مجدى خليل يكتب الخطأ الأمريكى الأستراتيجى الثانى فى التقارب الجديد مع الإسلاميين

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٩ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الحوار المتمدن


عقب الغزوالسوفيتى لأفغانستان عام 1979 أرتكبت الولايات المتحدة الخطأ الأستراتيجى الأول بالمساهمة فى خلق البعث الأصولى الإسلامى الأخطر فى القرن العشرين والذى أطلق عليه يوسف القرضاوى "الصحوة الإسلامية". كانت القراءة الأمريكية للأصولية الإسلامية قراءة سطحية غير متعمقة فى التاريخ كما أنها كانت قصيرة النظر وترتكن إلى تحقيق أهداف قصيرة المدى.كان زبجنيو بريجنسكى مستشار الأمن القومى لكارتر والقادم من أوروبا الشرقية لا يرى سوى الخطر الشيوعى غير مدرك أن إحياء المارد الأصولى الإسلامى من مرقده سيعيد أهوال التاريخ مرة أخرى. قامت المخابرات الأمريكية بأضخم عملية فى تاريخها تكلفت مليارات الدولارات لمواجهة السوفيت عن طريق إحياء الجهاد الإسلامى وبالتعاون مع المخابرات الباكستانية. كان الرئيس الباكستانى وقتها، ضياء الحق، قد أشترط أن تكون المخابرات الباكستانية هى المسئولة عن توزيع المال والسلاح للمقاتلين من الفصائل الأفغانية، وأشترط أيضا عدم دخول المخابرات الأمريكية أفغانستان عبر باكستان،أى أنه وضع كل الخيوط فى أيدى المخابرات الباكستانية والتى أختارت حلفاءها من الأصوليين الأفغان مثل قلب الدين حكمتيار ثم بعد ذلك طلاب المدارس الوهابية من الأفغان والذى اطلق عليهم "طالبان" فيما بعد نظرا لإنتسابهم إلى هذه المدارس الوهابية فى باكستان، ومن خلال المخابرات الباكستانية ظهر ما اطلق عليهم " الأفغان العرب" والذين كانوا نواة تنظيم القاعدة فيما بعد.
فى 15 مارس 2005 نشر موقع الخارجية الأمريكية تقريرا ينفى أى صلة بين المخابرات الأمريكية والأفغان العرب أو تنظيم القاعدة، وحمل المسئولية للمخابرات الباكستانية ، وكما جاء فى التقرير "لم "تخلق" الولايات المتحدة بن لادن أو القاعدة. بل ساعدت الولايات المتحدة الشعب الأفغاني في كفاحه لتحرير بلاده - كما فعلت ذلك بلدان أخرى، بما فيها المملكة العربية السعودية وباكستان والصين ومصر والمملكة المتحدة. لكن الولايات المتحدة لم تدعم "العرب الأفغان"، أي العرب والمسلمين الآخرين الذين جاؤوا للقتال في أفغانستان لغايات أبعد... كانت وكالة الاستخبارات الباكستانية " ISI" تتخّذ القرارات حول الفئات الأفغانية التي تريد تسليحها وتدريبها، وكانت تميل إلى تفضيل الفئات الإسلامية المتشددة والموالية لباكستان. وكان العرب الأفغان عامة يقاتلون إلى جانب تلك الفئات، الأمر الذي أثار الاتهام بأنهم كانوا من صنع وكالة الاستخبارات المركزية".
كانت الصفقة وقتها بأنه فى مقابل كل دولار تقدمه السعودية نقدا تقدم الولايات المتحدة دولار فى شكل أسلحة وتصب جميع الأموال والأسلحة لدى المخابرات الباكستانية. وكما جاء فى كتاب ميلت بيردن، الذى خدم كرئيس لمحطة وكالة الاستخبارات المركزية في باكستان بين 1986 و1989 حيث كان مسؤولاً عن إدارة برنامج العمليات السرية في أفغانستان، "العدو الرئيسي: القصة الداخلية للمجابهة الأخيرة بين وكالة الاستخبارات المركزية والكي جي بي" ما يلى : "ضمن مستشار الرئيس جيمي كارتر لشؤون الأمن القومي، زبجنيو بريجنسكي، سنة 1980، التوصل إلى اتفاقية مع العاهل السعودي تتعهد المملكة بموجبها بدفع دولار من المساعدات لقاء كل دولار تقدمه الولايات المتحدة لدعم المجهود الأفغاني، كما أن [مدير الوكالة أيام إدارة ريجان] بيل كايسي حافظ على استمرار مفعول هذه الاتفاقية لعدة سنوات". (العدو الرئيسي، ص. 219).
ويؤكد نفس الكلام اللواء محمد يوسف الذى كان مسؤولاً عن المكتب الأفغاني لوكالة الاستخبارات الباكستانية حيث أدار برنامج المساعدات السري للمجاهدين الأفغان. يؤكد اللواء يوسف في كتابه "فخّ الدّب: قصة أفغانستان التي لم تروَ"، المعادلة المالية الأميركية السعودية ويقول:
"مقابل كل دولار تقدمه الولايات المتحدة، كان يضاف دولار آخر تقدمه الحكومة السعودية. وكانت الأموال المشتركة التي بلغت مئات الملايين من الدولارات، تنقل عن طريق وكالة الاستخبارات المركزية إلى حسابات خاصة في باكستان تحت إشراف وكالة الاستخبارات الباكستانية". (فخّ الدّب، ص. 81).
نعم لم تمول الولايات المتحدة القاعدة أو الأفغان العرب بطريقة مباشرة ولكنها خلقت الظاهرة نفسها المسئولة عن ظهور بن لادن والقاعدة حيث راهن خبراء المخابرات الأمريكية والبنتاجون على سلاح فتاك وناجح ظرفيا وهو الإسلام الجهادى المسلح، بل واطلقوا على هؤلاء المجاهدين لقب " المناضلون من آجل الحرية"، ولهذا حسم الصحفى السويسرى ريشار لا بيفيار هذه اللعبة الخطرة وسماها " دولارات الرعب" فى كتابه الصادر بالفرنسية بنفس العنوان عام 1998، ولهذا يقول لابيفيار أن أمريكا هى التى صنعت بن لادن بموافقة المخابرات السعودية والباكستانية، بل أن أمريكا ساهمت فى ظهور الرؤساء الأصوليين مثل ضياء الحق فى باكستان والسادات فى مصر وجعفر النميرى فى السودان ،وكلهم بالطبع كانوا أصدقاء لأمريكا والسعودية وساهموا فى ظاهرة الجهاد الأفغانى وفى إحياء الأصولية الإسلامية.
طبعا لم تكتفى القاعدة بالاموال والأسلحة التى حصلت عليها من المخابرات الباكستانية ولكن كان لها تمويلها الخاص الضخم القادم من الأثرياء العرب ووخاصة من المخابرات السعودية تحت إشراف الأمير تركى الفيصل، ولهذا كانت الأموال التى تحت يد القاعدة طائلة، وهو ما يقرره أيمن الظواهرى فى كتابه " فرسان تحت رأية النبى" الصادر فى ديسمبر 2001 حيث يقول أن القاعدة مولت الجهاد الأفغانى بمائتى مليون دولار من خلال الأسلحة فقط خلال عشر سنوات، ومن المعروف أن القاعدة هى أيضا التى مولت عملية طالبان للإستيلاء على كابول فى ديسمبر 1996، وقتلت خصم طالبان القوى أحمد شاه مسعود.
كان طبيعيا أن ينقلب السحر على الساحر ، وأن تتحقق القاعدة المعروفة من يزرع الشوك يجنى الجراح، وجاءت محاولة تفجير برجى التجارة العالمى عام 1994 كإنذار للولايات المتحدة بخطورة هذه الظاهرة التى ساهمت فى وجودها، ولكن أمريكا قابلت الأمر برخاوة، ثم توالت العمليات الإرهابية وكان أخطرها تفجير سفارتى أمريكا فى نيروبى ودار السلام فى اغسطس 1998 حيث راح ضحية التفجيرات مئات القتلى والجرحى معظمهم من الأفارقة الفقراء، ولكن إدارة كلينتون تعاملت مع الموضوع برخاوة واطلقت عدة صواريخ على معسكرات القاعدة لم تكن مؤثرة ولم توقف توحش التنظيم. حتى جاءت عملية 11 سبتمبر2001 التى هزت الولايات المتحدة والعالم كله وبينت مدى الخطورة التى وصلت إليها التنظيمات الإسلامية الجهادية.
مع أنطلاق الحرب فى أفغانستان ثم العراق بدأت مراكز التفكير فى أمريكا بالبحث عن طرق أخرى للتعامل مع الظاهرة الإسلامية ومع الدول المصدرة للإرهاب الإسلامى يكون بديلا عن الحرب، فكانت فكرة أجندة الديموقراطية التى طرحت فى عهد بوش الأبن حيث تم الربط بين الأستبداد وظهور التطرف الدينى، كما أن القمع الداخلى للإسلاميين أدى إلى تصدير الظاهرة للغرب، ومع أجندة الديموقراطية كان حتميا طرح السؤال وماذا لو جاءت الديموقراطية بالإسلاميين إلى الحكم؟ وكانت الأجابة وقتها على لسان كوندليزا رايس التى عبرت عن اقتناع الولايات المتحدة بأهمية التحاور مع الإسلاميين في المنطقة العربية، وأنها لا تخشى من وصول تيارات إسلامية إلى السلطة ، وقال ريتشارد هاس مدير إدارة التخطيط السياسي بالوزارة نفسها إن الولايات المتحدة لا تخشى وصول تيارات إسلامية إلى السلطة لتحل محل الأنظمة القمعية العربية التي"تتسبب بتكميمها الأفواه في اندلاع أعمال الإرهاب، شريطة أن تصل عن طريق ديمقراطي وأن تتبنى الديمقراطية كوسيلة للحكم.
ومن ضمن التقارير الهامة التى أوصت بمشاركة الإسلاميين فى الحكم ذلك التقرير الصادر عن مؤسسة راند فى فبراير 2004 بعنوان "الإسلام المدنى الديموقراطى: الشركاء والموارد والاستراتيجيات" حيث أوصى التقرير بفتح حوار مع الإسلاميين المعتدلين وصنف جماعة الأخوان المسلمين كجماعة معتدلة.
ولكن إشراك الإسلاميين فى الحكم بالتعاون مع الولايات المتحدة كان من الصعب حدوثه فى عهد بوش المكروه فى الدول الإسلامية والذى شن حربين على دولتين إسلاميتين، وكان تطبيق هذه الأجندة هو الأنسب فى عهد باراك حسين أوباما ذو الجذور الإسلامية، حتى أن أشهر الكتاب العرب محمد حسنين هيكل قال أن المخابرات الأمريكية والبنتاجون وجماعات المصالح فى أمريكا جاءت بأوباما لتحقيق هذا الغرض، فى حين هناك أراء أخرى تقول أن تسريع المشروع فى عهد أوباما جاء نتيجة لتعاطف أوباما مع الدول الإسلامية وأنه لا يرى خطرا من الايدولوجية الإسلامية على أمريكا ومن ثم لا يرى خطرا من تولى الأصوليين الإسلاميين الحكم، وهناك أراء أكثر تطرفا ترى أن وجود أوباما نفسه فى البيت الأبيض هو مشروع إسلامى وليس مصادفة.
مع اقتناع إدارة أوباما والمخابرات الأمريكية والبنتاجون بفكرة إشراك الإسلاميين المعتدلين فى الحكم، كان لا بد من وجود وكيل عربى غير السعودية التى كانت وكيلا للإسلام الجهادى السلفى الوهابى الطالبانى، ووقع الاختيار على قطر الدولة الصغيرة والغنية والتى تسعى للعب دور فى المنطقة والتى تحتضن قطب الأخوان المسلمين يوسف القرضاوى. على مدى سنوات ومن خلال التمويل الضخم ومن خلال منبر الجزيرة ساهمت قطر فى تنمية السخط على الأنظمة القديمة وفى نفس الوقت روجت ومهدت لتولى الإسلاميين الحكم فى المنطقة، وقد مولت قطر العديد من المؤسسات ومراكز الأبحاث التى تتحدث عن الإسلام والديموقراطية أو تدعو لمشاركة الإسلاميين فى الحكم ، وعلى مدى سنوات كان سعد الدين إبراهيم ورضوان المصمودى وغيرهم من أصدقاء الأخوان وقطر يتنقلون فى أمريكا واوروبا للترويج لمشاركة الأخوان والإسلاميين فى الحكم عبر صناديق الأنتخابات،بل أننى فى سنة وأحدة رصدت عشرة مؤتمرات كبرى فى أمريكا وأوروبا تحت رعاية جامعات ومراكز أبحاث معروفة كانت تناقش مشاركة الإسلاميين فى الحكم وكنت اتساءل من أين أتى هذا التمويل الضخم لهذه المؤتمرات؟.
وبعد سقوط الأنظمة فى تونس ومصر وليبيا، أتجهت قطر لتمويل حلفاءها الإسلاميين بمبالغ مالية طائلة لكى يسيطروا على الحكم عبر أنتخابات شكلية غير نظيفة، ودخلت السعودية على الخط لتمويل التيارات السلفية الوهابية حتى لا تفقد نفوذها فى العهد الجديد.
وجاءت تصريحات هيلارى كلينتون لتعلن أستعداد الولايات المتحدة للتعامل مع حكومات إسلامية فى المنطقة، وتوالت زيارات المسئولين الأمريكيين إلى المنطقة وكان الترحيب بالسناتور جون كيرى فى مكتب الأخوان بالقاهرة عنوانا للصفقة الجديدة، حتى أن الشيخ السلفى حازم صلاح أبو إسماعيل، والمرشح لرئاسة الجمهورية، وصف زيارة كيرى بأنها بأدرة نصر وبشرة كبيرة، وكان طبيعيا أن تكون زيارة زعيم حزب النهضة التونسى راشد الغنوشى بعد فوز حزبه الأولى إلى قطر والثانية إلى الولايات المتحدة.
لقد دعمت الولايات المتحدة الجهاد الأفغانى وكان الحصاد مريرا فى نيويورك وواشنطن فى 11 سبتمبر 2001،أما دعم الاخوان والإسلاميين للسيطرة على الشرق الأوسط عبر الأنتخابات سيكون حصاده للولايات المتحدة وللعالم كله أكثر مرارة، فهذه التيارات تؤمن بمبدأ التمكين،أى الظهور بقبول الديموقراطية وقت الأستضعاف، ولكن خطتها النهائية هى تأسيس جديد للخلافة الإسلامية وعندها ستبدأ الحرب العالمية الثالثة إنطلاقا من الشرق الأوسط ضد إسرائيل وأمريكا والغرب عامة، وقد تأخذ طابعا دينيا الإسلام فى مواجهة المسيحية واليهودية،أى أن أمريكا تساهم بدون أن تدرى فى عودة الخلافة الإسلامية مرة أخرى وما يرافقها من حروب دينية.
لقد علمنا أن الأتفاق القطرى الأمريكى الأخوانى يتضمن الحفاظ على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، والمحافظة على حقوق المرأة والأقليات، والبعد عن إيران، وترك الحكم لصندوق الأنتخابات.. ولكن من يضمن تنفيذ هذه التعهدات، فهل حافظت حماس على الديموقراطية التى أوصلتها للحكم؟.
إن لعبة التعامل مع الإسلاميين هى لعبة خطرة ونتأئجها فى غاية الخطورة، فقد دعمت المخابرات البريطانية حسن البنا عام 1928 لمواجهة شعبية حزب الوفد، ولكنها حصدت هجوما على معسكراتها عام 1951و 1952 من قبل الإخوان المسلمين، وساهم الشين بين الإسرائيلى فى خلق حماس لمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية والمنظمات اليسارية الفلسطينية ولكنها حصدت إرهابا لم يتوقف حتى الآن، وكما يقول ريشار لا بيفيار فى كتابه "دولارات الرعب" : أن الشين بين المختص بالأمن الداخلى الإسرائيلى دعم حركة حماس لمواجهة نشاط منظمة التحرير الفلسطينية. ونقل الكاتب عن الجنرال سيقاف الحاكم العسكرى الإسرائيلى لغزة سابقا قوله: نحن نعطى المساعدات المالية لبعض الحركات الإسلامية كما نساعد فى بناء المساجد والمداراس لبناء قوة مضادة للمجموعات اليسارية والقومية التى تساند منظمة التحرير.
وقتل السادات بيد الذين دعمهم من الإسلاميين، ومن قبله قتل الملك فهد، المؤسس البارز للاصولية الإسلامية، كما قتل الرئيس الباكستانى ضياء الحق، ومات جعفر النميرى مطرودا فى مصر، وحصدت الولايات المتحدة عملا مريعا فى 11 سبتمبر من الذين ساعدتهم فى أفغانستان، وتعيش لندن تحت خطر الأصوليين الذين احتضنتهم، وتعانى أوروبا من مخاطر تحريض الأصوليين للأقليات المسلمة بها.
وها نحن ننبه مرة أخرى بأن مساندة الإسلاميين فى السيطرة على الشرق الأوسط هو خيار أستراتيجى خاطئ فى المدى البعيد، وهو الخطوة الأولى نحو حرب عالمية ثالثة تنطلق من هناك يقودها الإسلاميون من حلفاء أمريكا الجدد.

اجمالي القراءات 3280
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق