المستشار د. مدحت سعدالدين يكتب: إذا كان القضاةمقبلين علي مذبحةجديدةفما ينتظرالمواطن في قانون الإرهاب

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٢٨ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: المصري اليوم


المستشار د. مدحت سعدالدين يكتب: إذا كان القضاةمقبلين علي مذبحةجديدةفما ينتظرالمواطن في قانون الإرهاب

إن ما يثير قلق كل محترف للقانون مشتغل بأحكامه ويقض مضجعه أن يري قانوناً معيباً وقد صدر، لأن المنطق الطبيعي للأمور أن أي تشريع يصدر لابد أن تكون له حكمة من إصداره، وغرض عام يصل به في النهاية لحل مشكلة طال انتظار الجميع من أجل إيجاد حل لها،



فإذا ما فوجئ أي منهم بأن القانون الذي طال انتظارهم له من أجل الحل المنشود قد ترتب عليه ازدياد حدة المشكلة وتفاقم آثارها، فإن الأمر حين ذلك يبعث علي القلق ويثير النفوس ويوغر الصدور علي القانون المقترح وواضعيه،

ذلك أن الصياغة القانونية هي صنعة تعني تحويل الفكرة الجوهرية التي ينتهي إليها العقل، في ضوء الظروف الواقعية للمشكلة المطلوب حلها، إلي نصوص قانونية صالحة للتطبيق في العمل لا تسفر عن مشاكل أخري أو يتضح منها أن المقصود بها مخالفة الصفات الأساسية للقانون من تجرد وعموم وتحقيق مصلحة مبتغاة بصدور هذه النصوص القانونية.

فإذا ما نظرنا إلي حزمة القوانين التي صدرت من السلطة التشريعية في العام التشريعي المنصرم، وعلي رأسها التعديلات الدستورية الأخيرة، نجد أن البعض منها لم يخل من الغموض والعوار والافتقار إلي حل نهائي وسليم للمشكلة التي صدرت من أجلها، بل وقد يترتب عليها إلحاق الظلم ببعض أطياف المجتمع، نتيجة انطباق تلك القوانين عليها، فلقد ظهر التعارض واضحاً جلياً في نصوص الدستور المعدلة مع النصوص المستقرة منها، خاصة المتعلقة بالحريات العامة كالمواد التي عطلت من تلك الحريات،

وجعلت من الرقابة القضائية علي الإجراءات الجنائية المتخذة في حق الأفراد تحت ستار ظروف الإرهاب لاحقة علي اتخاذ تلك الإجراءات، بدلاً من أن تكون سابقة عليها، كما جاء بنصوص الدستور المستقرة التي لم يلحقها التعديل، كذلك جاءت تعديلات قانون المرافعات والإجراءات الجنائية في شأن نصوص الطعن بالنقض يعتريها النقص والغموض ومخالفة أبسط حقوق التقاضي المنصوص عليها في الدستور،

كقصر حق الطعن بالنقض في المنازعات المدنية علي تلك التي تزيد قيمتها علي مائة ألف جنيه بما ينبئ عن حرمان فئة من المواطنين من حقها الطبيعي في التقاضي والطعن في الأحكام المكفول بنصوص الدستور للجميع سواء كان غنياً أم فقيراً، كما أصبح الاختصاص بنظر الطعن بالنقض في أحكام محكمة الجنح المستأنفة مقصوراً علي دوائر محاكم الاستئناف العالي، بغية الحد من تراكم الطعون أمام محكمة النقض،

وتم تحديد مدة لنظر هذه الطعون تقدر بخمس سنوات اعتباراً من ١/١٠/٢٠٠٧، يعود بعدها الاختصاص بنظرها لمحكمة النقض، فلم يوضع حل نهائي لهذه المشكلة مع أن الحلول الجذرية معلومة للجميع ولم يلتفت لأي رأي أبدي في هذا الشأن أو يستطلع رأي الجمعية العمومية لمحكمة النقض، كما سلف ذكر ذلك في مقال سابق.

ونظرة متأنية إلي ما نشر بصحيفة «المصري اليوم» وتناقلته وسائل الإعلام حول العزم علي صدور قانون بتشكيل مجلس أعلي للهيئات القضائية برئاسة رئيس الجمهورية، وينوب عنه وزير العدل في حالة عدم حضوره يؤكد النية المبيتة والإصرار علي استمرار صدور القوانين الغامضة والمعيبة، والتي لا تسفر إلا عن مشاكل جمة في التطبيق وتوغر صدور المخاطبين بأحكامها،

وهذا التشريع إن صدر لن يكون إلا ردة إلي الوراء ولن يتقدم ببعض الخطوات في طريق الإصلاح بأي شكل، بل هو إهدار وطمس للقوانين الصادرة والمستقرة والتي تحقق بها بعض الاستقلال للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، بما يؤدي إلي إثارة القلق والريبة في نفوس القضاة جميعاً.. وذلك يتطلب توضيح الأمور التالية:

أولاً: عندما كانت مذبحة القضاة في عالم ١٩٦٩ وترتب عليها فصل من فصل القضاة وإحالة آخرين لوظائف مدنية أخري، صدر القانون رقم ٨٢ لسنة ١٩٦٩ لإحكام سيطرة السلطة التنفيذية علي السلطة القضائية، وذلك بتشكيل مجلس أعلي للهيئات القضائية برئاسة رئيس الجمهورية،

وينوب عنه وزير العدل في حالة غيابه وعضوية رئيس المحكمة العليا ورئيس محكمة النقض ورئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام ورئيس هيئة قضايا الدولة ورئيس هيئة النيابة الإدارية.. وقد اختص هذا المجلس في حينه، بالاختصاصات المقررة لمجلس القضاء الأعلي والمجلس، ا

لاستشاري الأعلي للنيابات والمقررة للمجلس الخاص للشؤون الإدارية بمجلس الدولة والمقررة للمجلس الأعلي بإدارة قضايا الحكومة والمقررة لمدير النيابة الإدارية، وتضمنت نصوص القانون المشار إليه تشكيل لجنة خماسية بكل هيئة قضائية لإدارة شؤونها، وأصبحت مصائر القضاة المالية وترقياتهم وساتر شؤونهم ـ شأنهم في ذلك شأن سائر الهيئات القضائية الأخري ـ معلقة بيد السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية ووزير العدل.

ثانياً: حينما كافح القضاة لتلافي هذا الوضع الخطير صدر القانون رقم ٣٥ لسنة ١٩٨٤ بتعديل نصوص قانون السلطة القضائية، وتضمنت النصوص المعدلة إلغاء اللجنة الخماسية المشار إليها بالقانون ٨٢ لسنة ١٩٦٩، وإعادة مجلس القضاء الأعلي للإشراف علي شؤون القضاة بالاختصاصات التي كانت منعقدة للجنة المشار إليها من الناحية الإدارية فتحقق لهم بعض الاستقلال الذي كانوا ينشدونه.

ثالثاً: استمر كفاح القضاة للحصول علي استقلال كامل غير منقوص للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية كضمانة تنأي بشبهة أي ضغوط عليهم أثناء تأدية رسالتهم في تحقيق العدل بين المتقاضين وليس تمييزاً لهم عن سائر المواطنين، فاستجابت لهم الدولة في عام ٢٠٠٦ بصدور تعديلات في قانون السلطة القضائية تتضمن نصوصها ميزانية مستقلة عن السلطة التنفيذية وبعض الضمانات في النصوص الخاصة بمواد التأديب بما يحقق قدراً آخر من الاستقلال.

رابعاً: كان المنطق الطبيعي للأمور بعد اقتراب موعد انطباق الميزانية المستقلة للقضاة في قانون السلطة القضائية المعدل اعتباراً من ميزانية عام ٢٠٠٨، وبعد إلغاء قانون المجلس الأعلي للهيئات القضائية رقم ٨٢ لسنة ١٩٦٩ في التعديلات الدستورية الأخيرة أن تدبر الدولة الموارد اللازمة لهذه الميزانية، وأن تعمل علي تقوية استقلال القضاء تحقيقاً لموجبات الإصلاح وتدعيماً لدور الدولة القانونية بإلغاء قانون الهيئات القضائية، بعد أن استقلت كل هيئة بقانونها الخاص،

وأصبح من الواجب إصدار قانون خاص بصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للقضاة وفصله عن صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لباقي الهيئات القضائية ـ الذي يشرف عليه ويديره وزير العدل ـ أسوة بالصندوق الخاص بالرعاية الصحية والاجتماعية لأعضاء المحكمة الدستورية العليا المنصوص عليه في قانون إنشاء المحكمة الدستورية،

ونأيا بالقضاة عن تحكم السلطة التنفيذية في الصندوق المشار إليه ممثلة في وزير العدل إذا ما ألمت بأي منهم آفة المرض أو أي ظروف قهرية، ولكن بدلاً من ذلك تم تسريب مشروع قانون يعيد الحال إلي ما كان عليه منذ عام ١٩٦٩،

ويزيد من إحكام رقابة السلطة التنفيذية علي السلطة القضائية ويلغي ما حصل عليه القضاة من بعض الاستقلال بموجب تعديلات قانون السلطة القضائية في عامي ١٩٨٤ و٢٠٠٦، بما يعد ردة إلي الوراء، إذ ورد النص في القانون علي تشكيل مجلس أعلي للهيئات القضائية برئاسة رئيس الجمهورية وينوب عنه في غيبته وزير العدل،

وعضوية رؤساء الهيئات القضائية السابق بيانهم بالقانون رقم ٨٢ لسنة ١٩٦٩ الملغي، ويختص هذا المجلس بالنظر في الأمور المشتركة بين الهيئات مع أنه لا توجد أمور مشتركة في واقع الحال بعد صدور قانون السلطة القضائية متضمناً استقلال ميزانية القضاء عن سائر ميزانيات الهيئات الأخري، وبعد أن منح مجلس القضاء الأعلي في قانون السلطة القضائية المعدل سلطات وزير المالية، فيما يتعلق بهذه الميزانية، وفيما يتعلق باقتراح السياسات المختلفة لصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية،

بل إن الأكثر من ذلك ما تضمنته نصوص مشروع القانون المقترح من محاولة النيل من الحصانة الإجرائية لرجال القضاء التي تجعلهم بمنأي عن تغول السلطة التنفيذية عليهم أثناء أداء أعمالهم طبقاً للمادة ٩٦ من قانون السلطة القضائية،

فاستحدثت مادة جديدة هي المادة الخامسة التي تم إلغاؤها، وكانت تجيز للجنة إدارية الفصل في أمر الطعن أو التظلم من قرارات المجالس المختلفة للهيئات في شأن الإجراءات الجنائية المتخذة ضد القاضي أو أي من أعضاء الهيئات الأخري، مع أن تلك اللجنة كان قد سبق إلغاء اختصاصاتها منذ عام ١٩٨٤ في قانون السلطة القضائية المعدل وإسناد اختصاصاتها إلي مجلس القضاء الأعلي، فأعيدت تلك اللجنة في مشروع القانون الأخير لفرض سطوة السلطة التنفيذية علي السلطة القضائية.

وجاء النص في المادة السابعة من مشروع القانون المشار إليه ليتم أمر تدمير النصوص المعدلة في قانون السلطة القضائية، ويقضي عليها قضاء مبرماً بالنص علي إلغاء كل نص يتعارض مع نصوص مشروع القانون المشار إليه. باختصار فإن هذا القانون لو تم تمريره كسابقه من القوانين المعيبة فسوف يتم إلغاء نصوص الميزانية المستقلة والحصانة الإجرائية والتأديب والعودة إلي ما قبل عام ١٩٨٤.

ومن عجب أن البعض سارع بتأييد مشروع هذا القانون، وهم فيما يخصهم أحرار فيما يرتأون. فهل نحن مقبلون علي مذبحة جديدة للقضاة؟!! وإذا كان الأمر كما يتضح من نصوص المشروع المقدم، وما سوف يجري للقضاة بمقتضاه، فما الحال بالنسبة لسائر المواطنين وما ينتظرهم من تشريع خاص في قانون مكافحة الإرهاب؟!!.

نائب رئيس محكمة النقض


 

اجمالي القراءات 4067
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق