كيف نُعامل نحن المصريين ؟

اضيف الخبر في يوم السبت ١٩ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: صحيفة المصرى اليوم


هذه هي الطريقة التى تعاملنا بها نحن المصريين كل أنظمة الحكم المتعاقبة منذ تاريخ القبض على مصر في ليلة 23 يوليو عام 1952 و حتى اليوم

 

أصغر سجين في أحداث يناير: رفيق الكردي: أقرأ الفاتحة علي روح السادات لأنه حولني من «حمار» إلي إنسان.. ومصر كلها كانت مسجونة


حوار محمود الزاهي ١٩/١/٢٠٠٨
كانت دقات الساعة تعلن الثالثة من صباح يوم ٢١ يناير ١٩٧٧ وقتها كان الهدوء يخيم علي قرية «العمار»، بمحافظة القليوبية لم يبدده سوي دخول نحو ١٠ سيارات أمن مركزي لإلقاء القبض علي أحد أبناء القرية بتهمة الانتماء لحزب العمال الشيوعي، دخل ضباط الشرطة منزل عمه وبعدها منزل خاله، ظن الجميع أن المقصود هو «شوقي الكردي» خريج كلية الطب البيطري، الذي سبق القبض عليه إبان مظاهرات الطلبة عام ١٩٧٢

وقت أن كان أمين اللجنة الثقافية بجامعة القاهرة ، حاول الجميع إفهام القوة أنه غير موجود بالقرية لكن المفاجأة ألجمتهم، فالمطلوب هو الشقيق الأصغر محمد رفيق الكردي، راح الجميع يضرب كفاً بكف، فعمره يتجاوز ١٤ عاماً ببضعة أشهر وليست له علاقة بالسياسة.

ألقي القبض علي الفتي بمعرفة المقدم «ثروت القداح»، الذي أصبح فيما بعد مسؤول مكتب مكافحة الشيوعية، وتم إيداعه بسجن القلعة ووجهت له عدة تهم، منها قتل أمين شرطة وحرق تروماي وحرق شركة بيع المصنوعات أثناء المظاهرات،

ربما كان أكثر ما أضحكه، كما يقول، أنه بعد شهر من الحبس وجد نفسه أمام وكيل النيابه، عدلي حسين، «محافظ القليوبية الحالي» الذي سأله عن رده بشأن اتهامه بعضوية حزب العمال الشيوعي، وللوهلة الأولي ظن أنه يقصد عضوية اتحاد العمال، فجاء رده أنه لايزال طالباً بمعهد «الساليزيان»، إذ لم يكن قد عرف بحزب العمال الشيوعي بعد وهو ما دفع عدلي حسين إلي توبيخه، ظناً منه أنه يسخر من السؤال.

يذكر الكردي أنه تم ترحيله بعد ذلك إلي سجن أبو زعبل وهناك رأي مصر كلها مسجونة - علي حد وصفه - للعدد الكبير الذي رآه، كان علي الجميع بعد أن تم حلق رؤوسهم أن يقفوا لمدة ساعة في الطابور وهو عبارة عن وصلة ضرب مبرح، تمني لو أنه مات ولم يتعرض لها يوماً، أما أغرب ما علق بذهنه فمنظر موظف ينتمي لحي إمبابة ساقه قدره ظهر أحد الأيام لميدان التحرير وهناك سمع منادي سيارة ميكروباص يردد عبارة «اتنين إمبابة» ركب الراجل وبعد أن تحركت السيارة فوجئ بأن اتجاهها علي غير المعتاد وحين حاول الاستفسار جاءه الرد صفعة قوية علي قفاه،

ورغم كل الضرب ظل الرجل محتضنا كيساً من البرتقال كان معه حتي دخل به إلي الزنزانة، ظناً منه أن هناك خطأ حدث وأنه سيفرج عنه عقب معرفة ذلك، لكن ثورته اشتعلت حين وصلته تذكرة السجن الخاصة به في اليوم التالي مدون عليها عبارة بحزب شيوعي مناهضا فما كان منه إلا أن خلع حذاءه وظل يضرب نفسه به وهو يردد «أنا مش شيعي أنا سني» وهو المنظر الذي لايزال حاضراً في ذاكرة الفتي وكأنه حدث بالأمس، رغم مرور أكثر من ٣٠ عاماً.

في إحدي الليالي فوجئ نزلاء السجن بحالة حركة غير معتادة وبعد السؤال جاء الرد، لقد تم إلقاء القبض علي الكبار، الذين كانوا سبباً في مجيئكم إلي هنا، وفي الصباح وجد الطفل سجين زنزانة الطلبة جاراً لزنزانة سميت فيما بعد بزنزانة البهوات، التي ضمت أسماء كبيرة مثل زكي مراد ونبيل الهلالي وزهدي العدوي وأحمد فؤاد نجم و..... وهناك وجد نفسه وقد فرض عليه أحد حلين، إما أن يفكر وإما أن يكون «حماراً» فاختار الأول حتي يعي ما يدور ويتحدث مع من حوله، الذين احتضنوه إكراما لشقيقه اليساري المعروف وشقيقته الكبري بشكرية والتي ألقي القبض عليها بعد ذلك أثناء توزيع منشورات بالشارع،

لدرجة أنه ذات يوم وأثناء نزوله للمحاكمة أصر علي ألا يوضع الحديد «الكلابش» في يده إلا إذا كان رفيقه فيه هو زكي مراد، ونظرا لصغر سنه فقد استجيب له وبالفعل جمع «الكلابش بين أصغر سجين وأكبر سجين سناً ومقاما» علي حد قوله.

حين سألته «ألم يكن لك أي دور في أحداث يناير» ضحك وهو يقول لو أني شاركت سأكون مرتاحا لكني رغم السجن وإلي هذه اللحظة أقرأ الفاتحة علي روح السادات كلما تذكرته، لأنه بسجني حولني من حمار إلي إنسان إذ كان السجن نقطة تحول في حياتي «فقد دخلته وليس لي علاقة بالسياسة وخرجت وأنا عضو منظم بحزب التجمع»

يقول الكردي «اأدافع عن الحزب حتي الآن ولك أن تعرف أنه بعد ثلاثة شهور من وجودي بالسجن ألقي القبض علي شقيقي شوقي، الذي خرج قبلي أما شقيقتي شوقية فقد حكم عليها بالسجن ثلاث سنوات، أمضت منها ١٣ شهرا بالسجن،

أما أنا فحين أطلق سراحي بعد ١٠ شهور وجدتهم يلقون القبض علي بعدها، بتهمة الانضمام إلي جماعة ٨ يناير، ورغم أني مكثت بسبب هذه التهمة ثلاثة أشهر في السجن فإنني لا أعرف حتي هذه اللحظة ما هي هذه الجماعة؟

رغم النزعة الثورية التي صاحبته عقب الخروج من السجن وحتي عندما سافر إلي لبنان ليجد نفسه مغروساً في حرب لبنان١٩٨٢ وإصابته بثلاث رصاصات حصل بعدها علي وسام الثورة الفلسطينية من الطبقة الأولي والذي تسلمه من الرئيس الراحل ياسر عرفات في مدينة عدن اليمنية إلا أنه يستبعد تكرار مظاهرات ١٩٧٧ في مصر إذ يري أن النظام نفسه تعلم الدرس وتطور أداؤه الأمني،

والأكثر من ذلك أنه استطاع «تخنيس» فئات كبيرة من المثقفين وقيادات المعارضة واستأنسهم تماما، لدرجة جعلته حين يقرأ لأحد القيادات الكبيرة الذين سجنوا في الأحداث «صلاح عيسي» يشعر بأن رجال الحزب الوطني أفضل منه، أما فجيعته الكبري فتكمن حين يري اليسار يناطح الإخوان بدلاً من مناطحة النظام، بدعوي أن خطرهم أقوي من خطر النظام وهو ما يصفه بأنه كلام فارغ».


اجمالي القراءات 3082
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق