مسلمو أمريكا من "الحقوق المدنية" إلى "بناء السلام"

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٢٣ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: سويس انفو


على مدى عقود من الزمن، ركز المسلمون الأمريكيون جهودهم على حماية حقوقهم المدنية كأقلية في المجتمع الأمريكي، ولكن منذ هجمات سبتمبر الإرهابية تنامى اتجاههم إلى تحسين صورة الإسلام والمسلمين من خلال الاهتمام بالحوار بين الأديان والعمل مع فئات المجتمع الأخرى من أجل حل النزاعات وبناء السلام.


ومع تصاعد هذا الاهتمام، يعتزم المسلمون الأمريكيون إطلاق منظمة جديدة لحشد جهود المسلمين في بناء السلام في شتى أنحاء العالم.

مثلما تفننت كل جالية إسلامية في أمريكا في بناء مؤسساتها الاجتماعية والدينية، وجد المسلمون الأمريكيون من كافة الأجناس والخلفيات الثقافية أنهم كأقلية في أمس الحاجة إلى تشكيل مؤسساتهم المسؤولة عن حماية حقوقهم المدنية ومواجهة أي محاولة للنيل من الإسلام أو المسلمين، وكان مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية المعروف اختصارا بـ "كير" من أنشط المنظمات الإسلامية وأكثرها تأثيرا في هذا المجال منذ إنشائها في عام 1994.

ويقول الأستاذ نهاد عوض المدير التنفيذي المؤسس لكير: "إن هجمات سبتمبر وما تلاها من حملات التشهير بالإسلام والنظر إلى المسلمين في المجتمع الأمريكي على أنهم متهمون حتى تثبت براءتهم بل وموجة السياسات الأمريكية التي اتسمت بنظرة عدائية إلى العالم الإسلامي خلقت مناخا من الخوف من الإسلام لم يسلم منها حتى مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية باراك أوباما حيث تفنن معارضوه في اتهامه بأنه تعلم في مدارس إسلامية في إندونيسيا وأن أباه حسين أوباما مسلم وهل يمكن لأميركا انتخاب رئيس مسلم".

وأضاف السيد نهاد عوض في حديثه لسويس إنفو قائلا: "لقد بذل المسلمون الأمريكيون خاصة قيادات مجتمع المسلمين في أمريكا قصاري جهودهم لإدانة الإرهاب ومحاولة تقديم الصورة السليمة عن الإسلام كدين أمن وسلام ولكن وسائل الإعلام الأمريكية لم تكن تغطي إلا نسبة ضئيلة من تلك الجهود بينما تفسح المجال وتفتح الأبواب على مصراعيها لمن يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء في الإرهاب ليرسخوا صورة وهمية في نفوس الأمريكيين تربط بين الإسلام والإرهاب وتصور المسلمين الأمريكيين على أنهم خلايا إرهابية نائمة تتحين الفرص للانقضاض على الأمن الأمريكي".

الأستاذ نهاد عوض، المدير التنفيذي المؤسس لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية ("كير") رؤية جديدة للمسلمين الأمريكيين
لذلك رأت قيادات مجتمع المسلمين في أمريكا أن من الواجب انتهاج رؤية جديدة للعمل تتشعب فيها مهام منظمات المسلمين الأمريكيين بحيث تركز على المستوى الشعبي على الاتصال المباشر بالمواطنين الأمريكيين وإعادة تقديم المواطن المسلم إلى المجتمع الأمريكي ليتأكد المواطن العادي أن جاره المسلم لا يشكل تهديدا وأنه مثله يسعى لبناء أسرة متماسكة وناجحة وفق منظومة من القيم لا تختلف كثيرا في أهدافها عما يسعى المواطن العادي لتحقيقه في المجتمع الأمريكي وأن الإسلام هو دين الأمن والسلام ولا يعنى أن فئة قليلة تنتمي للمسلمين انتهجت العنف سبيلا أن الإسلام بأسره دين يحض على العنف.

ويقول السيد نهاد عوض في هذا الصدد: "إن الرؤية الجديدة رؤية تتسم بقدر أكبر من الواقعية لأنها ترتكز إلى أن يتخلى المسلمون الأمريكيون عن دور الضحية التى طالما عانت من الاتهامات الظالمة ويدخلون في تحالفات مع المؤسسات المسيحية واليهودية والعمل معا في خدمة المجتمع الأميركي وجهود فض المنازعات وبناء السلام وأن يتحول فكر المسلمين الأمريكيين إلى البحث ن القيم المشتركة مع الآخرين بدلا من التقوقع خوفا من الصور السلبية النمطية عن المسلمين".

ويرى السيد نهاد عوض أن المسلمين الأمريكيين مؤهلون للقيام بمهام الرؤية الجديدة حيث أنهم الأقدر على أن يكونوا جسرا للسلام بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي كما أنهم مثقفون ومتعلمون بل تصل نسبة الحاصلين منهم على الدرجات الجامعية أو درجات الماجستير 62 في المائة وهي ضعف نسبة الجامعيين في المجتمع الأمريكي ككل.

ويعتقد السيد نهاد عوض أن مرحلة ما بعد بوش قد تبشر بفتح صفحة جديدة في العلاقة مع المسلمين الأمريكيين خاصة إذا اندمجوا في مجموعة متكاملة من النشاطات:

أولا: الدخول في حوار إيجابي مع المنظمات المهتمة بالحوار بين الأديان للتوصل إلى التفاهم والاحترام المتبادل والعمل المشترك لخدمة المجتمع.

ثانيا: الانخراط في نشاطات مجتمعية توفر اندماج بين المسلمين الأمريكيين والمواطنين الآخرين ليتعرفوا على المسلمين الأمريكيين معرفة حقيقية بعيدة عن الصور النمطية السلبية عن الآخر.

ثالثا: العمل البناء مع الآخرين لبناء السلام داخل المجتمع الأمريكي والحيلولة دون نشوب النزاعات في الخارج.

رابعا: العمل على إقناع المسؤولين الأمريكيين بالاستعانة بخدمات المسلمين الأمريكيين في مجالات عديدة كشركاء في الوطن وليس كمشتبه فيهم على قوائم التنصت والمراقبة.

خامسا: مشاركة المسلمين الأمريكيين في دعم ثقافة السلام في الولايات المتحدة من خلال مساندة مشروع القانون الذي طرحه المرشح السابق للرئاسة الأمريكية النائب الديمقراطي دينيس كوسينيتش لإنشاء وزارة للسلام ضمن وزارت الحكومة الأمريكية، حيث أن من شأن ذلك إظهار نوايا حسنة لأمريكا في العالم عوضا عن موجات مناهضة الولايات المتحدة التي سببتها سياسات الضربات الاستباقية وشن الحروب دون مبرر.

وخلص السيد نهاد عوض في لقائه مع سويس إنفو إلى أن الرؤية الجديدة للمسلمين الأمريكيين كصناع للسلام ستتجسد قريبا في إطلاق منظمة جديدة للمسلمين الأمريكيين تتولى تنفيذ أهداف توسع مجال نشاطهم من الحقوق المدنية إلى بناء السلام.

الدكتورة أنجريد ماتسون، رئيسة منظمة المجتمع الإسلامي لأميركا الشمالية المعروفة اختصارا بـ"ISNA" تراكم خبرات المسلمين الأمريكيين
وتتفق الدكتورة إنحريد ماتسون، رئيسة منظمة المجتمع الإسلامي لأمريكا الشمالية المعروفة اختصارا بـ"ISNA" أكبر منظمات المسلمين الأمريكيين، مع السيد نهاد عوض في أن توسيع نطاق نشاط المنظمات الإسلامية ليشمل بناء السلام سيخدم الإسلام ويقدم للمجتمع الأمريكي الصورة الحقيقية للمسلمين الأمريكيين، ولن يكون ذلك بالتجربة الجديدة عليهم فقد سبق لهم المشاركة مع المؤسسات المسيحية واليهودية في حوار الأديان، وكذلك في تشكيل فريق العمل من أجل البوسنة لإنقاذ المسلمين فيها من المذابح والتطهير العرقي في غمار حرب البوسنة، وفي السنوات الأخيرة، تضامن المسلمون الأمريكيون مع جهود مواطنين أمريكيين آخرين لوقف المعاناة الإنسانية في دارفور، وتخفيف مآسي ضحيا إعصار تسونامي في إندونيسيا.

وقالت الدكتورة إنجريد ماتسون لسويس إنفو: "غالبا ما يكون تعاون المسلمين الأمريكيين مع مؤسسات بناء السلام، سواء كانت تنتمي لديانات أخرى أو كانت منظمات لحقوق الإنسان أو مؤسسات التفاهم بين الأديان، أكثر نفعا وإيجابية بالنسبة لترسيخ صورة حقيقية عن اهتمام المسلمين بمساعدة بني البشر بغض النظر عن العرق والدين، حيث إنها تترك أثرا واضحا في نفوس الأمريكيين من غير المسلمين، كما أن تجارب المسلمين الأمريكيين في العيش في كنف مجتمع ديمقراطي متعدد الأعراق والديانات ويتقبل الآخر رغم الاختلاف لكونه متنوع الثقافات تجعل المسلمين الأمريكيين أقدر على المشاركة في بناء السلام من المسلمين في أنحاء عديدة من العالم".

وتضيف الدكتورة ماتسون أنه في وقت بلغ فيه سوء التفاهم وعدم الثقة المتبادلة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي مستويات لم يسبق لها مثيل، فإن أي شيئ يمكن أن يقدمه المسلمون الأمريكيون لإظهار كيف أن الإسلام دين أمن وسلام وأنه ليس شيئا غريبا على نسيج المجتمع الأميركي، يمكن أن يسهم في تخفيف حدة التوتر وتحسين التفاهم بين الثقافات عوضا عن صدام الحضارات الذي يروج له البعض والذي لا يغذي سوى الوقوع في براثن أعمال العنف في الخارج وجرائم الكراهية في داخل الولايات المتحدة.

الدكتور دانيال برومبرج، مدير مبادرة العالم الإسلامي بالمعهد الأميركي للسلام دور المسلمين مهم في بناء السلام
ويرى الدكتور دانيال برومبرج، مدير مبادرة العالم الإسلامي بالمعهد الأميركي للسلام، أنه لا غنى عن تعاون المسلمين الأمريكيين في بناء السلام، خاصة في العالم الإسلامي، فهم الجسر الطبيعي المؤهل للقيام بتلك الرسالة وقال: "فيما تسعى مبادرة العالم الإسلامي إلى إيجاد المناخ المواتي لبناء الثقة وتشجيع الحوار بين الزعماء السياسيين والدينيين في الولايات المتحدة ونظرائهم في العالم الإسلامي، فإن مبادرة المسلمين الأمريكيين إلى توسيع نشاطاتهم من حماية حقوقهم المدنية إلى المشاركة في بناء ثقافة السلام والمشاركة في جهود فض النزاعات والحيلولة دون نشوبها خاصة في العالم الإسلامي، تصب في بؤرة الاهتمام الأمريكي بتعزيز جهود السلام في العالم".

وتعهد الدكتور برومبرج بأن تقوم مبادرة العالم الإسلامي بتشجيع جهود المسلمين الأمريكيين لبناء السلام، ومساعدتهم من خلال تدريبهم على أفضل الممارسات للمساهمة في صنع السلام وكيفية إسهام رجال الدين في نزع فتيل النزاعات، مع التركيز على تزويد المسلمين الأمريكيين النشطين في مجال بناء السلام بخبرات حل الصراع ودعم جهود الإصلاح السياسي في العالم الإسلامي لإزالة جذور الصراع الناتج من حرمان بعض الفئات من نصيبها المشروع في الثروة والسلطة بل والممارسة السياسية.

اجمالي القراءات 3053
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق