تخيل لو أنك تعيش العشرة الأواخر من رمضان بالعصر الفاطمي في مصر

اضيف الخبر في يوم السبت ١٧ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


تخيل لو أنك تعيش العشرة الأواخر من رمضان بالعصر الفاطمي في مصر

كان العصر الفاطمي عصر ثراء وبذخ، فلم تعرف دول الخلافة الإسلامية عصرًا مليئًا بمظاهر السخاء والبهاء أكثر من العصر الفاطمي، فكانت المناسبات الدينية تقام لها المراسم الخاصة، فأنفقوا فيها بلا حساب، حتى يخيل لمن يستعيد تلك الأحداث أن أيام الدولة الفاطمية كانت كلها أعيادًا، حيث إنهم لم يتركوا مناسبة دينية ولا مذهبية أو عامة، إلا وأقاموا لها الاحتفالات والمواكب، فكانت الأموال تنثر على العامة، ويشارك الخليفة في تلك المناسبات مرتديًا أبهى الحلل؛ ليطوف بالمدينة في موكبه الرسمي، وتقام الموائد الضخمة، وتُصنع أنواع معينة من الحلوى، ويستعد المقرئين لقراءة القرآن والأدعية، حتى أن أغلب مظاهر احتفالات المولد النبوي، وموالد آل البيت الحالية تعود إلى تلك الفترة، وظلت آثارها باقية خاصة في المجتمع المصري حتى الآن، وذلك لأنه كان أكثر المجتمعات تأثرًا بالدولة الفاطمية؛ نظرًا لمقر الخلافة بالقاهرة، فدعونا نتخيل لو أننا نحيا آخر أيام الشهر الفضيل – رمضان – بالدولة الفاطمية كيف سيكون حالنا، وما الذي سيحدث؟

«غرة رمضان».. أطباقٌ من الحلوى في وسطها صرة من الذهب

لنعرف كيف سيكون قضاء يوم رمضاني بالعصر الفاطمي، يجب أن نعرف أولًا الاستعدادات الخاصة لهذا الشهر، فالاحتفال بالشهر الفضيل في الدولة الفاطمية كان يمتد ليشمل الشهر كله، حتى انتهاء عيد الفطر المبارك، وكان الاحتفال بشهر رمضان يبدأ قبيل بدء الشهر بثلاثة أيام، فيقوم القاضي بالمرور على الجوامع في القاهرة والفسطاط؛ ليعرف ما يلزمها من فرش وإضاءة، وما تحتاج إليه من إصلاح، كما اعتاد الخلفاء على الأمر بإغلاق جميع الحانات، وتختم حوانيتهم، فيمنع بيع الخمر من أول شهر رجب، وحتى نهاية شهر رمضان، ومن يخالف ذلك أو يجاهر بالبيع أو بالشرب كان يتعرض للعقاب الشديد، والذي يقول عنه المقريزي في كتابه اتعاظ الحنفاء: «وأن يُنادى بأن من تعرض لبيع شيء من المُسكرات أو لشرائها سرًا وجهرًا، فقد عرض نفسه لتلفها، وبرئت الذمة من هلاكها».

أما الاحتفال بالموسم الرمضاني، فكان يبدأ بخروج الخليفة في موكبٍ رسمي، فكان هذا الموكب بديًلا عن رؤية الهلال عند أهل السنة، حيث إنهم لم يعترفوا برؤية الهلال، فكانت الشهور العربية تقسم لديهم إلى: ستة مكونين من تسعة وعشرين يومًا، وستة مكونين من ثلاثين يومًا، وكان شهر رمضان دائمًا ما يأتي ثلاثون يومًا.
يلي الموكب الرسمي إرسال البشارات والمكاتيب إلى ولاة الأعمال بالأقطار التابعة للدولة الفاطمية لتبشرهم بقدوم الشهر الكريم، أما داخل القطر المصري فيذكر المقريزي: «وكان في أول يوم من شهر رمضان يرسل لجميع الأمراء وغيرهم من أرباب الرتب والخدم لكل واحد طبق، ولكل واحد من أولاده ونسائه طبق فيه حلوى، وبوسطه صُرة من ذهب، فيعم ذلك سائر أهل الدولة، ويقال لذلك غرة رمضان».

كيف سنقضي الجمعة الأخيرة من رمضان بالعصر الفاطمي؟

كان الخليفة الفاطمي لا يخرج للصلاة في الجمعة الأولى من رمضان، فبعد الموكب الرسمي الذي يخرج فيه ليبشر بقدوم الشهر الكريم، يرتاح الخليفة في الجمعة الأولى، ولكنه يواظب على حضور الثلاث جمع الأخيرة من رمضان، ولذلك أطلق على هذه الجمعة «جمعة الراحة»، وكان الخليفة في الجمعة الأخيرة من رمضان يتوجه أولًا إلى جامع أحمد بن طولون، ثم إلى الجامع العتيق حيث تجرى طقوس أداء الصلاة.

يخرج الخليفة في موكبه صباح الجمعة الأخيرة من رمضان مرتديًا ثوبًا أبيض بسيطًا دون تبهرج توقيرًا للصلاة، وحوله يسير مجموعة من القراء يرتلون القرآن الكريم، أما على جانبي الموكب فيسير مقدمو الركاب حاملين أكياسًا تحوي أموال الصدقات، يتم توزيعها أثناء سير الموكب على العامة حتى وصول الخليفة إلى الجامع الذي ستقام فيه الصلاة، وما إن يدخل الجامع العتيق يتوجه إلى المنبر وحوله الأساتذة المحنكون والوزير، ووراءهم تقف حراسته، وما إن يجلس على المنبر حتى يشير بيديه إلى إلى الوزير، كإشارة لأن يصعد ويُقبل يد الخليفة، وبعدها تغلق الستائر، ويبدأ الخليفة في إلقاء خطبته، وتكون خطبة خاصة معدة من ديوان الإنشاء.
ينتهي الخليفة من خطبته، ثم يتوجه نحو المحراب لإمامة الناس في الصلاة، فيبدأ بقراءة الفاتحة، ثم يقرأ الآيات القرآنية المكتوبة على الستائر الحريرية المُعلقة على المحراب خصيصًا له، وبعد انتهاء الصلاة يجلس لتوزيع الهبات والصدقات، ثم يتحرك الموكب مرة أخرى عائدًا إلى القصر وسط تهليل الناس وأصوات الطبول.

أما عن تجهيزات الإفطار في هذا اليوم، فإن كنت من العامة فستذهب حتمًا إما إلى سماط مقر الشرطة في مدينة الفسطاط، والذي كان تقام فيه الموائد على نفقة الدولة طوال شهر رمضان، أو إلى واحدة من تلك الموائد في أزقة الجامع الأزهر، والتي تقدم الطعام بالمجان للعامة طوال أشهر رجب وشعبان ورمضان، فكان العامة يتناولون إفطارهم في واحد منهم على اختلاف طبقاتهم، وكانت كل المحتويات متاحة لمن يرغب.

أما إن كنت من علية القوم، فمن المؤكد أنه ستتم دعوتك لسماط قاعة الذهب بالقصر، حيث كان هذا السماط ممتدًا أيضًا طوال الشهر الكريم، وتتم دعوة الأمراء عليه بالتناوب، ويحضره قاضي القضاة في أيام الجمع، ويقوم الفراشون بالعمل على خدمتهم، تلك الموائد ستجد بها حتمًا كل ما لذ وطاب من أجود أنواع الطعام، بل سيقدم لك الماء المُبخر في كيزان من الخزف أثناء الطعام، ويسمح لك بأن تحمل ما تشاء بعد الإفطار لأهلك أو لذويك.

ومع آذان المغرب ستبدأ في ملاحظة إضاءة الفوانيس عن قرب، فكانت الفوانيس يتم تعليقها في الشوارع والحارات وتضاء بالشموع، هذا إلى جانب فوانيس كبيرة مضاءة توضع في مآذن المساجد والجوامع، يتم إضاءتها مع آذان المغرب، وحتى موعد الإمساك عن الطعام.

أما بعد انتهاء مراسم الإفطار فيبدأ الاحتفال الديني الكبير منذ المغرب، وحتى موعد الإمساك، فإن كنت تسير في شوارع القاهرة القديمة، فستجد الصبية يحملون الفوانيس أثناء تجولهم في الشوارع، وصوت المقرئين يرتلون القرآن الكريم بأعذب الأصوات، ولا تتوقف الأدعية، ويكتظ الناس بالأسواق، ويشترون الحلوى من القطائف والكنافة، ويقصدون دور العبادة حتى منتصف الليل.
أما قصر الخليفة فإن كنت من علية القوم فستستمتع فيه بالحفلة الدينية الممتدة حتى منتصف الليل يتلوها مائدة السحور، وستحضر عرض الصوفية الراقص والمليء بالمدح لآل البيت ومناقب الرسول، وسيتم توزيع أطباقًا كبيرة من الحلوى عليك، والماء المُعطر، وعندما توضع مائدة السحور، يأكل الحاضرون من نفس الأصناف التي يتناولها الخليفة، ويأخذون ما شاءوا منها لذويهم، ويتناول الفراشون ما تبقى منهم.

ومع رفع آذان الفجر سيقوم المؤذنون بإطفاء الفوانيس إيذانًا ببدء يوم صومٍ جديد، فيقوم الناس بتأدية صلاة الفجر، ثم يعودون إلى منازلهم للراحة والانصراف إلى أعمالهم، حتى موعد الإفطار.

الموسم الكبير ليلة عيد الفطر المبارك.. «عيد الحلل»

يقول المقريزي: «كان يطلق عليه عيد الحلل، لتوزيع الكسوات على جميع موظفي الدولة كبيرهم وصغيرهم، فتعم الجميع من الخليفة إلى أدنى موظفي القصر».

فإن كانت الجمعة الأخيرة من رمضان هي ليلة عيد الفطر المبارك، فسنحيا الاحتفالات الدينية مضاعفة،  حيث تصل الكسوات آخر شهر رمضان، ليتم توزيعها على العاملين بالدولة، وفي الليلة الأخيرة بشهر رمضان والتي يختم بها المقرئون القرآن في مجلس الخليفة، يقرر الخليفة أن يعطيهم أضعاف ما هو مقرر لهم؛ لأنها الليلة الأخيرة، ثم يبدأ المقرئون في ختم القرآن، ويتبعونه بالأدعية، لتبدأ بعدها الصوفيات، حتى يكبر المؤذنون ويهلل الحاضرون، فتوزع الدراهم والدنانير على المقرئين والمؤذنين.

وبالإيوان الكبير الذي يواجه مجلس الخليفة كان يتم تنظيم سماط ضخم كسماط الإفطار، يوضع عليه كل أنواع الفطائر الشهيه والحلوى مما أعد خصيصًا في دار الفطرة الخلافية، ويتم تجهيز الموكب في نفس اليوم، وما إن ينتهي الخليفة من صلاة الفجر تفتح أبواب الإيوان والقصر على مصاريعها ليدخلها الناس من جميع الطبقات، ويتخاطفوا محتويات السماط الخلافي، على مشهد من الخليفة ووزرائه.

وما إن تبزغ الشمس، وتبدأ تكبيرات العيد يخرج الخليفة على رأس موكبه من باب العيد إلى المصلى والذي يقع بجوار باب النصر، وعلى جانبي الطريق هناك مصاطب يجلس عليها مؤذنون، وجماعات من أنصار الشيعة يخرج أسماءهم قاضي القضاة، ويستمر التكبير والتهليل من خروج الموكب من القصر حتى الوصول إلى المصلى، وكان الموكب بهيًا ضخمًا يضم طوائف العسكر في أبهى حللهم، ويزينه الفيلة والزرافات والأسود، ويجلس العسكر على الفيلة متباهين بأسلحتهم وكامل زيهم، وتصدح الأبواق أثناء سير الخليفة على طول الطريق في حين يحتشد الناس على جانبي الطريق ليشاهدوا الموكب البهي.

وعندما يصل الخليفة إلى المصلى يؤم الناس للصلاة بنفس الطريقة التي جرت عليها العادة في الجمع الثلاث من رمضان، وما إن تنتهي صلاة العيد حتى تبدأ الاحتفالات في الشوارع لمشاهدة الموكب الخلافي العائد إلى القصر، ومتابعة «صبيان الخف»، وهي فرقة ألعاب بهلوانية كانت تتقاضى المرتبات على عروضها من الدولة، فيقف الخليفة بموكبه بعد الصلاة ليتابع عروضهم مع العامة أمام باب القصر.

بعد انتهاء شعائر صلاة العيد باحتفالاتها كان الخلفاء يزورون ترب الزعفران للترحم على الخلفاء السابقون وتوزيع الهبات والصدقات، ثم يبدأ بعدها تناول الحلوى المخصصة لعيد الفطر المبارك والتي أقيمت لها دار خاصة، وهي دار الفطرة، ويتم توزيع الحلوى على الموظفين بين رقاق محشى بالفستق واللوز، وأخرى مصنوعة من الدقيق والبلح، ولقمة القاضي وغيرها من أشهى وأطيب أنواع الحلوى والتي توزع بالكميات حسب رتبة الفرد.

وكان يقام إلى جانب سماط العامة داخل القصر، سماطًا آخر خاص بالموظفين بالدولة أول يوم بالعيد، وفيه يتبارى الشعراء بإلقاء قصائدهم ويقرأ المقرئون القرآن، وبعد أن تنتهي مظاهر الاحتفال يتم توزيع الحلل الجديدة على الجميع ومنحهم الهبات، ولا ينصرف أحد، إلا بعد أن ينصرف الخليفة من المجلس، ليعود كل إلى منزله وأهله.

ماذا عن أهل السنة؟ هل سيتم اضطهادهم لو كانوا يعيشون رمضان في العصر الفاطمي؟

في الواقع، كان المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي للدولة الفاطمية، وكانت الدولة الفاطمية تبذل قصارى جهدها في تشييع الأقطار التي  تحت سيادتها، ولهذا تم بناء المسجد الجامع الأزهر، والذي أطلق عليه «مصلى القاهرة» ليكون راية لتعليم الناس المذهب الشيعي، وبالفعل نجحوا وقتها في أن يسود هذا المذهب في مصر، إلا أن هناك بعضًا أهل السنة الذين أبوا أن يغيروا ملتهم، بل كان هناك بعض الأمراء والكتاب من أهل السنة الذين يحضرون تلك الطقوس الفاطمية، فهل تم اضطهادهم؟

في الحقيقة، وفي فترة عيد الفطر بالذات كان يسود الحرج الشديد لدى أهل السنة أثناء سماط الإفطار بعد صلاة عيد الفطر، خاصة وأن الدولة الفاطمية كانت لا تتخذ الهلال كطريقة لحساب الصوم، كما ذكرنا سابقًا، فكان عيد الفطر يأتي أحيانًا وأهل السنة على صيام، وفي عهد الخليفة المعز يذكر ابن زولاق أنه مد السماط بعد صلاة العيد سنة 362 هـ، وحث الناس على الطعام، وكان بعضهم مازالوا على صيام، فعقب على من تأخر، وتهدد من بلغه عنه صيام العيد.

ولكن هذا التشدد خفت وتيرته في عهد الحاكم بأمر الله سنة 397 هـ، فيذكر المقريزي في كتابه خطط أن الخليفة كان يجلس على سماط عيد الفطر ويعطي للناس الطعام بيديه، فمن كان رأيه الإفطار أفطر، ومن كان رأيه الصوم كان يضع الطعام في كُمه، ولا يعيب على أحدٍ فعله.

اجمالي القراءات 1672
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق