حاجة مصر إلى إعلام مُستقل

سعد الدين ابراهيم Ýí 2010-11-27


 

نوّهنا فى مقال سابق بانشغال المصريين فى الخارج بما يحدث لأهلهم ووطنهم فى الداخل. وكلما كان أولئك المصريون قد فرغوا من توطيد أقدامهم فى المهجر، بعد المرحلة الأولى من هجرتهم، وحققوا قدراً ملحوظاً من النجاح المهنى، والبحبوحة فى العيش، شعروا بمسؤولية أكبر نحو إصلاح أحوال الوطن الأم.

وكما يقول الحديث الشريف عن أن «الأقربون أولى بالمعروف»، فإن عدداً من المصريين فى الخارج يُترجمون هذا ا&aacuCcedil;لحديث بنشاطين: أولهما، مُساعدة ذوى القربى فى مسقط رؤوسهم، أو حيثما وجدوا ـ سواء بتحويلات مالية، أو تمويل مشروعات خدمية، مثل بناء المستوطنات، والمدارس والأندية الشبابية، ودور العبادة والمُناسبات.

وثانيهما، الإسهام فى العمل العام الذى يمس الوطن المصرى، وربما الوطن العربى كله. وضمن هذا الأخير مُبادرة للاكتتاب الشعبى للبدء فى تأسيس وسائل إعلام سمعية ـ بصرية، مُستقلة عن الحكومة، وعن الأحزاب، وعن أصحاب المال. ويقوم على إدارتها مهنيون إعلاميون، مشهود لهم بالكفاءة والمهارة، والقبول الجماهيرى.

وليس سراً أن الذى ألهم المصريين فى الخارج بهذه المُبادرة، هو ما حدث فى مصر خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من تضييق حكومى بتواطؤ من بعض رجال الأعمال الذين دخلوا مجال الإعلام لاعتبارات تجارية أساساً، ولمصالح شخصية وحزبية ضيقة. أى أن السُلطة والثروة تحالفتا لخنق الرأى العام المُستنير.

وكانت تجليات هذا الحلف غير المقدس، إسكات أصوات الإعلاميين ذوى التوجهات المُستقلة والقبول الجماهيرى، وفى مُقدمتهم إبراهيم عيسى، صاحب مدرسة الدستور فى الإعلام. كما شملت مُحاولات الخنق هذه كلاً من عمرو أديب، ومنى الشاذلى، وآخرين.

وطبعاً، لأن عدداً من أصحاب هذه المُبادرة ينحدرون من عائلات وفدية فى مصر، فقد عبّروا عن الألم والحسرة لما فعله السيد البدوى، بنفسه وبصحيفة الدستور، وبمؤسسها وصاحب مدرستها إبراهيم عيسى. وقال بعضهم، ممن كانوا قد انضموا إلى حزب الوفد، إنهم إما استقالوا، أو يُفكرون فى الاستقالة، وتجميد عضويتهم فى الحزب العتيق، والذى كانوا يعتبرونه القلعة الخصبة للّيبرالية المصرية.

والليبرالية تعنى، بالنسبة لأصحاب المُبادرة، أن تكون مُنفتحة على جميع الآراء والاتجاهات السياسية، من أقصى اليمين المُحافظ، إلى أقصى اليسار الثورى. والمهم أن يحترم كل من ينضم إليهم قواعد الاختلاف، دون اتهام الآخرين لمُجرد الاختلاف فى الرأى أو المُعتقد، فهم لا يُخوّنون أحداً، ولا يُكفّرون أحداً، ولا يمتهنون أحداً، بسبب رأيه، أو دينه، أو مذهبه، أو نوعه، أو أصله الطبقى أو العرقى.

كما يحرص أصحاب المُبادرة على أن تكون مفتوحة أمام كل مهموم بشؤون الوطن والأمة، مهما كان مُستوى دخله وتعليمه. لذلك قرروا أن يكون سعر «السهم» خمسين جنيهاً، لمن هم فى الداخل، وعشرة دولارات لمن هم خارج مصر. وبحيث لا يزيد ما يملكه أى مُساهم على ألف سهم. وبذلك تتسع قاعدة المُساهمين إلى أقصى حد مُمكن، ولكن دون فرصة أحد فى أن يحتكر المُبادرة، سواء كانت صحيفة، أو مجلة، أو إذاعة، أو قناة تليفزيونية.

وربما يكون أصحاب هذه المُبادرة من «الحالمين» أو«المثاليين». والأمر يبدو لنا، فعلاً، كذلك.

لكن لا بأس من وجود الحالمين والمثاليين بيننا، ماداموا جادين، وأمناء، ويعملون فى شفافية وفى وضح النهار، وحتى لو كانوا عددا محدودا. فكما تقول عالمة الاجتماع والإنسان الشهيرة، مارجريت ميد (M. Mead): «لا تستهينوا بما يمكن أن تفعله قلة من الناس، لتغيير مسيرة التاريخ، ماداموا مُثابرين بل إن حقيقة الأمر هى أن هذه هى الطريقة الوحيدة التى تغير بها التاريخ عبر القرون، وعبر القارات...»

ربما كانت الأديان ـ سواء منها السماوية كاليهودية والمسيحية والإسلام، أو الأرضية كالبوذية والباوية والهندوكية ـ مصداقا لما ذهبت إليه مارجريت ميد. فكل منها بدأ برسول أو نبى، وعدد محدود من الحواريين أو الصحابة. ورغم الإنكار والاضطهاد من أصحاب السُلطة، وربما حتى أغلبية الناس فى البداية، إلا أن الإيمان والتصميم والمُثابرة، جعلتهم يسودون فى نهاية المطاف.

ولا يختلف الأمر كثيراً فى حالة الثورات والحركات الاجتماعية، سواء تلك التى هدفت إلى تحرير شعوبها من مُحتل أجنبى أو طاغية محلى، أو التى تهدف إلى إصلاح المجتمع واستحداث نُظم ومؤسسات جديدة. ولعلنا نذكر فى تاريخنا الحديث نفسه، وكذا تجارب شعوب شقيقة، عربياً وإسلامياً، وأفريقياً وآسيوياً- نماذج لتلك القلة الفذة التى حلمت، وصمّمت، وثابرت، حتى كان النصر فى النهاية من نصيبها. ولنا فى المهاتما غاندى، ونيلسون مانديلا، وماوتسى تونج أسوة حسنة. ولعلنا نتذكر أيضاً أن الذين فجّروا وقادوا ثورة ١٩١٩، كانوا أربعة، والذين فعلوا فى ثورة ١٩٥٢، كانوا عشرة. كذلك من فعلوا فى الجزائر، وحزب الله فى لبنان، كانوا فى البداية أفراداً يُعدون على أصابع اليد الواحدة، أو اليدين، ولكنهم ضربوا المثل فى المُبادرة والمُثابرة، حتى اقتنعت أغلبية قومهم، فساروا على دربهم حتى تحقق النصر.

ولأن مُخاطبة العقول واستمالة القلوب، تبدآن بالكلمة، فقد أصبح «الإعلام» هو القوة الناعمة، التى يمكن أن تهزم أقوى ترسانات السلاح التى يملكها، ويُسلّطها الطُغاة لقهر الشعوب. ولأن الكلمة لابد لها من وسيلة تحملها وتنقلها إلى الآخرين، فقد اكتسبت وسائل الإعلام أهمية قصوى، خاصة فى القرنين العشرين والحادى والعشرين. ولذلك أيضاً نُنبه إلى أهميتها كلا من «الدُعاة» و«الطُغاة».

ولأن المصريين فى الخارج يبعدون نسبياً عن مخالب الطُغاة، فهم أقل خوفاً، وأكثر حُرية للحركة والعمل. فإذا أضفنا إلى ذلك أنهم لا يبتغون مصالح أو مكاسب شخصية، حيث إنهم حققوا قدراً معقولاً من النجاح المادى والمعنوى، فإن مُبادرتهم لتأسيس إعلام حُر ومُنفتح على المُستقبل وعلى العالم، هى واجب عليهم. بل إن بعضهم يعتبر ذلك «فريضة» و«فضيلة»، يُعبّرون بها عن امتنانهم لبنى وطنهم، ويُمهدون بها الطريق لإخوانهم فى الحاضر، ولأبنائهم وأحفادهم فى المُستقبل.

لقد طلب منى القائمون على هذه المُبادرة الإعلامية المُستنيرة، أن أعرضها فى هذا المقال الأسبوعى على دائرة أوسع من أبناء الوطن، وأن أناشدهم أن يُساهموا فيها مالياً ومعنوياً ـ بشراء سهم واحد أو أكثر. أو بإبداء الرأى والنصيحة، بالكلمة واللسان، أو بالدعاء لهم بالتوفيق بقلوبهم، وهو أضعف الإيمان.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 9175

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   ساره على     في   الأحد ٢٨ - نوفمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[53213]

ارجوكم تحاولوا

ياسيدى اعملوا قناه اعملوا عشره قناه اذاعيه جريده اى حاجه نبوس اديكم بس اعملوا حاجه تنقذوا بيها هذا الشعب المسكين البلد بقت خرابه ومفيش حاجه نافعه مع هذا القذر هو واعوانه الله يخرب بيوتهم زى ما بهدلوا مصر


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 217
اجمالي القراءات : 2,324,346
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt