داعش في المنطقة المغاربية.. لماذا وكيف تتم مواجهتها؟

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٣ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسة


داعش في المنطقة المغاربية.. لماذا وكيف تتم مواجهتها؟

استطاعت الدولة الإسلامية في العراق والشام السيطرة على مساحة تفوق دولة مثل بريطانيا، ورغم الضربات الموجعة التي تلقتها في الفترة الأخيرة من التحالف الدولي والجيش العراقي، إلا أنها لا تزال تواصل زحفها كما يبدو، ولا تزال تستقطب الكثير من الأنصار حول العالم أفرادًا وجماعات.

وقد أصبح وجود داعش يتجاوز منطقتها التقليدية، حيث ظهرت في سيناء ونيجيريا وليبيا، ونفذت عمليات “جهادية” قاتلة في تونس ومصر وفرنسا والكويت والسعودية ودول أخرى.

لكن الانتشار الأوسع والأكثر خطورة الذي سجلته في المنطقة العربية دون العراق وسوريا، كان في ليبيا، الأمر الذي يثير التساؤل في مصلحة داعش في التغلغل بالمنطقة المغاربية ككل. لنحاول إذن استطلاع هذا الأمر في هذا التقرير.

ليبيا معقل داعش في المنطقة

بعد اندلاع ثورة 17 فبراير بليبيا وقمعها الوحشي من قبل نظام القذافي، نهضت كل القوى الليبية بمختلف مشاربها لإسقاط النظام بالسلاح، دون أن تحدث بينهم أي تفرقة طوال فترة تلك المهمة، حيث الكل كان منصبًا على إنهاء حكم القذافي، لكن بمجرد سقوط ديكتاتور ليبيا ظهرت انقسامات سياسية وقبائلية وعرقية بين الأطياف الليبية، تطورت إلى صراعات مسلحة لا زالت مستمرة حتى الآن، ما أدى بالبلاد إلى السقوط في مستنقع الفوضى والاقتتال الأهلي، وانهيار مؤسسات الدولة بالكامل.

في ظل هذا الوضع المتفكك بليبيا، وجدت داعش ضالتها للتمدد بهذا البلد، فاستطاعت الميليشيات الموالية لداعش السيطرة على مدينة درنة الصغيرة ومدينة سرت مولد القذافي، وحولتهما إلى ولايتين إسلاميتين على طريقة تنظيمها الأم في العراق والشام، وهي تحاول الآن التوسع بباقي مناطق ليبيا شرقها وغربها.

 

 

 

 

ظهور داعش في ليبيا لم يأت لقدرة جنود التنظيم  في العراق والشام على الانتقال إلى بلدان أبعد جغرافيًّا وفرض وجودهم، وإنما جاء نتيجة مبايعة ميليشيات مسلحة نهاية العام الماضي، هذه الميليشيات كانت موجودة سابقًا في درنة بعد تدفق الجهاديين إلى ليبيا عقب انهيار نظام القذافي، وازدادت قوتها بعد استقطابها المقاتلين العائدين من مناطق الصراع والشباب المتذمر في المنطقة المغاربية ككل، وقد تمكنت من السيطرة على مدينة سرت بالتحالف مع بقايا النظام السابق. مما جعل كل الأطراف المتصارعة في ليبيا تنتبه إلى وجود تنظيم جديد قد يشكل خطرًا على الجميع.

الجزائر محط تنافس بين داعش والقاعدة

بدأ تواجد الجهاديين في الجزائر منذ فترة التسعينات من القرن الماضي، بعد الصدام الدموي بين الجيش والإسلاميين، غير أنه مع بداية الألفية الجديدة استطاع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقف الحرب الأهلية بفضل ميثاق المصالحة الذي أعلنه وارتضته مجموعة من الفصائل الإسلامية المسلحة التي قبلت نزع السلاح مقابل عدم المطاردة، بيد أن فصائل أخرى أكثر تطرفًا استمرت على نهجها في محاربة الدولة، كان آخر عملياتها مقتل أكثر من 11 جنديًّا جزائريًّا في كمين لهم بولاية الدفلة القريبة من العاصمة الجزائر، تبنت العملية “فرع القاعدة في المغرب الإسلامي”.

ولطالما كان تنظيم القاعدة المنتشر بالحدود الجزائرية وجهة المتطرفين المغاربيين، إلا أن ظهور تنظيم داعش وقدرته على تحقيق انتصارات ساحقة على الجيش العراقي والسوري علاوة على قدرته التوسعية، أكسبته شهرة وقوة جعلت كثيرًا من الجهاديين يغيرون وجهتهم إليه، وبالتالي فقد أصبح يهدد وجود القاعدة نفسها في المنطقة، لكن يبدو من خلال العملية الأخيرة التي قامت بها “قاعدة المغرب الإسلامي” ضد الجيش الجزائري، أنه لا يزال تنظيم القاعدة التقليدي حاضرًا بقوة في المنطقة، ولا يمكن لداعش إزاحته بسهولة عن القيادة على الأقل في الجزائر.

لكن عمومًا من المستبعد قدرة تنظيم داعش أو القاعدة سواء على شن عمليات كبيرة في الجزائر، نظرًا لقوة تسلح المؤسسة العسكرية الجزائرية وتماسكها، وكذا قدرتها الفعالة على التصدي للعمليات المسلحة رغم عائق المساحة الشاسعة التي تملكها الجزائر.

تونس المصدرة الأولى للمقاتلين نحو داعش

تتقدم تونس، التي لا تتجاوز ساكنتها 11 مليون نسمة، بلدان العالم في تصديرها للمقاتلين إلى مناطق الصراع في سوريا والعراق وليبيا وفق العديد من التقارير الدولية والاستخباراتية، فتذمر الشباب من نتائج ثورة البوعزيزي بعد سقوط  نظام “بن علي” نتيجة تخييب القوى السياسية المتوالية آمالهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، خير ذلك آلاف الشباب بين ركوب البحر نحو ضفاف أوروبا أو الهجرة إلى أرض “الخلافة” التي أقامتها داعش في سوريا والعراق وليبيا.

 

 

 

 

بعد حادثة سوسة الأخيرة التي خلفت 39 قتيلًا و40 جريحًا المتبنية من قبل داعش، تبين بالفعل أن التنظيم الجهادي المثير ينوي التمركز في تونس، وأصبح بالفعل خطرًا محدقًا يهدد الدولة التونسية بشكل ملحوظ.

ويشكل الأفراد العائدون من القتال في مناطق الحرب، أحد أكبر التهديدات التي تؤرق السلطات التونسية، ثم يزيد الوضع خطورة انهيار الوضع في ليبيا المجاورة لها؛ مما جعل المنطقة مركزًا للمسلحين، ناهيك عن المجموعات السلفية المتطرفة في الداخل التونسي التي لا تزال تستقطب  وتجند مئات الأفراد.

المغرب البلد العصي على التنظيمات المسلحة

البلد الوحيد في منطقة شمال إفريقيا وربما في الشرق الأوسط الذي لا يعاني لحد الآن من أي تهديد حقيقي من قبل التنظيمات المختلفة، سواء من القاعدة أو داعش، على الرغم من أنه يعتبر أحد أبرز البلدان المصدرة للمقاتلين الجهاديين نحو العراق وسوريا وتونس أيضًا.

يعتمد المغرب المقاربة الاستباقية في مواجهته لتهديدات الجماعات المسلحة، حيث يعلن رسميًّا تقريبًا كل أسبوع عن تفكيك بعض الخلايا الجهادة المقربة من التنظيمات المسلحة، مدعيًا أنها كانت تخطط لعمليات اغتيال وتخريب ضد مؤسسات الدولة وأفرادها حسب بيانات السلطات.

 

 

 

 

ربما جعل هذا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يصنف الاستخبارات المغربية في تقرير حديث له كأقوى جهاز من نوعه في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

موريتانيا وجهة غير مفضلة لداعش

تهدد موريتانيا العديد من المجموعات المسلحة المنتشرة في الصحراء مع الحدود مع مالي، والتي غير بعضها ولاءه من القاعدة نحو داعش، إلا أنها حتى الساعة لا تحقق أي وجود حقيقي لها في هذا البلد رغم موارد مؤسساته الضعيفة.

ولا يبدو أن داعش مكترثة بالتوغل في موريتانيا خصوصًا بعدما نشرت خريطة لدولة “الخلافة المفترضة” تضم كل البلدان العربية وكثير من البلدان الإفريقية وبعض أجزاء أوروبا، وتستثني موريتانيا ضمن حدودها، يفسر البعض هذا الأمر لعدم توفر أي موارد طبيعية أو مالية مشجعة لداعش للتمركز في هذا البلد.

لماذا تسعى داعش إلى التمدد في المنطقة المغاربية؟

ترتكز إستراتيجية “دولة العراق والشام الإسلامية” على فكرة التوسع والتمدد، ومن ثم فهي تعلن صراحة رغبتها في إقامة “أرض الخلافة” التي ستنهي الدولة الوطنية في الشرق الأوسط وإفريقيا، إلا أنها في كل الأحوال لا تملك حتى الآن الموارد الكافية للقيام بذلك، رغم تحقيقها انتصارات بارزة في العراق وسوريا، مستغلة انهيار الوضع هناك.

لكن من حسن حظ داعش أنها قد لا تضطر للتوسع في رقعة جغرافية واحدة، بعدما بايعتها مجموعة من التنظيمات التقليدية، في شمال إفريقيا خصوصًا في ليبيا.

تنظر داعش إلى وضع المنطقة المغاربية كفرصة مناسبة تسمح لها بالتوغل، فسخط فئات واسعة من شعوب هذه المنطقة على حكوماتها بفعل سوء الأوضاع الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية، سيمكنها بالتأكيد من استقطاب آلاف المقاتلين، كما أنها منطقة تزخر بالخيرات الطبيعية من معادن وبترول؛ مما سيمكنها من ضمان تمويل كافٍ، ناهيك عن انهيار الوضع في بعض بلدانها مثلما الحال مع ليبيا ونسبيًّا تونس.

تعمل داعش على توسيع سيطرتها في ليبيا، لاتخاذ الأخيرة معقلًا أساسيًّا للتوغل في منطقة شمال إفريقيا ككل، تتم من خلاله عمليات استقطاب الشباب المغاربي وتدريبه على السلاح من جهة، ومن جهة أخرى الحصول على التمويل الكافي عبر الاستيلاء على حقول النفط هناك، مستغلًا التنظيم هشاشة الوضع وغياب مؤسسة عسكرية قادرة على دحرها، ما يحول ليبيا حسب محللين إلى وكر “للإرهابيين” تنطلق من خلاله عملياتهم الجهادية اتجاه البلدان المجاورة.

كيف تواجه بلدان المنطقة تهديدات داعش؟

انتبهت القوى الدولية والإقليمية أخيرًا إلى خطورة الوضع في ليبيا الذي يهدد الأمن القومي لمنطقة شمال إفريقيا ككل، وهذا ما جعلها تعقد العزم على إعادة الاستقرار ولكن وفق مقاربات مختلفة، ففي حين تدخلت مصر والإمارات بتوجيه ضربات عسكرية (وفقًا لمصادر إعلامية) مع دعم الحكومة المعترف بها دوليًّا في طبرق ضد حكومة طرابلس التي ترى الدولتان أنها راعية للمسلحين، تعتمد الجزائر والمغرب حل الحوار بين الأطياف الليبية، وهو الحل الذي تتبناه الأمم المتحدة برعاية المبعوث الأممي برنارد ليون.

وتعول بلدان العالم على الجزائر وتونس والمغرب، لصد أي مخططات لداعش من شأنها تهديد أمن المنطقة، غير أن النزاع السياسي بين الجزائر والمغرب قد يحول دون تشكيل أي تحالف موحد لمواجهة الجماعات المسلحة في شمال إفريقيا.

وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية العام الجاري محاولة إقناع البلدان المغاربية بضرورة السماح لها بتأسيس قاعدة جوية في المنطقة تمكنها من إرسال طائرات بدون طيار لمراقبة الوضع، بيد أنها لا يبدو قد تلقت موافقة حتى الآن من قبل هذه البلدان، المغرب والجزائر وتونس، من أجل استغلال أجوائها، دون الاكتفاء بتعزيز جنود المارينز في قاعدتها بإسبانيا تحسبًا لأي توترات في المنطقة تستدعي التدخل.

اجمالي القراءات 3257
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق