عودة الفلاح إلى «وسية الباشا».. لا كرامة للقطن فى وطنه

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٤ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الشروق


عودة الفلاح إلى «وسية الباشا».. لا كرامة للقطن فى وطنه

 

عودة الفلاح إلى «وسية الباشا».. لا كرامة للقطن فى وطنه

 
تحقيق ـ محمد نبيل حلمى وكريم شفيق وعلاء شبل: نشر فى : الأربعاء 14 يناير 2015 - 11:28 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 يناير 2015 - 11:32 ص



مصر استحوذت على 10% من صادرات القطن عام 1960.. وخرجت من قائمة أهم الدول المصدرة له 1990

برغش: الفلاحون يجب أن يقيموا سرادقات عزاء

القطن المصرى دُمر فى عام 2007 ببيع شركات حليج الأقطان الحكومية لشركات بعينها.. وخلط البذور أكبر مهزلة فى تاريخ زراعته

باحث اقتصادى: الدولة تتخلى عن دعم أهم محاصيلها الاستراتيجية بدلا من وضع سياسات زراعية تعتمد على توفير الاكتفاء الذاتى فى الغذاء والكساء

بينما كانت ثورة يوليو تثبت أقدامها فى المحيط الإقليمى، وتحديدا فى العام 1953 كان الرئيس جمال عبدالناصر يلتقى وفدا أمريكيا رسميا، وفوجئ بطلب بدا غريبا على سياق الحوار إذ نقل الوفد رغبة أمريكية فى تقليل إنتاج القطن طويل التيلة الذى تنتجه مصر، لأنه «يتسبب فى إحراج قطن الجنوب الأمريكى فى الأسواق».

وهذه الرواية التى نقلها الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، على خطورتها تكشف اهتمام الدول العظمى بقيمة ما تنتجه من محاصيل وتربطها بسياساتها الخارجية وما يعرف بأمنها القومى.

غير أن القرار الذى اتخذه مجلس الوزراء رسميا فى اجتماعه الأسبوعى، أمس الأول، برئاسة، إبراهيم محلب، ومهد له وزير الزراعة، عادل البلتاجى برفع «يد الحكومة» من خلال وقف دعم محصول القطن بداية من الموسم المقبل فى شهر فبراير، شكل صدمة مروعة لجموع الفلاحين، فضلا عنه أنه بدا متناقضا ومخيفا من وجهة نظرهم لأنه يتناقض مع ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى من دعم مالى بلغ 1400 جنيه للفدان فى أكتوبر من العام الماضى، وثانيا لأن القرار سلم الفلاحين لشريحة الأغنياء من أصحاب الشركات.

«الشروق» ترصد عبر هذا التحقيق قصة دعم القطن المصرى وطبيعة الدعم الذى يتلقاه الفلاح وردود أفعال المضارين من القرار، وكذلك آراء الخبراء.

لعب القطن دورا محوريا فى الحياة المصرية، وكان لزراعته انعكاسات على الواقع الاجتماعى والسياسى والثقافى، واعتبر موسم «جنى القطن» خلال فترة الستينيات وحتى أواخر الثمانينيات، موعدا مع «انفراجه قريبة»، إذا كان الفلاح يربط موعد إجراء تغييرات جوهرية فى حياة أسرته، بموسم جنى القطن وبيعه، بدءا من زفاف الأبناء أو شراء السلع المعمرة أو «كسوة الموسم».

رواج القطن المصرى «طويل التيلة» فى الأسواق العالمية ترصده الدراسات المتخصصة، وبحسب الكتاب السنوى لوزارة الزراعة الأمريكية المختص بحركة التجارة العالمية للقطن والصوف فإن صادرات القطن المصرى ساهمت بنحو 10.25% من إجمالى الصادرات القطنية العالمية عام 1960.

وفى عام 1980 شغلت مصر المرتبة السادسة بين أهم الدول المصدرة للقطن وبلغت الصادرات نحو 749 ألف بالة تمثل 2.85% من إجمالى الصادرات القطنية العالمية والبالغ 26.265 مليون طن. وفى عام 1990 خرجت مصر من قائمة أهم الدول المصدرة للقطن عالميا ولم تزد صادراتها فى ذلك العام عن 90 ألف بالة.

قرار حكومة إبراهيم محلب برفع الدعم، والذى أكدت عليه وزارة الزراعة، فى بيان رسمى بقوله: أنه ليس هناك دعم للقطن أساسا يصرف للمزارعين، وأن دور الدولة هو حماية الفلاح من خلال المساحات التى يتم زراعتها للمحافظة على أسعار القطن والأصناف الخاصة بالصناعة والتصدير من خلال ربط المزارعين بالأسواق وتحديد القيمة العادلة لسعر التوريد بما ينعكس على دخل المزارع وعدم تركه فريسة للتجار كما حدث العام الماضى 2014.

وأوضحت الوزارة، أن تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى لتقديم دعم مباشر للفلاحين بواقع 1400 جنيه للفدان و100 جنيه فى صورة دعم غير مباشر لمكافحة الآفات، الموسم الماضى، نتيجة انخفاض أسعار القطن مع ارتفاع تكلفة إنتاجه، مشيرة إلى إنها لن تتخلى عن الفلاح ولن تلغى الدعم عن القطن.

وتابعت: «التجارة حرة منذ عام 1992 وأن المزارع لا يجبر على زراعة نوع معين من المحاصيل الزراعية ولكن الهدف هو توضيح الرؤية للمزارعين لتحديد ما يتم زراعته والمحافظة على دخول الفلاحين لتنفيذ السياسة التعاقدية للمحاصيل التى يتم زراعتها من خلال تحديد حجم الطلب المحلى والعالمى للمحصول وتحديد سعر عادل يلزم به كل الأطراف ويستفيد منه المزارع فى المقام الأول ويقلل حلقة الوسطاء».

وتخلت الحكومة منذ مطلع الثمانينيات عن كونها المشترى الوحيد للقطن من الفلاحين، ودخلت السلعة الاستراتيجية فى دائرة «تحرير الأسعار» التى تواكبت مع بداية عصر الانفتاح الاقتصادى خلال حكم الرئيس الراحل انور السادات، وسياسات الخصخصة التى بلغت ذروتها فى عهد الرئيس الاسبق، حسنى مبارك.

يقول، محمد برغش، أمين اتحاد الفلاحين، إن القطن المصرى تم تدميره فعليا منذ بداية 2007 عندما تم بيع شركات حليج الأقطان الحكومية لشركات بعينها، ليخرج 50 أو 60 % من قوة المحالج من الخدمة.

وأرجع برغش ذلك إلى موافقة الدولة على إعادة هيكلة شركات مثل مصر لحليج الاقطان وبورسعيد والاسكندرية التابعة للشركة المصرية للأقطان، ثم تحويلها إلى نشاط عقارى، فى حين تم بيع بعض اراضى المحالج بأسعار تراوحت بين 15 ألف جنيه و35 ألف جنيه للفدان، وهى الأراضى التى تم نزعها لصالح الدولة فى منتصف القرن الماضى مقابل بسعر 5 مليمات للفدان.

وأوضح برغش، أن الهدر الثانى للقطن تمثل فى خلط البذور بطريقة ممنهجة لأنواع بذور متعددة بالبذرة طويلة التيلة المصرية مما اصابها بالتدهور، فضلا عن توقف مراكز البحث الزراعى عن إنتاج سلالات جديدة، بينما استطاعت اسرائيل أن تسجل بذرة القطن طويل التيلة باسمها عالميا وسط غفلة من حكوماتنا.

وأشار برغش إلى أنه وفى عام 2009 وقعت ما سماها بأكبر مهزلة فى تاريخ زراعة القطن، بسبب خلط البذور، حيث تم توزيع بذور القطن المخصصة للمناطق الساحلية على الفلاحين بمحافظة القليوبية، وهو ما تسبب فى نمو خضرى لأعواد القطن ولم تخرج «اللوزات».

وبشأن دعم زراعة القطن قال برغش: إنه ومنذ 2009 لم يحصل الفلاح على سعر عادل للقطن، وذلك بسبب سماح مصر لدول مثل الهند وباكستان والصن وامريكا، بالإضافة إلى بنجلاديش بإغراق الأسواق بمنتجاتها من الغزل القطنى فيما لا تقوم الحكومة بأية إجراءات للحماية ولو على الأقل بالامتناع عن استيراده أو فرض رسوم حماية قبل ثلاثة شهور من موسم جمع القطن المحلى، لافتا إلى أن تكلفة كيلو الغزل فى تلك الدول تتكلف بين 3.25 إلى 4.75 جنيه، ويتم بيعه فى مصر بـ 2 جنيه للكيلو.

وتابع برغش، الفلاحون يجب أن يقيموا سرادقات عزاء للقطن بعد إعلان الوزير عن رفع الدعم، واصفا اياه بالتصريح «الكارثى وغير مسئول».

لافتا إلى أن المادة 29 من الدستور المعمول به فإن الدولة تلتزم «بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح».

نقابة الفلاحين بالغربية انتقدت قرار الحكومة، برفع الدعم، وقال حسن الحصرى نقيب الفلاحين بالمحافظة، إن مسألة رفع الدعم جاءت بخلاف ما توقع الفلاحون بعد قيام الرئيس بدعمهم الموسم السابق بـ1400 جنية للفدان ومطالبة الفلاحين بوجود حلقات تسويقية.

وأضاف أن القرار جاء صادما للفلاحين، مشيرا إلى أن رفض الحكومة لإقامة حلقات تسويقية للقطن يعد مخالفة صريحة للدستور، وتابع: «الحكومة بتعنتها ستدمر زراعة القطن نهائيا».

وأكد الحصرى أن عام 2013 كانت حصة الغربية من زراعة القطن تتجاوز 28.5 ألف فدان، وعام 2014 بلغت المساحة المزروعة 17ألفا و600 فدان، أى ما يقرب من ثلث المساحة، ويُتوقع الموسم القادم ألا يقدم الفلاح على زراعة القطن بعد موقف الحكومة المفاجئ والغريب.

وبحسب دراسة تحليلية نشرت فى 2006، أعدها، الباحث عدلى سعداوى طلبة، بكلية الزراعة جامعة الفيوم، فإن زراعة القطن تراجعت عاما بعد آخر حتى تناقصت إلى اقل من مليون فدان عام 1991 واستمرت سياسة التخلى عن القطن كمحصول استراتيجى ذى ميزة نسبية وتنافسية وتصديرية كبيرة ولم تهتم الدولة بتحسين الأصناف وتدهورت الإنتاجية.

كما تراجعت المساحات المزروعة بالأصناف طويلة التيلة الممتازة من 866 ألف فدان عام 1971 إلى 378 ألف فدان عام 1981 ثم إلى 154 ألف فدان عام 2005 وتزامن ذلك مع زيادة الواردات من الأقطان حتى وصلت إلى 525 ألف بالة عام 2005 وتراجعت الميزة النسبية والتنافسية للصادرات والمنتجات القطنية المصرية.

يوضح إلهامى الميرغنى، الباحث الاقتصادى، أن هناك تراجعا شديدا فى المساحة المزروعة من القطن وانخفاضا فى إنتاجية المحصول بسبب السياسات الخاطئة لوزارة الزراعة، فانخفضت المساحة من 530 فدانا سنة 2003 إلى 333 ألف فدان فى 2012، وفى المقابل تراجع الإنتاج من 596 ألف طن إلى 294 ألف طن، بما أثر على دخول الفلاحين وتحول جزء منهم إلى محاصيل أخرى وتدهور القيمة الإنتاجية لمحصول القطن.

وأضاف: «مصر كانت تزرع مليون فدان سنويا تنتج أكثر من 10 ملايين قنطار ويتم تصدير 4 ملايين قنطار للخارج، ثم تراجعت المساحة إلى 300 ألف فدان بسبب الخسائر الذى تكبدها الفلاح أثناء جنى القطن، وتوفير مستلزماته من أسمدة».

ويلفت الميرغنى، إلى أن «وزير الزراعة الحالى سبق وكرر فى أكثر من تصريح أن القطن خارج حيز اهتمامه وأولوياته»، ما انعكس على أوضاع الفلاح والصناعات المرتبطة بها من حلج القطن والنسيج الذى يعمل بها نصف مليون عامل مهددين الآن بما قد يسفر عنه هذه السياسات من تدمير المصانع وإفلاسها».

واختتم قائلا: «بدلا من وضع سياسات زراعية تعتمد على توفير الاكتفاء الذاتى فى الغذاء والكساء تتخلى الدولة عن دعم أحد أهم محاصيلها الاستراتيجية وتحقيق نسبة من الاكتفاء وتنفيذ سياسات تؤدى إلى تدمير الهياكل الإنتاجية لصالح الاستيراد من الخارج ما يضطرنا إلى الاقتراض وارتفاع المديونات الخارجية واختلال ميزان المدفوعات والمبرر الوحيد لهذا القرار برفع الدعم عن محصول القطن التزام الدولة بالقروض مع البنك الدولى».

وقال مجدى عبدالفتاح، مدير البيت العربى للبحوث والدراسات، «زراعة القطن تتعرض لسياسات ممنهجة، للقضاء على هذا المحصول، ما تسبب فى تراجع المنتج، حيث انخفضت جودة القطن إلى أقل من 50%، بعد تخلى الجمعية الزراعية عن الفلاحين بعدم توفير الأسمدة ومستلزمات الزراعة، فانتهت زراعة القطن طويل التيلة وانعكس ذلك على صناعة النسيج وتوقف كامل لمصنع غزل النسيج بالمحلة التى كانت تحتل الصدارة فى مصر وتقدمت عليها الهند وجنوب افريقيا.

وحذر عبدالفتاح، من تبعات هذا القرار، وتغول منتجات الدول الأخرى وفى مقدمتها الصينية، ما قد يقضى على آخر أمل فى النهوض بالزراعة وصناعة النسيج

اجمالي القراءات 2980
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق