عادل حمودة يفتح الملفات المجهولة للمشير

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٢٥ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً.


عادل حمودة يفتح الملفات المجهولة للمشير

عادل حمودة يفتح الملفات المجهولة للمشير

2/23/2013 9:41 PM

عادل حمودة يفتح الملفات المجهولة للمشير

 

كان جمال مبارك يحب فتاة بريطانية من أصل إيرانى.. تعرف عليها خلال سنوات عمله فى الفرع البريطانى من «بنك أوف أمريكا».
 
لم يكن مقبولا أن يتزوج «الرئيس القادم» من فتاة أجنبية.. مجهولة.. مستوردة.. لا تعرف من اللغة العربية سوى كلمة «احبك».. فكان لابد من إعادته إلى مصر والبحث عن عروس تناسب مستقبله المنتظر.. لكن.. قبل ذلك كان لابد من إقناعه بفكرة الزواج.
 
فى احتفال بافتتاح دار الدفاع الجوى طلب مبارك وزوجته من المشير حسين طنطاوى أن يفاتح جمال فى موضوع الزواج عله يسمع كلامه.. وبحث القائد العام المنفذ للأوامر العليا بلا تردد عن «الوريث» حتى وجده فى طرف بعيد من القاعة.
 
اقترب منه المشير قائلا: «الوالد والوالدة يرغبون فى أن تتزوج لنفرح بك».
 
كان جمال يضع يده فى وسطه كعادته.. متحفزا كطبيعته.. فانفجر فى وجه المشير غاضبا.. رافضا أن يتدخل فى حياته الشخصية.. فكتم المشير غضبه قائلا: «لقد تحدثت معك فى هذا الموضوع بطلب من الرئيس وحرمه».. فشعر جمال بالخطأ.. فقال ملطفا: «لو كان لديك ابنة أو شقيقة لطلبت يدها منك».. فأنهى المشير الحوار قائلا: «لا أعتقد لأنها ستكون سمراء».
 
هذه الرواية تكشف الطريقة العدوانية التى كان يتعامل بها جمال مع المشير.. ولكن.. ليس صحيحا ما أشيع أن المشير عبر عن غضبه للرئيس عمّا يفعله جمال وشلته فى الجيش.. وعمّا يوجهون إليه من إهانات.. فقد ابتلع المشير كل ما تعرض له.. دون أن يعترض.. ربما انتقم لنفسه فيما بعد.. حين جاءت الفرصة.
 
فى كافيتريا فندق سوفتيل المطل على كورنيش أبوظبى قال لى الفريق أحمد شفيق منذ عدة شهور: «كان جمال وشلته لا يطيقون المشير.. وتجاوزوا كثيرا فى حقه.. وكنت أتعجب.. كيف ينام الرئيس ووزير دفاعه وقائد جيوشه يغلى من الغيظ؟».
 
كان فى شلة مبارك من استهان بالوظيفة البسيطة التى كان يقوم بها والد المشير فى قصر عابدين قبل وفاته فى وقت مبكر لتتولى زوجته تربية أبنائهما.. وهو ما يفسر سكن الأسرة فى حى عابدين.
 
وسبق أن تلقى المشير تقريرا من مسئول أمن المنطقة العسكرية الشمالية جاء فيه: أن جمال يسعى إلى اختراق الجيش بتجميع القيادات الوسطية.. ولكنه.. لم يشك لمبارك ابنه.. واكتفى بالدردشة مع رئيس أركانه سامى عنان.. لكن.. فيما بعد حاولت ماكينة الدعاية المتحمسة له أن تصوره وكأنه بطل حرب القضاء على التوريث.
 
قبل سامى عنان كان رئيس الأركان هو الفريق حمدى وهيبة.. وقد نجح الرجل فى التقرب من علاء وجمال مبارك إلى حد أن شعر كل من فى قيادة القوات المسلحة بأنه وزير الدفاع القادم.. وهو ما جعله يتجاوز حدوده فى الأمر والنهى والعقاب والثواب.. لكن.. مبارك الذى لا يعرف أحد كيف يفكر فاجأ الجميع بتعيينه رئيسا للهيئة العربية للتصنيع.. وطلب من طنطاوى أن يبلغه بالقرار.. وكانت هذه اللحظة من أسعد اللحظات فى عمر المشير.
 
استدعاه قائلا: «الرئيس أمر بنقلك خارج القوات المسلحة».. فصدم الرجل مما سمع.. وقبل أن يعرف ما حدث.. استطرد المشير: «أرفع سماعة التليفون واشكره».. ونفذ الرجل الأمر.. وهو فى حالة دوار.. غير مصدق ما حدث.
 
وقبل أن ينصرف من المكتب أضاف المشير: «انتظر.. عليك أن تخلى استراحة رئيس الأركان فورا».
 
فى مساكن الحلمية القريبة من منطقة تجنيد القاهرة توجد استراحتان.. إحداهما لوزير الدفاع والأخرى لرئيس الأركان.. وفرضت زمالة الخدمة العسكرية أن يترك الوافد الجديد على الاستراحة مهلة لمن سيرحل عنها كى ينقل متعلقاته الشخصية.. ولم يحدث أن طلب من أحد سكانها الخروج منها فى ساعات.. لكن.. يبدو أن المشير الذى تخلص من أحد منافسيه الكبار لم يصدق نفسه.. وربما فعل ما فعل من باب التشفى.. أو الانتقام.
 
وما يثير الدهشة.. أن طنطاوى نفسه ظل فى استراحة وزير الدفاع نحو الشهرين بعد إقالته.. بينما قامت زوجة عنان بنقل ما يخصهما فى الأكياس السوداء التى تستخدم فى جمع القمامة.
 
بل.. والغريب.. أن طنطاوى ظل يذهب إلى مكتب وزير الدفاع يوميا.. بانتظام.. تاركا الفريق عبدالفتاح السيسى يدير وزارة الدفاع من مكتبه السابق فى المخابرات الحربية.. وفرض طنطاوى بما فعل وضعا محرجا.. فمن الذى يقنع رجلا تردد على مكتبه بانتظام عشرين سنة بالخروج منه.. من يقنعه بأن حياته خلت من السلطة والهيمنة وصوت البروجى وتحية السلاح؟.. من يقنعه بأنه كان عليه أن يدفع ثمنا أكثر من الإقالة بعد ما فعل فى مصر؟.
 
جاءت إجازة عيد الأضحى لترفع الحرج عن الجميع.. فقد استغلت الإجازة فى ترتيب الأوضاع الجديدة كما يجب.
 
سألت أحد المقربين منه عن سر انتظامه فى الذهاب إلى مكتبه كل يوم.. فقال دون تردد: «كان ينتظر أن يتحرك الجيش ليبقيه فى مكانه».. فقلت: «ولماذا لم يقاوم هو ما حدث واستسلم له؟».. أجاب: «هذه قصة طويلة».
 
لقد تعود طنطاوى أن ينتظر الأشياء التى يحلم بها حتى تأتى إليه.. وهو درس استوعبه من تجربته مع مبارك.. «لا تطلب ما تريد وإلا أضعت ما أنت فيه».. «أنتظر حتى يأتى لك التيار بما تحلم به بما فى ذلك جثث أعدائك».
 
حدث مرة أن اتصل به مبارك منفعلا: «يا حسين.. السعوديون بيلحوا فى زيارتك وأنت لا تستجيب».. كان ينتظر مثل هذه الزيارة.. لكنه.. لو استجاب للدعوات التى تلقاها دون تريث.. ربما ساور مبارك الشك.. وتصور أنه سيطير إلى الرياض بحثا عن هدية.. أو فى انتظار وظيفة مستشار لو شاء حظه العثر أن يترك مكانه.. أما وأن مبارك هو الذى يطلب منه السفر إلى السعودية.. ويغضب لتأخره عنها.. فقد حقق ما أراد دون إثارة علامات الاستفهام فى داخله.
 
وبنفس الأسلوب كان ينتظر أن يصبح رئيسا للبلاد.. صحيح أنه أعلن أنه لن يترشح.. لا هو ولا غيره من قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. ولكن.. صحيح أيضا أنه كان مستعدا لقبول الترشح نزولا عن إرادة الشعب.. لو خرجت الجماهير تطالب به.
 
وقد كان فى أشد حالات الغضب عندما خرجت التظاهرات الحاشدة ترفض «حكم العسكر» وتطالبه بالرحيل.. ولا نستطيع أن نكرر الكلمات الغاضبة التى خرجت منه تعليقا على ما سمع من هتافات معادية له.. أحبطت كل أحلامه فى الحكم الذى كان ينتظره على طبق من كريستال.
 
وما زاد الأمر تعقيدا.. أن الولايات المتحدة لم تقبل باستمرار العسكريين فى الحكم.. وحسمت وزيرة الخارجية وقتها هيلارى كلينتون الأمر قائلة: «إن المشير رجل مريض يجب أن يتقاعد».. قالتها فى القاهرة وسط مجموعة من نشطاء المجتمع المدنى.. ولم يكن يساورها شك فى أن ما ستقوله سيصل إلى المشير إما بالنقل أو بالتسجيل.

 

لكنه.. كان يعتبر سليمان هو العقبة الوحيدة التى تقف فى طريقه.. فسعى جاهدا للتخلص منها.. بالإزاحة.. أو بالتفتيت.. ولم يستمع لما قاله له سليمان أكثر من مرة: «مبارك لن يعين نائبا له.. ليس ذلك فى حسبانه.. لا أنا ولا أنت سنحظى بالمنصب».. على أن مفعول هذه الجملة لم يكن ليمتد سوى أيام قليلة.. تهدأ فيها النيران. ثم تعود إلى الاشتعال.
 
حدث مرة أن طلب سليمان منه شحن أسلحة خفيفة اتفقت مصر على إرسالها إلى دولة إفريقية.. على أن تدفع المخابرات ثمنها.. ولكنه.. تقاعس عن الاستجابة.. وكأن سليمان سيستفيد من الشحنة.. فلم يجد سليمان مفرا من رفع الأمر إلى مبارك الذى اتصل بطنطاوى غاضبا.. فانتقل الغضب الذى تلقاه إلى سليمان قائلا: «هل تشكونى للرئيس؟».. ولم يجد مدير المخابرات الأسبق ما يرد به على سؤال لا معنى له.
 
وكان طنطاوى لا يطيق كل قيادة فى الجيش يعتقد أن علاقتها طيبة بسليمان.. مثل سيف جلال الذى عين كبير الياوران وسكرتيرا عسكريا لمبارك.. فقد تصور أن تعيينه جاء بتوصية من سليمان.. فكان من الطبيعى أن يوضع سيف جلال فى خانة الأعداء.. وقد جرت الإطاحة به فى ظروف لا تخلو من التآمر.. وإن لم يعرف من الذى دبر وخطط ونصب الشباك.
 
وما أن أصبح طنطاوى حاكما بأمره بعد رحيل مبارك حتى قرر عدم مساعدة سليمان بعد ترشحه للرئاسة.. فلم يكن من الممكن أن يقبل به رئيسا عليه.. وقد سئل سليمان: «هل أخبرت المشير بخبر ترشحك؟».. فنفى.. فقيل له: لابد من إبلاغه.. ونصح بأن يجرى الحوار بينهما فى الاستراحة لا فى الوزارة.. حيث يكون طنطاوى أكثر هدوءاً.. وأكثر تفهما.. فاتصل به سليمان طالبا منه موعدا فى الاستراحة.. لكنه.. ألح وأصر على أن يعرف السبب.. وما أن عرف أن سليمان سيرشح نفسه للرئاسة حتى أجاب: «على خيرة الله».. وهى جملة مجاملة.. لا تقدم ولا تؤخر.
 
وحسب ما سمعت من سليمان فإنه ذهب إلى المشير يطلب منه التدخل لدى لجنة الانتخابات الرئاسية كى تنتظر السيارات التى تحمل توكيلات الترشح بسبب ضيق الوقت وازدحام المرور.. فطلب المشير من عنان الاتصال برئيس اللجنة المستشار فاروق سلطان وأمينها العام المستشار حاتم بجاتو.. ولكن.. فيما بعد عرف سليمان أن الاتصال لم يحدث.
 
إن هناك أسرارا كثيرة لم تنشر من قبل لا تزال مخفية فى ملفات المشير حسين طنطاوى يجب كشفها.. ليس من باب التاريخ.. وليس من باب حق الشعب فى معرفة كل شىء عن حكامه.. ولكن.. من باب تفسير ما جرى لمصر على يديه.. لنصل إلى ما نحن فيه.. من متاعب لن تنتهى.. وأزمات لن ننجو منها بسهولة.. وصراعات ستظل مستمرة إلى أن يشاء الله.. هنا لابد أن يتحمل كل من حكم قبل من يحكم مسئوليته.. وفى جرابى الصحفى لا يزال الكثير.. ويمكن أن ينتظر إلى العدد القادم.

اجمالي القراءات 3180
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق