اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط بين تركيا ومصر

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٣ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط بين تركيا ومصر

 

 

مترجم: اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط بين تركيا ومصر

الفوضى الواقعة في الشرق الأوسط اختبرت العديد من العلاقات المتبادلة بين دول المنطقة، ومن بينها العلاقات بين مصر وتركيا.

تركيا بعد سقوط حسني مبارك أصبحت واحدة من أهم الدول الداعمة لمصر, ولكنها بعد رحيل الرئيس الجديد محمد مرسي عن الحكم في ٢٠١٣ ووصول الجنرال عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم في مصر أصبحت سريعًا أحد خصوم مصر الرئيسيين.

في أغسطس 2013, طالبت تركيا مجلس الأمن بفرض عقوبات على السيسي في المقابل وفي العام التالي تحالفت مصر صراحة ضد ترشح تركيا على مقعد في مجلس الأمن.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في حديث له مع قناة الجزيرة إن حكومته لا تعترف بنظام السيسي الذي جاء بانقلاب عسكري، كما وصف السيسي بالطاغية غير الشرعي.

ساءت الأمور بين مصر وتركيا أكثر بعد قرار مصر بشن ضربات جوية ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام في درنة بليبيا في 16 فبراير. وبينما أيدت الحكومة الليبية المعترف بها دوليًّا والجيش في طبرق الضربات عارضته الفصائل المسيطرة على العاصمة طرابلس ضمن المؤتمر الوطني العام بشدة. كانت تركيا قد دعمت المؤتمر الوطني دبلوماسيًّا برفضها الاعتراف بالحكومة الليبية، ولذلك نددت أنقرة بالهجمات قائلة: “هذه الهجمات تعمق المشاكل الموجودة في ليبيا ومناخ الصراع، وتعرقل جهود حل الأزمة بالطرق السلمية. بينما لم تستحسن أو تنقد الولايات المتحدة الهجمات.

من المرجح أن يؤدي التنافس الإقليمي بين مصر وتركيا إلى تفاقم الحرب الأهلية في ليبيا, كما أنه قد يؤدي لفوضى أوسع في المنطقة.

الإخوة الأعداء

مصر وتركيا هما أكبر الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط، وكلاهما يري في نفسه قوة إقليمية وقائدًا للإسلام السني.

التوتر في العلاقات يعود للوراء لأيام الإمبراطورية العثمانية، والتي كانت مصر ولاية تابعة لها حتى عام 1867 عندما أصبحت شبه مستقلة.

كان العثمانيون يواجهون صعوبة في السيطرة على مصر طوال الوقت, فعلى أرض الواقع مصر كانت تتمتع بحكم شبه ذاتي رغم أن الوالي كان يُعَيَّن من قِبَل إسطنبول، وكانت الضرائب تؤدى للسلطان العثماني.

ظلت مصر تتمتع بقوة كبيرة حتى إن الجيش المصري في عهد محمد على باشا في ثلاثينات القرن التاسع عشر استطاع بقيادة ابنه إبراهيم باشا, أن يستولي على فلسطين وسوريا ويهدد بإزاحة السلطان العثماني بعدما وصل إبراهيم باشا بجيشه إلى مدينة كوتاهية على بعد 200 ميل (321 كم) من إسطنبول. ولم ينقذ العرش العثماني سوى تدخل بريطانيا وفرنسا. بعدها سيطر الإنجليز على مصر خاصة بعد انطلاق الحرب العالمية الأولى.

بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية توجهت الجمهورية التركية غربًا تجاه أوروبا لا شرقًا تجاه مصر والعالم العربي؛ مما باعد أكثر بين الدولتين خاصة أن الكثيرين من خصوم مصطفى كمال أتاتورك من أمثال الشاعر التركي الشهير محمد عاكف إرسوي لجأوا إلى مصر هربًا من إصلاحات أتاتورك العلمانية.

العلاقات التركية المصرية توترت أكثر عقب الإطاحة بالملك فاروق ومعه الطبقة التركية الحاكمة, خاصة وأن حاكم مصر الجديد، جمال عبد الناصر، أخذ جانب السوفييت في الحرب الباردة في الوقت الذي انضمت فيه تركيا لحلف الناتو لتصبح بعدها ركيزة للقوى الغربية في الشرق الأوسط.

حتى في عهد الرئيس محمد أنور السادات عندما تحول ولاء مصر للولايات المتحدة، وبدأت تركيا تولي الشرق الأوسط اهتمامًا أكبر في عهد رئيس الوزراء (توجرت أوزال)، فإن العلاقات ظلت فاترة فتركيا شعرت بخيبة أمل كبيرة لعدم دعم مصر لأنقرة في قضية قبرص، بينما كانت مصر مستاءة من الشراكة التركية الإسرائيلية الوثيقة والتي تفوقت على العلاقات المصرية الإسرائيلية.

مرحلة التهدئة

بوصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا في 2002 تحت قيادة أردوغان، تخلت أنقرة عن سياسة أتاتورك بالتقرب لأوروبا واستبدلتها بعلاقات أقوى في الشرق الأوسط. فتدخلت أنقرة في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وبنت علاقات مع الأطراف المنتمية للإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، بداية من حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر وليبيا.

زيادة التعاون الاقتصادي بين مصر وتركيا تغلب على قلق مبارك من دور تركيا المتصاعد في الشرق الأوسط الذي جاء على حساب وضع مصر في المنطقة، فارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 301 مليون دولار في 2002 إلى 5 مليار دولار في 2013.

في فبراير2011، بدا أن العلاقات بين البلدين في طريقها للتحسن بعد المظاهرات الحاشدة التي أدت لعزل مبارك. عَرَض أردوغان تركيا كنموذج للإسلام الديموقراطي الحديث. وفي سبتمبر 2011 استقبلته الجماهير المصرية استقبال الأبطال، كانت اللوحات التي تحمل صورته تملأ الطريق من مطار القاهرة وحتى منطقة وسط البلد. الصحف المصرية رأت أن تحالفًا مع تركيا قد يضع إسرائيل تحت الضغط خاصة مع إعلان أردوغان عن نيته زيارة غزة وتأييده لحركة حماس والشعب الغزاوي، وهي الزيارة التي لم تتم لمعارضة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يحكم مصر وقتها للزيارة.

النجاح الاقتصادي التركي كان من عوامل جذب المصريين للنموذج التركي، خاصة مع تقارب تعداد السكان في البلدين (88 مليونًا في مصر و78 مليونًا في تركيا)، مقابل التباين الكبير بين إجمالي الناتج المحلي للفرد في تركيا (18.500 دولار) الذي يتفوق على نظيره المصري (3.800 دولار).

خصومة من جديد

ولكن العلاقات المصرية التركية توترت سريعًا، ففي نوفمبر 2013 استدعت وزارة الخارجية المصرية السفير التركي وأبلغته بأن عليه مغادرة البلاد. يعود التوتر لتأييد أردوغان للإخوان المسلمين ومعارضته الشديدة للحكم العسكري.

محمد مرسي الذي أصبح رئيسًا لمصر في يونيو 2012 تطلع سريعًا للدعم التركي في تأسيس سياسته الخارجية الجديدة، والتي كان من ضمنها تكوين مجموعة إقليمية لحل أزمة سوريا، الأمر الذي عرقلته السعودية لرفضها مشاركة إيران في تلك المجموعة.

في نوفمبر 2012 زار أردوغان مصر للمرة الثانية، وألقى خطبة في جامعة القاهرة أثنى فيها على الثورة المصرية وشبابها الذين أسقطوا ديكتاتورية مبارك، وأثنى على مرسي لاستدعائه السفير المصري من تل أبيب بعد الهجمات الإسرائيلية على غزة واصفًا مصر وتركيا باليد الواحدة.

ولكن الضغوط زادت على مرسي خاصة مع اشتعال المظاهرات ضده وضد جماعة الإخوان المسلمين عقب تعديلات دستورية أصدرها في نهاية 2012. فشلت محاولات كثيرة للحوار بين مرسي والأحزاب السياسية الأخرى.

في ربيع 2013 ظهرت حركة تمرد كحركة مناهضة لحكم مرسي وداعية لمظاهرات عارمة في يونيو 2013 بعد مرور عام على حكم مرسي. وقتها أصدر الجيش تحذيرًا بأنه قد يتدخل ليمنع مصر من الدخول في نفق مظلم وتزايدت التقارير التي تتنبأ بعزل مرسي لوزير دفاعه السيسي عن منصبه.

حاولت تركيا مساعدة مصر كثيرًا خاصة على الجانب الاقتصادي, ولكن إدارة مرسي بدت مشلولة غير قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة. قبل ٣٠ يونيو أرسل أردوغان رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان ليحذر محمد مرسي من انقلاب عسكري وشيك عارضًا المساعدة في التغلب عليه. كانت هذه الخطوة دليلًا واضحًا أمام الجيش المصري على وقوف تركيا إلى جانب مرسي والإخوان في مواجهتهم.

في ٣ يوليو, أعلن السيسي عزل محمد مرسي عن السلطة بدعوى حماية مصر من شبح الحرب الأهلية. أردوغان وصف السيسي بالطاغية واتهم ممارسات الحكومة المصرية الانتقالية بإرهاب الدولة. كما سمحت أنقرة للقنوات التليفزيونية المؤيدة للإخوان بالبث من تركيا. من جانبه اتهم الإعلام المصري تركيا بدعم العمليات الإرهابية في سيناء. في نوفمبر ٢٠١٣ أبلغت وزارة الخارجية المصرية السفير التركي حسين بوتسالي بضرورة مغادرة القاهرة.

استمرت حالة العداء بين مصر وتركيا بل وازدادت حدتها, فعقب اندلاع الحرب في غزة في ٢٠١٤ اتهمت مصر تركيا وقطر بمساندة حماس بما يهدد أمن مصر. في ليبيا, دعمت مصر والإمارات العربية حملة الجنرال خليفة حفتر ضد الفصائل الإسلامية المدعومة من تركيا. في نوفمبر ٢٠١٤ لجأ السيسي للكارت القبرصي بعدما عقد مباحثات مع الرئيسين القبرصي واليوناني لتوريد الغاز الطبيعي لمصر متحديًا النفوذ التركي.

السيسي يرى في أردوغان خصمًا شخصيًّا له, أردوغان وضع نفسه كمثال للسياسي الإسلامي بنجاحاته الكبيرة خاصة بعد نجاحه في أربعة انتخابات متتالية (ثلاثة برلمانية وواحدة رئاسية). أردوغان يمثل للسيسي تجسيدًا لخصومه السياسيين الإسلاميين. كل ذلك يشير إلى صعوبة تحسن العلاقات المصرية التركية في المستقبل القريب مع بقاء السيسي وأردوغان في السلطة. في الواقع قد يزيد التنافس الإقليمي بين البلدين من حدة الصراعات في الشرق الأوسط بداية من غزة, مرورًا بقبرص وسوريا وحتى العراق.

اجمالي القراءات 1823
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق