العلم ينصحك بمقاطعة الأخبار السياسية

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٩ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


العلم ينصحك بمقاطعة الأخبار السياسية

هل شعرت يومًا وأنت تتابع الأخبار اليومية السيئة بأنك تريد لها أن تتوقف؟ أو أنك قد وصلتُ لحالة من التشبع الكافي قد أثرت على رؤيتك للعالم ومزاجك العام؟

ربما العديد منا بكوا يومًا ما من فيديوهات خاصة بعمليات قتل وإرهاب أو حروب حول العالم، وكانت الأشلاء البشرية فيها واضحة لدرجة تستفز الشعور والإنسانية، لكن هل جربت يومًا شعور الاعتياد على هذا المشهد؛ حتى أصبح مرور فيديو مثل هذا من أمامك شيئًا عاديًا، ويحدث ولا يثير بداخلك أية مشاعر حنق؟

علم النفس يكشف لنا في الكثير من الدراسات العلمية في العشر سنوات الأخيرة عن التأثيرات التي يمكن أن تنال من اللاوعي في عقولنا جراء الاعتياد على تلك النوعية من الأخبار السلبية؛ مما يشير إلى أن الابتعاد عن الأخبار السياسية السيئة قد يكون هو الطريق إلى حياة سعيدة.

«إدمان الأخبار السياسية السيئة».. هل المتابعة يمكن أن تتحول لهوس؟

في وقت الحرب العالمية الأولى والثانية كانت الشعوب تتجمع حول «راديوهات» المدينة؛ لأنها كانت الوسيلة الإخبارية الوحيدة المتاحة، من أجل الوصول لخبرٍ واحد عن الحرب وتطوراتها، ربما بدافعٍ غريزي، وهو الخوف من الخطر المُحدق بهم، لكن ومع ظهور العولمة، وشبكة الإنترنت التي جعلت العالم يبدو كقرية صغيرة يمكنك أن تتبع أخبارها ليل نهار، ومع تحول مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يتابعها مليارات البشر حول العالم إلى منارات إعلامية تبث الأخبار أربعة وعشرين ساعة، أصبح من المستحيل تقريبًا التوقف عن متابعة الكوارث فور حدوثها، وسيطرت الأخبار السياسية السيئة على الساحة؛ مما نتج عنه حالة هوس بمتابعة تلك النوعية من الأخبار، فهل نحن ننجذب بالفطرة للأخبار السيئة؟

في دراسة علمية قام بها جون كاسيوبو بجامعة ولاية أوهايو قسم علم النفس الإجتماعي أشار إلى أن العقل البشري ينحاز للأخبار السيئة بشكلٍ تلقائي بطريقة أكثر من الأخبار الجيدة، فليس كل ما يكرهه المرء يبتعد عنه، فالعقل البشري يكره الكوارث والقتل والأخبار التي تشعره بقدوم نهاية العالم بطريقة كارثية، إلا أنه يتتبع تلك الأخبار بشراهة، فالمحفزات السلبية تؤثر على النشاط الكهربي للدماغ بشكلٍ أكبر من المحفزات الإيجابية؛ لأن قدرتنا على استقبال الأحداث السيئة قد تطورت خلال مئات الآلاف من السنين؛ لسببٍ وجيه، وهو إبعادنا عن الأذى والخطر، ومتابعة الأخبار السيئة لا تنم عن إعجاب بها، ولكن لتفاديها، ولتطوير مهاراتنا بطريقة فطرية لا واعية نحو الدفاع عن أنفسنا ضدها.

يقول راي ويليامز بمقال له في موقع «Psychology Today» عن هذا البحث: «هل وسائل الإعلام تمنحنا أخبارًا سلبية؟ فأغلب التقارير الإعلامية تشير إلى أن الأخبار السيئة تفوق بنسبة كبيرة الأخبار السارة من حيث استقبال الجمهور لها، بمعدل يصل إلى 17 خبرًا سيئًا في مقابل خبر جيد واحد، والإجابة تكمن لدى علماء النفس في أن البشر يبحثون عن الأخبار الدرامية، فغريزة البقاء الكامنة فينا منذ العيش في الغابات واحتراف الصيد مازالت حاضرة في وعينا، بالرغم من تطورنا لتجنب المخاطر، ولهذا نحن نتصيد الأخبار السيئة».

في الحقيقة أغلب الدراسات العلمية عن الانحياز للأخبار السيئة تشير إلى أن المتابعة العادية يمكن أن تتحول لهوس، وأن وسائل الإعلام تستغل هذا الهوس من أجل تضخيم شعبيتها، فتعطي للمتلقي ما يرغب به، وهو المزيد من الأخبار السلبية.

«التوتر والقلق والاكتئاب» أعراض جانبية لمتابعة السياسة

«هناك الكثير من الأحداث السيئة التي تحدث بالعالم، وربما نعم من حق الناس أن تعرفها من خلال النشرات الإخبارية، بكل ما تتضمنه هذه الأشياء السيئة من الجريمة والمجاعة والحرب والعنف والظلم والإضطرابات السياسية، لكننا لا نستطيع أن ننكر دور الإعلام في جعل تلك الأخبار أكثر استفزازًا لمشاعر العامة، وذلك بالتأكيد على الجانب السلبي من القصة، الجانب المخيف الذي يستفز عواطف المتلقي من أجل قصة صحافية ناجحة، كل ذلك دون النظر لما قد يحتويه التركيز على تلك الجوانب المخيفة من نتائج سلبية على صحة المُتلقي، سواء من خلال التأثير على مزاجه العام بطريقة مباشرة، أو على سلوكه الشخصي بطريق غير مباشر».

هذا ما قاله جراهام دافي المتخصص في علم النفس الإجتماعي، في بحثه الخاص بالجوانب السلبية التي تتركها النشرات الإخبارية على المُتلقي، والتي تؤثر على سلوكه الشخصي وصحته النفسية، ويستكمل جراهام حديثه عن الدراسة التي قام بها عام 1997 قائلًا إنه قام بتجهيز ثلاثة شرائط إخبارية كل واحدة منهم مدتها أربع عشرة دقيقة، واحتوت كل واحدة منهم على نوعية مختلفة من الأخبار، فالأولى كانت خاصة بالأخبار الكارثية، والثانية خاصة بأخبارٍ مفرحة وإيجابية فقط، أما الثالثة فكانت محايدة عاطفيًا، وقام بعرض كل واحدة منهم على مجموعة مختلفة من الأفراد، وكانت نتيجة تلك الدراسة هي أن الأشخاص الذين يتعرضون لأخبارًا سلبية لفترة طويلة من الوقت، تكون قابليتهم للاكتئاب أعلى من غيرهم، بل ينعكس الأمر على مزاجهم الخاص على المدى القصير، فالتوتر والقلق الفوري يكونان النتيجة السريعة لمشاهدة تلك النوعية من الأخبار، أما على المدى الطويل، فقد يؤدي ذلك إلى بعض التصرفات السلبية أو العنيفة؛ مما قد يؤثر على قرارات حياتهم.

يستطرد جراهام دافي في حديث له مع Huffington post قائلًا: «الأخبار السلبية لا تؤثر فقط على مزاجك العام، ولكن على هواجسك الشخصية أيضًا، فتبدأ ترى قلقك الخاص بطريقة أكثر تضخمًا من الواقع، كما أنها تؤثر على تعاملاتك مع العالم من حولك، فتجعلك تواجه صعوبات نفسية أكبر غير حقيقية في مواجهة أعبائك الخاصة، وترى الأشياء الحيادية وحتى الإيجابية بطريقة سوداوية قاتمة».

وفي دراسة حديثة كشفت عن أن الصحافيين الذين يتعرضون لمحتوى بصري عنيف، سواء عن طريق فيديوهات قتل أو عنف، أو صور فوتوغرافية لفترات طويلة، هم أكثر عرضة للمعاناة من اضطراب ما بعد الصدمة، وهو مرض نفسي يعاني منه من تعرضوا لحوادث كارثية أو كانوا شهودًا على حوادث عنيفة، وينتج عنه اكتئاب، وانعزال، وقلق وتوتر دائمين وأحيانًا إدمان الكحول.

هل الاعتياد على المشاهد العنيفة يفقدنا حساسيتنا؟

في صيف 2013 وعندما كان جيم كاري يجهز لفيلم Kick-ass 2، قام بنشر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر مغزاها أنه سيبعد نفسه عن فيلمه الخا؛ لأنه أنهى جزأه قبل مجزرة ساندي هوك بشهر ولا يستطيع بضميرٍ واع أن يشجع هذا المستوى من العنف البصري.

في أعقاب الثورة التكنولوجية، وغزو العنف لكل شئ بدءًا من الأخبار التلفزيونية، وصولًا لألعاب الفيديو التي يتناولها الأطفال، أصبح المحتوى البصري العنيف جزءًا لا يتجزء من حياتنا، وعلى فترات متقاربة في الآونة الأخيرة، شاهدنا مئات الفيديوهات، لحرب سوريا، وقصف غزة، وفيديوهات عنيفة لعملياتٍ إرهابية كانت فيها الأشلاء البشرية جزءًا من يومنا، والمشاهد التي بكينا منها بالأمس، لم نتأثر بها اليوم، وكأن شريط الأخبار المليء بحوادث مشابهة، لم يثر بداخلنا العواطف الإنسانية اللازمة.

هذا ما أكدت عليه دراسات علمية: إن التعرض المستمر للمشاهد العنيفة، يفقدنا تعاطفنا بعد فترة، حتى يصبح الأمر بالنسبة إلينا عاديًا ويحدث، ولكنه لا ينتهي عند ذلك، فتلك هي البداية فقط؛ لاعتيادنا على العنف، والخطوة التالية هي ممارسته، فتشير ديبورا دايفيس أستاذة علم النفس في مقالها بموقع Psychology Today إننا يجب أن نغلق هذا المحتوى العنيف من حياتنا؛ لأن الاعتياد على العنف هو أول الطريق لممارسته، خاصةً بالنسبة إلى الأطفال الذين لم ينشأ لديهم وعي كافٍ للتمييز بين الخير والشر، ومدلولات العنف.

«أغلقوا نشرات الأخبار من أجل صحة أفضل»

تنصح  ماري مكنوتون كاسيل الأستاذة في جامعة تكساس سان أنطونيو قسم علم نفس في بحثها الخاص بالتأثيرات النفسية السلبية للأخبار السيئة بأن نغلق نشرات الأخبار لبرهة، ومواقع التواصل الإجتماعي، ونضع هاتفنا بعيدًا لبعض الوقت، في محاولة لاستعادة توازننا النفسي، بعد كل هذا التشوه الذي أصابنا جراء مشاهدة الأحداث العنيفة، والمحتوى السوداوي.، فتقول: «أعلم أن هذا الأمر قد يكون صعبًا للبعض، ومُستحيلًا بالنسبة لهؤلاء الذين يعملون في الإعلام، وأن البشر من حقهم أن يعرفوا ما يحدث في العالم من حولهم، ولكن ليس بهذا القدر. يمكننا أن نتابع الحدث من جريدة واحدة يوميًا، ولا نتتبعه طوال اليوم، إلا إن كان هذا ضروريًا»، وتستكمل حديثها بأننا من الأفضل لنا أن نقوم باختيار المحتوى الذي نفضل أن نتلقاه من مكان واحد موثوق به.
وتستطرد قائلة: إننا يجب أن نعلم السبب وراء تعاطفنا مع حدثٍ ما دون الآخر، ولماذا قام بالتأثير علينا نفسيًا، وزيادة هواجسنا الشخصية وقلقنا، وأن علينا أن نتحكم في مشاعرنا بطريقة عقلانية.

وفي مقالٍ آخر بموقع Psychology today لمارلين وي نصحت بأن نقوم بفلترة مواقع التواصل الإجتماعي الخاصة بنا، بحيث لا نجد بها إلا ما نحتاجه فقط من الأخبار، وأن نحاول التخلص من كل الأخبار السوداوية التي لا نحتاج لسماعها، وأضافت أننا يجب أن نتخلص أولًا بأول من كل المشاعر السلبية التي اكتسبناها جراء متابعتنا للأخبار السيئة.

أغلب الباحثين أشاروا إلى أن تلك النوعية من الأخبار المُستهدفة لمشاعر تعاطفنا أو خوفنا لا تقدم لنا أي جديد في طريقة تفكيرنا، بل لا تساعد العقل على التفكير وتقصي الحقائق، ولذلك يجب أن يلجأ القارئ – إن ود فعلًا أن يتتبع خبرًا ما – إلى التقارير التي تساعده على إعمال جزءًا من فكره.

اجمالي القراءات 2198
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more