بلال فضل يكتب :حدث بالفعل !

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٩ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الأيام المصرية


بلال فضل يكتب :حدث بالفعل !

بلال فضل يكتب :حدث بالفعل !
19 اكتوبر, 2011

الأيام المصرية - سمر الورداني

 

 

ينظرالواحد منا إلى التعصب الذى يجتاح بعض مَن يحيطونبه من المسلمينوالمسيحيين، وانشغالهم بأسئلة من نوعية «مين ابتدا؟» أكثرمن انشغالهمبأسئلة من نوعية «كيف سننتهى؟» فيسأل نفسه أين ذهبت أيامالثورة الجميلة؟حين كان المسيحيون يصعدون إلى منابر المساجد ليخطبوا منعليها فىالمصلين،لن أقول اسم المسجد لكى لا يتعرض خادمه للأذى من قبل بعضالمتشددين الذينسيعتبرون ما جرى مخالفة شرعية تتناقض مع عقيدة الولاءوالبراء، مع أن ذلكحدث بالفعل ليس فى مسجد واحد بل فى عشرات المساجد خلالأيام الثورة، ثورة1919.

 

فى مذكراته الرائعة (الأيام الحمراء) يحكى العالمالأزهرى الشيخ عبدالوهاب النجار وقائع مدهشة عن التئام صفوف المصريين،مسلمين ومسيحيين،خلال أيام ثورة 19، كانت مصر قد شهدت فتنة طائفية رهيبةفى الإسكندرية عام1911، سالت فيها دماء كثيرة وبدا للناس أن ما انكسر لنينصلح أبدا، هذاعلى الأقل ما ظنه الإنجليز الذين ظنوا أن العامل الطائفىسيساعدهم علىقمعالثورة، فحرصوا على أن يصوروا للعالم أن ما يجرى ليس سوىثورة دينيةمنالمسلمين ضد المسيحيين، ليبرروا قمعهم لها بمعاونة بعضالأرمن الذيننزحواإلى مصر هروبا من الاضطهاد العثمانى، وقد تعرض هؤلاءللعقابالجماعى منالمصريين، مسلمين ومسيحيين، لكن المدهش أنه عقاب لميتجاوزالأرمن إلىغيرهم من مسيحيّى الديانة، حيث استطاع العقل الجمعى فىلحظاتعصيبة أنتكون لديه قدرة مدهشة على الفرز، جنبت مصر وقوع مذابحطائفيةأليمة، كانيمكن أن تجعل أيام الثورة سوداء حالكة.

 

تنظر الآن إلى الدور المشرِّف الذى يلعبه النشطاءالسياسيون فى تفويتالفرصة على من يريدون اللعب بالورقة الطائفية لتدميرالبلاد، فتتذكرأجدادهم الطلبة فى أيام ثورة 19 وهم ينتشرون فى المساجدوالكنائس يخطبونويحرضون على الثبات والاتحاد. يحكى النجار واقعة رائعةتثبت أن ما قدمهالراحل حسن الإمام فى أفلامه لم يكن من نسج خياله، بل كانصورة أقل بكثيرمن الواقع. الواقعة حدثت يوم جمعة أعقبت مجزرة قام بهاالإنجليز، حيث ذهبفريق من طلبة الأزهر للخطابة فى كنيسة حارة الرومبالحمزاوى، ووصل الخبرإلى السلطات التى جاءت وأمرت القسيس بإغلاق بابالكلام، فامتثل للأمر،فانتفض شاب مسيحى ليهاجمه قائلا له: كيف تطلب مناالسكوت؟ فقال: هذا بيتىأمنع منه من شئت. فقال له الشاب: اخرس هذا بيتالله، أليس عيبا أن يفتحلنا المسلمون مساجدهم، ويبيحون منابرهم نخطب عليهاونقول ما شئنا مما فيهالمصلحة وأنت تمنعنا فى كنيستك وهى بيت الله؟ ونالالقسيس من التأنيبوالتوبيخ من أبناء طائفته ما جعله نادما، واستمر الشبابفى تجمعهم حتىانتهى، وتواعد الجميع على اللقاء بعد العصر بمسجد ابن طولونفى حشد هائلخطب فيهم العديدون، على رأسهم القمص سرجيوس الذى يذكره النجارفى أكثر منموضع هو وخطيب مسيحى آخر اسمه راغب أفندى إسكندر. يقول النجارعن سرجيوس«فى خطابته خفيف الروح جذاب يميل إلى الولع بإيراد النكاتالأدبية وكل مامن شأنه أن يلفت الأبصار ويسترعى الأسماع». المؤثر أن قسيسكنيسة حارةالروم جاء فى نفس اليوم معتذرا عما بدر منه معلنا أن كنيستهمفتوحةالأبواب لإلقاء الخطابات وقال إنه دُعىَ إلى قسم الدرب الأحمروطلبوا منهالإدلاء بمعلومات عن الاجتماع الذى جرى عنده فلم يعطهم «عُقادانافعا».

 

فى موضع آخر يحكى النجار عن خطبة رائعة ألقاها سرجيوسعلى المصريين فىميدان الأوبرا فى عز الثورة استهلها بأن هتف فى الحاضرينقائلا «هلسمعتم؟» مكررا الجملة حتى استحوذ على مسامع الناس، ثم بدأ يخطب«هل سمعتمفى أجيالكم أو فى محاكمكم الشرعية أو أخبركم علماؤكم أن قسيساقبطيامسيحيا يعقد عقد فتاة مسلمة قبطية تعتقد الإسلام وتدين به على فتىمسلميدين بالإسلام؟»، فقال له الجمع لا، فقال «أنا فعلت ذلك أمس»، فقالوا: وكيف ذلك، فقال «مررت بفتاة قبطية الأصل مسلمة هيفاء القد، بارزة النهدكحلاء نحيلة الخصر وردية الخدين فتانة المحاسن قد تعلق بها فتى غربى سكسونىوحشى الطباع خشن الجانب يقول: هذه زوجتى لا أفارقها، وهى تقول: لاأتزوجكولا أحبك، هوّ الزواج بالزور يا مسلمين؟ فاقتربت منه وقلت له: يافتى أنتأقمت بين القوم سبعا وثلاثين سنة ولا تعرف عاداتهم وطباعهم، فإذاكانتالفتاة لا تحب الاقتران بك فلماذا لا تتركها، فقال: زوجتى ولاأتركها ولاتفلت من يدى، فلما لم أجد بيده عقد زواج صحيحا بالرضاوالاختيار حكمتبطلاقها منه، أما الفتاة فهى مصر وأما الفتى فالدولةالإنجليزية. وإذا بفتىمعتدل القوام جميل الصورة بهى الطلعة، فالتفتُّإليه فإذا معه سعد زغلولوأصحابه ورشدى وعدلى وثروت فسألتهم: أتعرفونالفتى؟ فقالوا: نعم، هذاالدكتور استقلال، فسألت الفتاة: هل تحبين هذاوترغبين فى زواجه، فقالت: نعم، ولا أميل إلى سواه، فعقدت له عليها بسمالله الرحمن الرحيم عقدا صحيحاشرعيا لا اعتراض للمحكمة الشرعية عليه ولمأنس أنى قسيس مسيحى فعقدت لهماعقدا مسيحيا، عقدا مباركا وأملاكا مباركاأبديا دائما، وبذلك صارت العروسللعريس والجرى للمتاعيس، ثم قالتالفتاة: إننى أخشى أن يهجرنى هذا الفتىولا يميل إلىّ، فعملت لها تحويطةوعلّقت عليها تميمة من كتابنا المقدس،وذلك أن القديس بولس مر بفتاة فيهاشيطان، فخاف الشيطان من الرسول بولس،وقال له: أيها القديس إنك مبارك منالله، وصار يتملقه بأنواع التملقات،فالتفت إليه بولس وقال: اخرج منهااخرج منها» وصار سرجيوس يقول اخرج منها،والناس من خلفه، مسلمينومسيحيين، يهتفون «اخرج منها».

ثم يحكى النجار عن اتفاق الأقباط على أن لا يُظهِروافرحا أو سرورابعيدهم الذى وافق يوم 20 أبريل فى عز اشتعال الثورة، مكتفينبإقامة طقوسالعيد داخل كنائسهم التى توافدت عليها وفود المسلمين وتحولتالكنائس إلىمكان للخطب الوطنية. بعدها بثلاثة أيام نشرت جريدة «الأفكار» قصيدة لمحمدأفندى الهراوى يقول فيها «حَىِّ الكنائس عن مساجد أحمد.. وانشرأحاديثالإخاء ورَدِّدِ.. وعن العمائم أدِّ خير تحيةٍ.. لذوى القلانسوالرداءالأسود.. لا فرق بين كنائس ومساجد.. فكلاهما لله بيت تعبد». فى يوم30 مايو حاول الإنجليز إفساد هذه الروح الوطنية الرائعة بأن نشروا صورةزنكوغرافية لخطاب يوقع بين المسلمين والأقباط نسبته إلى أحد كبار الموظفينالذى يتجنب النجار ذكر ديانته لكى لا يُوقِع الفُرقة قائلا «إذا صح أنهذاالخطاب له، فقد دل على أنه أنذل وأخس وألأم رجل وُجد بين المسلمينوالمسيحيين وأنه جدير بأن يُنبَذ من الفريقين ويُلعَن فى محاريب المعابدعند كل من الطائفتين»، لكن الخطاب لم يأت بأى مفعول بفضل وجود شخصيات رائعةمثل النجار ومثل سرجيوس الذى لم يجد الإنجليز بدا سوى اعتقاله ونفيه إلىرفح ليظل منفيا فيها مدة تقارب الثمانين يوما.

 

لن أواصل تقليب مواجعك بمزيد من التفاصيل التى ستذكرككيف كنا وكيفأصبحنا، فقط سأختم لك بخبر يتوقف عنده النجار متأملا، حين حدثفى يوم 9يونيو أن اقترح محام سكندرى اسمه محمد البشبيشى إقامة صلاة جامعةفىالمساجد والكنائس فى الساعة العاشرة من مساء يوم الأربعاء الموافق يوم13 رمضان المبارك يحصل فيه دعاء بالخير للأمة، واقترح آخرون أن يتم وضعدعاءخاص لهذه الصلاة يرتله المسلمون فى مساجدهم والأقباط فى كنائسهم. بذمتكهليمكن أن يحدث ذلك اليوم؟، أترك الإجابة لك وأكتفى بمزيج متجانس منالحسرةوالأمل

اجمالي القراءات 1686
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق