إخوة أم أعداء؟»: التفاصيل شبه الكاملة للصراع المحتدم بين مصر والسودان

اضيف الخبر في يوم الأحد ١٤ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


إخوة أم أعداء؟»: التفاصيل شبه الكاملة للصراع المحتدم بين مصر والسودان

ا يتحقق بسرعة قد يذهب أدراج الرياح بسرعةٍ أكبر، كذلك يمكن وصف «التحسُّن» الذي شهدته العلاقات بين الحكومتين المصرية والسودانية، بعد زيارة وزير خارجية القاهرة سامح شكري إلى الخرطوم أواخر أبريل (نيسان) الماضي، والتي تم الاتفاق خلالها على تخفيف حدة التوتر، ووقف «التراشق الإعلامي» بين البلدين.

 

جاءت زيارة  شكري بعد تصعيدٍ كبير شهدته العلاقات بين مصر والسودان، وُصف بأنه الأخطر بين البلدين منذ فترة طويلة، وصلت إلى حد الهجوم على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي انطلاقًا من الإذاعة الرسمية للجيش السوداني، وقرار الحكومة السودانية وقف استيراد المنتجات الزراعية المصرية «بعد أن ساهم الإعلام المصري في خلق حالة من الشعور السلبي تجاه مصر في السودان» على حد وصف وزير سوداني.

لكنّ زيارة شكري كانت قد أنعشت الآمال بتحسُّن محتمل  في العلاقة المتأزمة بين البلدين، تلك الآمال لم تصمُد طويلًا؛ إذ تبددت بعد ساعاتٍ قليلة فقط من عودة الوزير المصري إلي القاهرة، حين قررت السلطات المصرية منع صحافيين سودانيين من دخول أراضيها، وأعادتهم إلى السودان؛ بسبب انتقادات وجهوها إلي السلطات المصرية في الفترة الأخيرة.

أعاد قرار السلطات المصرية توتر الأجواء، فطالبت نقابة الصحفيين السودانية الحكومة بالردّ، بل وصل الأمر إلى المطالبة بطرد الإعلاميين المصريين العاملين في السودان، قبل أن تعلن الخارجية السودانية رسميًا أنها ستطبق مبدأ «المعاملة بالمثل» في التعامل مع مصر.

وقد زاد من الأجواء المشحونة بين البلدين، ما نقلته وكالات الأنباء عن إصابة مواطن سوداني بنيران  أطلقتها دورية للجيش المصري ظهر الأربعاء على مجموعة من الأشخاص المنقبين عن الذهب في منجم قرب «وادي العلاقي» داخل الحدود السودانية المحاذية لمصر.

فما هي  أسباب ذلك الصراع المحتدم بين البلدين  والذي يبدو إلى اللحظة عصيًا على الحل، بالرغم من اللقاءات المتكررة – والمتعددة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وعمر البشير؟

«حلايب» نتيجة للخلاف وليست سببًا له

في العادة،  يُشار إلى قضية النزاع الحدودي بين البلدين، كأهم أسباب الخلاف بين البلدين، مُثلث حلايب وشلاتين، المُطل علي البحر الأحمر، الغني بالموارد، والذي كان على الدوام مصدرًا للتوتر بين البلدين، هو المعني في هذا السياق.

كانت قضية حلايب أحد محاور ذلك النزاع المصري – السوداني الأخير، وأبرز ميدان لـ«المناكفة» بين القاهرة والخرطوم، فقد أعادت السودان تأكيدها أنها تمتلك الحق في تلك المنطقة، وحاولت الضغط على المصريين للجلوس للتفاوض، أسوة بـ«تيران وصنافير».

وتحدثت تقارير عن خطة سودانية لتحركات تفضي إلى «إنهاء الوجود المصري» في المنطقة، كما اتهمت السودان طائرات عسكرية مصرية باختراق الأجواء السودانية فوق منطقة حلايب، فيما وصفه وزير الدفاع السوداني بـ «الاستفزازات والمضايقات العسكرية» من الجانب المصري.

في المقابل، كانت مصر حريصة على تأكيد سيادتها على تلك المنطقة، فبث التليفزيون المصري لأول مرة صلاة الجمعة من شلاتين، في خطوةٍ فُسرت على أنها إشارة تصعيد، فضلًا عن الإعلان عن نية المصريين افتتاح
«مشاريع ثقافية» في منطقة حلايب.

لكن – ودون التقليل من محورية النزاع الحدودي بين البلدين – يُمكن القول إن الحديث المتبادل بين البلدين عن أحقية كل منهما بـ«حلايب وشلاتين» كان على الدوام نتيجة للخلاف لا سببًا له، بمعنى أن تلك الأحاديث تخفت في الأوقات التي يتمتع فيها البلدان بعلاقاتٍ جيدة، فيما يُعاد إخراجها إلى الواجهة حين تسوء تلك العلاقات لسببٍ أو آخر.

أي أننا نتحدث عن أسبابٍ أخرى – حقيقية –  أدت إلى تأزم في العلاقات على خط القاهرة – الخرطوم في الفترة الأخيرة. فما هي يا ترى الأسباب الحقيقية إذن للصراع بين مُشير مصر ومشير السودان؟

«الإخوان».. أبرز عناوين الخلاف

ليلة 30 يونيو (حزيران) 1989، أذاع التليفزيون السوداني نبأً مفاجئًا يفيد باستيلاء بعض ضباط الجيش – بقيادة العميد عمر البشير – على السلطة في البلاد، مطيحًا بالحكومة المنتخبة التي يترأسها «الصادق المهدي».

لم يكُن واضحًا في البداية هوية الانقلاب الجديد الذي ألقى القبض علي طيفٍ واسع من السياسيين، من بينهم القيادي الإسلامي حسن الترابي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، هذا الغموض الذي ساعد الضباط على اكتساب تأييد دولي واسع، قبل أن تتكشَّف المفاجأة للجميع، الانقلاب الجديد هو «انقلاب إسلامي»، مرشده الروحي هو حسن الترابي نفسه، باختصار لقد كان الأمر مجرد  خُدعة.

كان نظام مبارك  أحد من انطلت عليهم تلك الخدعة، حتى فوجئ بالجارة الجنوبية يحكمها نظامٌ يوالي عدوه اللدود: الإخوان المسلمين. لسنوات طويلة حكم التوتر والتوجس العلاقات بين القاهرة والخرطوم، وحين وقعت  محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك 1995 في أديس أبابا، أشير بأصابع الاتهام إلى نظام الإنقاذ، بأن بعض أجنحته قد تورطت في المحاولة.

غير أن علاقات الجوار والاحتياج المتبادل بين القاهرة والخرطوم، والبعد التاريخي العميق للعلاقات المصرية السودانية، لم تكن تسمح بقطيعةٍ كاملة بين البلدين، بالرغم من التباين الأيديولوجي.

نشبت لاحقًا صراعات داخل نظام الإنقاذ، تمخّض عنها الإطاحة بالجناح «الأكثر تشددًا» بقيادة الترابي، لصالح العسكريين، الأمر الذي ساهم في تخفيف التوتر مع مصر، إذ كان مبارك ونظامه أكثر استعدادًا للتعامل مع البشير، الذي كان بدوره على استعدادٍ للتظاهر بخلع ثوبه الإسلامي، وانتهاج مقارباتٍ سياسية أكثر براجماتية.

تمثِّل تلك الإطلالة  التاريخية مدخلًا مهمًا لفهم العلاقات المصرية – السودانية على مدار نحو ربع قرن، وحين قامت ثورة 25 يناير 2011 في مصر، وجاء الإخوان المسلمون إلى السلطة، ثارت تكهناتٌ عديدة  بأن ثمة تحالفًا استراتيجيًا قد يجمع أخيرًا الجارين، الذين يقفان علي مسافةٍ أيديولوجية متقاربة.

لكنّ تلك الآمال لم تصمد طويلًا؛ إذ سرعان ما أطاح الجيش المصري بحكومة الإخوان المسلمين في 3 يوليو (تموز) عقب مظاهراتٍ حاشدة في 30 يونيو (حزيران) 2013، ذلك اليوم الذي كان يصادف ذكرى انقلاب الإنقاذ.

لم يُبد نظام البشير معارضة رسميًا لنظام السيسي الجديد الناشئ في مصر، وبالرغم من أن نظام الإنقاذ – الإسلامي في النهاية – لم يبدُ مرتاحًا لتحرك الجيش ضد الإخوان، فقد تحدثت تقارير عن تعليمات أمنية سودانية صدرت لوسائل الإعلام بعدم التعاطي سلبًا أو إيجابًا مع الأحداث في مصر عقب فض اعتصامات أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في رابعة العدوية وميدان النهضة.

صحيح أن «الواقعية السياسية» قد أخذت مجراها، فتبادلَ السيسي والبشير الزيارات وعبارات المديح، ومنح السيسي نظيره السوداني وسام «نجمة سيناء» وهو أعلى وسام عسكري مصري، إلا أن ثمة توترًا مكبوتًا قد ظل تحت الرماد، يترقب الفرصة الملائمة للخروج إلى العلن.

في فبراير (شباط) 2016، خرجت إلى العلن وثيقة مسربة لاجتماع حكومي سوداني، ترأسه عمر البشير شخصيًا، تحدثت عن توصيات بمساعدة الإخوان المسلمين المصريين في السودان، وتأمينهم، وتوفير فرص الاستثمار لهم.

بحسب الوثيقة، التي نشرها الباحث المتخصص في الشؤون السودانية «إريك ريفز»، فقد تحدث البشير عن نظرة السيسي ونظامه «الدونية» إلى السودان، واعتبار القاهرة أنّ الخرطوم عدوٌ لها، واستبعد البشير في تعليقه طرد الإخوان المسلمين من السودان، وتسليمهم للسيسي وأمريكا بحسب وصفه. معتقدًا – البشير – أنه لا يمكن إلغاء دور الإسلاميين، متوقعًا أنهم سوف يعودون للسلطة بحسب ما ورد في الوثيقة المسربة التي حملت وصف «سري للغاية».

يحيلنا هذا إلى نقطةٍ أخرى، وهي «السر المعلن» في طريقة تعامل البشير مع الإخوان الهاربين إليه، بعد الثالث من يوليو (تموز) 2013، فقد لجأ الكثير من أعضاء وقيادات الجماعة إلى الخارج، ومعلوم أن المقام قد استقر  بالكثير منهم في تركيا وقطر، لكن – وبحسب تصريح قيادي في الجماعة فإنّ – السودان هي كبرى الدول التي قدمت دعمًا لأعضاء الجماعة الخارجين من مصر، وإن كان ذلك بدون إعلان رسمي.

اقرأ أيضًا: رحلة الجحيم: شباب الإخوان الهاربون من مصر للسودان.. قصص من هناك

إذ أتاحت اتفاقية «الحقوق الأربع» تواجد الإخوان المصريون في السودان بدون عوائق الإقامة الرسمية – وإن فرضت الحكومة السودانية التأشيرة على المصريين مؤخرًا – كما أنهم يتمتعون بتسهيلاتٍ من قبل الأجهزة الحكومية الرسمية وأجهزة الأمن السودانية للتحرك في البلاد بغرض العمل أو الدراسة، أو لتوفيق الأوضاع القانونية للإخوان الذين دخلوا إلى البلاد بصورة غير شرعية، كما أن العديد من الإخوان يعتبرون السودان «محطة» يمكنهم  الوصول إليها، قبل السفر إلى تركيا أو قطر أو بلدان أخرى.

والجدير بالذكر أنه في مقابل تلك التسهيلات، لم تسمح السلطات للإخوان باتخاذ الخرطوم منبرًا للهجوم على نظام السيسي، بل بقيت في الإطار الذي يُمكن وصفه بـ«الإنساني»، كما تفضل الأجهزة الرسمية السودانية الظهور بموقف أكثر دبلوماسية من النظام المصري، لعدم الدخول في صدامٍ مباشرٍ معه.

ومع ذلك فإن هذه المقاربة التي انتهجتها الخرطوم تجاه الجماعة، قد أثارت غضب القاهرة، وخرجت وسائل إعلام مصرية مقربة من السلطة لتتهم النظام السوداني بالانتماء للإخوان المسلمين.

كما قد وجهت النيابة العامة المصرية اتهاماتٍ لتنظيم «حسم» المسلح، بتلقي تدريبات عسكرية على الأراضي السودانية؛ ما أثار غضب السودان الذي نفى بشكل قاطع أية استضافة لجماعات إرهابية أو مسلحة على أراضيه.

في المقابل، وكما أن السودان قد استضاف معارضين للحكومة المصرية، فإن القاهرة قد استضافت بعض معارضي نظام البشير، ففي أعقاب اعتقاله لمدة شهر في عام 2014 على يد سلطات الأمن السودانية، خرج زعيم حزب الأمة السوداني «الصادق المهدي» من البلاد، وقضى نحو عامين ونصف في منفى اختياري في القاهرة، قبل أن يعود إلى السودان مطلع العام الجاري، وقد نظر مراقبون إلى خطوة القاهرة باستضافة المهدي كمحاولة من السيسي لإظهار مبدأ «العين بالعين» مع نظام الإنقاذ.

من يُفضِّل الخليج: السيسي أم البشير؟  

في ظل سياسة «المحاور» التي هيمنت  علي العلاقات الدولية في المنطقة، سيما منذ اندلاع ثورات الربيع العربي مطلع 2011، وكون دول الخليج العربي – السعودية وقطر والإمارات على وجه الخصوص – قد صاروا اللاعبين الإقليميين الأهم في توجيه الدعم – أو الدعم المضاد لتلك الثورة أو تلك – ربما يكون نظام الرئيس السوداني عمر البشير هو الوحيد الذي جمع بين المتناقضات، فتمكّن من اكتساب صداقة – وربما تحالف – كل دول الخليج، بالرغم من أنها قلما تجتمع على دعم نظام سياسي في الظروف الإقليمية الراهنة.

مؤخرًا، توطدت علاقة النظام السوداني بكلّ دول الخليج تقريبًا، ما قد يرقى إلى وصف «التحالف الاستراتيجي» ربما.

لنبدأ بالسعودية، فقبل سنوات قليلة كان السودان يُصنّف كأحد الأبواب الخلفية لإيران في المنطقة، قبل أن يقرر البشير فجأة تغيير البوصلة؛ ليولي وجهه شطر الخليج، فقام بإنهاء نشاط المراكز الإيرانية الموجودة بالسودان في العام 2014، وزعم أنها تقود محاولات من إيران لنشر الطقوس الشيعية، مدشنًا مرحلة من التحالف مع الخليج، والتماهي مع «المحور السني» الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد النفوذ الإيراني.

وعطفًا على ذلك، أعلن السودان تأييده لعمليات «عاصفة الحزم» التي شنتها السعودية ضد الحوثيين حلفاء إيران في اليمن، وشارك آلاف الجنود السودانيين من القوات البرية والقوات الخاصة وجنود النخبة في تلك العمليات – بحسب تقديرات لوزير الدفاع السوداني – كما زعمت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله أن النظام السوداني باع السعودية معلومات عن الحزب، وطرق عمله عندما كان يستخدم الأراضي السودانية لإيصال السلاح إلى الفصائل الفلسطينية في غزة.

كما أقدمت السودان مطلع العام 2016 علي قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران ردًا على الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، ووصفت الخطوة بأنها تضامنًا مع الرياض في مواجهة «المخططات الإيرانية».

في المقابل، فتحت خزائن السعودية على مصراعيها للسودان، تعهدت المملكة بتمويل مشروعات للبنية التحتية في السودان، تضاعفت بسرعةٍ مهولة الاستثمارات السعودية الزراعية في السودان، كما تحدثت تقارير عن مساعٍ حثيثة شاركت فيها الرياض أدت في النهاية إلى رفع جزئي للعقوبات الأمريكية الاقتصادية المفروضة على السودان منذ نحو 20 عامًا.

امتد الدعم السعودي أيضًا إلى المجال العسكري، إذ تحدثت بعض المصادر عن منح السعودية للسودان مساعدات عسكرية بقيمة 5 مليارات دولار، كما شهدت مدينة «مروى» شمال الخرطوم أول مناوراتٍ جوية مشتركة بين القوات السودانية والسعودية، بحضور الرئيس عمر البشير، سمّيت باسم «مناورات الدرع الأزرق»، الأمر الذي يؤشر إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون بين جيشي البلدين.

على جانبٍ آخر، شهدت علاقات البشير مع الإمارات تطورًا متسارعًا، فقد حصل السودان في يناير (كانون الثاني) الماضي على وديعة إماراتية بقيمة 500 مليون دولار، إلى جانب التزام أبوظبي بتوفير حاجة الدولة من الجازولين لمدة ستة أشهر، وإنشاء محطة طاقة شمسية تنتج ألف ميجاوات من الكهرباء يوميًا.

بعدها بأسابيع كان رئيس أركان الجيش الإماراتي في الخرطوم باحثًا سبل التعاون العسكري بين البلدين، حيث تم تكريمه بـ «وسام النيلين» من الطبقة الأولي على يد الرئيس البشير، ولم تمضِ أيام حتى كانت طائرة الرئيس السوداني تحط في الإمارات، وهو الذي زارها في ديسمبر(كانون الأول) من العام الماضي، الأمر الذي يعطي انطباعًا حول المدى المتسارع لتطور العلاقة بين الخرطوم وأبو ظبي.

أما قطر، ففي حين أن علاقتها الوثيقة مع السودان ليست وليدة اللحظة، فإنها شهدت بدورها تطورًا كبيرًا في الشهور الأخيرة، تبلغ قيمة استثمارات الدوحة في السودان نحو 1.7 مليار دولار – يتوقع أن تصل إلى 2 مليار دولار نهاية العام الحالي – يتركز معظمها في القطاع الزراعي والمصرفي العقاري، كما أن للبلدين علاقات سياسية وثيقة، لعل أهم نتائجها الدور الذي لعبته الدوحة في إنهاء العقوبات الأمريكية على السودان، ومحاولات حل مشكلة إقليم دارفور.

وفي مارس (آذار) الماضي، زارت الشيخة «موزة بنت ناصر» السودان، في زيارة وُصفت بالتاريخية، لاقت خلالها حفاوة كبيرة على المستوى الرسمي والشعبي، وقد أثارت تلك الزيارة الكثير من الجدل وقوبلت بهجومٍ من الإعلام المصري، بعدما  نشرت الشيخة موزة عبر حساباتها الإلكترونية صورًا لها وهي تجول في منطقة  الأهرام السودانية في منطقة مروي التاريخية للإطلاع على أهرامات البجراوية التي يقوم بترميمها المشروع القطري السوداني للآثار، وقد علقت علي الزيارة بعبارة «السودان أم الدنيا»، الأمر الذي أدى إلى حملة إعلامية ضخمة شنتها وسائل الإعلام المصرية ضد الشيخة موزة والسودان.

لا تنظر مصر بعين الرضا إلى التقارب السوداني – الخليجي؛ إذ من المحتمل أن  الاستثمارات الخليجية في قطاع الزراعة والمياه وبناء السدود في السدود قد تؤثر على حصص القاهرة في مياه النيل، وهي التي تواجه أصلًا خطرًا كبيرًا في هذا الصدد متمثلًا في سد النهضة الإثيوبي. ومما قد يزيد من القلق المصري، ما تردد مؤخرًا من دعوات  تطالب بإعادة النظر في مسألة إمداد أراضي المملكة بمياه النيل عبر السودان، وهو ما لا ترتاح له القاهرة بالتأكيد خاصة في ظل الصراع المحتدم في حوض النيل حاليًا حول المياه وسد النهضة.

فضلًا عن ذلك، يمكن فهم أن كل تقارب سوداني مع الدوحة – وهي التي تعتبرها القاهرة عدوها اللدود – يتردد صداه في القاهرة كأمارة على نفوذ قطري متزايد في حديقتها الخلفية، وعلامةً على نزوح الخرطوم أكثر فأكثر قربًا من المحور «القطري الإخواني»، ولعل هذا ما يفسر الغضب الشديد الذي اجتاح وسائل الإعلام المصرية في أعقاب زيارة الشيخة موزة لأهرامات السودان، بلغ بالإعلامي المصري محمد الغيطي بوصف الأهرام السودانية بأنها مجرد «جبنة مثلثات»، مذكرا بأن السودان لم تكن إلا جزءًا من مصر.

وقد أدت تلك الحملة الإعلامية إلى تصعيد سياسي وإعلامي سوداني مقابل، فخرج المتحدث باسم الحكومة السودانية منددًا بالموقف المصري، معتبرًا أنّ تلك التصريحات «مسيئة إلى حضارة وآثار السودان»، ومشيرًا إلي أن «الأهرام السودانية أقدم من نظيرتها المصرية بألفي عام».

ومما زاد الطين بلة، أن زيارة الشيخة موزة إلى السودان جاءت قبل أيام قليلة من زيارة أمير قطر إلى إثيوبيا، وبموازاة زيارة للرئيس السوداني إلى أديس أبابا كذلك، في ظل تصريحات من وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور يؤكد فيها على «حق إثيوبيا في الاستفادة من مواردها الطبيعية»، الأمر الذي أثار المخاوف المصرية بأن ثمَّة تنسيقًا سودانيًا – إثيوبيًا برعاية قطرية، يؤدي إلى تسوياتٍ معينة ليست في صالح القاهرة.

وبعيدًا عن قطر، فإن القاهرة تنظر كذلك بعين الحذر إلى التقارب السوداني مع بقية دول الخليج: السعودية والإمارات، على وجه الخصوص، نظرًا إلى أن هذا الدعم قد يأتي على حساب مصر، ويشار هنا أن التقارب المذكور، كان يأتي في وقتٍ تزداد فيه العلاقات المصرية – الخليجية توترًا، على خلفية الموقف المصري – المخالف للرغبة الخليجية – من الملفين السوري واليمني، وقضية تيران وصنافير، وعدة ملفاتٍ أخرى.

ومن هنا فإن ثمة من يعتقد أن الخليج يهدف – من ضمن ما يهدف – من وراء تقاربه مع الخرطوم، إلى اتخاذها ورقة ضغط على نظام السيسي، وقد اتخذ البشير من العواصم والمنابر الإعلامية الخليجية منصاتٍ لتوجيه الانتقادات لمصر في المناسبات المختلفة، ففي مقابلةٍ أجراها مع قناة العربية، هدد الرجل باللجوء إلى مجلس الأمن في نزاع حلايب، وإن أكد أنه يتمتع بعلاقةٍ شخصية متميزة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فقد قال: إن لديه مشكلة مع «النظام المصري الذي يستقبل معارضين سودانيين تدعمهم المخابرات المصرية».

وفي حين أنه ليس من عادة أبو ظبي أن تسمح بتوجيه انتقادات لأحد «حلفائها» انطلاقًا من أراضيها، فقد كان من المفاجئ تصريحات الرئيس البشير لعدد من رؤساء تحرير الصحف السودانية المرافقين له في زيارته إلى الإمارات، حين أكد بأن هناك مؤسسات في مصر تتعامل مع السودان بعدائية، متهمًا جهات لم يسمّها داخل هذه المؤسسات بأنها تقود هذا الاتجاه. مجددًا هجومه علي الاستخبارات المصرية التي وصفها بأنها تتصرف بطريقة «تضر العلاقات بين البلدين».

حربٌ باردة في إفريقيا

حين قررت مصر خوض غمار المعركة الدبلوماسية والإعلامية ضد إثيوبيا علي خلفية إصرار الأخيرة على المضيّ قدمًا في المشروع الذي يُتوقع أن تنعكس آثاره سلبًا على القطاعات الحيوية المصرية، وقتها لم يتصور أغلب المراقبين، إلا أن السودان سيكون حليفًا طبيعيًا يصطفُّ إلى جانب الموقف المصري أيًا يكن، لكن الأيام كانت حُبلى بما لا تشتهي أنفس المصريين.

تدريجيًا، بدأت تتكشف حقيقة موقف الخرطوم من مسألة السد، وقد كان هذا الموقف في جوهره أقرب إلى أديس أبابا منه إلي القاهرة، حيث طمحت الخرطوم إلى الاستفادة من السد في حجز جزء من الكميات الكبيرة  من الطمي التي تصل إلى السودان من الهضبة الأثيوبية، فضلًا عن إسهام السد في حماية السودان من الفيضان، كما أن السودان  قد تلقى وعدًا أثيوبيًّا بإعطائِه أولوية في الاستفادة من الكهرباء التي سيولّدها السد، بما يساعد في سد جزء كبير من احتياجات البلاد من الطاقة.

أثار هذا الموقف السوداني ضيق القاهرة، سيما مع توالي الإشارات على أن التقارب السوداني الإثيوبي لا يزداد مع الزمن إلا قوةً وعمقا، لم يعد يترك المسؤولون السودانيون مناسبة، إلا ويعيدون التأكيد على «حق إثيوبيا» في بناء سد النهضة، وإن حرصوا في كل مرة على التأكيد على عدم الإضرار بالمصالح المصرية.

وفي خطوةٍ ذات دلالة،  تزامنت مع الذكرى السادسة لوضع حجر الأساس لسد النهضة، زار الرئيس السوداني عمر البشير العاصمة الأثيوبية مطلع أبريل (نيسان) الماضي، ليؤكد من هناك على أهمية الاستفادة من الموارد المائية لدول حوض النيل «بصورة عادلة»، كما تم الإعلان من هناك عن اتفاق الزعيمين علي «التكامل بين البلدين في كل المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، كما أعلن البشير في تصريح ذي دلالة أن «أيّ تهديد لأمن أثيوبيا سيعتبر تهديدًا لأمن السودان».

نظرت الصحافة المصرية بالطبع إلى تلك الزيارة بشكلٍ سلبيّ، وفيما يبدو، فقد قررت القاهرة الاستسلام لفكرة الاصطفاف السوداني إلى جانب الموقف الأثيوبي، وأخذت تبحث عن حلفاء جدد في إقليم حوض النيل.

مُنتصف ديسمبر(كانون الثاني) الماضي، حطت طائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أوغندا، حيث التقى بالرئيس يوري موسيفيني، بعدها بأيامٍ قليلة كان السيسي يلتقي برئيس دولة جنوب السودان سيلفا كير في القاهرة، قبل أن يطير في فبراير(شباط) مجددًا إلى العاصمة الكينية ليلتقي الرئيس الكيني كينياتا في زيارة استغرقت يومًا واحدًا.

دفع هذا النشاط الاستثنائي للسيسي إفريقيًا ببعض المراقبين إلى تلمُّس ملامح «الحلف الإقليمي» الجديد الذي تسعى القاهرة إلي نسجه لإحكام الحصار حول خصومها في المنطقة، تحدثت تقارير صحفية عن اتفاق ثلاثي بين مصر وأوغندا وجنوب السودان يقضي بالتعاون لدعم المعارضة المسلحة في كلٍ من إثيوبيا والسودان، على أن تقوم مصر بتوفير دعم عسكري واستخباراتي وإرسال مدربين عسكريين لتدريب الجيش الجنوبي والمتمردين.

وقد تعززت تلك الاتهامات حين ترددت علي لسان الرئيس السوداني شخصيًا، والذي أشار إلى أن «لديه معلومات عن دعم مصري لحكومة جنوب السودان بالأسلحة والذخائر».

كما اتهم المتمردون في جنوب السودان الحكومة المصرية بقصف مواقعهم لصالح القوات الحكومية، وهي الاتهامات التي نفاها الجانب المصري بشكلٍ قاطع، وإن قام جيش جنوب السودان بتوجيه شكر إلى الرئيس السيسي على «المساعدات الغذائية والطبية» التي تلقتها بلاده من مصر.

ويبدو أن الجهود المصرية لم تستثنِ إريتريا، جار إثيوبيا وعدوها  اللدود، تبادل المسؤولون الزيارات وعبارات المديح، وزار القيادي العسكري السابق «حمدي بدين» العاصمة الإريترية، لبحث التعاون في مجال «الثروة السمكية»، وهو ما رآه البعض إشارة على تعاون في محاور أكثر حساسية.  قبل أن تنقل مصادر في المعارضة الإريترية أن مصر بصدد إقامة  قاعدة عسكرية على  الأراضي الإريترية، وهي الادعاءات التي نفتها الحكومة المصرية.

ويبدو أن التحركات الإقليمية المصرية باتت تمثل هاجسًا لكلٍ من مصر والسودان، ففي مارس (آذار) الماضي، وعقب إعلان الحكومة الإثيوبية أنها صدّت هجوما لمجموعةٍ مسلحة على سد النهضة، وجهت أصابع الاتهام إلى مصر، كما نقلت مؤخرًا صحيفة «ميدل إيست مونيتور» عن مصادر استخبارية في الخرطوم، أن كلًا من السودان وإثيوبيا تتأهبانِ لصدّ هجومٍ قد تشنه طائرات عسكرية مصرية على منشآت سد النهضة.

اجمالي القراءات 1385
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق