بوش وصاحب خمارة دير الملاك!

سليم عزوز Ýí 2008-01-16


أعرف بأي وجه يتحدث الرئيس الأمريكي بوش عن الديمقراطية،علي النحو الذي جري علي لسانه، وهو في دولة الإمارات، خلال جولته في المنطقة؟!.

بوش انتصب خطيبا، او محاضرا، ووجه حديثه للشعب الإيراني متوددا ومحرضا، وطالب حكام طهران بالإصغاء له، ومدغدغا المشاعر الجياشة الي انه يوم ان يحظي القوم بحكومة تؤمن بالحرية والعدالة، وتنضم فيها إيران الي أسرة الدول الحرة، عندها "لن يكون لكم صديق افضل من الولايات المتحدة".



الرجل قال هذا الكلام دون ان يهتز له رمش، وتصرف علي انه الراعي الرسمي للديمقراطية، الأمر الذي جعلني أتذكر خطبة قديمة للشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، وقد روي فيها ان صاحب خمارة تقع في منطقة دير الملاك، كتب علي بابها: رأس الحكمة مخافة الله . وقال الشيخ معلقا: يبيع الخمر، ويعطي الحكم!.

فذات الاسطوانة المشروخة، التي يستخدمها وهو يتحدث عن الشعب الإيراني، سبق له ان استخدمها، مرددا ذات الكلام، قبل غزوه للعراق، اذ بدا امام العالم كله، كما لو كان قلبه يعتصر ألما وحسرة، بسبب ما يعانيه الشعب العراقي من استبداد، علي يدي نظام الرئيس صدام حسين، وبدا كما لو كان علي استعداد لان يضحي بآخر جندي أمريكي، من اجل ان يعيش هذا الشعب في ظل نظام ديمقراطي يحترم إرادته، ويصون كرامته!.

وقد تبين ان هذا الكلام، هو للاستهلاك المحلي والدولي، وللضحك علي الذقون، فما لاقاه العراقيون من استبداد في ظل حكم واشنطن، دفعهم للتحسر علي أيام حكم البعث، اذ تحولت السجون العراقية، وفي المقدمة منها سجن ابي غريب، الي واحد من أسوأ السجون علي مستوي العالم العربي، لينافس سجون الطغاة العرب، علي مر التاريخ، علي موقع الصدارة، من حيث الانتهاكات، والتي وصلت الي حد انتهاك أعراض الرجال، علي نحو لابد وان يدفع كل الشعب الأمريكي ان يشعر بالعار، إزاء ما جري علي أيدي الزبانية الأمريكان في هذا السجن!.

قبل انكشاف المستور في العراق، قدم الرئيس بوش وصاحبته رايس، نفسيهما لنا علي أن مسؤوليتهما التاريخية التي ألقاها الرب علي كاهلهما، هي تحرير الشعوب المغلوبة علي أمرها، من استبداد الحكام الطغاة، بعضنا تحزم ورقص عشرة بلدي، لكن بمرور الأيام كان كلام الرئيس الأمريكي وتابعته رايس، مثل كلام الليل، المدهون بالزبدة، والذي يتبدد عند اول شعاع لشمس الصباح.

ويشاء السميع العليم، ان تبدأ جولة بوش للمنطقة، في ظل حملة ضخمة تقوم بها المنظمات الحقوقية الدولية ضد سجن جوانتانامو الرهيب، الذي تتضاءل بجانبه السجون العربية علي بشاعتها، والذي يستضيف سجناء، لم يقدموا للمحاكمة، ولم يعرضوا علي قاضيهم الطبيعي، او حتي الاستثنائي، وهو تصرف تقدم عليه الحكومات العربية المستبدة، عندما تسوق خصومها للمعتقلات، بدون تهمة، ليقضوا عقوبة يقرر مدتها الحاكم، باعتبار ان كلمته حكم واجب النفاذ!

السجناء في هذا السجن الأمريكي سيئ الصيت يلاقون ما يندي له جبين الإنسانية، ومن قبل تعامل الرئيس بوش، كما لو كان يعامل مجموعة من المعاتيه - جمع معتوه- فكان القول ان المشكلة في ان البلدان التي ينتمي لها هؤلاء الضحايا، ترفض استلامهم، لكن وقفنا علي ما يكذبه، ولم يكن آخر ذلك الطلب الكويتي باستلام المعتقلين الكويتيين الأربعة، ولا الطلب السوداني باستلام زميلنا سامي الحاج المصور بقناة الجزيرة، وإذا استثنينا مصر، التي لا نسمع لها صوتا هنا، فان كل الدول العربية تقريبا طالبت باستلام أبنائها، ولا تمل من تجديد الطلب!.

وعلي ذكر قناة الجزيرة، فان الراعي الرسمي للحرية في المنطقة، سبق له ان فكر في نسفها، لان رسالتها الإعلامية لا تصادف هواه، وهو أمر لم يفكر فيه أي طاغية من طغاة العرب المشمولون بالعناية الامريكية، فغاية ما يفعلونه هو التضييق علي المراسلين، او وقفهم، أو توجيه إعلامهم الموتور للتهجم عليها، وعلي أصحابها، الأمر الذي يجعلنا نقبل أيدينا وجها وظهرا، لان طغاة عالمنا العربي، يعتبرون هواة في مدرسة الطغيان إذا ما قورنوا بالمذكور، والذي من نظر إليه هانت عليه بلواه!

وفي باكستان، فان الحكم الذي صنعه الرئيس بوش علي عينيه، هو حكم يحكم بالحديد والنار، ولم يتخل برويز مشرف عن ملابسه العسكرية، إلا بعد نضال مرير من قبل الشعب الباكستاني، وبعد حكم قضائي، لم يرهبه عمليات العزل الذي يقوم بها ضد القضاة الذين يحكمون بالقانون، وشاهدنا كيف تتعامل القوات الباكستانية مع المتظاهرين، وغض الطرف الأمريكي علي ما يجري.

وعندما وجد صاحبنا ان الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن، كان إرسال بنظير بوتو، حتي تكون البديل المريح لإدارته. ولم يكلف خاطره باستنكار هذه القسوة في التعامل مع الشعب، فهو حتي الآن يتحدث عن الديمقراطية الباكستانية، التي تتعرض للتهديد من قبل تنظيم القاعدة.

وعندما سقطت بنظير سابحة في دمائها، وعلي الرغم من انه علق التهمة، بدون تحقيق، في رقبة تنظيم القاعدة، الا انه لم يتحدث عن تحقيق دولي في هذه الجريمة، بينما اهتز الكون علي اغتيال الرئيس الحريري، وتم الحديث عن المحكمة الدولية، لانه هنا يمكن اصطياد سوريا، بالحق او بالباطل!.

ولماذا نذهب بعيدا، ونحن نشاهد الشعب الفلسطيني يعاقب في غزة عقابا جماعيا، علي إرادته الحرة، اذا جرت الانتخابات الفلسطينية، في وقت كنا في مرحلة كلام الليل الأمريكي، فمنح الفلسطينيون حركة حماس ثقتهم، فكان التحريض الأمريكي للأصدقاء علي الجانب الآخر، بإجهاض الديمقراطية، وتعيين حكومة، لم يختارها الشعب، وتأديب من حملتهم أصوات الناخبين لمقاعد السلطة، ولما فشل الحلفاء في مهمتهم، تدخل العالم الحر، بزعامة الرئيس بوش، من اجل تجوع أهالي غزة، حتي يجبروهم علي أكل أوراق الشجر.

ان الرئيس احمدي نجاد، الذي يحرض بوش الشعب الإيراني عليه، هو إفراز لارادة هذا الشعب، ولولا ذلك لما تمكن من يناطح اكبر دولة في العالم، وهو الذي يبدو شكلا، كما لو عابر سبيل أضناه الجوع، واستبد به الفقر، فالرجل يستأسد بشعبه الذي يلتف حوله!.

نعلم ان الديمقراطية الإيرانية، بقيود آيات الله، منقوصة، لكن الديمقراطية التي أنتجت الرئيس بوش، ليست هي الديمقراطية التي وردت في الكتاب، إذا يتم استخدام سلاح المال والإعلام بهدف تزييف إرادة الناخب الأمريكي، الذي لا يبدو مهتما بالتفاصيل، ولولا ذلك، لما كان المذكور علي رأس اكبر دولة في العالم، ويحول القوة الأمريكية الي فضيحة أينما حلت.

بل انه قدم خدمات جليلة لإيران التي يعلن لنا خطورته علي الأمن القومي العربي، بإزاحته للرئيس صدام حسين، وموافقته علي إعدامه بعد ذلك، وهو الذي كان يقف حجر عثرة، في مواجهة ما يسميه بالأطماع الإيرانية، ولو ان الإيرانيون جندوا بوش ليعمل لصالحهم، ما قدم لهم خدمة جليلة كهذه.

نصيحة مخلصة للرئيس الأمريكي أن يقلب الصفحة ويتحدث في أي موضوع آخر غير موضوع الديمقراطية، حتي لا يذكرنا بصاحب خمارة دير الملاك.

اجمالي القراءات 12340

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-06-30
مقالات منشورة : 12
اجمالي القراءات : 163,757
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 2
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt