هل فشلت المراجعات والمناصحة في التأثير على الجموح الجهادي؟

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٣١ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً.


هل فشلت المراجعات والمناصحة في التأثير على الجموح الجهادي؟

هل فشلت المراجعات والمناصحة في التأثير على الجموح الجهادي؟
جماعات العنف الديني يغيرون مسارهم الإستراتيجي في القتال ويرفعون راية الجهاد أمام الغرب خاصة أميركا وحلفائها بعد فشلهم في مواجهة الأنظمة العربية.
العرب  [نُشر في 31/07/2013، العدد: 9280، ص(13)]
 
تراجع سيد إمام عن تنظيراته لم يؤثر في الفعل الجهادي
 
اختلفت خبرة الجماعات الإسلامية في العقود الأخيرة من القرن الماضي، عن إرهاب الألفية الثالثة الذي بدأ مع اعتداءات 11 سبتمبر. هذا الإرهاب الجديد اختلف في طبيعته وأهدافه عن العنف الجهادي الذي مارس إرهابا في السبعينيات والثمانينيات، بصورة تجعل من فرص تأثير مراجعات سيد إمام على خلايا القاعدة أمرا شديد الصعوبة.

فحين ظهر تنظيما الجهاد والجماعة الإسلامية بصورة مكتملة في السبعينيات، كان لكل منهما مشروع عقائدي وسياسي استند على أسس فقهية وتفسيرات دينية خاصة، كفّروا على أساسها السلطة الحاكمة وطالبوا بمحاربتها، وتبني قادة تنظيم الجهاد خطابا عقائديا يدعو إلى قتال الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وكذلك فعل تنظيم الجماعة الإسلامية الذي قدم وثيقته الشهيرة «ميثاق العمل الإسلامي»، وتبنى نفس التوجه بصورة أكثر «جماهيرية» من تنظيم الجهاد «النخبوي» والأكثر عقائدية وصرامة.

وقام كلا التنظيمين بتجنيد آلاف العناصر في بنية تنظيمية محكمة، يقودها مستوى قيادي مركزي في كثير من الأحيان، وعناصر وسيطة وقواعد منتشرة في كل المحافظات المصرية، وتم تكوينهم عقائديا من أجل خوض مواجهة مسلحة مع كل أعدائهم من الأقباط ورجال الدولة والعلمانيين وأجهزة الأمن، بالإضافة إلى الأبرياء من المواطنين الذين سقطوا ضحية هذا العنف الآثم.

وكتب سيد إمام نفسه كتاب «العمدة في إعداد العدة: الجهاد في سبيل الله» في نهاية الثمانينيات أثناء وجوده في أفغانستان، ونشر بعدها ببضع سنوات كتابه الهائل الذي زاد عن ألف صفحة وهو «الجامع في طلب العلم الشريف»، وقدم الرجل رؤيته الفقهية للعنف الجهادي وحث على الخروج على الحاكم، وقدم إطارا يبرر العنف دون أن يتخلى عن بعض ضوابطه التي اعتبرها شرعية.

وسيتضح من أي نظرة إلى عناصر الجهاد في تلك الفترة، أنهم شباب تكونوا دينيا وعقائديا على مجموعة من الكتب والتفسيرات شديدة العمق والانحراف أيضا بلغ بعضها 1500 صفحة بخلاف مئات النشرات التنظيمية، وأجروا تدريبات بدنية وإعداد نفسي وديني هائل قبل ممارسة العنف استمر لعدة سنوات، واعتبر كثير منهم أن اغتيال السادات عام 1981، كان تسرعا أجهض حلمهم في «الانقلاب الإسلامي» على النظام القائم.

وجاء عقد التسعينيات ليشهد العالم العربي ساحة مواجهة أخرى أكثر عنفا ودموية من نظيرتها المصرية، حين قامت الجماعة الإسلامية المسلحة «بمعركة محلية» في الجزائر من أجل إسقاط نظام الحكم القائم، وشهدت البلاد ما يشبه الحرب الأهلية وحدثت جرائم عنف وعنف مضاد راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الجزائري. وخسرت الجماعات المسلحة هي الأخرى معركتها ضد النظام القائم (نظام مبارك)، وبدا فشل جماعات العنف الديني في معركتها ضد النظام المصري والجزائري بداية تحول لهذه الجماعات نحو قتال العدو البعيد أي الغرب متمثلا في الولايات المتحدة وحلفائها.

هذا القتال الذي اختلف في وسائله وأهدافه عن القتال المحلي الذي خاضته هذه القوى من زاوية أنه كان هدفا سياسيا محددا سعت إليه هذه الجماعات وهو إسقاط النظم القائمة، ولكن من الصعب اعتبار أن الصيغة الثانية أو الجديدة للخلايا الجهادية المتعولمة تهدف بعملياتها الإرهابية إلي إسقاط النظام الأميركي أو البريطاني أو الإسباني إنما تهدف إلى الانتقام منه والعمل على إيذائه والضغط عليه لتغير سياسته تجاه المنطقة، وهو أمر يختلف عن الهدف المحلي المحتمل الذي قامت على أساسه هذه الجماعات سابقا، وهو إسقاط النظم الحاكمة في البلدان العربية، الأمر الذي استلزم بناء تنظيم عقائدي محكم العضوية محدد الأهداف، على عكس الحالة الانتقامية الجديدة التي خلقت خلايا نائمة وأخرى شبه نائمة لا رابط تنظيمي محكم بينها ولا تعرفها أجهزة الأمن المحلية والعالمية.

