصد أحداث خريف الغضب في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وأنّه لما يشعر بجديّة التجربة، وسيعود إلى الجزائر، أو في حالة وجود ما من شأنه أن يجعل العودة إلى الجزائر واجبًا وطنيًا.

فوز الإسلاميين بالانتخابات والانقلاب عليهم

استعدّت القوى السياسية لهذه الانتخابات، وفي اللحظات الأخيرة قررت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة   عبد القادر حشّاني المشاركة في الانتخابات، وكان الشعب الجزائري متحمسًا لهذه الانتخابات، خصوصًا وأنّ الصورة الرسمية التي قدمت له أنّه أصبح صاحب الإرادة والقرار يزكّي من يشاء، ويختار من يشاء، بعد أحادية سياسية ستالينية شلّت طاقته، وحتى قدرته على التفكير، وبعد أيامٍ قليلة من هذه الانتخابات أعلن وزير الداخلية الجنرال العربي بلخير عن النتائج التي جاءت كما يلي:
– 188 مقعد للجبهة الإسلامية للإنقاذ.
– 20 مقعدًا لجبهة القوى الاشتراكية.
– 16 مقعدًا للحزب جبهة التحرير الوطني.

قرّر بعض الجنرالات حسم  الموقف، وذلك بإقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، وقبل تنحيّة الشاذلي بن جديد، وقبل إجراء الانتخابات التشريعية بأسبوع واحد، كان  الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد قد صرّح في ندوة صحفية أنّه سيذهب بالمشروع الديمقراطي إلى أبعد حدّ، وسوف يحترم القوة السياسية التي تفرزها إرادة الشعب الجزائري مهما كان لون هذه القوة السياسية. كما أنّ القوى السياسية برمتها أعلنت أنّها ستحترم إرادة الشعب الجزائري وقواعد اللعبة الديمقراطية، وسوف تقبل نتائج الانتخابات بروح رياضية، لكن كل هذه الالتزامات تبخرّت مع بروز النتائج الأولية، وبدأت عقارب الساعة في الجزائر تتراجع إلى الوراء.
جنرالات الجيش وعلى رأسهم وزير الدفاع الجنرال خالد نزار اجتمعوا ولمدة أسبوع كامل بالشاذلي بن جديد وطالبوا بإلغاء الانتخابات التشريعية باعتبار أنّ صلاحياته تخوله ذلك، وقد أدّى رفض الشاذلي لطلبهم إلى عزله حيث قدم استقالة رمزية أوضح فيها سبب الاستقالة، وقال إنه سيضحّي من أجل الجزائر، وحتى تكتمل اللعبة أمر بحلّ البرلمان الجزائري، وقد أعلن رئيس البرلمان عبد العزيز بلخادم أنّه سمع بأمر حل المجلس الشعبي الوطني – البرلمان – من خلال التلفزيون الرسمي. وقد توالت الأحداث بسرعة مذهلة لتنتهي الجزائر، بلا رئاسة، ولا مجلس شعبي منتخب، ولا مجلس دستوري، ولا بلديات منتخبة. إنّه الفراغ الدستوري المركّب.

مشكلة الشرعية في الجزائر

مشكلة الشرعية في الجزائر مطروحة بقوة مع بداية الاستقلال الجزائري، ولعلّ عدم إيجاد حل له هو السبب وراء كل الكوارث السياسية التي حلّت بالجزائر، فمنذ 50 عامًا والجزائر تنتقل من محطة إلى محطة أخرى بشرعياتٍ متعددة.

فعقب استقلال الجزائر في 05 يوليو(تموز) 1962 حسم الجيش الجزائري الصراع الذي كان دائرًا بين ثوّار الأمس لصالحه، وأسند منصب رئاسة الدولة لأحمد بن بلة، وكانت مرجعية هذه الدولة وسندها الشرعية الثورية، غير أنّ هذه الشريعة لم تعصم رفاق الثورة من التقاتل بالتصفيات الجسديّة، وباسم هذه الشرعية سجن محمد بوضياف في 1963، وقتل العقيد شعباني ومحمد خيضر وكريم بلقاسم، وباسم الشرعية الثورية أطاح هواري بومدين بحكم الرئيس أحمد بن بلة في 19 يونيو (حزيران) 1965، وكان قادة الانقلاب يسمون ما حصل تصحيحًا ثوريًا، وبعد وفاة هواري بومدين، تمّ إيصال الشاذلي بن جديد إلى الحكم من قبل المؤسسة العسكرية، وعلى الرغم من أنّ الشاذلي بن جديد كان يحرص على إجراء انتخابات رئاسية، إلاّ أنّه كان المرشح الوحيد والفائز الوحيد لثلاث فترات متتالية، مثلما دفعت المؤسسة العسكرية الشاذلي بن جديد إلى الواجهة، فقد أقالته في 11 يناير (كانون الثاني) 1192. وبتنحية الشاذلي بن جديد دخلت الجزائر مجددًا في مشكلة الشرعية، وظلّ الصراع قائمًا بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ والسلطة الجزائرية، وكل منهما يدعّي أنّه صاحب الشرعية المفقودة.

عودة محمد بوضياف

في 15 يناير (كانون الثاني) 1992، وفي الساعة الخامسة مساءً وصل محمد بوضياف إلى مطار هواري بومدين في الجزائر العاصمة بعد غياب طويل دام 27 عامًا. كان في استقباله لدى وصوله وزير الدفاع الجنرال خالد نزار، ووزير الداخلية الجنرال العربي بلخير ورئيس الحكومة سيد أحمد غزالي، وبقية أعضاء المجلس الأعلى للدولة علي كافي، وعلي هارون تيجاني هدّام وغيرهم من الرسميين الجزائريين.

توجّه بوضياف إلى باحة المطار، وقال لوسائل الإعلام أنّه جاء إلى الجزائر لإنقاذها. ومن المطار توجه مباشرة إلى قصر الجمهورية، وأبلغ الشعب الجزائري أنّ محمد بوضياف سيلقي خطابًا على الأمة في الساعة الثامنة مساء. وكانت الأنظار – كل الأنظار – مشدودة إليه، ومما جاء في الخطاب أنّه سيعمل على إلغاء الفساد والرشوة ومحاربة الفساد وأهله وإحقاق العدالة الاجتماعية، ودعا القوى السياسية إلى التوحّد لمواجهة التحديّات الجديدة، وطلب من الشعب الجزائري مساعدته في أداء مهامه، وقال: هذه يدي أمدّها إلى الجميع، دون استثناء.

الرجل الذي حكم 166 يومًا

166يومًا هي مدّة تولّي محمد بوضياف رئاسة المجلس الأعلى للدولة، لم تساهم – ولو بقسطٍ قليل – في حلّ الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي كانت تفتك بالجزائر، فالوضع الأمني ازداد تدهورًا وتحولت الفوهة الأمنية إلى براكين حقيقية أقضّت مضجع الجزائر، وبات القتل والقتل المضاد هو السمة الغالبة، ولم يقدر رصيد بوضياف التاريخي أن يطفئ لهب الفتنة الذي امتدّ إلى محمد بوضياف نفسه ليجهز عليه بطريقة لا نراها، إلاّ في الأفلام الأمريكية المحكمة الإخراج.

حاول محمد بوضياف أن يجندّ الجزائريين حول مشروع وطني موحّد، فوجد نفسيّة جزائرية يائسة من النظام ورجالاته، حاول بعث الاقتصاد فأكتشف أنّه بيد مجموعة من المافيا. وطالب بصلاحيات واسعة من المؤسسة العسكرية فرسمت له الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها، وأقحم في لعبة لم يساهم في رسم معالمها.

ويشكك كبير عائلة بوضياف في الرواية الرسمية لاغتيال والده، إذ يرفض تصديق اتهام الضابط السابق بومعرافي الذي يواجه منذ سنوات عقوبة المؤبد، ويجد موقف عائلة الضحية مبرر بالنظر إلى أن المتهم لم ينطق بأية كلمة خلال محاكمة دامت أيامًا، ولم  تكشف الحقيقة.
وسبق لعمار سعداني أمين عام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، أن اتهم مدير المخابرات السابق بالتقصير في أداء المهام واستشهد بتعرض رئيس جمهورية سابق للاغتيال في نشاط رسمي، واصفًا ذلك بفشل المنظومة الأمنية، لتدوي  تلك التصريحات الساحة الجزائرية في عز الصراع القائم بين الرئاسة وبعض ضباط الجيش.

في المقابل برأ أمين بن عبد الرحمن  صهر والسكرتير الشخصي لـبوضياف، جهاز المخابرات والجيش من تهمة اغتيال محمد بوضياف في شهادة له متهمًا ما أسماها المافيا الجزائرية بقتله ما بين هذا وذاك يمرّ ربع قرن على الاغتيال، وتبقى ذاكرة الجزائريين ترزح عند تلك اللحظات المخيفة التي رافقت حادثة الاغتيال في انتظار شجاعة من القاتل ليعترف.

 

إغتيال بوضياف

وصل محمد بوضياف الى مطار مدينة عنابة يوم 29 يونيو (حزيران) 1992 في الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وكان في استقباله والي مدينة عنابة، والمسؤولون العسكريون عن هذه الناحية. وفي الساعة العاشرة والنصف افتتح محمد بوضياف معرضًا للشباب وتنقلّ بين أجنحته، وفي حدود الساعة 11 وصل محمد بوضياف إلى المركز الثقافي في مدينة عنابة، حيث شرع في إلقاء محاضرة ركزّ فيها على الشباب ودورهم في بناء المجتمع، كما تحدث عن الفساد وضرورة القضاء على الفساد الذي ينخر جسم النظام الجزائري، وحثّ الشباب على ضرورة الاعتماد على النفس للخروج من الأزمة الحالكة، واسترسل في الحديث عن الجزائر والعواصف التي تعصف بها، وحملّ النظام القديم تبعات ما آلت إليه الأوضاع في الجزائر، وعندما وصل إلى عبارة أنّ الإسلام يحث على العلم انفجرت قنبلة يدوية من الجهة الشمالية للمنصة التي كان عليها محمد بوضياف، وهاهنا شاهد الحضور ستارة المسرح خلف محمد بوضياف تتحرك وسرعان ماخرج من وراء الستارة رجل يرتدي زيّ القوات الخاصة، ومعه رشاش، حيث اقترب من محمد بوضياف وأفرغ محتواه في جسده؛ ليقع بعدها بوضياف أرضًا ومباشرة،  وفي الساعة الواحدة ظهرًا أعلن التلفزيون الجزائري عن وفاة محمد بوضياف.

من قتل بوضياف؟!

من المتعارف عليه أن الملازم الأول  مبارك بومعرافي هو من أطلق النار على بوضياف، لكنّ  نجل الراحل ناصر بوضياف اتهم  جنرالين بارزين كانا يحكمان الجزائر، بالوقوف وراء حادثة اغتيال والده، وهما وزير الدفاع الوطني السابق خالد نزار وقائد المخابرات العسكرية الجنرال توفيق، مطالبًا الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة بالتدخل لإعادة فتح تحقيق جدي في اغتيال رئيس الدولة المغدور.

اجمالي القراءات 3721
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more