ما الذي سيدفع الجزائري للخروج إلى الشارع

اضيف الخبر في يوم السبت ٠٢ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


ما الذي سيدفع الجزائري للخروج إلى الشارع

تجاوزت الجزائر مرحلة الاحتجاجات القوية وموجات الربيع العربي بسلام ونجاح على المستوى الأمني والسياسي إلى حد ما؛ لأسباب عديدة أهمها: ما يتعلق بقدرة النظام الجزائري على توظيف البحبوحة المالية في شراء السلم الاجتماعي، واستثمار الملف الأمني للعشرية السوداء، خاصة وأنها تركت تخوفا عميقا لدى الجزائريين من الانفلات الأمني، رغم الاإماع الحاصل لدى الشعب بفشل وفساد السلطات.

في المقابل من ذلك، تتجه البلاد نحو أزمة اقتصادية صعبة؛ بسبب الانهيار المستمر لأسعار البترول، وخوصصة المؤسسات العمومية التي أقرها قانون المالية الأخير (2016)، أين ستعرف هذه المؤسسات تسريح عدد كبير من العمال بعد سيطرة الخواص عليها، والصراع العميق والكبير حول مرحلة ما بعد بوتفليقة الذي يشتد التجاذب حولها يوما بعد يوم بين دوائر صناع القرار في الجزائر.

انظر إلى: كيف سيتضرر الجزائري من قانون المالية؟

وبالإضافة إلى الجانب الاقتصادي (الصعب) والسياسي (المتأزم)، يظهر لنا معطى آخر أشد خطورة للجزائري من كليهما، هو الوضع بإقليم الساحل الافريقي، خاصة مع ظهور حركات مسلحة، والتي كانت سياسية منذ مدة قصيرة كحركة أبناء جنوب الصحراء، وتجذر الجماعات المسلحة في الإقليم ممثلة في إمارة الصحراء التابعة للقاعدة بالمغرب الاسلامي، وتخطيط فرنسا، ومن ورائها منظمة حلف الشمال الأطلسي OTAN لعمليات عسكرية أوسع، في كل من: جنوب ليبيا وشمالي النيجر ومالي.

اجتماعيًا المشهد يتكرَّر، في الخامس والعشرين من ايلول/سبتمبر 1988 خرج عمال مؤسسة تركيب السيارات سوناكوم sonacome باحتجاجات غير مسبوقة حول الأوضاع الاجتماعية الخاصة بهم، لتشمل في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام الاحتجاجات كل العاصمة عبر أحيائها الشعبية: باب الوادي، الرويبة، الحراش وغيرها؛ رفضا للسياسة الاقتصادية وتنديدا بالحالة الاجتماعية وغلاء المعيشة، لتتحول المطالب الاجتماعية بسرعة إلى إسقاط النظام والحزب الواحد وإصلاحات عميقة في بنية السلطة، وتدخل الجزائر بعدها مرحلة جديدة من التحولات السياسية والاجتماعية.

نستعرض في هذا التقرير الخاص، ثلاث دوافع أساسية ستشكل تهديدًا للسلطة في الجانب الاجتماعي، والسياسي والأمني على البلاد، والتي تتمثل في ثلاثية الأزمة الاقتصادية والفراغ الرهيب الذي تعيشه السلطة، بالإضافة إلى التهديد الذي يحيط بالحدود الجنوبية والتواجد الغربي (الفرنسي الأمريكي) بالمنطقة.

 

أولا: الحاجة الاجتماعية وانهيار سياسة شراء السلم!

 

 

تعرف الجزائر كل سنة تقريبا خمسة عشر ألف احتجاج سنوي، هذا الرقم لم تعرفه أية دولة عربية من قبل، ولم يحدث حتى في الدول التي عرفت أعنف الثورات العربية، مثل: مصر أو سورية أو اليمن، وحتى ليبيا بالجوار، ورغم ذلك عرفت السلطات الجزائرية كيف تسيطر على هذه الاحتجاجات الاجتماعية، خاصة مثلما حدث بورقلة وغرداية والأغواط (الجنوب الجزائري)، وبالعديد من المدن التي انتفضت ضد التوزيع غير العادل للسكنات والمشاريع وانتشار البطالة،

سياسة شراء السلم الاجتماعي لخصت في خطاب عبد المالك سلال الوزير الأول في الحملة الانتخابية لرئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة: (أموال لونساج [أي ديون الدولة لدعم مشاريع الشباب] تزوجوا بها…)! كما وزع سلال صكوك مالية قدرت بالمئات من ملايير الدينار على الولايات خارج السياسة الاقتصادية والمالية للدولة أثناء الحملة الانتخابية لشراء الأصوات لصالح مرشح السلطة، وهو ما يخالف القانون!

تفكك البناء الاجتماعي وظهور الطبقية بين الثري والفقير، وانتشار الجريمة وتنامي ظاهرة العنف في الملاعب واختطاف الأطفال، كلها ظواهر تؤدي بالشباب والمواطنين إلى الخروج للشارع من أجل المطالبة بتطبيق القانون، فقد شهدت الجزائر منذ فترة مسيرات حول ظاهرة اختطاف الأطفال بكل من قسنطينة (الشرق الجزائري) وبتيبازة (قرب العاصمة) وبالجزائر العاصمة من أجل تطبيق الإعدام ومعاقبة المجرمين.

يقول ناصر جابي أستاذ علم الاجتماع السياسي إن الهوة الاجتماعية والاقتصادية بين الأمازيغي الثري والعربي الفقير في أحياء غرداية أدى إلى العنف، أدت السياسية الاجتماعية للنظام الجزائري إلى تعقد الأوضاع وخروج الجزائريين إلى الشارع، رغم أن المنطقة يتعايش فيها الجميع منذ قرون.

كما أفادت تقارير أمنية، نشرتها وسائل إعلام جزائرية، عن غضب فئات من المجتمع واستعدادها للنزول الى الشارع بخصوص قانون ترخيص الخمور لدى تجار التجزئة، فالاحتجاجات على المستوى الاجتماعي دفعت الجزائري عمليا للخروج إلى الشارع، فكيف لدينار منهار وغلاء للمعيشة وضعف وتفكك مؤسسات الدولة في تلبية رغبات المواطن من منعه للخروج إلى الشارع؟ الذي يتخذ طابع العنف في الكثير من الأحيان عند الاحتجاج، عبر قطع الطرقات وحرق للعجلات وتكسير للواجهات.

ثانيا: رفض «بركات» للرئيس بوتفليقة كسر الجمود السياسي!

o-BARAKAT-ALGERIE-facebook

دفع ترشح الرئيس بوتفليقة للترشح إلى عهدة رابعة، نزول عدد من الشباب – غير المنتمي للأحزاب التقليدية – إلى الخروج للشارع في محاولة لثنيه عن ذلك ورفض المجلس الدستوري لملفه. وكانت هذه الخرجة غير المتوقعة من أميرة بوراوي ويوسف بعلوج بشوارع الجزائر العاصمة بصوت عال ((بركات، بركات..)) انعكاسا في تعاطي الجزائريين مع الأحداث السياسية.

فحتى تعديل الدستور في 2008 بالبرلمان الجزائري والذي صادق عليه نواب التحالف الرئاسي لم يدفع المواطنين لرفض الاعتداء على الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة باسم تعديل الدستور، وعدم حرمان الشعب في مواصلة رئيسه قيادة البلاد!

ترشح رئيس البلاد لعهدة رابعة، وهو الذي لم يخاطب شعبه منذ أعوام، دفع بالجزائري من خلال حركة بركات، إلى الإعلان عن رفض ذلك عبر الشارع، ما يبرز أهمية الملف وحساسية الموضوع في مرحلة ما بالمسئولية تجاه رئاسة البلاد، والغريب في الموضوع أن جل الأحزاب المشكلة للساحة السياسية ترفض الخوض في نقاش المادة 88 التي تمنع ترشح أو مواصلة رئيس البلاد في منصبه لوجود عارض صحي واضح، وهذا ما يتوفر في ملف بوتفليقة منذ أبريل 2013.

فالمرحلة المقبلة، والتي رمت بصانع الرؤساء الجنرال توفيق إلى خارج السلطة، ستدفع حتما الكثير من التشكيلات السياسية والأذرع المجتمعية للخروج إلى الشارع، وهذا لتحقيق مطالب ترمي إلى التموقع أو الضغط أو تعزيز التواجد داخل السلطة أو عبر رفض مترشح غير متوافق عليه داخل نظام الحكم.

إن الكثير من الظواهر السياسية للاحتجاجات السابقة في بعض المؤسسات كانت ورقة ضغط في يد جناح ضد آخر في السلطة على غرار أحداث الجنوب بورقلة التي عانت من وجود سيطرة جهة على التوظيف داخل سوناطراك، واحتجاجات رجال الشرطة تشرين الأول/أكتوبر 2014 التي كانت تعبر في ظاهرها على رفض الأوضاع القاسية التي يعانيها الشرطي.

ثالثا، الجنوب الجزائري.. الملف الخطير!

 

استعاد الجزائريون معاناة العشرية السوداء مؤخرا مع أحداث غرداية، هذه الأحداث التي روجت على أساس الطائفية، تورطت فيها جهات من داخل السلطة، وبعد سيطرة الجيش في يوليو/جويلية 2015، هدأت الولاية وعادت إلى سكونها وحياتها الطبيعية، مع استمرار حالة طوارئ من درجة عالية فرضتها سياسة الجيش، ودفعت هذه الأحداث بالعديد من الجزائريين للخروج إلى الشارع؛ للتضامن مع إخوانهم في هذه الولاية “المنكوبة”.

العديد من المواطنين، أبدوا تضامنهم من خلال وقفات بالشارع الجزائري، فمن العاصمة إلى وهران إلى قسنطينة وإلى الجنوب، خرجوا في مسيرات ووقفات لرفض ما يحدث في غرداية، ورافضين مطالبة “القلة” من استقلال الميزابيين عن الجزائر والترويج لدولة “الأمازيغ” بالمنطقة.

ولعل الجنوب الجزائري وبالأخص مدن عين صالح، تقرت، جانت وغرداية، أحدثت اهتزازا تجاه الهدوء الذي كان يميز الشارع، وفاجأ السياسيين سلطة ومعارضة في التحركات التي امتدت لفترات طويلة في صورة ورقلة وعين صالح، فالصمود، الذي ميز الحدثين أمام محاولات السلطة، وتخوفات المعارضة من الانزلاق، صنع لدى المحتجين ثقة في النفس ورغبة في مواصلة النضال السلمي كما أرادته جمعيات البطالين وعدم الشغل، والعديد من الناشطين والمناضلين.

وتكمن أهمية ملف الجنوب لارتباطه بوحدة التراب الجزائري والتهديد المباشر للأمن القومي للبلاد، وطمع الغرب في الثروات عبر ترويجه لمصطلح الساحل بدل مصطلح “الصحراء الكبرى” أو “دول جنوب الصحراء”، كما نشير كذلك إلى خروج الجزائريين فيما يسمى بالربيع القبائلي الأسود في العاصمة وما تلاها من أحداث وتجاوزات في حق الأشخاص والأملاك سنة 2001، بث الخوف والرعب لدى الجزائريين من المسيرات والخروج للتظاهر لما له من انعكاس خطير على حياة الأشخاص والممتلكات.

فإقليم الساحل الأفريقي أمام تحديات كبيرة، والجزائر أمام رهان صعب في المنطقة من خلال المخططات الاستعمارية الجديدة لفرنسا والقوى الغربية، للاستفادة من ثروات الصحراء وخلق صراع دائم بالمنطقة لفرض هيمنة غربية غير قابلة للتراجع، وتحويلها من منطقة نفوذ إلى منطقة تبعية مطلقة.

مستقبل الجزائر أمام ملفات ثقيلة

 

أخيرا، الاحتجاجات في الجزائر لم تترك أي قطاع إلا وشملته، فمن احتجاجات المتقاعدين العسكريين، إلى رجال الشرطة والتربية والتعليم والصحة والإدارة والمقتصدين والنقل والبطالين والمتقاعدين والنشطاء السياسيين، سوى المجاهدين الذين تمنحهم الدولة امتيازات عديدة مقارنة بالمواطنين العاديين، فلم يخرجوا إلى الشارع!  وهذا ما دفع السلطة في الجزائر زمن البحبوحة المالية إلى رفع رواتب المحتجين لـ «شراء أصواتهم» ووأد احتجاجاتهم، بدلا من معالجة المشكل من العمق وحلها بعيدا عن الجانب المادي، الذي يعتبر جزء من الحل وليس هو الكل.

يقول متابعون للشأن السياسي في الجزائر إن كل هذه السياسات العرجاء التي كانت تنتهجها السلطات الجزائرية، في وقت قريب، ستنعكس حتما بالخطورة على المستوى المعيشي والاجتماعي للجزائري، وهذا ما يدفع الجبهة الداخلية إلى الاحتقان، التي بدورها ستؤثر على التماسك الداخلي الذي يعتبر نقطة قوة المجتمعات والدول.

إن الجزائر مقبلة على تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية هامة لا محالة في ذلك، وغياب النخبة والتأطير النقابي والحزبي للشارع مع استمرارية منع المسيرات والاحتجاجات، ربما يكونُ دافعًا للانفجار لا للاحتواء، وتسريع للخروج إلى الشارع، لا عكس ذلك!

اجمالي القراءات 1859
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more