ويمكن اعتبار عام 1998 الذي أعلن فيه جناح أيمن الظواهري في تنظيم الجهاد انضمامه إلي تنظيم القاعدة وتشكيل ما عرف «بالجبهة العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين»، البداية العملية لتحول تنظيمات الجهاد المحلية من محاربة «العدو القريب» المتمثل في النظم القائمة، إلى محاربة العدو البعيد أي الغرب «الصليبي» و»اليهودي».

ومن هنا فإن مراجعات الشيخ سيد إمام الشريف ستؤثر على من مارسوا العنف عبر المرور بخبرة التنظيمات الجهادية الكبرى المحلية، أي الذين امتلكوا مشروعا عقائديا يستهدف قلب النظم القائمة بالعنف، كحالة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر، وما تبقى من الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، ومن تنظيم القاعدة في السعودية واليمن، وهي أشكال لا تعبر عن الصورة الغالبة من جماعات العنف الفردي والعشوائي.

أما الخلايا النائمة وشبة النائمة لما تبقى من «حالة القاعدة» في العالم، وخلايا العنف في العراق وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فهي بالتأكيد لن تتأثر بهذه المراجعات، لأنها من ناحية لا تمتلك عمق التكوين العقائدي نفسه لعناصر الجهاد، كما أنها من ناحية أخرى لا تستهدف قلب نظم الحكم القائمة كما حاولت التنظيمات الجهادية في مصر والجزائر، فلا أحد يمكن أن يقول أن الـ 16 شخصاً الذين قاموا باعتداءات نيويورك الإرهابية كانوا يستهدفون في نهاية المطاف تغيير النظام السياسي الأميركي، والأمر نفسه ينسحب على اعتداءات مدريد ولندن وسيناء وميدان عبد المنعم رياض ثم أخيرا حادث الحسين في شهر فبراير 2009، وكل الاعتداءات التي أعقبت عملية الدار البيضاء الكبرى في المغرب عام 2003، فالغرض كان الانتقام من هذه الدول وليس تغيير الحكم فيها.

لقد تغير شكل الإرهاب ودوافعه مع تلك الحوادث الجديدة، فهو أولا يغلب عليه الطابع الفردي لأشخاص لا ينتمون إلى أي من التنظيمات الجهادية الكبرى، وليس لهم أي رغبة أو حتى حرص على صياغة مشروع فكري أو عقائدي يوضح الهدف النهائي من ممارسة هذا العنف، وهم لا يتحملون البقاء في تنظيم محكم بتراتبية صارمة ويقوده أمير يؤمر فيطاع، وشاهدنا مؤخرا عملية انتقال من مرحة «الفكر الجهادي» إلى عصر «الفعل الجهادي»، وأصبح «الجهاد» في الحالة الجديدة «مهمة فردية» تمثل نوعا من الخلاص الفردي الذي يصنع- أو ويبرر- حادثة فردية، ولا يحمل أي رؤية جماعية أو مشاريعا عامة لتغيير المجتمع، كما فعل أعضاء التنظيمات الجهادية في الثمانينيات، كما أن التكوين «العقائدي» لهذه العناصر الجديدة يتم عادة عبر الإنترنت وعبر ثنائيات مبسطة تختلف كثيرا عن لغة سيد إمام في كتبه الجهادية الأولى وفي مراجعاته التي تتسم بالعمق.

المؤكد أن هذا الشباب المتناثر الذي يلهمه «نموذج القاعدة»، بعد تفكك التنظيم، كان سيقوم بعملياته الإرهابية، حتى لو كان أصدر الشيخ سيد إمام فتواه منذ خمس سنوات، فخلية لندن التي لم تتجاوز 5 أشخاص، لن تكون قادرة على فهم ما كتبه الشيخ سيد إمام، لأن المحرك الأول وراء فعلهم العنيف هو الواقع الاجتماعي والسياسي والدولي المحبط، ثم بعد ذلك يجري تغليفه بمبررات جهادية تجعل موتهم هو الطريق إلى الجنة.

من المؤكد أن مراجعات سيد إمام صادقة وتاريخية، ولكنها لن تؤثر في الجيل الثاني من العناصر الإرهابية المتعولمة، ولا الجيل الثالث من شباب العنف العشوائي الذي شهدناه مؤخرا في القاهرة. لأنها كتبت وهي متصورة أن الزمن قد توقف عند نقطة إعلان الجهاد منذ أكثر من ربع قرن، وبالتالي هي تتصور أن من يمارس العنف الآن له نفس الخبرة الاجتماعية والتكوين السياسي للجيل الجهادي الأول، ولا تعرف أن الأجيال الجديدة لا يعرف أحد شيئا عنها، ولا تعيش في ظل تنظيمات كبرى، ولا تقرأ من الأساس كتبا حتى تفهم كتاب الشيخ فضل الذي تجاوز الألف صفحة، ولا مراجعاته التي تجاوزت المائة صفحة.

* خلاصة من بحث عمرو الشوبكي «مراجعات الجماعة الإسلامية والجهاد… نهاية عصر التنظيمات الكبرى»، ضمن الكتاب 36 (ديسمبر 2009) «مراجعات الإسلاميين الجزء الأول» الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

اجمالي القراءات 2736
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق