خالص جلبي يكتب مشروع الجينوم القرآني الألماني

اضيف الخبر في يوم الأحد ٠١ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً.


مشروع الجينوم القرآني الألماني
 
خالص جلبي
 

 
هل للقرآن منطق خاص؟
هذا السؤال اشتغل عليه الكثيرون وأنا شخصيا قرأت الكثير من هذه المشاريع.
لقد حاول شحرور مثلا في دراسته للقرآن، أن يكتشف منطق القرآن الخاص، فاعتمد الأدوات اللغوية، وساعده في هذا (دك الباب) أستاذ اللغة، فحاول اللعب بالعديد من المفاهيم، وجر عليه الكثير من الصداع، حين صدم الكثير من المسلمات عند جمهور المسلمين في قضايا ثياب المرأة وشقوق الجسم، ولكن اللغة كما يقول فيتجنشتاين الفيلسوف النمساوي لعبة؟
وهكذا فعل محمد عنبر أيضا في كتابه جدلية الحرف؛ فزعم أن سر المفاهيم هي في الحرف، ووضع يده على أن (الشدّة) في الكلمة مثل برّ وربّ وجرّ ورجّ وزجّ وجزّ،هي تكرار لحرف واحد في الوسط، بحيث ينقلب المعنى تماما من الأول للأخير وبالعكس.
وذهب جودت سعيد في تفسيره إلى علاقة النص بالواقع، أن البشر يختلفون في الكلمات، ولكنهم لايختلفون في الكلمة الأساسية التي هي الطبيعة، وهو ينقل في هذا عن إقبال أن مصادر المعرفة هي ليست النصوص بل الطبيعة والتاريخ.
أما جماعة التفسير الرقمي؛ فقد حولوا القرآن إلى كتاب رياضيات، وقالوا أيضا أن رقم 19 هو سر القرآن، كما ذهب شحرور في كتاباته أيضا، أن الأحرف التي تبدأ بها بعض السور يساوي مجموعها (ربما 13) اللغة الكونية التي سينطق بها الكائنات السماوية إن وجدت وتفاهمت..
وهناك جماعة السبعة المثاني أيضا، أن كل ما في الكون خلفه سر الرقم سبعة؛ بدء من سبعة دوائر الكترونية تطوق البروتون، إلى سبع مرات في الطواف، وسبع طبقات للأرض وطبقات السماء وهكذا..
أما جماعة الإعجاز العلمي، فقالوا أن كل آية فيها إعجاز علمي، وحاولوا تصيد بعض الآيات، مثل نقص الأكسجين في الارتفاعات، من آية يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء، ولكنهم مضوا من الآيات التي يمكن أن يشم الواحد فيها بعضا من الإثارة، إلى آيات بعيدة عن الإعجاز العلمي مسافة سنة ضوئية، ولكن الخيال عنده قدرة أن يمشي أسرع من الضوء؟
وفي يوم قرآت لكاتب سوادني من جماعة المعهد العالمي للفكر الإسلامي كتابة من هذا النوع قرأتها بدقة وتمعن ولكن لم أعثر فيها على ضالتي.
وفي الواقع لابد من الانطلاق بمشروع جديد لمنطق القرآن، وقد حدثني جودت سعيد في يوم عن مشروعه حول (أجنة قرآنية) و(آيات مفتاحية) مثل آية سورة العنكبوت عن السير في الأرض والخلق، أو الآية من سورة البقرة عن قرار خلق آدم وتخوف الملائكة من هذا الكائن المفسد وكيف كان جواب الرب أنه يعلم ما لايعلم الآخرون.
 ومشروعه هذا يشبه اللوغارتم في الحساب، بحيث يمكن الدخول على العديد من الآيات بهذه الطريقة..
وفي يوم كنت في دار الفكر في دمشق فوقع تحت يدي كتاب عرضه عدنان سالم صاحب الدار عن كتاب يجمع مواضيع القرآن سوية، ولكن كيف ترتب ومن الذي يعطي الأولوية؟
ولعل كتب التفسير القديمة بتنوعها حاولت أن تحوم وبمناهج مختلفة شق الطريق إلى فهم منطق القرآن، ولكنه مثل من يحاول خرق لغات العالم أجمعين وهو طالب حضانة..
وكتب التفسير القديمة هي كما حدثني رشيد بن عيسى الجزائري يوما أنها إضاءات للعصر، بمعنى أن كل مفسر أسقط مافي ذهنه من عصره على الآيات، وهذا يعني ان من يريد فهم مراد القرآن واستيعاب منطقه الداخلي، وهو يراجع تفسير ابن كثير مثلا الذي يطبع ويعاد طباعته بدون ملل، يشبه جراح من أيام الفراعنة يريد معالجة استئصال ورم في الحفرة الخلفية من الدماغ..
ويمكن القول بدون تردد أن هناك من الطبقات التي تدفن معاني القرآن من تراكمات المفاهيم، ما يجب العودة للنص القرآني المرة بعد المرة للتجلي والبيان، ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر.
ومن أعجب ما قرأت رجل دين دمنهوري مسلم وقع كتابه تحت يدي في فرنسا، ذهب إلى أن القرآن ليس فيه من الإعجاز والبلاغة شيء قط، وكل ما قيل في هذا الموضوع خيالات، ويجب أن نحترم نحن بدورنا خيالات الناس..
والمهم فهذا الموضوع يؤرقني من زمن بعيد حتى تبلور في ذهني شيء ، ولكنني عرفت ان الألمان سبقوني إليه، فكما فعل العلماء بفك الجينوم البشري في لوس آلاموس، كذلك يعكف حاليا فريقين من العلماء الألمان على فك الجينوم القرآني.
كان الجينوم البشري لفك الكود الوراثي الراقد كاللوح المحفوظ في بطن كل نواة خلية، كذلك الجينوم القرآني راقد لوحا محفوظا في نصوص تتلى للضمير إلى قيام الساعة.
يتمتع الجينوم البشري بثبات مذهل خلاف الميتوكوندريا في السيتوبلاسما، كذلك النص القرآني يتعالى على قول البشر بنظم خاص فليس هو بشعر ولا نثر بل قرآنا عربيا غير ذي عوج.
يحوي الجينوم البشري العضوي ثلاث مليارات حمض نووي مترابطة على شكل جسر ملفوف صعودا، ويتكون الكود القرآني من 114 سورة و6200 آية في 18 جزء مكي و12 جزء مدني، نزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا ، ثم نزل على مكث تنزيلا، ونفهم ذلك الآن حين نرى أقراص الليزر ونقل المعلومات عبر القارات بكبسة زر.
وكما فتح مشروع الجينوم البشري الطريق إلى فهم الإنسان، كذلك فإن مشروعا من هذا القبيل ينتظره العالم الإسلامي كوصفة خلاص نفسية اجتماعية للجنس البشري.
ومشروع الجينوم القرآني يبدأ حاليا من أرض الجرمان بمشروع سموه (مشروع الماموت
Mammutproject) نسبة للفيل العملاق المنقرض، بدأته عالمة ألمانية مستشرقة هي (انجيليكا نويفيرث Angelika Neuwirth) بميزانية مليوني يورو ولفترة سوف تمتد ثماني عشرة سنة.
سوف يقوم الفريق الأول بوضع (بنك معلومات
Databank) لكل ما يتعلق بالقرآن، والثانية في تحليل العمل الأول، ما يشبه دراسة التشريح والفيزيولوجيا في الطب، وما يلحقه مع علم النسج والتشريح المرضي، في محاولة فهم الجو الديني والحقبة التاريخية التي عاصرت انبعاث الإسلام، في محاولة إعادة تصنيعها للاقتراب من فهم أفضل للنص القرآني.
وأنا شخصيا كنت قد عرضت على الناشر في المؤسسة السعودية للأبحاث والنشر أن نقوم بوضع لوغارتم قرآني، على شكل آيات مفتاحية، وأجنة قرآنية، كما أشرت إلى ذلك، لتسهيل فهم القرآن على المسلم وغير المسلم المعاصر، فتحمس رحمه الله (هشام حافظ) للمشروع ثم جاء من أفسد الفكرة وطمس النور؟!
ومازال في نفسي هذا المشروع، وأنا أرى غيري من الألمان من يسبقوني إلى مشروع عملاق من هذا النوع، الذي نحن بأمس الحاجة إليه. هذه المرة سيؤدى بالدقة الألمانية المعهودة.
والفريق الأول الذي سيعني ببناء بنك للمعلومات القرآنية سوف يحشد ويجمع كل ما يتعلق بالقرآن، مثل النسخة التي عثروا عليها في اليمن في السبعينات (1973م)، وكانت غير منقطة وبدون تشكيل؛ فمثلا المستشرق (جيرد روديجر بوين
Gerd-Ruediger Puin) يريد من خلال النسخة اليمينة إعادة كتابة الفترة الأولى من تاريخ الإسلام؟
وتقول مجلة المرآة الألمانية في عددها الأخير من عام 2007م والتي جاءت معنونة عن القرآن (الكتاب الأعظم أثرا في حياة الناس
Das maechtigste Buch der Welt) وتقول كيف يمكن فهم الآيات التي تدعو للتسامح وتلك التي تدعو للقتال، وهل يمكن ان يظهر (تأويل) جديد للايات؟ وأن يحدث إصلاح ديني كما تم في أوربا بنهوض البروتستانت من رماد الكاثوليك والحروب الدينية.
إن توينبي درس التاريخ بطريقة الرجعى، ليكتشف أن عصر التنوير سبقه الإصلاح الديني، ومالم نفتح الإفواه في نقد الفكر الديني، ونطلق قيود المرأة والعقل والنقاش، فسعينا باطل ومستقبلنا كئيب؟
ونحن اليوم محاصرون مثل موسى من جهتين؛ فكان كل فرق كالطود العظيم، بين المخابرات والمتشددين، الأول طاغوت سياسي يغتال الحريات بالكرباج والجندرما والمخابرات، والثاني جبت يغتال العقول بالوهم الديني. والنبوات جاءت ضد الجبت والطاغوت لتحرير الإنسان.
والسيدة نويفيرث (64 عاما) عاشت في الشرق فترة ويساعدها اثنان من الباحثين هما (نيكولاي سيناي
Nicolai Sinai) و(ميشيل ماركس Michael Marx) هي التي ابتدعت هذا المصطلح (الجسم القرآني Corpus Coranicum) ودعت إلى دراسة متأنية لفهم المسلمين على نحو جدي.
وتقول السيدة أن القرآن سوف يوضع تحت المجهر كلمة كلمة، وسوف يدرس كرونولوجياً، ودراسة السور ستكون مثل البناء الميكروسكوبي (
microstructural). فالقرآن لم تنزل فيه أطول سورة ابتداء، كما هو الحال في سورة البقرة 286 آية؟ بل من المعروف أنه نزل على مكث بسور قصيرة، وبكلمة اقرأ لفتح الدماغ وتنشيط الوعي، ولكن العرب اليوم لايقرأون، ولو قرأوا مافهموا، ولا ينبئك مثل خبير.
وقصة عمل المستشرقين ليس جديدا، وكان دوما مغلفا بالريبة والشك أنهم عملاء جواسيس، وهذا من جهة صحيح، ولورنس كان عميلا، ولكن المفاجأة له بالذات، أنه اكتشف نفسه أنه مستخدم بدون إطلاعه على خطط السياسيين، في تراكب عجيب، بعد أن قطع الوعد للعرب بقطعة أرض عربية، فتبين أن سايكس الملعون وبيكو التعيس قطعا العرب ألف قطعة، ومن قطع جثة الحريري في بيروت مزعا كانت مؤامرة متراكبة من هذا النوع، قد يكون آخر من يعرف سرها هو من نفذها؟
ولكن الألمان بوجه خاص، ولعدم وجود تاريخ استعماري مع العرب، رشح اللغة الألمانية ان تكون اللغة الثانية بعد العربية في دراسات المستشرقين، ومن ينظر في عملهم للحديث الشريف يصاب بالذهول من دقة عملهم وصبره،م وطول اشتغالهم وإنفاقهم على الأبحاث.
وحين ظهر كتاب فهرس الحديث الذي ضم مدخلا لكل حديث ومظنة وجوده في أي صحيح من الصحاح التسعة، كان ثمن الكتاب يومها 25 ألف ريال، حتى سرقه البعض واشتريناه بأقل من ذلك بكثير، وهو في مكتبتي ويستفاد منه.وبعد الانترنت وأقراص الليزر تسهلت الأمور كثيرا.
وتقول السيدة نويفيرث أن مستشرقا ألمانيا من جامعة بون هو ستيفان فيلد 70 عاما (
Stefan Wild ) دعي إلى السعودية إلى المدينة المنورة للمرة الأولى للمشاركة في مؤتمر الإسلام والدراسات الاستشراقية، وقد ضم جدول التوصية في فقرته 29 ما اقترحه الرجل من الجهد المشترك من المسلمين وغيرهم في الدراسات القرآنية.
وهكذا فعلينا الانتظار حتى عام 2025 لنرى ماذا يتولد عنه المشروع؟ ولعله سيكون مثل كتاب الكرونيك الرائع الذي تنتجه الثقافة الألمانية في كل فن، عن تاريخ المرأة، وتاريخ الطب، والمسيحية والقرن العشرين والجنس البشري، وسيضم له الآن الجينوم القرآني..
فكما فك الكود الوراثي في الخلية، فسوف يتم تفكيك الآيات وتاريخها ونزولها ..
والقرآن يقول أو لم يكفه آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل..
والقرآن يقول إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا. ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للأذقان يبكون ويزيديهم خشوعا..
والقرآن يقول عن الجن أنهم لما سمعوه انصرفوا، وقالوا لقومهم إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به.
ولعل جن الألمان سيكون مصيرهم مثل جن الجزيرة العربية؟!..
 
اجمالي القراءات 12218
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   سليم قزق     في   الإثنين ٠٢ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[63574]

لله درك يا دكتور خالص ..

حقيقة مقال جيد ، ويستدعي المتابعة ، وخاصة من قبل المتخصصين اللغوين ..لقد وردت كلمة (القران ) خمسون مرة في (القران الكريم) ..ولا اريد ان اعقب ..فانني مع (ايمان العجائز) ولست من (فئة ) المؤمنين (العلميين ) ...

اننا عندما  نعيش بين اوساط المسلمين المومنين (غير العرب)  نشعر بعمق الايمان بالله سبحانه وتعالى رغم عدم معرفتهم  بالبلاغة العربية او بالاسلوب القراني الذي  قتله الباحثون اللغوييون عبر العصور  {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

لن اطيل ...وحفظك الله ورعاك

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق