قراءات في‮ ‬آيات الردة وحرية الاعتقاد: نموذجاً:
حالة الثبات أو عدم التطوير في‮ ‬القراءات المعاصرة للنص القرآني

احمد شعبان Ýí 2007-11-21




قراءات في‮ ‬آيات الردة وحرية الاعتقاد: نموذجاً

نجاح كاظم‮
‬‮ ‬المدير التنفيذي‮ ‬للمنبر الدولي‮ ‬للحوار الاسلامي‮ ‬ـ لندن ـ انكلترا
واستاذ جامعي

مقدمة

التعامل مع النص القرآني‮ (‬الالهي‮) ‬في‮ ‬فهمه واستيعابه أمر حيوياً‮ ‬للغاية وعملية تتوجب أن تكون مستمرة ومتطورة لتوافق المتطلبات الاجتماعية والثقافية للانسان ومجتمعه المعاصر‮. ‬وهذا ما‮ ‬يجعل قراءة النص وفهمه المتطور على حالة تماس مع حياة الناس وشؤونهم وذات صلة بالممارسات الدينية لجعل الطقوس الدينية،‮ ‬حاجات حقيقية،‮ ‬ومواجهة التحديات الجديدة عبر أدوات ووسائل حديثة لتهيئة العقل في‮ ‬الاستجابة للواقع الجديد‮.‬

المزيد مثل هذا المقال :

الذي‮ ‬حدث تاريخياً،‮ ‬ولازال،‮ ‬مستمراً‮ ‬بشكل كبير،‮ ‬هو بقاء قراءة النص ثابتة‮ ‬غير متطورة،‮ ‬وذات بعد واحد،‮ ‬مع انعكاسات هيولية على تفاسير او استيعاب القرآن وتطبيقات العقيدة ودورهما في‮ ‬الحياة العملية،‮ ‬وقراءات تدور رحاها خارج نطاق الاجتماع والوقت والظروف،‮ ‬ما تؤدي‮ ‬الى‮ ‬غياب واضح لعملية الاجتهاد الشاملة وفقدان الصلة بقدسية ومعاني‮ ‬القرآن التي‮ ‬تساهم تدريجياً‮ ‬في‮ ‬فقدان معنى للحياة وتعمل،‮ ‬مع مرور الوقت،‮ ‬الى زيادة الفجوة الثقافة والاجتماعية والاقتصادية مع المجتمعات الأخرى‮. ‬وتعبر هذه الفجوة عن نفسها بشكل العنف والصدام داخلياً‮ (‬بين المسلمين‮) ‬وخارجياً‮ (‬غير المسلمين‮) ‬وهي‮ ‬واضحة اليوم أكثر مما كانت عليه قبل عقدين أو ثلاثة‮.‬
والتأويلات للنصوص المقدسة وغيرها،‮ ‬في‮ ‬أغلبها،‮ ‬على مر أزمان المسلمين،‮ ‬كانت‮ ‬غير متسقة أو متداخلة مع نشاط المجتمع وأفراده وقائمة على الطريقة المتعارفة عليها في‮ ‬تفسير معاني‮ ‬الكلمات والنظر للتفاسير السابقة والاعتماد على القياس وغيرها عند التفاسير فضلاً‮ ‬عن الخلفيات النفسية للمفسرين‮. ‬وهذا ما نقصده بالبعد الواحد،‮ ‬دون الأخذ في‮ ‬الاعتبار عمق المفاهيم القرآنية وتبدلها من حال لآخر،‮ ‬أو الحقائق المختلفة المعاني‮ ‬والمكملة الواحدة للأخرى لجعلها في‮ ‬حالة متنامية أو عدم تقدير لطبيعة المواقف المتنوعة في‮ ‬القرآن وظروف الأحوال المتغيرة وذات الانسان‮.‬
والقرآن الحكيم لا‮ ‬يطرح صورة واحدة مفردة بل صوراً‮ ‬متعددة‮. ‬فالقرآن والسنة والمسلمون ساهموا في‮ ‬صياغة معانٍ‮ ‬متعددة للاسلام‮.‬
والمفروض في‮ ‬قراءة النص ان عملية تطور تاريخية ثابتة ولكنها مستمرة بشكل دائم،‮ ‬والعقيدة في‮ ‬تطبيقاتها في‮ ‬حياة المسلمين من أجل أن‮ ‬يتحول القرآن نبراس الهداية للبشر‮.‬
كلمات النص القرآني‮ ‬ثابتة لكن فهم الانسان لها متغير ومتطور مع الوقت‮. ‬لا نتكلم لتغيير النص بل فهم الانسان للنص،‮ ‬وهكذا ما سينعكس على الفكر والعلوم الاسلامية كالفقه وغيره لتطوير فهم الانسان للدين‮. ‬فنحن لا ندعو لتغيير الدين وانما كيف نفهم الدين على ضوء الظروف والمعرفة المعاصرة‮.‬
واحدة من انعكاسات القراءات‮ ‬غير المتطورة للقرآن هي‮ ‬بعض التفاسير الشائعة،‮ ‬على سبيل المثال لا الحصر،‮ ‬العنفية لآيات الجهاد والردة‮.‬
واعتماداً‮ ‬على‭ ‬معظم هذه القراءات الناقصة فلا نتمكن ان نرى الاسلام الا من خلال البعد المادي،‮ ‬وبعبارة أدق الا من خلال السيف،‮ ‬بل تداخل فقه القرون الوسطى ومحاولة تطبيق مقولات الولاء والبراء وحتمية المجابهة والصراع لكل ما هو مختلف في‮ ‬قراءة اختزالية اقصائية ضيقة للاسلام وقيمه الحضارية والانسانية العامة‮.‬
الفكر والفقه الاسلامي‮ ‬على مر العصور لم‮ ‬يعطِ‮ ‬مرادف الجهاد حقه من التفصيل والتحليل فيما‮ ‬يتعلق بجوانبه الاجتماعية والنفسية وكان هناك تركيز فقط على الجانب المتمثل بـ‮ "‬العنف المشروع‮" ‬أو الحرب والقتال والشهادة‮. ‬فحديث الرسول‮ (‬ص‮) ‬يوضح،‮ ‬بشكل لا‮ ‬غبار عليه على أنواع الجهاد وعدم طغيان الأصغر على الأكبر عند اشارته الى‭ ‬الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس والحرب باعتبارها الجهاد الأصغر‮. ‬ومعظم الحروب‮ (‬الغزوات‮) ‬في‮ ‬زمن الرسول‮ (‬ص‮) ‬عند النظر اليها وتفحصها لأجل تحليلها‮ ‬يصل الانسان الى قناعة انها كانت بطبيعتها دفاعية وليست هجومية‮. ‬وعندما طلب الرسول الشهادة في‮ ‬أول الغزوات‮ (‬بدر‮) ‬وبعدها كانت الدفاع عن النواة الأولى للدين‮. ‬وهذا أمر شرعي‮ ‬مع كل دين أو معتقد أو طائفة عندما تُهاجَم في‮ ‬دينها أو معتقدها أو عقر دارها،‮ ‬فانها تشرع للمقاومة والدفاع عن معتقدها‮. ‬شتان بين الشهادة في‮ ‬تلك الفترة لتثبت مفاهيم اعتقدت بها مجموعة من الناس وبين الانتحار اليوم التام باسم الشهادة والقاتل للمسلمين وغير المسلمين،‮ ‬المقاتل والمدني‮ ‬وغيرهما‮ (‬خارج وداخل حصون المسلمين‮) ‬بدون تمييز وذات عشوائية كاملة‮. ‬ما نعيشه هو ثورة انتحار حالها حال الثورات السابقة تعيش الكم وليس النوع وتزيد فوضى الحال التي‮ ‬تسعى الى تحسينه ولأنها ثورة ليس على الظلم أو الاستبداد وانما ثورة هدفها الأساسي‮ ‬القتل الجماعي‮ (‬وضد المنطق الانساني‮) ‬فان ظاهرها المتميز هو فوضى الدم والموت ما‮ ‬يجعل الخراب والفوضى سمة هذه المرحلة الظلامية‮.‬
الفكر الذي‮ ‬جاء بعد الرعيل الأول وما تبعه من أفكار ومفاهيم ومصطلحات خصوصاً‮ ‬في‮ ‬القروسطية كان في‮ ‬قسم منها مخزون كثير من العنف‮ "‬اللامشروع‮" ‬أو تخفي‮ ‬أكثر ما توضح الظلال الدينية الموجودة فيها‮. ‬والنتيجة الطبيعية التي‮ ‬نراها اليوم اختلاط الأمور والتباس الأشياء وقتل مستمر وعدم وضوح الأمر بين "‬الفتنة" ‬و"الجهاد‮" ‬حتى لأولئك المتخصصين أو ما‮ ‬يسمون بـ‮ "‬شيوخ الاسلام الكبار‮". ‬صياغتها بشكل آخر هو تقاليد اسلامية‮ ‬غير انسانية تتغذى على‭ ‬العنف في‮ ‬الأفكار والممارسات والخطاب وغيرها‮.‬
بعض جوانب فقه العلماء خصوصاً‮ ‬المتطور في‮ ‬القرون الوسطى،‮ ‬ربما كان كرد فعل لغزوات الصليبيين،‮ ‬ساعد على تأزم وتطوير هذه الظاهرة،‮ ‬لنأخذ فقه التكفير المستخدم لقواعد الولاء والبراء او التتريس او الردة وضرورة قتل المرتد،‮ ‬كأمثلة عملية لا للحصر،‮ ‬لنرى كم فيها من مخزون عنفي‮ ‬هائل‮.‬
ستناقش الدراسة بعد هذه المقدمة عن دور التغيير والتطور في‮ ‬توفير الاسباب الموضوعية للتمكين من تقديم قراءات متقدمة تزيد من قدسية القرآن وأهميته وآثاره على المسلم ومجتمعه المعاصر‮. ‬وهذا ما‮ ‬يؤدي‮ ‬الى تطوير عمليات الفهم والاجتهاد ذاتها والديناميكية في‮ ‬السياق القرآني‮. ‬وتنتقل الدراسة بعدها لتقدم نموذجاً‮ ‬في‮ ‬قراءة فقهيات التكفير والارتداد،‮ ‬الموجودة بين ظهرانينا،‮ ‬اليوم في‮ ‬غالبها،‮ ‬ضد روح وكلمات كتاب الله،‮ ‬القرآن،‮ ‬وتركيزه على حرية الاعتقاد والفكر‮. ‬وأخيراً‮ ‬ستكون هناك الخلاصة والمصادر‮.‬

دور التغيير والتطوير في‮ ‬زيادة قدسية القرآن

السؤال الأساسي‮ ‬الذي‮ ‬يطرح نفسه هو‮: ‬هل التغيير‮ ‬يسرق قدسية النص الالهي؟ هل التطور في‮ ‬علوم العقل والواقع‮ ‬يقللان من شأن القرآن واعمال العقيدة؟
وأنا أعتقد عكس ذلك تماماً‮ ‬فان التغيير والتطور‮ ‬يزيدان من قدسية القرآن وأهميته ووقعه على نفس الانسان ونشاطه‮.‬
فالاعجاز اللغوي‮ ‬في‮ ‬القرآن والابعاد المتعددة المعاني‮ ‬في‮ ‬الكلمات‮ (‬أو امتلاكه عدة مستويات من المعاني‮) ‬والطاقات الكامنة للتعابير في‮ ‬كلمات القرآن والطرح العملي‮ ‬لمفاهيم القرآن وتجانسها مع قواعد القرآن النظرية،‮ ‬وطريقة طرح السؤال فيه والاسلوب الفني‮ ‬في‮ ‬عرض القصص وغيرها‮ ‬يجعل القرآن الحكيم معيناً‮ ‬لا‮ ‬ينضب ولا‮ ‬يمكن الاستيعاب التدريجي‮ ‬لقسط من هذا الاعجاز الا مع التغيير والتطور للأسباب التالية‮:‬
أولاً‮: ‬التغيير البناء‮ ‬يساهم في‮ ‬ارتقاء معرفة الانسان وتطور عقله وطرق تفكيره ما‮ ‬يمكنه من الاستيعاب الأعمق،‮ ‬وبمعنى أدق،‮ ‬ادراك الجديد،‮ ‬منتجاً‮ ‬التأويل المتغير ذات الصلة بالرؤى والتفسيرات المتقدمة‮. ‬فالجديد أو الجدد في‮ ‬المعارف زائداً‮ ‬القديم‮ ‬يكون عملياً‮ ‬أبعاده متعددة‮.‬
ثانياً‮: ‬حالة التغيير تساهم في‮ ‬تغيير أوضاع الانسان الاجتماعية ذات الافرازات النفسية ما‮ ‬يجعل الانسان‮ ‬يتسامى داخلياً‮ (‬فضلاَ‮ ‬عن انعكاساتها الخارجية‮). ‬وهذا‮ ‬يقود الى التوازن في‮ ‬شخصية الانسان أو تقليل الفجوة بين أفكار الانسان وتصرفاته‮. ‬والأهم ربما التسامي‮ ‬الروحي‮ ‬وهذا قد‮ ‬يفسر الحديث الشريف‮ »‬الصلاة معراج المؤمن‮«. ‬كلمات الصلاة نفسها الآن أو قبل ألف سنة،‮ ‬لكن المتغير الانسان بنفسيته وروحانيته وعقله‮ (‬ادراكه‮) ‬ما تجعله‮ ‬يرتقي‮ ‬في‮ ‬سلم المعرفة وافرازاتها الروحانية‮. ‬وتغيير أو تطور ادراك المعاني‮ ‬الجديدة أو القيم المتبادلة او فرزنة المواقف المختلفة تمكن المسلمين من خلال الاضافات والأعمال المتطورة في‮ ‬صياغة المعاني‮ ‬المتعددة‮ (‬الأبعاد المتعددة‮) ‬للنصوص أو تمطي‮ ‬القدرات التعبيرية للكلمات وتقديم عدة تفسيرات في‮ ‬آن واحد‮.‬
ثالثاً‮: ‬التغيير‮ ‬يساعد على تطور اللغة ونموها،‮ ‬ودور اللغة مهمة في‮ ‬حالات التثقيف والتفكر وطريقة صياغة السؤال ما شابه وافرازات كل ذلك لمرادفات‮ ‬(كلمات‮) ‬جديدة للتعبير عن معاني‮ ‬جديدة ومختلفة‮. ‬وهكذا بتطور اللغة تتطور الأفكار والخبرات العملية والثقافية‮. ‬ويبدو ان الاثنين،‮ ‬اللغة والثقافة،‮ ‬يمثلان طرفي‮ ‬معادلة حيث اللغة تعتبر الوجه العاكس للثقافة والثقافة هي‮ ‬الوجه العاكس للغة‮. ‬تفاعل متعاكس ومتبادل‮.‬
مرادفات‮ (‬كلمات‮) ‬جديدة تنتج تعابيرا ومفاهيم مختلفة مؤدية الى طرق تفكير جديدة وخبرات عملية متباينة‮. ‬هذه التطورات مع الأعمال الجماعية‮ (‬التعابير الجماعية‮) ‬ستزيد من الوعي‮ ‬وعمق محتواه عند الناس‮.‬
اللغة طريقة تواصل لما تمثله من معلومات وأرقام،‮ ‬وتطور البحوث العلمية والتكنولوجية تقود الى انتاج مرادفات في‮ ‬الجانب اللغوي‮ ‬وانعكاسات كل ذلك على الفن والتأمل والابداع في‮ ‬الرسم والقصة والشعر،‮ ‬وأحياناً‮ ‬التطور في‮ ‬العلم كتقنية الكومبيوتر تزيد من الابداع الفني،‮ ‬كدور التقنية الرقمية في‮ ‬الفن الحديث أو الأفلام السينمائية على سبيل المثال‮. ‬والعكس صحيح فان التأمل والفلسفة تتركان آثاراً‮ ‬هامة على فلسفة العلوم وتداخلها على تطور العلوم ذاتها‮.‬
فاللغة عند استيعابها للجديد‮ ‬يزيد من ديناميكيتها الابداعية وتسهم في‮ ‬انتاج تراكيب جديدة للجمل أو تراكيب لغوية جديدة ولا تبقى التركيبات اللغوية الجاهزة والقديمة أو تشكيلات لغوية سابقة لا تتمكن من استيعاب الجديد أو قادرة على التلفظ بلغة العصر‮.‬
رابعاً‮: ‬التغيير وتطور واقع الانسان قد تؤثر على القدسية المفترضة او الهالة الكبيرة للمؤسسات الدينية ورموزها المقدسة عند عوام الناس‮. ‬التغيير وما‮ ‬يصاحبه من تثقيف وتطور بأبوابه المتعددة كمحو الأمية،‮ ‬نمو الأدب والقراءة،‮ ‬تقديراً‮ ‬لأعمال المسرح والقصة والخيال وغير ذلك سيزيد من التميز أو الفصل بين قدسية القرآن الحقيقية وقدسية المؤسسات الدينية المفترضة‮.‬
والسؤال اذا كان تطور الواقع والتغيير الايجابي‮ ‬يقلل من قدسية المؤسسات فهل هذا‮ ‬يقلل من أهميتها؟ والجواب لا،‮ ‬فان للمؤسسات الدينية دوراً‮ ‬ايجابياً‮ ‬ومهماً‮ ‬في‮ ‬المجتمع اذا قامت بخدمة الناس واستطاعة مماشاة العصر على شرط أن لا تتحول الى مراكز سلطة ومال‮.‬
فرأي‮ ‬السيد محمد باقر الصدر،‮ ‬على سبيل المثال لا الحصر،‮ ‬هو دور المؤسسة الدينية أو الفقهاء كسلطة معنوية في‮ ‬الرقابة على السلطة السياسية‮. ‬أي‮ ‬وجود صمام آخر من صمامات الأمان لشفافية وديمقراطية النظام السياسي‮. ‬وليس وقوع السلطة السياسية بأيدي‮ ‬الفقهاء كما نرى في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬الايراني‮.‬
ودور رجال المؤسسة المسيحية،‮ ‬كان ولازال ايجابياً،‮ ‬في‮ ‬امريكا الجنوبية لمحاولة التخفيف عن اعباء الفقر أو الاضطهاد للمواطنين كما كان الحال في‮ ‬السلفادور وغيرها قبل عقدين ونيف من الزمان‮.‬
التخوف الأكبر هو عندما تصبح المؤسسة الدينية باستخدامها للدين،‮ ‬كوسيلة،‮ ‬للوصول للسلطة السياسية واستئثارها بها،‮ ‬وكقوى محافظة،‮ ‬تساهم في‮ ‬كبت القيود السياسية وانتشار الاستبداد وعدم اطلاق طاقات المجتمع للابداع والخلق‮.‬
المؤسسات،‮ ‬كائناً‮ ‬ما كان،‮ ‬عند تملكها للثروة والسلطة،‮ ‬بطبيعتها،‮ ‬تساهم في‮ ‬ابراز الجوانب السلبية من الطبيعة البشرية في‮ ‬القمع والعنف وقلة العفة‮. ‬وهذا‮ ‬يقف حائلاً‮ ‬أمام حالة التغيير المنشودة في‮ ‬المجتمع بجوانبه المتعددة وما‮ ‬يركز في‮ ‬المؤسسات الدينية على الارثودكسية الدينية بشكلها السلبي‮ ‬للحفاظ على الوضع الراهن،‮ ‬من مصالح ودوافع،‮ ‬وعدم تغيره‮.‬
الارثودكسية في‮ ‬العمل والجمود في‮ ‬عناصر الابداع هي‮ ‬التي‮ ‬جعلت قراءة النص القرآني‮ ‬وتفسيراته تعيد انتاج نفسها ولا تحمل الجديد أو تعكس مراحل العصر‮. ‬ويساهم التغيير والتطوير في‮ ‬تفسير أو قراءة القرآن بأبعاد متعددة وليس ببعد واحد‮ (‬قروسطي‮) ‬قائم على معرفة أتى به العلماء قبل ألف عام أو ما‮ ‬يزيد‮. ‬فقد تكون عدة تفسيرات لذات البعد أو الأبعاد المختلفة في‮ ‬آن واحد‮. ‬أو التضادات في‮ ‬التفاسير،‮ ‬او كما‮ ‬يرى البعض،‮ ‬التناقضات في‮ ‬آيات القرآن هي‮ ‬في‮ ‬نسبية وتنوع القراءات ولا تعكس تناقض ذات القرآن أو تنفي‮ ‬عنه صفة المطلق‮. ‬فالنسبية هنا في‮ ‬ذات العمل القائم على تضادات وتناسقات القراءات المتنوعة‮. ‬النسبية في‮ ‬ادراك ومعرفة الأمور من قبل الناس وليس النسبية في‮ ‬الكلمات القرآنية ذاتها‮. ‬وهذا‮ ‬يمكن من‮:‬

أولاً‮: ‬تطوير عملية الفهم ذاتها،‮ ‬أي‮ ‬كيفية وماهية هذا الفهم‮.‬
كيفية التعامل مع النص المقدس‮ (‬القرآن‮) ‬فضلاً‮ ‬عن الكم الهائل من النصوص البشرية المتراكمة واعادة قراءتها وفهمها بسياقها التاريخي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬وتطبيقها لظروف الواقع المعاش‮ ‬يعتبر من أهم التحديات أو المعضلات التي‮ ‬يواجهها علماء الاسلام والمفكرون والمثقفون وكيفية استيعاب ان انتاج علماء الاسلام لم‮ ‬يكن فقط انعكاساً‮ ‬لواقعهم الاجتماعي‮ ‬والسياسي‮ ‬فقط،‮ ‬وانما أيضاً‮ ‬تأثير البعد السيكولوجي‮ (‬النفسي‮) ‬لأولئك العلماء وافرازاته على ذهنيتهم في‮ ‬العمل
والموضوع هو الفهم البشري‮ ‬للنص المقدس وتطويره النابع من البحث والبرمجة وتطبيق أدوات حديثة للتنقيب والحفر للوصول الى تأويلات مختلفة تأتي‮ ‬بالجديد والمتغير،‮ ‬بل التوجه الحديث في‮ ‬التأويل ليس التعرض لذات النص فحسب،‮ ‬بل قراءته من خلال التفسيرات المتباينة فيه‮.‬
تجديد الفهم‮ ‬يعني‮ ‬اعطاء النص مضمونه وديناميكيته،‮ ‬وربما الأهم اعطاء الأطر الضرورية للنصوص حتى تكون عملية الفهم فاعلة ليست جامدة أو مستبدة تستمد شرعيتها من الاستبداد السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬وتقليديتهما‮.‬
والأهم نزول الفكر من النظري‮ ‬الى العملي‮ ‬يجعل المقروء ملموساً‮ ‬والتجربة مجسداً‮ ‬والتنظير ذا تفصيلات مطبقة‮. ‬هذه الأمور تطور عملية الفهم نفسها وتكون ذات معرفة أو ادراك عقلاني‮ ‬تؤدي‮ ‬وظيفتها في‮ ‬استيعاب متغيرات الواقع بعمق وبعيداً‮ ‬عن التبرير الثقافي‮ ‬المتأثر بالعادات الاجتماعية‮. ‬ويصعب بدون الفهم ذا المعرفة والعمق في‮ ‬فرز عملية ميكانيكية لتأويل أو اعادة قراءة النصوص الدينية‮.‬
‮"‬اذن نحن نتحدث عن الدين مأخوذاً‮ ‬من القرآن الكريم،‮ ‬والحديث بوجهه التشريعي‮ ‬الالهي‮ ‬فقط‮. ‬وهذا‮ ‬يختلف عما جاءنا من الفقهاء المفكرين المسلمين‮. ‬فهذا هو الفكر الاسلامي،‮ ‬وليس الدين الاسلامي‮. ‬وهذا من أجل حفظ الفارق الجوهري‮ ‬بين الأمرين،‮ ‬حيث ان الأول نتاج بشري،‮ ‬ينطبق عليه كل ما‮ ‬يستنبطه النتاج البشري‮ ‬من خصائص بما في‮ ‬ذلك امكانية الخطأ وعدم القدسية وجواز النقد والاتيان بغيره مما هو أفضل منه‮. ‬في‮ ‬حين ان الثاني‮ ‬إلهي،‮ ‬مقدس،‮ ‬غير قابل للنقد والاستبدال‮. ‬المقدس هو شرع الله،‮ ‬أما الفقه الاسلامي‮ ‬فهو انتاج بشري‮ ‬غير مقدس‮. ‬كما ان ما تعارف عليه الناس من أعراف وتقاليد وممارسات الحقوها بالدين بما‮ ‬يمكن تسميته بالدين الشعبي‮ ‬ليس من الدين الالهي‮ ‬الذي‮ ‬نتحدث عنه بشيء‮. ‬فالدين الشعبي‮ ‬عبارة عن ظواهر اجتماعية بشرية تاريخية متغيرة من مكان الى آخر ومن زمان الى آخر،‮ ‬وهي‮ ‬ليست من الدين الالهي‮ ‬بشيء سواء كانت موافقة لثوابت الدين الالهي‮ ‬أم مخالفة له‮.‬
لقد ثبت بالمعاينة والمشاهدة ان الناس‮ ‬يؤسسون أديانهم الشعبية،‮ ‬وهذه الأديان الشعبية تختلف باختلاف المجتمعات‮. ‬لذا فاننا نجد ظواهر اسلامية في‮ ‬اندونيسيا لا نجد نظيرها في‮ ‬العراق مثلاً،‮ ‬وهكذا تختلف المجتمعات البشرية الاسلامية في‮ ‬أديانها الشعبية أو في‮ ‬الطبعات المحلية للاسلام،‮ ‬التي‮ ‬تؤثر في‮ ‬الناس جنباً‭ ‬الى جنب مع الدين الرسمي‮ ‬الالهي‮. ‬هذا رغم ان بعض معالم الدين الرسمي‮ ‬الالهي‮ ‬التي‮ ‬قد تتوارى وتختفي‮ ‬وراء ركامات الدين الشعبي‮.‬
الخطأ الذي‮ ‬يمكن ان‮ ‬يقع فيه اتباع الديانات السماوية،‮ ‬وهذا ما حصل فعلاً،‮ ‬هو انهم قد‮ ‬يضفون طابعاً‮ ‬تقديسيا على ما هو بشري‮ ‬في‮ ‬معتقداتهم ونصوصهم،‮ ‬فيعتبرون ان الجميع جزء من الدين بمعناه الالهي‮"‬1‮)‬‮).‬
يوجد في‮ ‬كتاب الله‮ (‬القرآن الكريم‮) ‬ما‮ ‬يقارب ستة آلاف ومائتا آية لا‮ ‬يتعلق منها بأحكام التشريع سوى خمسمائة آية‮. ‬أما الأغلبية العظمى من آي‮ ‬الذكر الحكيم فتتعلق بالجانب العملي‮ ‬للواجبات الدينية أحكام المواريث والملكية والتقاضي‮. ‬وهناك ثلاثون آية من المساواة أمام القضاء وعن الشورى،‮ ‬وعشر آيات عن مسائل تتعلق بالاقتصاد‮.‬
ويعني‮ ‬هذا ان أمام المسلمين مساحة جيدة للحركة‮ (‬مع بعض القيود طبعاً‮) ‬لإيجاد ممارسات وآليات تطبيقية لأحكام الشريعة لمساعدة أبناء المجتمع المسلم على أن‮ ‬يكونوا مسلمين صالحين وعلى وفاق وتناغم مع العالم الخارجي‮(2‮)‬‮. ‬والقدرة على بناء المؤسسات والهياكل المجتمعية والاقتصادية والسياسية المتناغمة مع حاجات القرن الواحد والعشرين المنسجمة مع ثقافة وتعاليم الدين الحنيف‮.‬

ثانياً‮: ‬جعل الاجتهاد عملية فاعلة ومتطورة تمتد الى ميادين الحياة كافة ليس في‮ ‬أمور الدين فقط‮. ‬والأهم تطوير في‮ ‬أدوات الاجتهاد ومقارباته حتى تكون عملية مكملة لعمليات الفهم والتغيير والتطوير في‮ ‬الارتقاء بالتفسيرات للنص المقدس الى مستوى‮ ‬يلبي‮ ‬احتياجات واقع القرن والوحد والعشرين‮.‬
‮"‬فالاجتهاد قادر على بناء الجسور بين الغرب والمسلمين،‮ ‬وأن‮ ‬يكون أداة لفهم مبادئ الاسلام بشكل‮ ‬يتناغم مع احتياجات وتحديات المجتمع الاسلامي،‮ ‬أفراداً‮ ‬وجماعات،‮ ‬بدون فقدان الصلة مع قدسية القرآن وتراث الأمة وتقاليدها‮"‬‮‬3‮)‬‮).‬
‮"‬يوجد مفهومان وتجربتان للاجتهاد في‮ ‬التراث الاسلامي‮:‬
الأولى‮: ‬ضيقة الأفق وتشمل العملية القانونية فقط عند الفقهاء عند استخدامهم الأسباب في‮ ‬استنباط الأحكام الشرعية من المصادر الأولية في‮ ‬القرآن والسنة‮... ‬الخ‮.‬
الثانية‮: ‬متبناة من‮ ‬غير الفقهاء،‮ ‬خصوصاً‮ ‬من قبل أولئك الذين‮ ‬يؤيدون نوعاً‮ ‬من الحداثة والليبرالية وترى الاجتهاد بشكله الأوسع‮. ‬يمثل الاجتهاد لهؤلاء،‮ ‬حرية الفكر،‮ ‬التفكير الموضوعي‮ ‬والبحث عن الحقيقة المشتقة من العلوم العقلانية والمنهجية الحديثة‮"‬‮‬(4‮)‬‮.‬
قفل باب الاجتهاد خلف منهجاً‮ ‬واحداً‮ ‬للوصول الى الحقيقة الشرعية ولأن عملية الغلق كانت ذات طابع سياسي‮ ‬فقد أعطاها بعداً‮ ‬آيديولوجياً‮ ‬علـى حساب القطيعة المعرفية ما أدى في‮ ‬نهاية المطاف الى طغيان البعد الأحادي‮ ‬على‭ ‬الأبعاد المتعددة في‮ ‬المنهجية والتصورات والرؤى‮.‬
فالقياس كمصدر أو دليل التشريع أثر على التفسير الصحيح للنصوص الاسلامية في‮ ‬بعدي‮ ‬الزمان والمكان‮. ‬وكانت تلك بداية ظهور ثقافة في‮ ‬مناطق كثيرة من العالم الاسلامي‮ ‬أدت في‮ ‬النهاية الى أن‮ ‬يحكم الاسلام على الأشياء بمقارنتها بما سبق أو قياس مشاكل اليوم بمقياس فهم النصوص القديمة‮.‬
‮"‬اعتبر الاحيائيون القياس من أدلة التقليد،‮ ‬وأرادوا الخروج على‭ ‬التقليد بالاجتهاد،‮ ‬لكن من طريق التأصيل،‮ ‬أي‮ ‬العودة المباشرة للقرآن والسنة‮.‬
وهذا المنهج جديد فعلاً،‮ ‬وان زعم أصحابه انه الأقدم،‮ ‬لكنه فرض موضوعات وتحديات لا تجديد فيها ولا نهوض‮: ‬الالتزام بتفسيرات حرفية وحروفية فعلاً‮ ‬في‮ ‬قضايا الحياة الشخصية،‮ ‬أواللجوء الى التجربة التاريخية‮ (‬الصافية أو الراشدة‮) ‬في‮ ‬مسائل السياسة الشرعية أو الحياة العامة‮. ‬بيد ان الاجتهادات التي‮ ‬تمت على رغم ذلك،‮ ‬ما كانت بالطريقة القياسية أو التأصيلية،‮ ‬بل جرى استعمال نهج‮ "‬مقاصد الشريعة‮"‬،‮ ‬وهو نهج‮ ‬غير نصي‮ ‬وغير قياسي‮.‬
لكن القياسية فيه ظهرت في‮ ‬الجزئيات،‮ ‬بينما التأصيل أو الايديولوجيا في‮ ‬الفكرة أو النظرة‮..."‬‮(‬5‮‬‮).‬
اما فيما‮ ‬يتعلق بالاجماع حول الأمور الشرعية‮ (‬والأحكام‮) ‬فتاريخياً‮ ‬لم‮ ‬يكن هناك اجماع كامل‮. ‬والشيء الآخر ان مشكلة الاجماع هو النظـر للماضي‮ ‬لحل مشكلات المستقبل،‮ ‬ونظرات فقهاء الأمس‮ ‬غير متصارعة لنفس القضايا التي‮ ‬تتحدى فقهاء اليوم‮. ‬ولا نتكلم هنا على الأمور الاساسية كالصلاة والصوم وانما نخص أحكام المعاملات وكيفية التعامل معها من الزمن الراهن‮.‬
وثقافة الاجماع استحوذت على مسألة الوحدة الفكرية،‮ ‬حالة التشابه والتطابق في‮ ‬الأفكار،‮ ‬ما ساهمت الى حالة التلقين لأقوال وتصورات بشر عاشوا قبل ألف عام‮. ‬وما‮ ‬يتطلب هو ثقافة الخلاف والتنوع في‮ ‬الأفكار خصوصاً‮ ‬فيما‮ ‬يتعلق بتفاصيل الأمور المجتمعية والنفسية‮.‬
والأكثر كما هو مطلوب في‮ ‬بعض المدارس أوالمذاهب الاسلامية من اتباعهم هو الانصياع الكامل لآراء فقهاء عاشوا قبل 1000م،‮ ‬فقط بسبب ان هناك اجماعاً‮ ‬وفي‮ ‬حالات وامور صغيرة تتطلب ان تتغير مع الوقت‮. ‬والسؤال الاساسي‮ ‬ألا‮ ‬يتطلب النظر في‮ ‬هذه الأداة المستخدمة للتشريع لامكانية تجديد آليات عملها حتى تصبح موازية لتطورات العصر ومنسجمة مع حالات وظروف ونفسيات فقهاء اليوم؟
كما ان أغلب فقهاء الماضي‮ ‬واليوم‮ ‬يتفقون بأن هناك صناعة واختلاق لأحاديث وأقوال الرسول محمد‮ (‬ص‮) ‬ولهذا تم تطوير علم لفرزنة وتحقيق الصحيح من هذه الأحاديث‮. ‬لكن بقي‮ ‬علم الحديث كما تم تطويره في‮ ‬العصر الاسلامي‮ ‬الأول،‮ ‬ولقرون طويلة،‮ ‬في‮ ‬طرق عمله كما هو لم‮ ‬يتغير،‮ ‬ويذكر أصحاب التراث ان علم الحديث تم وأصبح كاملاً‮ ‬متكاملاً‮ ‬لرفض كل شيء مختلق وان تقوى واخلاص القائمين في‮ ‬تمحيصهم وروايتهم للأحاديث‮ ‬يفوق بريق أولئك الذين حاولوا تزييف الأحاديث‮. ‬ومن دون شك فان جهد الأوائل كان هائلاً‮ ‬كما في‮ ‬صحيح البخاري‮ ‬وابن مسلم وغيرهم ما‮ ‬يستحق التقدير من العباد والثواب من الله‮.‬
لكن لا‮ ‬يستطيع الانسان الا ان‮ ‬يتساءل بأن علم الحديث من صنع الانسان ولذا فانه‮ ‬غير كامل أو‮ ‬يكون خالياً‮ ‬من الخطأ أو الأمور الدخيلة عليه،‮ ‬وبما انه علم فمعناه انه نسبي،‮ ‬غير مطلق،‮ ‬يتوجب ان‮ ‬يتغير مع الوقت‮. ‬وهذا ما‮ ‬يقود الى أهمية تجديد العلم وتطوير أدواته‮. ‬وبما ان علم الحديث تم من قبل الانسان وتعامل مع الانسان فهل‮ ‬يمكن التغاضي‮ ‬عن الطبيعة البشرية فيما‮ ‬يتعلق بنقاط ضعف الانسان‮ (‬وحتى رذائله‮) ‬والأجندة السياسية والحالة النفسية والاجتماعية التي‮ ‬يكون لها بعض الأثر في‮ ‬انتاجات هذا العلم‮. ‬يقول فضل الرحمن‮‬6‮)‬‮)"ان أكثر محتويات الحديث وقوانينه هي‮ ‬بالحقيقة لا أكثر من الاجتهاد في‮ ‬سنة الرسول‮ (‬ص‮) ‬من قبل الأجيال الأولى للمسلمين‮"‬
ويوجد الكثير من التساؤلات حول صحة بعض الأحاديث من ناحية الشاهد وصدقه من وجهة نظر قانونية،‮ ‬كذلك‮ ‬يذكر معظم المتخصصين في‮ ‬علم الحديث بأن الروائيين المدققين الأوائل كانت لهم ذاكرة كبيرة في‮ ‬تذكر الأحاديث بشكل صحيح‮. ‬واذا كان الأمر هكذا فلماذا كانت عائشة أم المؤمنين،‮ ‬على سبيل المثال لا الحصر،‮ ‬تدحض أو تفند أحاديث بعض الصحابة؟‮(7)‮‬‮ ‬وكيف تعلن تفنيدها اذ كان الصحابة معروفين بدقة الذاكرة،‮ ‬أم المؤمنين لم تكن تدحض بعض الأحاديث اذا لم تكن هناك حقيقة شيء اسمه ذاكرة ضعيفة‮ (‬أمر طبيعي‮ ‬للانسان‮) ‬أو كان هناك سوء فهم‮.‬
انا لا أرفض السنة النبوية اطلاقاً‮ ‬وانما أناقش الموضوع بشكل عقلاني‮ ‬للوصول الى نتيجة ان علم الحديث من صنع البشر لهذا فان احتمالية الخطأ واردة بشكل كبير وحقيقي،‮ ‬حتى بعد التحقيق والتمحيص،‮ ‬وبالتأكيد،‮ ‬واخلاص وتقوى القائمين عليه‮. ‬ولأنه‮ ‬يأخذ طابع العلم فلذا‮ ‬يتطلب التجديد والتطوير في‮ ‬جوانبه جميعاً‮ ‬حتى‮ ‬يكون اسناداً‮ ‬حقيقياً‮ ‬للقرآن‮. ‬ولا تكون ضد رسالة القرآن،‮ ‬كما سنرى،‮ ‬فيما بعد لما‮ ‬يتعلق بموضوع‮ "الردة‮"‬على سبيل المثال لا الحصر‮.‬
التخلف في‮ ‬أدوات الفقه،‮ ‬كما وضحنا في‮ ‬بعضها،‮ ‬والوقوف في‮ ‬بعض حوانبه منذ ألف سنة‮ ‬يعني‮ ‬ايقاف العقل الفقهي‮ ‬وغياب العقل النقدي‮ ‬أدى عملياً‮ ‬الى دوران النص حول الفاعلية الانسانية‮(‬8‮)‬،‮ ‬فالانسان عملياً‮ ‬ونظرياً‮ ‬واقف بسبب ثبات الرؤى والتصورات والتقيد حرفياً‮ ‬عند قراءته للنص‮.‬
وحدد عملية الاجتهاد الشاملة بسبب دوارها حول الفقه فقط واهممال الجوانب الأخرى في‮ ‬الحياة كما حدث في‮ ‬حضارة المسلمين الأولى،‮ ‬كابن رشد ونظريته العقلانية التي‮ ‬أحدثت للغرب نهضته الجبارة،‮ ‬أو ابن حزم وأعماله المهمة أو فلسفة ابن الكندي‮ ‬وغيرهم‮. ‬وكان التداخل واضحاً‮ ‬في‮ ‬أعمال هؤلاء وغيرهم بين البعد الديني‮ ‬والدنيوي‮ ‬في‮ ‬أعمالهم وبحوثهم وانعكاسات الواحدة على الأخرى‮.‬
ما‮ ‬يتطلب النقاش ملياً‮ ‬حول الدور البناء لعملية الاجتهاد في‮ ‬المجتمع الاسلامي‮ ‬ودور التغيير في‮ ‬تطوير أدواته العقلية والمادية ومساهماته في‮ ‬بناء نظام معرفي‮ ‬جديد‮.‬

ثالثاً‮: ‬ضرورة الديناميكية عند فهم السياق القرآني‮ ‬خلال نزول السور على الرسول‮ (‬ص‮) ‬أثناء فترة‮ ‬23‮ ‬سنة من بعثته،‮ ‬فنرى الأدوات والمقاربات في‮ ‬الآيات المكية تختلف عن تلك في‮ ‬الآيات المدنية‮. ‬تخصص الآيات القرآنية وتحديدها لأمور تم بشكل متصل ومتداخل لكن‮ ‬يلحظ في‮ ‬التركيب العام موضوعية السياق وديناميكيته‮. ‬مثال ذلك كما سنلاحظ بعد قليل،‮ ‬آيات حول حرية الاعتقاد،‮ ‬صور الاختلاف،‮ ‬موضوعات الحرب والعنف وغيرها سارت مع تاريخ‮ ‬23‮ ‬سنة بقدر كبير من الديناميكية والتغيير‮.‬
وكانت الأدوات العامة لأوامر أو وصايا القرآن في‮ ‬قراءاتها كل مرة بدون القراءة التاريخية الموضوعية لروح الكتاب هو انحراف عن الأدوات المحددة التي‮ ‬استخدمت في‮ ‬زمن الرسول‮ (‬ص‮). ‬فصور الاختلاف في‮ ‬السور القرآنية ضرورية لأنه لا‮ ‬يمكن،‮ ‬من وجهة نظر اجتماعية،‮ ‬بناء أمة بدون الاختلاف‮. ‬واستخلاف الانسان على‭ ‬الأرض بدون اعطائه المسؤولية‮ ‬يعني‮ ‬ان الانسان عملياً‮ ‬أصبح مقيداً‮ ‬وليس مخيراً‮.‬
والفهم المتحجر للشريعة واعطاؤها كامل السلطة الدنيوية تجعل تطبيق آيات الردة والقائمة على سياق محدد في‮ ‬زمن الرسول‮ (‬ص‮) ‬تختلف عن الواقع اليوم وعلى الرغم من معظمها،‮ ‬كما في‮ ‬آية‮ ‬137‮ ‬ من سورة النساء،‮ ‬على سبيل المثال لا الحصر،‮ ‬تذكر بشكل واضح في‮ ‬ترك العقاب لله في‮ ‬يوم الآخرة‮.‬
القراءات المعاصرة في‮ ‬آيات الردة وحرية الاعتقاد‮: ‬نموذجاً
معظم القراءات المعاصرة للآيات القرآنية فيما‮ ‬يتعلق بحرية الفكر والردة وما شابه،‮ ‬متأثرة بشكل آخر،‮ ‬من فكر وفقه تطور قبل‮ ‬1000‮ ‬عام‮. ‬وهذا ما نلاحظه بشكل واضح تناقض بين ما تشير اليه الآيات القرآنية كما تقول سطوره،‮ ‬وليس ما بين سطوره،‮ ‬مع أفكار وأحكام وفقه العلماء والمثقفين المسلمين‮. ‬فقه التكفير والارتداد نموذجاً،‮ ‬ما‮ ‬يطرح السؤال التالي‮:‬
هل حان الوقت للنظر في‮ ‬فقهيات التكفير والارتداد وغيرها بعمق وتأنّ؟
هناك من‮ ‬يرى‭ ‬بوجود مشكلة أساسية بقاعدة‮ »‬الولاء‭ ‬والبراء‮« ‬من الفقه وتطبيقها على‭ ‬‮»‬الفئة الضالة‮« ‬ما‮ ‬يجعلها مادة لاصقة بيدي‭ ‬دعاتها حيث‮ ‬يمكن اتهام اي‮ ‬شخص بموجب هذه القاعدة وفهمها المتخلف‮.‬
فقتل المسيحيين واليهود من الغربيين‮ (‬مع الشكوك للمسيحيين واليهود من ابناء‭ ‬الوطن‮) ‬في‮ ‬بلاد المسلمين وعدم التعامل معهم‮ ‬يتم ضمن هذا المنطق،‮ ‬اي‮ ‬التبري‮ ‬من هؤلاء‭ ‬الذين ليس على‭ ‬ديننا والولاء للمسلمين‮. ‬ويمكن كذلك تسقيط او تكفير وقتل اي‮ ‬من الاشخاص المعتدلين باتهامهم بالولاء‭ ‬لأمريكا واسرائيل‮. ‬وقتال الامريكان في‮ ‬العراق واخراج الكفار من بلاد المسلمين‮ ‬يقوم على‭ ‬هذه القاعدة وغيرها من الامثلة الأخرى‮.‬
فهل‮ ‬يمكن التعامل مع من ليس على‭ ‬ديننا بهكذا عنف وفي‮ ‬مجتمع القرن ‮21‬؟
او فقيهات دار الحرب ودار الاسلام وغيرها من المفاهيم والقواعد الفقهية التي‮ ‬تحتاج الى‭ ‬مراجعة شاملة‮.‬
والاهم من كل ذلك هو الاستخدام الموسّع لبعض الفقهيات‮ ‬القديمة ـ الجديدة لاعطاء‭ ‬الشرعية لقتل الابرياء من قبل التكفيريين والمتشددين العنفيين‮. "‬واحدة من هذه القواعد ما تسمى‭ ‬‮»‬التترس‮« ‬نسبة الى‭ ‬استخدام العدو الناس حوله‮ ‬كترس او درع بشري‮ ‬لتمويه‮ »‬المناضلين‮« ‬الاسلاميين‮.‬
واستناداً‭ ‬الى‭ ‬هذه القاعدة الفقهية فقد‮ (‬التي‮) ‬لجأت اليها القاعدة كما في‮ ‬عملياتها التفجيرية في‮ ‬السعودية وقتل الكثير من الابرياء‮.‬‭ ‬واستخدمت في‮ ‬الجزائر وما صاحبها من قتل عشوائي‮ ‬خصوصاً‭ ‬للنساء‭ ‬والاطفال‮. ‬وركزّ‮ ‬عليها ابو مصعب الزرقاوي،‮ ‬زعيم التوحيد والجهاد في‮ ‬العراق لتفسير تفجيرات سياراته المفخخة وانتحاريه الملغمين الذين‮ ‬يذهب ضحيتهم العراقيون الابرياء‮"‬‮(9).
وخلاصة الحجة الفقهية تقوم‮ "‬على‭ ‬ان موت بعض الضحايا العرضيين جراء‭ ‬التفجيرات العشوائية جائز ولا‮ ‬يلحق الجماعة التي‮ ‬تقوم به ملامة او ذنب ديني،‮ ‬ويشار الى‭ ‬ان مفهوم التترس‮ ‬يعتبر مفهوماً‭ ‬مركزياً‭ ‬في‮ ‬الخطاب الفقهي‮ ‬العملي‮ ‬لـ‮ "‬القاعدة‮"‬،‮ ‬او‮ ‬يمنحها مرونة واسعة في‮ ‬تنفيذ العمليات العشوائية من دون الشعور‮(‬10‮‬‮) ‬بحرج ديني‮ ‬جراء‭ ‬المجازر التي‮ ‬تسببها مثل هذه العمليات‮". ‬وفيما‮ ‬يتعلق بالعراق فان هناك خصوصية وهي‮ ‬اكثر عمليات العنف الزرقاوية في‮ ‬العراق في‮ ‬المناطق الشيعية التي‮ ‬يعتبرها‮ »‬الروافض الحاقدين الاشد علينا من اعدائنا الصليبيين‮« ‬كما عبر عنها الزرقاوي‮ ‬مرة والأمر هذا لا‮ ‬يشعره بأحراج او وخز ضمير بل العكس التبرك بقتل كل رافضي‮ ‬حتى‭ ‬وان كان صغيراً‭ ‬او طفلاً‮ ‬او امرأة‮.‬
الفقه،‮ ‬تعريفاً،‮ ‬محدود بعامل الزمن‮. ‬ولذا فان مواضيع عديدة،‮ ‬مبدئياً،‮ ‬يمكن مراجعتها ومناقشتها وكثير من مواضيع او بتعريف ادق،‮ ‬قواعد الفقه خصوصاً‭ ‬تلك التي‮ ‬ترتبط بالعنف تحتاج الى‭ ‬تدقيق وفحص‮ ‬يجعلها مواكبة لمتطلبات العصر،‮ ‬فعند تفحص القرآن وقراءة سطوره بوضوح واحاديث الرسول الموثوقة نراها ضد فرض الدين‮ (‬الاسلام‮) ‬على‭ ‬الآخر وحرية الرأي‮ ‬وعدم قتل المرتد الفكري‮ ‬والمساحة الواسعة للآخر‮ (‬من المسيحي‮ ‬واليهودي‮ ‬وغيرهم‮) ‬في‮ ‬العيش مع‭ ‬المسلمين‮. ‬وهناك من‮ ‬يرى‭ ‬ان دولة الاسلام الاولى‭ ‬للرسول‮ (‬ص‮) ‬في‮ ‬المدينة مع تطبيق‮ "‬ميثاق المدينة‮" ‬الذي‮ ‬حفظ حقوق الدين وغيرها للآخرين مجسدة علمانية‮ (‬ليست ضد الدين‮) ‬اولية في‮ ‬الممارسات البشرية‮.‬
كثيرة هي‮ ‬الآيات القرآنية التي‮ ‬تركز على الاختلاف وحرية الاختيار او الاعتقاد‮. ‬فالاختلاف سنة من سنن الله في‮ ‬الخلق واذا نرفض هذا الأمر فاننا نرفض ارادة الله في‮ ‬الخلق كما في‮ ‬الآيات الحكيمة‮:‬
‮"‬لكم دينكم ولي‮ ‬دين‮"‬‮(11)‬
و"ان سعيكم لشتى‮"‬‮(12)
‮"‬لا اكراه في‮ ‬الدين قد تبين الرشد من الغي"(13)
والاختلاف تعبير للتنوع والتعدد وانسجام مع الطبيعة التي‮ ‬نعيش معها وعليها من اختلاف الحيوانات الى تنوع التضاريس‮.. ‬وغيرها‮.‬
‮"‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"(14)
‮"‬وجعلناكم شعوباً‮ ‬وقبائل لتعارفوا‮"(15)
‮"‬وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي‮ ‬هي‮ ‬احسن"(16)
فالقرآن العظيم والرسول‮ (‬ص‮) ‬والخلفاء الراشدون والأئمة الصالحون في‮ ‬الماضي‮ ‬كانوا دعاة للحوار الذي‮ ‬هو تجسيد واقعي‮ ‬للتنوع والاختلاف ودور الحوار والكلام،‮ ‬النزعة الانسانية،‮ ‬في‮ ‬نبذ الصدام والعنف والتطرف‮.‬
المعرفة نسبية وتستمر في‮ ‬التكامل مع مسيرة الانسان التصاعدية طالما رافق هذا الانسان العمل والتغيير البناء‮.‬
‮"‬يا أيها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً‮ ‬فملاقيه"(17)
والأفكار لا تضعف أو تهزم الا بالأفكار ولا‮ ‬يمكن فرضها بالقوة على الآخرين‮. ‬وفكرة فرض أفكار الاسلام بالقوة لأنها من الله عز وجل هي‮ ‬من صنع المسلمين الذين فقدوا فهم مسألة التاريخ او استيعاب لحركته ومسيرته وتعبيراً‮ ‬عن عدم ثقتهم بالاسلام نفسه،‮ ‬بينما اعتقادنا ان الاسلام خالد لأنه من الله ومتكامل لأنه من الله وسرمدي‮ ‬لأنه من الله‮ "‬انا نحن نزّلنا الذكر وانا له لحافظون‮"‬18‮)‬‮). ‬واذا كان هذا الأمر هكذا،‮ ‬فلماذا الخوف اذن على الاسلام أو عدم الثقة بأنفسنا عند التعامل مع الآخرين بأسلوب فرض الأفكار وقسر الاعتقاد‮.‬
كما ان فكرة فرض الرسالة الالهية بدون اعطاء حرية الخيار تقود الى النفاق والارباك‮. ‬والقرآن‮ ‬يعطي‮ ‬بوضوح حرية الخيار للاعتقاد لكن‮ ‬يذكّر ان الانسان هو المسؤول عن أعماله‮ ‬يوم القيامة‮. ‬فلا تتم الواحدة من دون الأخرى‮. ‬هذه فلسفة القرآن والاسلام ببساطة ووضوح‮. ‬فالحرية في‮ ‬الاعتقاد هو اعطاء المساحة للآخر في‮ ‬العمل والحركة في‮ ‬هذه الدنيا‮.‬
والقرآن الكريم‮ ‬يكثر من استخدامه لكلمات‮ "‬أفلا تعقلون‮" ‬أو‮ "‬أفلا تتفكرون‮" ‬ليجعل الانسان متعقلاً‮ ‬ومنطقياً‮ ‬ومؤمناً‮ ‬عن قناعة‮. ‬والأكثر من ذلك تركيزه على المعرفة وحرية الفكر كانعكاس عملي‮ ‬لحرية المعتقد على الأرض‮. ‬لا‮ ‬يوجد شيء في‮ ‬القرآن الكريم‮ ‬يضع فيه تقيدات على حرية الفكر‮.‬
والمعرفة والعلم ليس فقط فيما‮ ‬يتعلق بالعلوم الدينية،‮ ‬كما‮ ‬يخبرنا ذلك بعض الفقهاء،‮ ‬وانما العلوم الأرضية والطبيعية التي‮ ‬تخص وضع الانسان على الأرض‮.‬
فحديث الرسول‮ (‬ص‮) ‬انعكاس لهذا الأمر‮: »‬اطلب العلم ولو كان في‮ ‬الصين‮«.‬
ولم‮ ‬يكن مسلمون في‮ ‬ذلك الوقت في‮ ‬الصين،‮ ‬كما وضحنا،‮ ‬حتى‮ ‬يتسنى للمسلمين الذهاب هناك للتعلم من علومهم،‮ ‬وانما الواضح من قول الرسول الأعظم هو التعلم من علوم الأقوام الأخرى‮ ‬غير المسلمة لافادة وتطبيع وتأقلم هذه العلوم مع الواقع الاسلامي‮.‬
والأهم من ذلك،‮ ‬كما ذكرنا،‮ ‬كثرة طرح القرآن،‮ ‬كتاب الله،‮ ‬طروحات‮ "‬أفلا تعقلون‮" ‬أو‮: "‬أفلا تتفكرون‮"‬،‮ ‬وتحديد الفكر أو حرية الفكر،‮ ‬كما‮ ‬يطلب منا العلماء،‮ ‬يصبح تناقضاً‮ ‬مع كلمات وروح القرآن‮.‬
فآيات القرآن الحكيم تعطي‮ ‬القيادة والمسؤولية للانسان،‮ ‬ومن هذه الآيات‮:‬
‮"‬قفوهم انهم مسؤولون"(19).
في‮ ‬آية‮‬ 30‮ ‬من سورة البقرة أعطى الله خلافته للانسان على الأرض‮. ‬أعطى للانسان حريته في‮ ‬استخدام حكمته ورأيه لترجمة الأمور وهذا‮ ‬يعني‮ ‬وجود مجال واسع للحركة والمناورة‮. ‬اعطاء الخلافة للانسان او القيادة تعني‮ ‬المسؤولية والمسؤولية تستلزم الحرية،‮ ‬كما ان اللامسؤولية صفة الانسان‮ ‬غير الحر‮. ‬وهذا ما توضحه سورة الصافات في‮ ‬ان الانسان مسؤول عن أعماله ويفعل جل ارادته وهو وحده‮ ‬يتحمل المسؤولية‮ ‬يوم القيامة‮.‬
وهذا‮ ‬يعني‮ ‬إن لم نعترف بخلافة الانسان فلا‮ ‬يوجد خيار واذا انعدم الخيار فكيف‮ ‬يكون الانسان مسؤولاً‮ ‬عن أفعاله وأعماله(20)؟
كما أتى القرآن باسلوب المنهج العلمي‮ ‬وهي‮ ‬المعرفة الاستقرائية القائمة على التجارب والملاحظات والاختبار‮.‬
‮"‬ان في‮ ‬خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار..."(21)
‮"‬وجعلنا من الماء كل شيء حي"(22)
‮"‬لا الشمس‮ ‬ينبغي‮ ‬لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في‮ ‬فلك‮ ‬يسبحون..."(23)
لذا فان حرية الفكر والاعتقاد هي‮ ‬من أساسيات الاسلام والقرآن‮. ‬وفكرة قتل المرتد الذي‮ ‬تطورت في‮ ‬فقه الماضي‮ ‬هي‮ ‬لأولئك الذين لا‮ ‬يعون قيمة العقل‮.‬
والعمل بمسألة قتل المرتد في‮ ‬أحكام اليوم تستحق فحصاً‮ ‬وتحرياً‮ ‬لتطوير فقه‮ ‬يوازي‮ ‬تحديات مجتمع القرن‮ 21. ‬فأمور اليوم تختلف عن متطلبات فترة قبل ألف سنة أو أكثر‮.‬
واذا نأخذ بتجارب الخلفاء،‮ ‬على سبيل لمثال لا الحصر،‮ ‬حروب الردة في‮ ‬فترة الخليفة أبو بكر‮ (‬رض‮) ‬كانت مرحلة حرجة متميزة‮ ‬يتطلب فيها التعامل بحزم وجد‮. ‬أولاً‮: ‬ان اولئك المرتدين أعلنوا الحرب على الاسلام‮. ‬ثانياً‮: ‬أعلنت الحرب بعد وفاة الرسول‮ (‬ص‮). ‬ثالثاً‮: ‬الاسلام كان في‮ ‬بداية دعوته ومثل هكذا ردة سياسية شاملة ستؤدي‮ ‬الى انقسام هائل في‮ ‬أتباع الدين‮. ‬وتوجد أمثلة عملية أخرى بررت،‮ ‬بشكل أو آخر،‮ ‬فكرة قتل المرتدين لكن كل هذا‮ ‬يتوجب فهمها من سياقها التاريخي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬والمرحلي‮. ‬فالاجتهاد كان لبشر أو تأويل لتفسير قديم‮ ‬يتوجب تجاوزه اليوم والاتيان بأفكار جديدة تلائم العصر‮.‬
‮»‬لا إكراه في‮ ‬الدين قد تبين الرشد من الغي‮«. ‬فالرشد هنا‮ ‬يعني‮ ‬اللاإكراه والغي‮ ‬يعني‮ ‬الإكراه‮. ‬وهذا‮ ‬يوضح بشكل لا‮ ‬غبار عليه عدم اكراه الفرد على الاعتقاد أو فرضه بالقوة‮.‬
وفي‮ ‬بحث قيم للمفكر الدكتور محمد شحرور حول الحرية والعدالة والردة في‮ ‬الاسلام‮ ‬يذكر ان الردة العقائدية ببساطة من ترك دينه واختار ديناً‮ ‬أو اعتقاداً‮ ‬آخر كأن‮ ‬يقول انسان مسلم‮: ‬أريد ان أصبح مسيحياً،‮ ‬أو بوذياً،‮ ‬أو أن‮ ‬يقول انسان مسيحي‮: ‬أريد أن أصبح مسلماً‮ ‬أو‮ ‬يهودياً‮. ‬وحكم هذا الانسان في‮ ‬الاسلام التاريخي‮ ‬القتل‮. ‬لماذا‮ ‬يقتلونه،‮ ‬ثمة من‮ ‬يقول هنا حديث نبوي‮: »‬من بدّل دينه فاقتلوه‮«‬‮(‬(24‮‬‮. ‬ونحن نقول اذا كان الله سبحانه‮ ‬يقول‮: »‬من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‮«‬‮(‬(25‮‬،‮ ‬ويقول‮ »‬لا إكراه في‮ ‬الدين‮«‬‮(‬(26‮‬،‮ ‬ويقول لنبيه‮ »‬انما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر‮«‬‮(‬(27‮‬،‮ ‬فكيف‮ ‬يستقيم أن‮ ‬يأمر النبي‮ ‬بقتل المرتد؟ مع العلم ان هناك من ارتد عن الايمان بالمفهوم العقائدي‮ ‬ولم‮ ‬يتصرف الرسول حيالهم بأية اجراءات‮.‬
وثمة من‮ ‬يقول‮ "‬أنت دخلت في‮ ‬الاسلام طوعاً‮ ‬ولم‮ ‬يجبرك أحد ولهذا لا تستطيع الخروج الآن‮. ‬ونحن نقول ان معظم المسلمين دخل في‮ ‬الاسلام في‮ ‬شكل آلي‮ ‬لا طوعاً‮ ‬ولا كرهاً،‮ ‬ولدوا من أبوين مسلمين فكانوا مسلمين ولو ولدوا في‮ ‬بلاد البوذية لكانوا بوذيين‮".‬
وعند تفحص آيات القرآن الحكيم عن عملية الردة نرى‭ ‬ان العذاب فيها هو ليس دنيوي‮ ‬وانما واضح من السطور انها عذاب في‮ ‬الآخرة‮:‬
ــ‮ »‬يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا‮ ‬يردّوكم على‭ ‬اعقابكم فتنقلبوا خاسرين‮«‬‮(‬28‮‬‮).‬
ــ‮ »‬ان الذين ارتدوا على‭ ‬ادبارهم من بعدما تبين لهم الهدى‭ ‬الشيطان سوّل لهم واملى لهم‮«‬‮(‬29‮‬‮).‬
وتوجد آيات اخرى‭ ‬لم تستخدم فعل‮ »‬ارتد‮« ‬ولكنها تضمنت المعنى‭ ‬مثل‮:‬
‮»‬من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدراً‮ ‬فعليهم‮ ‬غضب الله ولهم عذاب عظيم‮«‬‮(‬(30‮‬‮.‬
فالآيات صريحة‮ »‬في‮ ‬اشارتها الى‭ ‬الردة بعد الاسلام فلم تشر اقل اشارة الى‭ ‬عذاب في‮ ‬الدنيا او حد‮ ‬يوقع على‭ ‬المرتد كما‮ ‬يوقع على‭ ‬السارق او القاتل‮. ‬وانما كان العقاب المروع هو‮ ‬غضب الله‮. ‬وهذا ما‮ ‬يتسق مع سياسة وروح القرآن والنصوص الاخرى‭ ‬العديدة فيه التي‮ ‬بنيت ان الايمان والاعتقاد هو اقتناع الفرد وهدايته دون قسر او ضغط‮... ‬وحريته الى‭ ‬ابعد مدى‮ "‬فمن شاء‭ ‬فليؤمن ومن شاء‭ ‬فليكفر‮"‬‮(‬31‮‬‮).‬
ما نعيشه ردة اجتماعية ونحاول التشبه بواقعنا البشري،‮ ‬وبعيداً‮ ‬عن حضارية القرآن،‮ ‬في‮ ‬ايجاد حلول لتحديات تستمر في‮ ‬مواجهتنا اليوم فنعود للماضي‮ ‬لأجل الحصول على أجوبة جاهزة‮. ‬فقتل المرتد هو انعكاس لايمان ضعيف بالعقل واستخدام القوة هو لتلبية النزعة الحيوانية الموجودة في‮ ‬هواجس البشر وناتج كذلك عن التشبه بسلوكيات الأقوام الأخرى‮.‬
استطاعت فيتنام التحرر من امريكا في‮ ‬السبعينات بواسطة القوة والحرب وهي‮ ‬اليوم ضعيفة اقتصادياً‮ ‬ومعرفياً،‮ ‬في‮ ‬المقابل فان اليابان تحررت من أمريكا بقوة العقل والعلم ولم تلجأ الى القتل والحرب للتخلص من سيطرة امريكا عليها وتمثل في‮ ‬الوقت ذاته قوة اقتصادية ومعرفية‮. ‬والهند وان قدمت التضحيات فقد استطاعت بحكمة‮ ‬غاندي‮ ‬ومنطق اللاعنف للتحرر من الانكليز بخسائر قليلة مقارنة مع تجارب مماثلة كثورة المليون شهيد في‮ ‬الجزائر،‮ ‬واسرائيل تستمر في‮ ‬غطرستها على المنطقة باستخدام منطق القوة ويقابل ذلك بعمليات انتحارية من قبل بعض الفلسطينيين للقتل العشوائي‮ ‬من النساء والأطفال ﻮﻏﯿﺮﻫﺎ‮.
يستخدم البشر القوة،‮ ‬أو العنف المنظم،‮ ‬التي‮ ‬حاولت الأديان السماوية في‮ ‬تهذيب هذه الصفة الحيوانية،‮ ‬لتحقيق‮ ‬غاياتهم ومصالحهم‮. ‬وانعكست ثقافة القوة،‮ ‬بشكل أو آخر،‮ ‬على تعاملاتنا الفردية كذلك‮. ‬حيث نرى قتل المرتد،‮ ‬أي‮ ‬ارغامه بالقوة على شيء،‮ ‬بعد اعطاء القرآن الخيار له لاعتناق الفكرة ليصبح هو مسؤولاً‮ ‬وحده عن أعماله‮ ‬يوم القيامة،‮ ‬هو التعامل الأفضل للخارجين عن الاسلام‮!!‬
الخلاصة
يتطلب الارتقاء في‮ ‬عملية الاستيعاب والفهم للنص القرآني‮ ‬المقدس بما‮ ‬يتناغم مع ظروف الوقت ومتطلبات المجتمع المعاصر‮.‬
يزيد التغيير والتطوير في‮ ‬واقع الانسان من قدسية القرآن ووقع آثاره على الانسان والمجتمع المعاصر‮. ‬فيؤدي‮ ‬التغيير والتطوير الى ارتقاء المعرفة وتسامي‮ ‬الانسان داخلياً‮ ‬ونمو اللغة والدور الايجابي‮ ‬للمؤسسات الدينية في‮ ‬حياة المجتمع‮. ‬كما‮ ‬يمكن من تطوير ذات عملية الفهم،‮ ‬أي‮ ‬كيفية وما هية الفهم للنص القرآني‮ ‬المقدس‮. ‬وجعل الاجتهاد‮ ‬عملية فاعلة ومتطورة تمتد الى ميادين الحياة كافة وليست محصورة على أمور الدين فقط،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن استيعاب الديناميكية في‮ ‬السياق القرآني‮.‬
وقدمت الدراسة رؤية سريعة للقراءات المعاصرة في‮ ‬آيات الردة وحرية الاعتقاد كنموذج للقراءات الناقصة وأحياناً‮ ‬العنفية الموجودة بين ظهرانينا اليوم‮.‬

اجمالي القراءات 19483

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   جلال الدين     في   الجمعة ٢٣ - نوفمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[13724]

تفكرت فأصبت

جزاك الله خيرا علي هذه الافكار التي يها تتسع العقول و تستنير بها القلوب و صدق الله اذ يقول" إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ "
انا اتفق مع سيادتكم اننا لابد ان نحاول ان نفهم القرأن بعقليه اليو و بعلوم اليوم ذلك لان الله هو علام الغيوب و هو ايضا يخاطب العقل في القرأن و ان الله قد انزل قرأنه علي اسس علميه , انظر الي ايات العجاز العلمي للقرأن الكريم ( و اشدهم قوه هو عمليه الخلق الثاني في الارحام حيث قال الله عنه انه تصوير) اقرأ هذا اللنك http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=2340المهم ان الله يخاطب العقل وخلق كل شيء بعلمه و بحكمته اذا كي نفهمه لابد علينا ان نفهمه بالعلم.

انا اتفق مع سيادتكم في ان القرأن\الايات لها عده جوانب حيث نري ان هناك جوانب ماديه و أخري معنويه و ايضا ما هو متعلق بسبب نزول الخ الخ. أذا هناك تعدد في الابعاد التي يجب ان ندرسها بالعقل و بعلوم اليوم و بفكر اليوم.
و اضيف ان كل دراسه لابد ان يتلوها تصفيه اي مده زمنيه يقوم فيها الباحث بتصفيه الفكره التي وصصله و هداه الله لها. بعد هذه المده تأتي فتره التروي و هي ان يرويها الانسان علي اخوته المؤمنين(اهل الذكر طبعا) فانا اري ان هاتين المرحلتين واجبتين.

بهذه الطريقه نصل (اهل الذكر)الي التاويلات التي يهدينا الله لها بعد ان نختلف في الحق" كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ " هذه هي سنه الله التي لن نجد لها بديل و لن نجد لها تحويل.

أيضا ذكرت استاذي ان المسلمين امامهم مساحه جيده للحركه(مع بعض القيود) انا اري ان هذه القيود قد سنها الله في قرأنه و وضع لها حكم حيث قال" خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ " حيث ان القيود هذه عباره عن العرف

مثلا اذا اتي انسان بسؤال عن حكم معين لم يتعرض له القرأن مباشره فماذا نفعل اذا؟؟؟
اذا نلجا الي اهل القرأن و نسألهم,,,, و اري ايضا ان صفات اهل القرأن ان تكون هي ترجمه لمقالك هذا ,,,

و الاساس في الحكم الناتج في هذه القضيه هو في مضمون العرف( اي ما تعارف عليه المجتمع و قبله كعرف من الاعراف)
لفهم هذه النقطه يجب ان نتخيل ان هناك مجلس تشريعي يهتم بسن القوانين للمشاكل الحديثه التي تقع بين السكان مثلا, و ان هذا المجلس مكون من اهل القرأن مختارون من قبل المجتمع او هداهم الله ان يكونو جبهه يلجا اليها السائل(عمليه نسبيه تتوقف علي مدي تطور الايمان في مجتمع) ( و هذا في وقتنا الحالي مثالي جدا لكثيرا من القراء)

فهذا المجلس يبحث هذه القضيه و يمررها بمراحل سنن القانون و هو الشوري و التدبر و البحث العلمي و التصفيه و التروي و في النهايه ينتج جواب لهذه المشكله تعتبر قانون للحكم في هذه المشكله.
وتأتي هنا الحكمه المستمده من القرأن و هي ان لا يبعد الحل هنا عن ما تعارف عليه العرف في المجتع التي نشأت فيه القضيه.

ربما يقول قارئ اين هم اهل الذكر أو يقول ان هناك مجلس تشريعي في كل دوله هو مسؤل عن سن القانون؟؟؟

أقول لابئس انا اتكلم عن اهل القرأن الذين هم أجدر الناس بأن يشغرو هذا المجلس و ما سيأتون به من قانون محكوم بنص الايه ان لا يبعد عن عقل العرف و المتعارف عليه(اي ترتاح له قلوب الشعب و يطمأنون له و به و تهدأ بالهم و يشعرون بالطمئنينه به و راحه البال و الامان (عوده المؤمنين)( حيث صدق الشاعر حين قال ( أذا الايمان ضاع فلا أمان)



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-09-27
مقالات منشورة : 144
اجمالي القراءات : 2,209,877
تعليقات له : 1,291
تعليقات عليه : 915
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt