مترجم: فايروس سي في مصر، فايروس منظم ودولة مفككة

اضيف الخبر في يوم السبت ٠٧ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً.


مترجم: فايروس سي في مصر، فايروس منظم ودولة مفككة

حتى بعد الثورة وتعدد المجازر التي بلغ عدد ضحاياها من المصريين حوالي 5000 قتيلاً. إلا أن القاتل المحترف، التهاب الكبد الوبائي الذي يُعرف أيضا باسم فيروس سي، وأمراض الكبد المرتبطة به تودي بحياة ما يقرب من 45000 مصري سنويًا. ولكن من دون حلول خلاقة، أو إجراءات للوقاية، أو تنظيم للمشكلة، تفشل الحكومة المصرية في واحدة من أكبر معاركها: ليست معركة ضد الإرهاب، ولكن معركة أخرى ضد قاتل منظم: فيروس سي.

المؤلم في الأمر هو أن النظام الذي أنفق ما يزيد على 8 مليار دولار على افتتاح “قناة السويس الجديدة”، لا يدرك أن فيروس سي هو مشكلة أمن قومي مصري أكثر إلحاحًا بكثير.

يواجه النظام الذي سقط في حفرة من السياسات العشوائية فيروسًا منظمًا يركز على 9 ملايين مصري. ووصول مصر إلى مفترق الطرق هذا هو حكاية فشل وتراخٍ وغرور وتضليل.

إن أحد الأسباب التي تقف خلف استمرار تفشي المرض هو الطبيعة الطبية للنقاش. ببساطة، فإن الخطاب الطبي يخيف السياسيين والشعب على حد سواء. ولكن تكشف دراسة حديثة الديناميات الإحصائية لهجوم هذا المرض. في صلب هذه الدراسة أرقام تتحدث بصوت عال على أن الجهود المبذولة من قبل الحكومة غير دقيقة ومضللة في معالجة المرض الخبيث. وقد قال مصدر قريب من الدراسة، فضلنا عدم نشر اسمه بسبب الطبيعة الحساسة سياسيا للدراسة، التي شارك في تأليفها الدكتور أحمد شلباية، وايه. كوزنيك، ومحمد سالم وكريم صادق، والتي تفحص العبء الوبائي والاقتصادي على مصر نتيجة لعدوى التهاب الكبد الوبائي، أنها تهدف لتوجيه السياسات لا انتقادها.

تم التوصل إلى استنتاج هام من الدراسة: فبينما تعتقد الحكومة أن علاج ما يقرب من 165000 مريض في العام، وأنها ستسيطر على انتشار المرض بحلول عام 2030، فإن عدد المرضى سيصبح أعلى بكثير، حيث سيصل إلى ما يقرب من 450،000 مريض. ويعكس هذا التباين الكبير، من ناحية، منهجًا علميًا متبع من قبل الباحثين يفتقر إلى الرؤية البعيدة المدى والدقة، ومن ناحية أخرى، من خلال الجسد السياسي المصري والمجتمع العلمي المصري.

تقف مصر في مفترق الطرق الوجودي هذا بسبب أخطاء الماضي الفادحة. قبل فترة طويلة، جاب مرض قاتل، يرتبط ببعوض المياه العذبة القذرة في الريف المصري والمعروف باسم البلهارسيا، مصر وأصبح مشهورا بفتكه، وكان أحد أشهر ضحاياه واحد من أكثر المطربين المحبوبين في مصر، عبد الحليم حافظ. ولكن مصر عملت على مكافحة المرض بطريقة نموذجية من خلال تقديم العلاج عن طريق الحقن في كثير من العيادات المنتشرة في الريف. المشكلة هي أنهم عند علاج مشكلة عضال كهذه، حسب النظريات الطبية، فقد سببوا كارثة ضخمة: فقد تلوثت الإبر وهكذا بدأت محنة مصر مع فيروس سي. وقد سهلت الإبر الملوثة تفشي المرض.

في عالم مثير للسخرية لإدارة الرعاية الصحية الوطنية، وعلى مستوى السياسات، فإن الوفيات ليست هي أكبر مشكلة. فالموت لا يكلف الحكومة. المرضى هم من يمثلون مشكلة لحكومة غير مجهزة للتعامل مع المرض ويصاحب ذلك الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفقًا للدراسة، وفي حين أن ما يقرب من 9 ملايين مصاب بفيروس سي لن يصابوا جميعًا بالسلالة النشطة من الفيروس (Viremic)، فالعدد لا يزال الأضخم والأعلى في العالم، نحو 6.5 مليون نسمة. ولكن هذه فقط هي بداية المشكلة، يوضح المصدر: فلكل 150،000 مريض يجري علاجهم يضاف، كحد أدنى، عدد مساو للذين يصابون من قبل المرضى الأصليين. والمذهل في الأمر هو أن الغالبية العظمى من المرضى لا يعرفون حتى بكونهم مرضى.

ظهر أمل مع اكتشاف عقار مضاد لالتهاب الكبد واتخذت مصر خطوات كبيرة إلى الأمام للتفاوض على خفض تكلفة الدواء إلى مستويات معقولة. في الواقع، لقد انفجر الأمل في أوائل العام الماضي، ففي مارس، عندما انطلقت عناوين تقول: “تقدم جلعاد عقارا جديدا مضادا لالتهاب الكبد بخصم 99٪”، أصبح الاسم التجاري للدواء هو Sovaldi وأمسى مرادفا للأمل للملايين؛ لأنه يضمن، وبتكلفة 900 دولار لدورة 12 أسبوع، معدل نجاح أعلى قليلا من 92٪ حسبما تؤكد الدراسة. ولكن من المهم أن نفهم أن فيروس سي ومرض الكبد الناتج له مراحل مختلفة ولا يقتل على الفور. تبدأ تلك المراحل من F0 وتصعد إلى F3، وبتدهور الحالة أكثر يظهر التليف وتنخفض احتمالات نجاح العلاج، وحتى مع استخدام Sovaldi، إلى 80٪.

وبالرغم من ذلك، تعتبر هذه الأرقام تقدمًا مذهلاً. فأين هي المشكلة؟ من ناحية، هناك فرق كبير في وجهات النظر بين العلماء والقنوات المصرية الرسمية. توضح الدراسة أنه للقضاء على فيروس C ستضطر الحكومة إلى مضاعفة العدد المتوقع للمرضى للعلاج سنويًا. عدديًا، فإن خطة العلاج الحكومية المصرية الحالية ضعيفة بكل المقاييس، فهي تشمل فقط 65000 مريض أو 1٪ من هؤلاء المرضى. ما يجب أن يحدث، توضح الدراسة بصورة حاسمة، هو تصعيد هذا العدد من 1% إلى 8% أو من 65000 إلى 450000.

وبطبيعة الحال، خلاصة القول هي بأي ثمن؟ بالتفكير في الأمر، سيكون الوضع مألوفًا للكثيرين، وستبلغ التكلفة السنوية 1.3 مليار دولار أو سبع تكلفة “قناة السويس الجديدة” التي قال السيسي إنها تستحق “إذا كانت فقط ستجعل الناس سعداء”. ولكن جعل الناس سعداء ليس الهدف الأساسي للدولة. فالحفاظ على حياة المواطنين، وضمان إنتاجيتهم ينبغي أن يحتل مكانة أعلى في أذهان القيادة.

بمجرد القيام بهذا الاستثمار الأولي المقدر بـ1.3 مليار دولار، فإن التكلفة ستنخفض بانخفاض عدد الحالات المصابة أيضًا. وسينخفض عدد الوفيات المرتبطة بأمراض الكبد من “41000 إلى 24000″ وفي نهاية المطاف إلى 14000. وبناء على ذلك ستنخفض التكلفة المقدرة بـ1.3 مليار دولار إلى أقل من النصف بحلول عام 2030. وحتى نكون صريحين، يرتبط الأمر بالإرادة السياسية للقائمين على المشكلة.

كان من أبرز مطالب الثورة الفاشلة هو العدالة الاجتماعية، وهو نموذج يمكن ضمانه بشكل أفضل عبر توفير فرص العمل ونظام رعاية صحية أكثر كفاءة وغير طبقي. ثمة علاقة متبادلة، ولكن فهم ذلك يتطلب التركيز والقدرة على تحديد الأولويات. فبدلا من الذهاب إلى ” الحرب على الإرهاب ” يجب على الحكومة الذهاب إلى الحرب ضد فيروس سي.

وفي سبيل القيام بذلك يجب أن تترك وراءها السياسات المفرطة في التبسيط التي لا تقدم حلولاً مرنة. لا يمكن القضاء على مرض معقد وكامن وصامت من خلال تطبيق دورة العلاج ثم تخرج من الغرفة وتطفئ الأضواء. يقول المصدر إنه يجب إيجاد طرق ملموسة قادرة على خفض عدد المرضى بطريقة تمكن من تحديد المرضى الذين لم يجري تشخيص المرض لديهم. ومن دون هذه الخطوة الحاسمة سوف تستمر هذه الكارثة الطبية.

إن الفشل في إيجاد حلول مبتكرة، ومواصلة اتخاذ موقف رد الفعل بدلاً من الموقف الاستباقي سيثقل الحكومة بهذه الرسالة الطبية لسنوات قادمة، حيث إن التهاب الكبد ليس مرضًا قصير المدى. في الواقع، إن هذا المرض القاتل، وأمراض الكبد الأخرى، يتفشى منذ عقود، وليس سنوات، مع متوسط ​​دورة حياة من العدوى حتى الموت، تتراوح بين 20- 25 سنة. لذلك يتوجب على السياسيين المصريين إدراك أن تحليل الموجودات / المطلوبات يتطلب هزيمة هذا المرض بوصفه الحل الأمثل من الناحية المالية.

وبحيازتها حصة الأسد من الوفيات في جميع أنحاء العالم بنحو 45000 متوفٍ من أصل 500000 على مستوى العالم سنويا، وذلك طبقا لمنظمة الصحة العالمية، تخسر مصر معركة لا يمكنها أن تتحمل خسارتها. والعلاج الفعال، بغض النظر عن التكلفة الأولية، هو أكثر فعالية بكثير من حيث التكلفة عن السماح للمرض بمواصلة التكاثر والتعامل مع الضربة الاقتصادية المزدوجة: التكاليف الصحية على المدى الطويل وانخفاض قوة العمل في أوج الانفتاح الاقتصادي.

لكن مجال الرعاية الصحية المصري لا يختلف عن القطاعات الأخرى في المجتمع، فقد دمره الفساد والفاسدون الباحثون عن تلميع أنفسهم لدى النظام الحاكم. إذا كان القائد في السلطة يتحدث باستمرار عن المشاريع الكبرى، سواء كانت “قناة جديدة السويس الجديدة” أو “القاهرة الجديدة “، والاهتمام الصاحب لذلك عبر حشد الصحافة المحلية المطواعة للغاية، فلماذا يجب أن يتصرف مسئولو الصحة بشكل مختلف؟ إن الحديث عن فيروس C ليس مثيرًا. ففي مصر، يمكن أن يكون الابتكار أسرع وسيلة لخسارتك وظيفتك كمسئول. وما لم يتغير ذلك، فإن فرص الاستماع إلى أصوات علمية عاقلة قد لا يكون خيارا ممكنا في ظل المناخ السياسي الحالي.

ولتفعيل التغيير يجب أن يكون هناك شجاعة وذكاء. دعونا لا ننسى أن الجيش رعى فضيحة جهاز “الكفتة” التي صدق قطاع كبير من المجتمع أنها حقيقية.

من يراقب مصر عن كثب سيقولون لكم إن الشجاعة، في الأوساط الحاكمة، نادرا ما وجدت.

من أجل 6.5 مليون مصري، دعونا نأمل أن أولئك المراقبين مخطئون، وأن هناك سياسيين عاقلين سيدركون ما يمثله هذا الفيروس المنظم: تهديد للأمن القومي.

لهزيمة عدو منظم يجب أن يصبح صناع السياسة المصرية منظمين!

اجمالي القراءات 2803
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق