«بائع شاطر وليس رجل دولة».. كيف يفسر علم الأعصاب فوز ترامب المفاجئ؟

اضيف الخبر في يوم الجمعة ١٨ - نوفمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


«بائع شاطر وليس رجل دولة».. كيف يفسر علم الأعصاب فوز ترامب المفاجئ؟

أفزع فوز الملياردير الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ بالانتخابات الرئاسية الأمريكية العديد من منظمي استطلاعات الرأي والسياسيين، والكثير من الصحافيين والجمهور، فهذا الفوز لم يكن متوقعًا على الإطلاق. لكن هذا الانتصار لم يفاجئ علماء الأعصاب بالتأكيد.

فقد دعت المحاولة إلى فهم السبب الذي أوصلنا إلى هذه النتائج الغريبة للانتخابات، إلى تنحية الارتباك الذي صاحب عقول الكثير من البشر المصدومين؛ لفهم نتائج الانتخابات بعقلانية، فهل يمكنك أن تتوقع أن الغضب هو ما دفع الناس لوضع ترامب في البيت الأبيض؟

العواطف

طبقًا لعلماء الأعصاب، فإن العواطف هي محفزات قوية للسلوك. وبالنسبة لمعظم الحيوانات، فإن العاطفة، وليس التفكير العقلاني هي التي تتحكم في السلوك الخاص بها، وهذا يبقى صحيحًا بالنسبة للأنواع العليا من المخلوقات، البشر الحكماء.

هذا الأمر يعني أن عملية اتخاذ القرار عندنا لا تجري من قبل عمليات التفكير، والاستنتاج المنطقي، والحكمة فقط. في الواقع، فإن أكثر القرارات المعقدة والخطيرة نتخذها ونحن نعتمد على مشاعر الانفعال الداخلية لدينا. على سبيل المثال، فإن الشخص الذي تريد الزواج منه، تختاره طبقًا لمشاعرك الداخلية، وليس بعقلك فقط، أضف إلى هذا المكان الذي تفضل أن تسكن فيه، أو حتى ما هو الطبق الرئيسي الذي ستختاره من قائمة العشاء، كل هذه القرارات لا نتخذها عن طريق السببية العقلانية، ولكننا نختارها طبقًا لما «نشعر به تجاهها».

السبب وراء وجود العواطف لدينا هو أننا في حاجة إليها. تنشأ هذه العواطف من شبكة عصبية مثيرة للدهشة تقوم بعملية تحليل فورية معقدة للغاية لوضعنا، ثم تحدد لنا المضمار الخاص للعمل الذي يجب أن نفعله. ولإنجاز هذا، فإن مدخلات من جميع الحواس الموجودة لدينا تتحرك باتجاه الجهاز الحوفي في الدماغ (limbic system)، وهو منطقة مستقلة في الدماغ مسؤولة عن الوظائف الانفعالية، تتحكم بنا حين تسيطر علينا الانفعالات، كالشهوة، والحب، والخوف، والإحباط، والحسد، وغيرها، ويمكن أن نجمل هذا الجهاز في سبع وظائف: هي: الانفعالات، والمشاعر، والدوافع، والسلوك، والعدوانية، والذاكرة، والتعلم.

 

 

 

 

 

يقوم الجهاز الحوفي عبر هذه المدخلات بتقييم حالتنا الداخلية والخارجية، وبالإضافة لعملية غربلة مستمرة لدفق البيانات من أجل التنبه لوجود خطر معين. كل عمليات معالجة المعلومات هذه تجري تحت مستوى الوعي والتفكير العقلاني، وذلك لأن هذه الكمية الهائلة من المعلومات يمكن أن تسحق عقلنا الواعي إذا ما تعامل معها.

نحن لا نستطيع تحمل ما يزيد عن سلسلة يرثى لها مكونة من سبعة أرقام في ذاكرتنا العاملة في المتوسط، وهذا هو السبب في أن الخطوات البسيطة الخاصة بعملية قسمة حسابية طويلة تتطلب قلم رصاص، وورقة. فعندما تواجه حالاتٍ معقدة جدًّا، فإن دائرتنا العميقة الخاصة بعملية تقييم التهديدات في مخنا، وليس فقط القشرة الدماغية المسؤولة عن العمليات العقلية الواعية، هي غالبًا ما تنتقل بنا إلى اتخاذ العمل، خاصةً عندما تكون رفاهيتنا الأساسية على المحك.

لكن من المعروف لعلماء الأعصاب أن اللغة تنشأ من الدوائر العصبية الموجودة في القشرة الدماغية، وبالتالي فإن النظام تحت القشرة الدماغية المختص بالكشف عن التهديدات في الدماغ (الجهاز الحوفي)، لا يتواصل من خلال الكلمات، ولكنه يستخدم بدلًا من ذلك العواطف متعددة الألوان، فكل شعور عاطفي يتصل بشكل واضح بالإدراك الواعي لدينا لتوضيح التهديد الذي يواجهنا: مثل الجوع، والخوف، والشعور بالوحدة، والعزلة، والغيرة، والإحباط، ينشأ نتيجة عنها قوس قزح من الألوان اللانهائية، لكن لكل نوع من هذه التهديدات لونًا مميزًا يعكس المعنى ببراعة.

الخوف والتهديد

كثيرون في الولايات المتحدة يشعرون بالغضب والخوف والتهديد. تنشأ هذه المشاعر من تصوراتهم عن المخاطر الشخصية، والتمزق الاجتماعي، والاغتراب، والتهديدات الوشيكة للإرهاب، والخوف من حكومة مختلة بشكل مزمن. وقد فهم منظمو استطلاعات الرأي الأمر فهمًا خاطئًا، لأنهم لم يستوعبوا أن الفعل الخاص بطرح سؤال يحمل افتراضًا ضمنيًّا بوجود تفسير منطقي.

لكن الغضب ليس سببًا. والعواطف لا يمكن الوصول إليها من قبل التخمين الذاتي، ألا تلاحظ أن هناك من يصرخ أحيانًا، ويقول: «أنا لست غاضبًا»، وهو غاضب بالفعل، بالرغم من أنه يقول العكس. فالكلمات تنبع من القشرة الدماغية الخاصة بالعقل السببي والإدراك الواعي، بينما الصرخة نابعة من الجهاز الحوفي الذي يحمل مشاعرك اللاواعية. الناس في أمريكا غاضبون، والعاطفة الناجمة عن الغضب تخدم غرضًا واحدًا فقط، هو إعدادك للقتال.

بالنسبة لجميع الحيوانات، والبشر أيضًا، فإن القتال هو أمر محفوف بالمخاطر، وهذا ما يجعل عددًا قليلًا جدًّا من المشغلات المحددة، هي التي تعمل على تفعيل الدوائر العصبية التي تنطلق بنا إلى الغضب العنيف. ويجري حاليًا تحديد هذه الدوائر العصبية التي تدفعنا نحو الغضب الدفاعي، ومع هذه المعلومات الجديدة جرى استبدال فكرة «سحلية المخ» التي عفا عليها الزمن، بالجهاز الحوفي لدينا، الذي يدفعنا للقيام بأمور، بفهم أكثر تفصيلًا بكثير. ويقصد بسحلية المخ جزءًا من الجهاز الحوفي، التي يطلق عليها اسم اللوزة الدماغية (amygdala). واللوزة الدماغية هي جزء قديم من الدماغ، يؤدي وظيفته الخاصة به تلقائيًّا، دون أن يعطي أي اهتمام للكثير من الأوامر التي تأتي من أجزاء المخ الخاصة بالعقل الواعي، الذي يسيطر عليه الإنسان مباشرةً. بصورة أبسط، فإنه لا يمكنك أن تقول للوزة دماغية مفرطة في النشاط والحساسية أن تهدأ، ليس الأمر بهذه البساطة.

 


تُفعّل أنواع مختلفة من التهديدات دوائر مختلفة من الغضب، والعدوان الدفاعي في الدماغ. معظم هذه الدوائر محفورة بعمق في أدمغتنا نتيجة عملية التطور التي شهدتها أدمغتنا مع مرور الزمن. رد فعل الأم اللحظي للرد على عدوان غير محدود إذا لزم الأمر لحماية طفلها هو مثال مألوف. هذه الدائرة الخاصة برد فعل الأم منفصلة عن الدوائر العصبية التي تطلق لنا العدوان الدفاعي ردًّا على نوع آخر من الخطر، مواجهة دخيل غريب على سبيل المثال. وبالتالي لفهم هذه الانتخابات يجب أن نفهم آلية الكشف عن التهديد في الدماغ.

اقرأ أيضًا: نعم.. يمكنك أن تدرب مخك على عدم الشعور بالخوف

فهم آلية التهديد

ككائنات اجتماعية بطبعها، فإن بقاءنا الفردي يعتمد تمامًا على كوننا أعضاءً في جماعة أو قبيلة، ودوائر الدماغ التي تسمح لنا بالتصنيف الفوري لأي شخص بأنه يتبع «نحن»، أو «هم» يقع في منطقة الفص الجبهي للقشرة الدماغية. هذه الدوائر تتفاعل مع الجهاز الحوفي لتتسبب في إثارة الغضب والعدوان العنيف للحفاظ على النظام الاجتماعي، وحماية القبيلة الخاصة بنا، وذبح القبيلة الأخرى إذا لزم الأمر للحفاظ على أنفسنا.

ينبع جوهر الخوف والغضب الذي يجتاح العديد من الناس اليوم، من هذه الدوائر العصبية الخاصة بالعدوان الدفاعي والغضب لحماية القبيلة الخاصة بنا. وهذا الأمر صحيح لأنصار كلا المرشحين، سواء كانوا المنتمين للطبقة العاملة الذين يخشون أن تؤخذ معيشتهم بعيدًا، أو النساء اللواتي يشعرن بقلة فرص الاحترام، أوالأحزاب السياسية المهددة من قبل الأحزاب المتنافسة، أو أجناس الناس الذي يشعرون بالتشريد، والرفض، والاستبعاد، أو الأفراد الذي يشعرون بعدم حصولهم على نصيبهم العادل من ثروة البلاد.

هذا المنظور لعلم الأعصاب يوضح الوضع الراهن غير المفهوم لانتصار الملياردير، ليصبح بطل رجال الطبقة العاملة، وبطل النساء اللواتي يشعرن بالغضب والتهديد. هذا أمر محير وغير منطقي ولا يحوي أي تفسير عقلاني كي يكون ترامب البطل غير المحتمل للطبقة العاملة، ولكن نداءاته ومناشداته للغضب، والخوف، والإحباط الذي يشعر به الكثيرون، يمثل نداءً إلى الجهاز الحوفي في الدماغ، يتسق تمامًا مع كيفية عمل الدماغ البشري فيما يتعلق بالقرارات المعقدة التي تعتمد على العاطفة، عندما تواجه القرارات المهمة.

 

 

 

 

لاحظ أن المثل يقول إن العطور لا تباع عبر وصف الكيفية التي سوف تجعلنا نشم بها الرائحة، ولكنها تباع نتيجة الكيفية التي ستجعلنا نشعر بها. هذا هو الحال مع بيع العقارات. العقلانية تقول إننا نعلم أن جميع السيارات تسافر بنفس السرعة على الطرق. فكيف يمكن أن نفسر -بعقلانية- الحاجة لشراء سيارة كورفيت ذات قوة 500 حصان، رغم أن سيارة بعشر ثمنها ستؤدي نفس الغرض على الطريق؟ هنا فإن التسويق بمهارة يحتاج إلى لهجة تخاطب من خلالها العاطفة؛ كي ندفع المشتري لاتخاذ قرار الشراء.

والمشكلة هي أن نظام الكشف عن التهديدات في دماغنا يعمل في الوقت الحقيقي، وعواطفنا تقيم الوضع الراهن لدينا. فمن المستحيل بالتالي أن تشعر بالحب، أو الكراهية تجاه شخص ما لم تقابله بعد. هذا هو السبب في أن القشرة الدماغية لديها صلات نحو الجهاز الحوفي لتجاوز الدوافع العاجلة التي تنشأ أساسًا لحظة بلحظة. السببية العقلانية يمكنها التخطيط، ووضع إستراتيجية للمستقبل، نحن لدينا هذه القدرة المعرفية لهدف حيوي، وهو تجنب العواقب الوخيمة التي تسببها العاطفة، والتي نطلق عليها اسم «الندم».

لقد عبر الشعب الأمريكي عن رأيه من خلال عاطفته، وسوف نعيش كلنا مع عواقب هذا الاختيار. كل شخص من الذين صوتوا في الانتخابات الأمريكية فعل ذلك من خلال الاعتماد على قدرات صنع القرار التي زودته بها دماغه، سواء من خلال السببية العقلية، أو الغضب.

وقد كشفت الانتخابات عن انقسام عميق في المجتمع، من الخوف الظاهر، والقبلية الواضحة. وسواء أدت هذه الانقسامات إلى تفجر الطائفية، أو توحيد الشعب الأمريكي، فإن ما سيحدد هذا الأمر هو نفس الدوائر العصبية في منطقة الفص الجبهي للقشرة الدماغية، التي تفصل بين «نحن» و«هم».

وقد خلص الناخبون إلى أن أفضل شخص يمكن أن ينجح في معالجة هذه الدوائر العصبية الحيوية جدًّا لبقائهم، ليس رجل دولة، بل مجرد بائع شاطر، وسنرى ما سيحمله لنا الزمن.

اجمالي القراءات 1521
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق