صراع أجهزة الدولة السيادية حول أداء السيسي

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٠ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: بوابة يناير


صراع أجهزة الدولة السيادية حول أداء السيسي

ترتيب الأجهزة الأمنية قبل الثورة يختلف عن بعدها.. والمخابرات الحربية هي الآمر الناهي منذ تنحي مبارك

>> السيسي صاحب الفضل في تعاظم نفوذ المخابرات الحربية.. وإقالة مبارك للمشير طنطاوي كانت كلمة السر

>> غضب في المخابرات العامة من طريقة حكم السيسي.. والجهاز تم تفريغه وحرمانه من نفوذه.. والحربية تريده ان يكون أكثر عنفا

>> الداخلية هي الحلقة الأضعف.. وكل دورها تنفيذ أوامر المخابرات الحربية

كتب: عبدالرحمن كمال

كما كانت الأجهزة الأمنية سببا رئيسيا في إسقاط المخلوع مبارك، يبدو أنها ستكون أيضا سببا كبيرا في الإطاحة بالسيسي، بعد الصراع الخفي الدائر بين الأجهزة السيادية حول طريقة إدارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للبلاد.

قبل ثورة 25 يناير، كان ترتيب الأجهزة الأمنية وفقاً لمكانتها ونفوذها وتأثيرها على القرار الصري، مغاير تماما لما بعد 25 يناير. ولا ينكر أحد أن الانتهاكات التي اشتهرت بها وزارة الداخلية فيي عهد مبارك كانت من ضمن الأسباب التي لعبت دورا مؤثرا في خروج المتظاهرين إلى الشوراع، كما ان الداخلية نفسها كان لها دوراً كبيراً في قرارات المخلوع مبارك بعد ان فطن العادلي إلى حقيقة أن حماية النظام أهم من حماية المواطنين، فكثف مجهود الوزارة وخصصه فقط في الأمن السسيسي عبر جهاز أمن ادولة اليد الطولى لنظام مبارك.

لكن وزارة الداخلية لم تكن صاحبة المقام الأول في ترتيب الأجهزة الأمنية في عهد المخلوع مبارك، رغم أهميته للنظام، وإن كانت مكانتها ونفوذها أيام مبارك أكبر بكثير من عهد السيسي، رغم ان انتهاكاتها في عهد السيسي تفوق بمراحل انتهاكات حبيب العادلي.

ترتيب الأجهزة الأمنية قبل 25 يناير

كما قلنا آنفاً، كان نفوذ الأجهزة الأمنية قبل الثورة مغاير تماما لترتيبها الحالي، ويمكن توضيح ترتيبها كما يلي:

1/ المخابرات العامة: كان هذا الجهاز يتربع على رأس الأجهزة الأمنية بفضل دهاء عمر سليمان، ورغم ان الأمر الواضح وقتها هي البعد النسبي للجهاز عن الأضواء، وعدم تصديه للأحداث كم كان يفعل حبيب العادلي، فهذا بحكم طبيعة عمل جهاز المخابرات العامة.

كان حبيب العادلي ووزارة الداخلية يمثلان «البعبع» الذي يستخدمه النظام لتخويف المواطنين، وترهيب المعارضين، عبر الجهاز سيء السمعة «أمن الدولة»، إلا ان نفوذ العادلي وجهازه ورغم وضوح دورهم في الحياة السياسية، إلا أنه كان مثل الدوبلير الذي ينفذ الأدوار الخطرة، مقابل بعض الامتيازات.

لكن جهاز المخابرات العامة كان على رأس الأجهزة الأمنية المقربة من الرئيس المخلوع، بنفوذه الهائل على مكونات الحياة السياسية في مصر، عبر السيطرة على العديد من الأحزاب والكتاب والصحف ورؤساء التحرير بل ورموز العمل السياسي الذين كانوا مجرد دمى في يد الجهاز.

كان جهاز المخابرات العامة يمتلك رجالا في كل المجالات، يأمرهم فيتحركون ويحركون الدفة في الاتجاه الذي يريده عمر سليمان، كما كان للجهاز رجال في كل التيارات السياسية والأحزاب، من أول جماعة الإخوان وحتى أصغر تنظيم أو حزب يسار أو علماني أو ناصري.

ولولا ان القدر لم يمهل عمر سليمان ليعيش ويفصح عن بعض ما يعرفه، لكان من الجائز أن تنكشف أقنعة عديدة لم تسقط بعد، لكن مؤامرة قتله على يد أجهزة سيادية مصرية خليجية أمريكية عجلت بنهايته وضمنت اختفاء ما يعرفه إلى الأبد.

2/ المخابرات الحربية: كانت المخابرات الحربية تستمد نفوذها وأهميتها من كونها تابعة لمؤسسة القوات المسلحة التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع مبارك، والتي كان يرأسها قبل الثورة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.

قوة المخابرات الحربية قبل الثورة كانت تتمركز في السيطرة على المؤسسة العسكرية، وضمان تحقيق كامب ديفيد بحذافيرها، سواء تطبيقا سياسيا (بضمان إبقاء المعاهدة سارية المفعول) أو عسكرا (عبر المحافظة على بنود المعاهدة فيما يخص سيناء).

وفي مقابل هذا الدور، كان للقوات المسلحة قبل الثورة مكانة مقدسة لا يجرؤ أحد مهما كان على الاقتراب منها، بالإضافة إلى حالة الحب والاحترام الشعبي للجيش المصري المترسخة في عقول وقلوب المصريين.

وإذا كانت المخابرت العامة تعتمد على طابعها السري وشراء الرجال والأفكار، وإذا كانت الداخلية تعتمد على الترهيب، فإن جهاز المخابات الحربية كان يعتمد بشكل رئيس على نقطتين مهمتين، هما الأوامر الصارمة من الرئيس المخلوع بالابتعاد نهائيا عن الجيش، لاسيما لأنه حلقة الوصل بين النظام وأمريكا (أكبر دليل على ذلك ملف صفقات السلاح بين مصر وأمريكا الذي يشرف عليه الجيش بشكل منفرد، وزيارة رئيس الأركان سامي عنان لأمريكا وقت اندلاع الثورة) والنقطة الأخرى حب الجماهير للمؤسسة العسكرية وتقديرهما لها، بما في ذلك النخب السياسية والإعلامية.

3/ وزارة الداخلية: أو يمكن الاستعاضة عن الوزارة بجهاز أمن الدولة فقط، وقد اوضحنا حقيقة دوره في مجمل الحديث السابق.

ترتيب الأجهزة بعد الثورة وإقالة طنطاوي

أثناء اندلاع الثورة، كان الترتيب السابق تقريبا كما هو، ويكفى فقط الإشارة إلى لجوء المخلوع مبارك إلى عمر سليمان وتعيينه نائبا له، في محاولة لإنقاذ المركب الغارق، وجلوس عمر سليان مع أطراف محسوبة على الثورة في الاجتماع الشهير الذي حره أحزاب ليبرالية ويسارية بالإضافة إلى المعزول مرسي ممثلا عن جماعة الإخوان.

عمر سليمان الذي كانت علاقته سيئة جدا بقيادات الجيش وخاصة المشير طنطاوي، كان هو الحائط الذي لجا له مبارك بعد الثورة، وهو تصرف نابع من أهمية عمر سليمان ودور الجهاز الذي يرأسه، لكن، وفي أثناء تزايد نفوذ عمر سليمان، حدث ما لم يتوقعه أحد، حيث صعد نفوذ المخابرات الحربية بشكل مفزع.

في يوم التنحي، قرر المخلوع مبارك إقالة المشير طنطاوي، وأرسل اسطوانة «سي دي» إلى ماسبيرو وقطاع الأخبار الذي كان رأسه وقتها عبد اللطيف المناوي، لبثها على التلفزيون.

وما ان علم المناوي بمضمون الاسطوانة، حتى هرع إلى المخابرات الحربية التي كانت تسيطر على ماسبيرو منذ اندلاع الثورة، وقام بتسليم الأسطوانة إلى الجهاز الذي كان يديره الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، التلميذ المقرب من المشير طنطاوي، ليسلمها بدوره إلى المجلس العسكري الذي تفاجأ من قرار مبارك، وقرر ان وقت مبارك قد انتهى، وأجبروا عمر سليمان على بيان التنحي، وسط روايات مختلفة وغير مؤكدة عن إلقاء البيان تحت تهديد السلاح.

وكانت لحظة التنحي إيذانا بتغول المخابرات الحربية على كافة الأجهزة الأمنية الأخرى، وبالأخص جهاز المخابرات العامة، وأصبحت المخابرات الحربية هي الجهاز الأمني الأول في مصر، حتى في عهد الإخوان.

سيطرت المخابرات العامة على كل الملفات التي كانت بحوزة الأجهزة الأمنية الأخرى، بما في ذلك ملفات المخابرات العامة، وملفات أمن الدولة عقب واقعة اقتحام مقره المفتعلة، لتسليم الجهاز بما يعرفه ويملكه إلى المخابرات الحربية.

السيسي مدير المخابرات رئيساً

إذا سرعنا وتيرة الأحداث، منذ تنحي مبارك وحتى عزل مرسي، سنصل إلى لحظة تنصيب السيسي، مدير المخابرات الحربية وصاحب الفضل في سيطرة الجهاز على هرم الأجهزة الأمنية المصرية، رئيسا للبلاد.

طريقة إدارة الرئيس السيسي للبلاد محيرة بالفعل، ولا تتناسب التصريحات والخطابات التي يلقيها مع ماضيه ودوره المؤثر في تاريخ المخابرات الحربية، لاسيما بعد الانهيار الاقتصادي المتزايد.

لكن الأمر الأكثر غموضا هو طريقة تعامل جهاز المخابرات الحربية مع السيسي رئيس الجمهورية، ومدير الجهاز السابق وصاحب الفضل على نفوذه الحالي.

المعروف عن كافة مؤسسات القوات المسلحة ميلها اكثر إلفى تنفيذ الأمر دون نقاش، وهذا امر من صميم عقيدة الرجل العسكري، الذي يتم إعداده على أنه دوما في حرب ولا يملك وقتا كافيا للتشاور وتداول الأمر مع مرؤسيه.

وهذا هو الفارق بين المخابرات العامة والمخابرات الحربية، فالأولى تميل أكثر إلى ما يمكن أن نطلق عليه «القوة الناعمة» أو لغة العقل، والتحكم في الخصوم بوسائل عديدة آخرها الترهيب، في حين أن الثانية تميل أكثر إلى العنف بحكم طبيعتها العسكرية التي شرحناها آنفا.

ومن واقع سياق الأحداث، فإن المخابرات الحربية صارت هي الآمر الناهي، وتهمش دور المخابرات العامة كثيرا بعد تنحى المخلوع مبارك، ويكاد يكون دورها في عداد الأموات بعد اغتيال عمر سليمان.

من هنا نسأل، هل الطريقة السيئة التي يحكم بها السيسي سببها انصياعه لتعليمات ومعلومات جهازه المفضل وذراعه الأيمن المخابرات الحربية؟ أم أن السبب في ذلك محاولة السيسي التمرد على المؤسسة العسكرية وفي القلب منها المخابرات الحربيية لإثبات قدراته وإمكاناته الشخصية ومزاولة مهامه كرئيس للبلاد؟

إذا طبقنا طبيعة المخابرات الحربية كجهاز عسكري، فسيضتح لنا أن الجهاز بالطبع غير راضي عن طريقة إدارة السيسي، بل أن الجهاز يتمه بـ«الميوعة» في تعامله مع ما يحدث في مصر، لاسيما بعد تزايد دعوات إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة.

ما نعرفه وما ينشر في العديد من المواقع هو أن جهازي المخابرات بطرفييها «العامة والحربية» غير راضين عن السيسي وأدائه: فالمخابرات العامة تراه اداءا كارثيا سيغرق البلاد لكون السيسي لا ينصاع لنصائحهم بضرورة التروي واتخاذ خطوات إلى الوراء ومحاولة لم الشمل وتجميع الشعب بعد انهيار شعبيته.

بينما ترى المخابرات الحربية أن اداء السيسي سيء وسيغرق البلاد أيضا، لكون السيسي «طري» في تعامله مع ما يحدث في مصر، وتريد منه أن يدهس ويقتل على طريقة «افرم يا سيسي».

تبقى وزارة الداخلية الان الحلقة الأضعف، والخادم المطيع للمخابرات الحربية، التي لا يمكنها إلا تطبيق وتنفيذ الأوامر التي تصدر لها، وهو ما يرضي المؤسسة العسكرية من الوزارة رغم كوارث الانتهاكات الحاصلة في مصر مؤخرا.

التساؤلات التي تطرح نفسها الآن هي:

مدى صحة الكلام السابق والمعتمد في كثير منه على آراء وملعومات من مصادر مطلعة رفضت الإفصاح عن اسمها، خوفا من بطش النظام؟ وإذا صح الحديث، فماهو تفسير تزايد دعوات الانتخابات المبكرة؟ وكيف ستتعامل معها المؤسسة العسكرية؟ وهل تحاول المخابرات العامة إحراج النظام عن طريق النفخ في دعوات الانتخابات ودعم الانتقادات الموجهة إلى الرئيس عبر رجالها من الإعلام والكتاب؟ وأين رجال مجلس العسكري الذين تدلخوا من قبل واطاحوا برئيسين حفاظا على البلاد؟ فهل يكرروا الأمر؟ ام أن تصريحات ممدوح حمزة كنت في محلها من أن تحرك الجيش ضد مرسي كان لرغبة في نفس يعقوب وليس حرصا على البلاد؟

اجمالي القراءات 4017
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق