4 نتائج مرعبة حتى الآن.. ربع قرن على الانقلاب العسكري في الجزائر

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٩ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


4 نتائج مرعبة حتى الآن.. ربع قرن على الانقلاب العسكري في الجزائر

المأساة الجزائرية.

شهد الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد أحد أعظم ثورات القرن العشرين، وهو البلد العاشر في المساحة عالميًا والأول إفريقيًا بأكثر من مليونين كلم2، وتعداد سكاني يفوق 40 مليون نسمة، ويمتلك احتياطيًّا من النفط والغاز يجعله ضمن الـ15 دولة الأولى في العالم في هذا الصدد، ويمتلك أحد أكبر صحارى العالم.

ومن أجل تجسيد الهدف الأسمى لاستقلال الجزائريين طيلة 132 سنة من الكفاح المستمر ضد الاحتلال الفرنسي، جاء بيان الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1954 بتشخيص الهدف من وراء الاستقلال، وهو إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، واحترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.

إلا أن هذين الهدفين اغتيلا بعد الاستقلال مباشرة، كما يرى العديد من المفكرين والمؤرخين ومنهم كبير المؤرخين سعد الله أبو القاسم، حيث صودرت الحريات، وانقلبوا على المبادئ الإسلامية، نحو النهج الاشتراكي الذي اختاره الراحلين أحمد بن بلة وخلفه هواري بومدين، في حين مُنعت جمعية العلماء المسلمين وعدد من قادة الثورة من النشاط وتعرض بعضهم للاعتقال، مثل الشيخ البشير الإبراهيمي الذي وضع تحت الإقامة الجبرية، في حين جرى تصفية العديد منهم، أمثال كريم بلقاسم والعقيد محمد شعباني.

في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1988، خرج الجزائريون للتظاهر ضد السلطات السياسية، وضد الحزب الواحد جبهة التحرير الوطني، للمطالبة بإنهاء الصعوبات الاجتماعية التي تدهورت مع تدهور أسعار النفط في ذلك الوقت، وردت قوات الأمن بعنف على المظاهرات التي اندلعت بالأحياء الشعبية للعاصمة الجزائر.

يروي الكثير من شهود عيان الأحداث عن كيفية اندلاع شرارة الاحتجاجات، وتحول الحراك الاجتماعي من ثورة الخبز إلى ثورة مطالبة برحيل الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، وإنهاء عهد الحزب الواحد، وإلى المطالبة بالحقوق السياسية باعتبارها خطوة أولى نحو الدخول إلى عهد سياسي جديد من دون استشراف نفق مظلم سيدون سنوات من العنف والموت القريب من رقاب الجزائريين.

في 23 فبراير (شباط) 1989 أعلنت السلطات في الجزائر عن تغيير دستور الدولة، فبعد 27 سنة من فترة الحزب الواحد في حكم البلاد، أقر الرئيس الشادلي بن جديد التعددية السياسية والحزبية والإعلامية في البلاد، وهو الدستور الذي يعتبره المراقبون أحد أفضل الدساتير في المنطقة العربية، وأول دستور عربي يقر التعددية والديمقراطية بشكل واسع من الحريات الأساسية.

الدستور دفع بالسياسيين والنشطاء والرافضين لسياسة الحزب الواحد إلى إعلان تأسيس مجموعة من الأحزاب والهيئات السياسية والنقابات ووسائل الإعلام (صحافة مكتوبة)، وهو المسار الذي مهد للجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) الفوز بالأغلبية في أول انتخابات تشريعية ومحلية تعددية، وكان ذلك في شهر ديسمبر (كانون الأول) 1991.

وبعد ربع قرن تقريبًا من مرور الانقلاب العسكري في الجزائر (يسميه المراقبون بهذا الاسم لأنه تعلق بتوقيف المسار الانتخابي)، نرصد لكم من خلال هذا التقرير أهم النتائج التي انعكست بعد عشرية دموية كالتي نشاهدها كل يوم في العراق وسورية واليمن وبقية المناطق المتوترة أمنيًا. الفرق بين اليوم في هذه المناطق وبين الأمس في الجزائر، هو عدم وجود شبكات التواصل الاجتماعي وقتها كالتي تنقل لنا الحدث في لحظته بالصوت والصورة حاليًا.

الاغتيال السياسي للديمقراطية

يقول وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار (1991- 1993) في كتابه »الجزائر إيقاف تقهقر مبرمج«، أن فوز (الفيس) في الانتخابات البرلمانية زرع الرعب في الرأي العام، فالإسلاميون الفائزون كانوا قد رفعوا شعار »الدولة الإسلامية بالصندوق أو البندقية« في استعراض للقوة الشعبية التي كانوا يحظون بها.

ويضيف: أن البلاد كانت على وشك حرب أهلية، خاصة مع تظاهر مجموعة من الهيئات والأحزاب السياسية الديمقراطية ضد تهديدات الإسلاميين، »ووقفنا باعتبارنا جيشًا مع هذه المنظمات لحماية الديمقراطية«.

ويقول نزار في نفس الكتاب الذي يعتبر توثيقًا للأحداث من جانبه، بأن قيادة الجيش أبلغت كافة رؤساء وزعماء الدول المتوسطية بقرار إيقاف المسار الانتخابي داخل البلاد، باستثناء فرنسا، التي يقول أنها كانت متفهمة للقرار لمعرفتها المسبقة بما يفكر فيه قادة (الفيس)، ومع الإعلان عن توقيف المسار الانتخابي سبقه فرض استقالة رئيس البلاد الشادلي بن جديد.

وبعد هذه الفترة الصعبة، تحولت الجزائر إلى مستنفع دموي راح ضحيته أكثر من 250 ألف قتيل، ومئات الألوف من المشردين والنازحين، من الأرياف نحو المدن، بالإضافة إلى الآلاف من الجرحى والمعاقين، جراء النزاعات الأمنية في وسط البلاد.

هذه الخسائر تعدت الأرواح نحو بروز تنظيمات »إرهابي» متعددة الأهداف ومنقسمة على نفسها، واستمر الصراع إلى عام 1995 الذي عرفت فيه الجزائر أول انتخابات تعددية شابها التزوير بوضوح أمام أعين الجميع، فالمرشح الإسلامي المحسوب على الإخوان المسلمين محفوظ نحناح راح ضحية تزوير انتخابي لمرشح العسكر اليامين زروال، الذي تخلى عن الرئاسة في أواخر عام 1998.

وانتقلت الرئاسة فيما بعد إلى الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، هذا الأخير يستمر إلى غاية الآن في الرئاسة، ويؤكد جميع المتابعين بأن الأحداث الدموية في العشرية الأخيرة من القرن العشرين، أحد الدوافع الرئيسية لاستمرار بوتفليقة في كرسي الحكم إلى الآن، وهي الأسباب التي تربط الاستمرار بالاستقرار مثلما يحدث عشية كل انتخابات برلمانية أو رئاسية.

التزوير الانتخابي، والانشقاق والتجوال السياسي، والصراع القائم في دوائر السلطة، وضعف التمثيل البرلماني، وعدم استقرار الحكومة، والتضييق على الحريات، والتعديلات المكررة للدستور (تقدر بأكثر من خمسة تعديلات أجراها بوتفليقة)، كلها أعراض لازمت المشهد السياسي الجزائري لقرابة ثلاث عقود من الزمن.

تمدد الجماعات الإرهابية إلى الجنوب

تمددت الجماعات الجهادية والمتشددة في منطقة الساحل الإفريقي، مباشرةً بعد نهاية النزاع الأمني داخل الجزائر مع بداية القرن الجديد (الـ21) ويقول الباحث الموريتاني محمد محمود أبو المعالي في »كتابة القاعدة وحلفاؤها في أزواد«، أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي انتقل من شمال ووسط الجزائر إلى جنوبها، لتستقر في شمال مالي للدخول في مواجهة عسكرية ضد الحملات الفرنسية.

ويقود هذه الجماعات، الرجل المطلوب دوليًا، مختار بلمختار (المولود في 1972) الذي أسس عدة كتائب ومجموعات جهادية بمنطقة الصحراء، بصفته أميرًا لها ومؤسسًا في الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وآخر هذه التنظيمات كتيبتا «الملثمون» و«الموقعون بالدم»، والتي نسبت لنفسها التفجير الانتحاري الذي استهدف مؤخرًا مخيمًا عسكريًا، أودى بالعشرات من القتلى.

الجماعات المتشددة استفادت معظمها من مواثيق الرحمة، والوئام المدني والمصالحة الوطنية التي طرحتها السلطات، منذ عام 1996 إلى غاية 2004، ولم ينه انتخاب بوتفليقة رئيسًا لولاية ثانية، الحضور الإرهابي في عدد من المناطق، واستُهدف بوتفليقة نفسه باعتباره رئيسًا أكثر من ثلاث مرات في محاولات لاغتياله، بالإضافة إلى الأخبار اليومية عن اعتقال ومصرع إرهابيين في مناطق مختلفة من البلاد.

سن اليأس السياسي للجزائري

يقول منير أبو إسلام، أحد الناجين من سجون التعذيب في الجزائر بأن النظام السياسي نجح في تحقيق منجزين نفسيين كبيرين، انعكسا بالسلبية على نفسية الجزائريين في الاهتمام بالشأن العام، ويخدمان حسبه المنتفعين من وراء مشاريعه وخططه الإستراتيجية، ويتمثلان في زرع اليأس خاصة في النخبة المثقفة من السياسيين والإعلاميين والشباب والنساء والنشطاء المعارضين له.

والمنجز الثاني باعتباره قيمة تفكيكية، وهي زرع الشك والريبة بين المكونات التاريخية والجهوية والفكرية للجزائريين، ويضيف أبو إسلام، الناشط في الحقل الدعوي والسياسي، أن هاتين القيمتين المرتبطتين بنفسية الجزائري، تعملان على تدمير الجهاز المناعي للمجتمع من خلال التشكيك في كل مبادرة سياسية أو تحرك جماهيري.

وتحولت أحداث العشرية السوداء (كما تسميها وسائل الإعلام المحلية) إلى مصطلح (المحرقة) حسب الداعين إلى عمل تحقيق في الفترة التي عرفت عمليات اغتيال وتقتيل وإبادة وتزوير لإرادة الشعب، ويقول أصحاب هذه الدعوات، بأن اللوبي الفرنسي في الجزائر وراء ما وقع من مشاهد عنف، والتي أدت إلى تغير في الخارطة الاجتماعية والنفسية والذهنية للجزائريين.

ويمنع قانون المصالحة الوطنية الذي أقرته السلطات الجزائرية، من إعادة فتح ملف العشرية السوداء، واتهمت منظمات حقوقية دولية السلطات الجزائرية من وراء هذا القانون، بحماية المتهمين وأطراف النزاع من العقوبات، الذي بحسبهم كانت سببًا في مآسي عدد كبير من العائلات، بالإضافة إلى أنه يساوي بين الجلاد والضحية في بلاد عانت من ويلات الإرهاب لعقدين من الزمن.

وأدت السنوات الصعبة التي مرت بها البلاد، إلى استقالة جماعية لغالبية الشعب الجزائري من الاهتمام بالشأن العام، وتعكس المشاركة في الانتخابات هذه النقطة عبر النسبة المنخفضة التي لا تتعدى 30 أو 35% من التصويت سواء في الانتخابات المحلية والتشريعية أو الرئاسية. وهذا ما أدى بالرئيس بوتفليقة إلى تعديل الدستور وتقديم التصويت عليه من داخل قبة البرلمان التي تحوز فيها أحزاب السلطة على الغالبية المطلقة.

خسائر اقتصادية وتفاقم المديونية الخارجية

تكبدت الجزائر حسب تقارير وهيئات دولية خسائر اقتصادية بأكثر من 50 مليار دولار، وأدت هذه الخسائر إلى اقتراض الجزائر أكثر من 40 مليار دولار في سنوات الغليان الأمني والعسكري في البلاد، كما لجأت أكثر من مرة للاقتراض من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى جدولة الديون خاصة مع انخفاض أسعار البترول في السنوات الأولى للأزمة الأمنية (1991 – 1993).

وبالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب، إلا أن الجزائريين، تعرفوا بعد عقد من الزمن على رجال أعمال كانوا مجهولين قبل بداية الأزمة، وتحولت فيما بعد هذه الوجوه إلى إمبراطوريات مالية ضخمة، مثل السجين عبد المومن خليفة، ويسعد ربراب، وعلي حداد في الوقت الحالي، وتقول مصادر إعلامية أن هذه الوجوه تمثل أرباب المال وملاك الإعلام الآن.

وتوثق مذكرات بعض الضباط الفارين إلى سويسرا وبريطانيا، مجموعة من الشواهد وعمليات شراء مساحات واسعة من الأراضي والمباني من كبار الجنرالات والتجار أثناء الأزمة، مع ابتزاز جماعات إرهابية للمواطنين في أموالهم وممتلكاتهم التي يتخلون عنها مقابل البقاء على قيد الحياة، وتعتبر هذه القضايا من المسكوت عنها داخل البلاد.

واحتاجت الجزائر إلى حوالي عشر سنوات كاملة من أجل المضي في بناء بنية تحتية، مثل الطريق السيار شرق غرب، والسدود المائية عبر كافة التراب الوطني، وكانت تبريرات الحكومة آنذاك هي عدم تعافي البلاد من انعكاسات سنوات الجمر التي مر بها المجتمع الجزائري.

وبعد سنوات من التفاعل الأمني والعسكري والسياسي والاجتماعي في الجزائر طيلة ربع قرن من الانقلاب على نتائج الانتخابات، يرى البعض أن ما حدث يمثل أحد الأسباب التي تؤكد عدم وجود شرعية للمؤسسات القائمة الآن، خاصة مع التعسف في استعمال السلطة من وجهة نظرهم، ويرى البعض الآخر بأن الجيش بتدخله أنقذ البلد من تجربة مماثلة لأفغانستان وباكستان والعراق، وعلى كل حال يسجل التاريخ أن 26 ديسمير (كانون الأول) 1991 أول وربما آخر -حتى الآن- انتخابات نزيهة لا يشوبها التزوير في البلاد.

اجمالي القراءات 1169
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق