التحولات البشرية.. البداية التي صنعت الثورة الرقمية

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٩ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


التحولات البشرية.. البداية التي صنعت الثورة الرقمية

 
التحولات البشرية.. البداية التي صنعت الثورة الرقمية
  • لم تنفصل التغيرات التكنولوجية الهائلة عن الخفايا الداخلية للإنسان وميولاته وغرائزه، بل اعتمدت بشكل أساسي على هواجسه وتغيراته النفسية وحاجته إلى التواصل مع الآخرين، ليتغير بذلك معنى الزمن عند كل شخص ويصبح الاهتمام، الذي كان سيتأجل للغد بسبب مشكلة المسافة، الاستجابة إليه ممكنة في اللحظة الراهنة.
العرب  [نُشر في 30/07/2016، العدد: 10350، ص(18)]
 
خصوصية الإنسان تتلاشى في زحمة التواصل الاجتماعي
 
لندن - تشكلت جوانب كثيرة من العالم الرقمي اليوم، قبل عصر الكمبيوتر الشخصي والهاتف الذكي. ولم تقتصر الثورة الرقمية على الشأن التكنولوجي، بل شملت تغيرات أخرى تتعلق بمعنى الإنسان ذاته، تغيرات في أشكال الحدود النفسية التي تفرق بين الحياة الداخلية والعالم الخارجي للبشر، وزاد فجأة معدل وحجم التغير في حياة الجميع تقريبا.

وفي مقال نشره موقع “ذي نيويورك ريفيو أوف بوكس” حاول الكاتب إدوارد ميدلسن التعرض بعمق وبالكثير من التفصيل إلى الحقبات التي مر بها العالم الرقمي وصولا إلى زمننا هذا، مستعرضا عددا من الكتب التي تناولت بالب"singlequote"> خوارزميات محركات البحث تفصل المستخدم عن المعلومات التي لا تتفق مع وجهات نظره، وتعزله في مستوى فقاعاته الفكرية الخاصة

وقبل هذا، كان كل شخص بإمكانه أن يتوقع أنه قد يأتي زمن يجد فيه المرء نفسه وحيدا ومهمشا، ولا أحد يهتم به من العائلة أو الأصدقاء، لكن تلك الحقبة انتهت بفضل التكنولوجيا. لقد تغير معنى الزمن عند كل شخص وأصبح الاهتمام الذي كان يتأجل إلى الغد بسبب مشكلة المسافة الاستجابة إليه ممكنة في اللحظة الراهنة، فعندما يبلغك الهاتف الذكي بالرسائل والتنبيهات والإخطارات التي تحتاج إلى إجابات فورية، فهو يدفع القلق الذي ينتابك إذا ما فشلت تلك الرسائل في الوصول إليك.

ازداد استخدام أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية في الحياة اليومية في العصر الرقمي، وخاصة في ألعاب الفيديو حيث يبقى أحد اللاعبين في حالة من الحرص واليقظة ضد الاختراقات المفاجئة لا يمكن التنبؤ بها والتي يجب التعامل معها بشكل فوري بتجنب خطر الموت الظاهري. ولا شك أن لذلك البعض من الفوائد، حيث تفيد الدراسات بأن السائقين الذين يلعبون ألعاب الفيديو أسرع من غيرهم في الرد على الخطر المفاجئ، وهم أكثر قدرة على النجاة.

خطر المراقبة المستمرة

تعد المراقبة المستمرة أكبر خطر اجتماعي من الثورة الرقمية مع مستويات مختلفة من فضول مستخدمي الهواتف الذكية لمراقبة الآخرين. وتضمن كتاب “إكبوزد” (الظاهر) لبرنار هاركورت استطلاعا للأضرار التي لحقت خصوصية الإنسان عن طريق وكالات التجسس والشركات الخاصة، وبتشجيع من المواطنين الذين ينشرون التحديثات المستمرة عن أنفسهم عبر الإنترنت.

ويعتمد هاركورت في كتابه بشكل كبير على كتاب ميشال فوكو “المراقبة والمعاقبة” (1975) مع الأخذ في الاعتبار “المجتمع التفسيري” اليوم.

وخلافا لمجتمع القرن التاسع عشر، الذي تناوله فوكو بالتحليل، حيث كان يعلم السجين بأنه مسجون ويعلم من هم سجانوه، يتميز مجتمع اليوم بنشر التغريدات على تويتر والصور على إنستغرام وبالتالي أصبح التجسس على الأشخاص في متناول أي كان، وبخلاف بعض الاستثناءات يبدو أن العديد من الأشخاص يحبذون أن يكونوا عرضة للتجسس.

وبعد ظهور كتاب هاركورت، دخلت شركة آبل في صراع مع الحكومة الأميركية، عندما حاول مكتب التحقيقات الفيدرالي إجبار آبل على فك شيفرة جهاز أيفون لأحد الإرهابيين الذي نفذ هجوما مسلحا على الأراضي الأميركية.

وحظيت آبل بقدر كبير من الإعجاب لأنها منعت عمليات الإطلاع على خصوصية الأشخاص، في حين أن برامجها تم تصميمها للتدخل في خصوصية الجميع عبر الرسائل والإعلانات والتنبيهات والإخطارات. ولا يمكن للنخبة التقليل من هذه الاختراقات سوى إلى الحد الذي تسمح به شركة آبل، ويمكن لأقوياء العزيمة إيقاف تشغيل هواتفهم، ولكن آبل تعتمد على القبول السلبي للأشخاص بالانقطاع والتنصّت من أجل الحفاظ على نقل بياناتهم المربحة.

وأصبح التواصل الرقمي يشكل بعض الأهوال مثل العيش في الوهم لأن أغلب علاقات التواصل بين الأشخاص أصبحت افتراضية، في ظل غياب خصوصية الإنسان وأحيانا العزلة، ولكن هذه الأهوال ليست خاصة بالعصر الرقمي، ولا هي نتاج الإنترنت.

التواصل الرقمي أصبح يشكل بعض الأهوال مثل العيش في الوهم لأن أغلب علاقات التواصل بين الأشخاص أصبحت افتراضية، في ظل غياب خصوصية الإنسان وأحيانا العزلة

الانعزال في فقاعة المعلومات

تتحدث إيلي باريسر في كتاب “فقاعة المرشح” (2011) عن تقنية يستخدمها عدد من محركات البحث في تحديد نتائج البحث المعروضة للمستخدمين. وتتمثل هذه التقنية في قيام خوارزميات محركات البحث بتخمين المعلومات التي قد يفضل المستخدم أن يراها بناء على معلومات عنه (مثل المكان وسلوكيات النقر الماضية وتاريخ البحث). ونتيجة لذلك، يصبح المستخدم منفصلا عن المعلومات التي لا تتفق مع وجهات نظره، ويعزل المستخدم في فقاعاته الثقافية أو الفكرية، وهذه هي التقنيات المستخدمة من طرف غوغل وأمازون وآبل لإثراء نتائج البحث أو تقديم اقتراحات عن المعلومة التي قد تحظى باهتمام المستخدمين.

ويوفر العالم الرقمي كميات غير مسبوقة من المعلومات المتاحة للجميع، ويمكن نقل مواقف الشخص السابقة حول بعض القضايا والمشاكل. فمن ناحيتها، تعتمد موسوعة ويكيبيديا على “الإجماع” باعتباره الحكم النهائي للمحتوى، بدلا من الاعتماد على مجلس من المحررين الذين يفترض أنهم من الخبراء، وتقوم ويكيبيديا باستمرار بإدخال التحديثات والتعديلات خاصة في مجالات الرياضيات والعلوم، وبنسبة أقل جدا التاريخ والأدب، حيث تشكو معلوماتها في بعض الأحيان من قلة الدقة.

ويقول والت ويتمان في كتاب “أوراق العشب”، إن الجميع ينشأ في جو من التوقعات المثيرة والخيال اللذين يشكلان ثقافته، إلا أن الإنترنت غيرت جذريا هذا المناخ، وعلى سبيل المثال كان الخيال الجنسي للشباب شديد الخصوصية في السابق، ولكن بعد غزو الإنترنت أصبحت صور النساء متاحة للجميع.

ورغم أن لكل ثقافة منهجها الخاص في التعامل مع المسائل الجنسية، إلا أن ديفيد فاندنبارغ في كتابه “الطبيعة المتغيرة للرجل” يرى أن تشوهات العصر الرقمي تختلف عن التشويش على المسائل الجنسية الذي كان سائدا خلال القرن التاسع عشر، حيث كان العديد من رجال الطبقة الوسطى في العهد الفيكتوري يعانون من الاضطراب، وعدم القدرة على إقامة علاقات جنسية مع نساء من الطبقة المتوسطة لأن الرجال يربطون المسائل الجنسية بالتوابع الاجتماعية المتدهورة، ويجعلون من المرأة “النقية” من نفس طبقتهم أنموذجا ومثالا.

وبنفس الصورة القديمة، يبدو الشباب اليوم مضطربين وغير قادرين على إقامة علاقات مع النساء نظرا إلى الصورة التي يحملونها على النساء. ويشكو معلقون في العصور الوسطى من أن النساء الشابات كن يعانين من هشاشة عاطفية بدرجة كبيرة قبل 30 عاما مضت.

ومثل مختلف مميزات العالم الرقمي، حمل المناخ الجنسي الجديد مزيجا من الإيجابيات والسلبيات، ومن ذلك الانفتاح على آفاق جديدة من الألفة التي تجمع بين البشر.

وفي الوقت نفسه، يتم تدريس الجسم للعثور على نطاقات جديدة يمكن استثمارها رقميا، حيث تتوقع آبل وسامسونغ، وغيرها من الشركات أن تحقق أرباحا كبيرة من الأنظمة التي تستخدم أجهزة استشعار في “الساعات الذكية”، والتي تمكن من تسجيل البيانات الفسيولوجية من بينها فحص الدم.


اجمالي القراءات 897
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق