من منكم يعرف اسم رئيس سويسرا

سعد الدين ابراهيم Ýí 2007-10-04



قضيت الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر في جولة بين المدن السويسرية الرئيسية كضيف لمنظمة العفو الدولية، للحديث عن حقوق الإنسان في مصر، بمناسبة صدور تقرير خاص للمنظمة العتيدة عن حالة حقوق الإنسان في مصرنا "المحروسة" بيد الله جل جلاله، و"المنكوبة" على يد حكامها، عليهم لعنته، في ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر. وطوال الأسبوع كنت أسأل السويسريين عن اسم رئيسهم ولا أتلقى إجابة!


صاحبتني في نفس الجولة صحفية شابة من جريدة "الدستور"، هي نهى عاطف، صاحبة أحد المواقع الشهيرة على الشبكة الدولية عن "التعذيب في مصر". وقد حملت معها أفلاماً توثيقية عن التعذيب في أقسام الشرطة، و "ثلاجات" و "مسالخ" جهاز امن الدولة. وكانت كل صورة، وكل استغاثة يراها مئات السويسريون، أوقع من ألف كلمة مقروءة. وبين تقرير منظمة العفو الدولية وأفلام نهى عاطف، وما تيسر لي من تحليل للمشهد المصري، ذهل الرأي العام السويسري بالحضيض الذي تردت له حقوق الإنسان، وقبح وبشاعة ممارسات أجهزة الأمن مع أبناء مصر ـ رجالاً ونساء ـ، وبلا رادع من قانون، أو وخز من ضمير، أو خوف من حساب في الدنيا أو الآخرة.
حتى منّا، الذين قرأوا عن التعذيب، أو عاشوا بعض ممارساته في الماضي البعيد أو القريب، كانت أبداننا تقشعر مجدداً مع مشاهد الضرب المبرح، والانتهاك الصارخ لأعرض النساء، بتمزيق ملابسهن، وكشف عوراتهن، والتهديد باغتصابهن أمام أزواجهن أو أخوتهن أو أبنائهن، بواسطة عملاء ملثمين، أغلب الظن أنهم من المخبرين، أو حتى البلطجية، الذين كثر استعانة الأجهزة الأمنية بهم في السنوات الثلاث الأخيرة (2004-2007)، للقيام بالأدوار القذرة، بأوامر من ضباط الأمن وتحت إشرافهم. أكثر من ذلك، رأينا مشاهد بالصوت والصورة لرجال أمن يصورون ويسجلون وقائع التعذيب وانتهاك أعراض النساء، والتهديد بتوزيع نسخ من تلك الصور على جيرانهم في الأحياء التي يسكنون فيها، إمعاناً في التعذيب النفسي، بعد التعذيب الجسدي. وسمعنا أحد الأمهات تستغيث، متوسلة أن يضربوها ما وسعهم ولكن دون أن يجردونها من ملابسها أو يكشفون عوراتها... ولكن توسلاتها ذهبت أدراج الرياح. فضابط أمن الدولة المسئول يريد استسلام ذويها الهاربين أو اعترافات أقاربها الرافضين.
كان الذين يحضرون ويستمعون من السويسريين، لا يكادون يصدقون. وكانت هناك قلة من العرب والمصريين الذين يدرسون أو يعملون في سويسرا، ويحمل بعضهم جنسيتها. وشارك بعضهم بتأكيد ما جاء في الأفلام التوثيقية، أو أضافوا لها من خبراتهم المباشرة. وكان ضمن تعليقات أو أسئلة المستمعين، أنهم كانوا يسمعون عن تلك الممارسات البشعة في بلدان إفريقية أو عربية أخرى، ولكنهم لم يتوقعونها أبداً من بلد ذو حضارة عريقة مثل مصر! فكنا نرد عليهم، "ولا نحن المصريون كنا نظن أن حكامنا يمكن أن يفعلوا بنا ما يفعلونه الآن. لقد مرت على مصر عصوراً من القهر والظلم والاستغلال، في تاريخها الطويل. ولكن لم يسبق أن خبرت مصر مثل ما تشهده في السنوات الأخيرة من أنواع المهانة والإذلال والتعذيب. والتي وصلت ذروتها بالاغتصاب العلني للرجال في أقسام الشرطة، بل وقيام الضباط بتسجيلها، في ظاهرة مرضية من المتعة في الإيذاء الجنسي والجسدي، أو ما يسميه علماء النفس "بالماسوسيكية" (Machoism)".
هذا حالنا، كما عرضناه، بالكلمة، والصورة والصوت، والوثائق الدولية. وتزامن ذلك كله مع الأنباء التي تناقلتها الفضائيات الدولية والعربية عن الملاحقات السياسية والقضائية لسبعة من رؤساء تحرير الصحف المستقلة والمعارضة، والتي صدر بشأنها أحكام بالسجن لمدة "سنة مع الشغل"، فضلاً عن محاكمة إضافية (خصوصي) لأكثر هؤلاء السبعة شراسة في نقد النظام المصري الحاكم، وهو إبراهيم عيسى، رئيس تحرير الدستور. وذلك عن تهمة رئيسية هي "إشاعة"، مرض رئيس الجمهورية، وهي سابقة لا تغتفر، حيث أنه لم يُعرف أن الرئيس حسني مبارك يمرض. ولم نسمع أبداً انه مرض طوال شغله لمنصبي نائب رئيس الجمهورية (1975-1981) ورئاسة الجمهورية (1981-2007). وطبيعي أن تثور شكوك جادة، حول نشر خبر هذه الإشاعة. فإذا كان الرجل لم يشاع أو يُعرف أنه مرض طيلة 32 سنة ـ أي منذ أصبح شخصية عامة، فلماذا تجرؤ صحيفة مثل الدستور على نشر خبر الإشاعة؟ ألا يعني نشر مثل هذا الخبر، أن الرئيس إنسان، يمكن أن توافيه المنيّة؟ وألا يعني ذلك إن حدث، لا قدر الله، أن تختل موازين الأرض والسماء، ويكون ذلك من "علامات الساعة" (أي اقتراب يوم القيامة)؟ وقد أوردت الفضائيات أثناء رحلتنا السويسرية، عن مصادر رسمية أن نشر صحيفة الدستور لهذه الإشاعة (عن مرض الرئيس) أدى إلى خسائر فادحة في سوق الأوراق المالية، وعزوف استثمارات أجنبية مباشرة، كانت في طريقها إلى مصر. كذلك تزامن كل ما سبق مع أخبار عن إضرابات عمالية، وخاصة في كبرى مصانع الغزل والنسيج في المحلة الكبرى، وعن اعتصامات لبدو سيناء، لتراكم مظالم تاريخية، ظلت بلا حل رغم كثرة الشكوى. وباختصار تحول ملف حقوق الإنسان، الذي دعتنا منظمة العفو الدولية للحديث عنه، إلى ملف مركب عن أحوال مصر برمتها.
وظل أحد شواغلي الفرعية أو الترفية منذ اليوم الأول، أن أعرف اسم رئيس جمهورية سويسرا، أو أعثر على صورة له في أحد الصحف، التي كانت تواظب على نشر أحاديثنا، نحن الضيوف. وفقط في اليوم الأخير، أخبرتني أحد العاملات في الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية، وهي السيدة ناني موراس، والمتزوجة من مصري ـ إيطالي (هو ياسر ياسين) أن رئيسهم ليس رئيساً للجمهورية، "ولكنه رئيس للاتحاد السويسري"، وهو يتغير سنوياً، وبالتداول بين مجلس فيدرالي من سبعة أعضاء، يمثلون أقاليم أو ولايات أو كانتونات سويسرا. ثم أضافت السيدة ناني موراس أن هذا معناه أن 26 رئيساً للاتحاد السويسري، قد تزامنوا مع رئيسكم الوحيد في مصر خلال الست وعشرين عاماً الماضية. لذلك لا بد أن تلتمس العذر لأبناء شعبنا (السويسريين) إن هم لم يحفظوا أسماء رؤساء الدولة.. وليس عند معظمنا وقت أو اهتمام بمن هو الرئيس، فسويسرا تعمل مثل "الساعة" التي يجيد السويسريون صُنعها، بصرف النظر عمن هو الرئيس. أما أنتم فلأن لديكم نفس الرئيس. لربع قرن أو يزيد، فقد حفظتهم اسمه، وأصبح مرضه أو حتى إشاعة عن مرضه تتسبّب عندكم في اللغط والفوضى والإثارة ... أليس كذلك؟"
شعرت بشيء من الخجل والحرج، وقلت لها، نعم، صدقت يا أختاه!" ثم حاولت التستر على خيبتنا، فقلت لها "وبمناسبة هذه الدقة والانتظام في إدارة الشأن العام السويسري، مثل "الساعة"، ألا يصيبكم ذلك بالملل؟" قالت ناني، نعم يُصاب بعضنا بالملل فيتحولون في بلدان أخرى فيها قدر من الفوضى أو الثقافة المختلفة، أو للسياحة أو التطوع لتأدية أعمال إنسانية تطوعية. وفي هذا الصدد قد يُقتل منهم من يُقتل، كما حدث في الأقصر لأربعين ضمن الستين سائحاً الذين قتلوا في عمل إرهابي بالأقصر في مصر، عام نوفمبر 1997... وربما أيضاً بسبب الملل كنت أتردد أنا شخصياً على سيناء سنوياً للسياحة والاستشفاء... وتزوجت مصرياً صعيدياً!"
وفي نهاية هذا الحديث، وفي الطريق إلى المطار، أخبرتني ناني موراس باسم رئيستها هذا العام، وهي السيدة "ميشلان كابمي- ري". فإذا لم يكن الرئيس مبارك أو قارئ هذا المقال قد سمع بهذا الاسم من قبل، فلا تثريب عليه، حيث أن معظم السويسريين لم يسمعوا بها، ولا يتعرفون على شكلها أو صورتها، فوسائل الإعلام السويسرية نادراً ما تذكر اسم الرئيسة أو تنشر صورتها! وليس كما هو الأمر عندنا، حيث أن صورة الرئيس وأفراد أسرته، وأفراد حاشيته تعتبر مقررات يومية في الصفحات الأولى من جرائدنا اليومية. فهل نحسدهم على ذلك أم نشعر نحوهم بالإشفاق؟

اجمالي القراءات 5039

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   محمد حسين     في   الجمعة ٠٥ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11680]

تحية للدكتور سعد الدين ابراهيم

لا اعرف من اين ابدأ حتى اعلق على تلك الكلمات التى تبعثر الاحلام وتخلطها بالاحزان وانا اتشمم رائحة الحرية فى دولة واكاد اصل بمحياى هناك حتى تصفعنى حقيقة الواقع المؤلم الذى تعيشه بلدى ....
المقارنة قاسية جدا ، ومداها طويل وطريقها اطول وعسير ، عسير لاننا هنا فى بلادنا نتجرع كأس الذنب تجاه تلك الارض الطيبة ... هناك فى بستان الحرية يوجد شعب يعى ويعرف حقوقه ، يعلم انه والارض مسئولية تجاه من يحملها ، ومن يحملها هو الشعب نفسه ، فالشعب اصبح نفسيا يعى تماما انه مسئول ، يحكم نفسه ويعرف كيف يخرج شجرة حقوقه من بيداء مقفرة ... اما عندنا فنحن فى شعب لا يعى حقه حتى فى المأكل والمشرب ، لا علاقة بين الشعب ووطنه غير مكان يأوى اليه كى ينام ولقمة العيش ، اذا ذهبت لقمة العيش الى بلد اخرى ترك الارض وذهب الى لقمة العيش دون ان يكافح من اجل ان يرد الي نفسه حق لقمة العيش ، فيذهب لاعنا ارضه دون ان يناضل من اجلها ومن اجله ، وحتى المنصب عندنا يعتقد كل من يتولاه انه حق له وليس امتيازا ، فلا يصح لا للشعب ان يتصوره خارج المنصب ولا للشخص نفسه يوجد فى قاموسه مبدأ انه ات ثم ذاهب ...
هناك نظام يخدم فيه الافراد ويتحكم فى الافراد ويحاسب النظام الفرد الذى يخدم فيه عندما يخطئ ، ولكن عندنا الفرد يتحكم النظام بل ويبنى عليه وتفصل عليه القوانين والانظمة ، وعندما يخطئ يحاسب النظام ويلويه حتى يتماشى مع خطئه .... ينهار الفرد هنا فينهار نظاما ، اما هناك فاذا انهار الفرد يبقى النظام حتى يأتيه اخر ....
واخريات من المقارنات تقف فى الخط تنتظر دورها حتى يجف حلق شهرزاد من الحكى حتى لو كانت مليون ليلة وليلة ، فالمقارنة عاصفة ومؤلمة ....
اتمنى لو اننى اعيش حتى ارى بلدى تعيش الحرية وتتنسمها ، اتمنى ... !!
رمضان كريم يا سيدى الفاضل

2   تعليق بواسطة   عابد اسير     في   السبت ٠٦ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11684]

العالم صنع الصاروخ والحاسب والقنبلة النووية وفى مصر.......



تتبارى دول العالم فى التقدم العلمى وكل منها تفخر وتباهى بما أنجزتة من انجازات علمية

ونحن بعد أن تخلصنا من المستعمر الاجنبى واستبدادة . كان لنا السبق فى اختراع مستعمر صناعة محلية وقد أتقنا هذا الاختراع لدرجة أنة جاء أكثر استبدادا وبطشا وقهرا للشعب المصرى من المستعمر الاجنبى

وسلامى للرئيس السويسرى
وتخياتى للدكتور /سعد
--------------------------

3   تعليق بواسطة   عابد اسير     في   السبت ٠٦ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11685]

العالم صنع الصاروخ والحاسب والقنبلة النووية وفى مصر.......



تتبارى دول العالم فى التقدم العلمى وكل منها تفخر وتباهى بما أنجزتة من انجازات علمية

ونحن بعد أن تخلصنا من المستعمر الاجنبى واستبدادة . كان لنا السبق فى اختراع مستعمر صناعة محلية وقد أتقنا هذا الاختراع لدرجة أنة جاء أكثر استبدادا وبطشا وقهرا للشعب المصرى من المستعمر الاجنبى

وسلامى للرئيس السويسرى
وتخياتى للدكتور /سعد
--------------------------

4   تعليق بواسطة   أسامه البيومي     في   الثلاثاء ٠٩ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11853]

ياترى إيه الحل؟؟

بمناسبة ذكر سويسرا والملل السويسري ذكر لي أحد الأصدقاء الذي أقام في سويسرا فترة من الزمن أن السويسريين من كثرة شعورهم بالملل في حياتهم يعملون جاهدين على كسر هذا الملل بشتى الوسائل..فتراهم يقومون بالمظاهرات ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها لإن رجال الإطفاء تأخروا مثلا في إنقاذ قطة كانت محبوسة في شقة مغلقة...أو أن مبيعات الساعات لم تحقق الدخل المطلوب ....منتهى الرفاهية..الناس في مصر أيضا يشعرون بالملل ولكن الفارق كبير, فالملل في مصر ناتج من اليأس في أن يسمع أحد لمشاكل الناس وهمومهم وأوجاعهم,وحتى لو سمعوها فلن يحلوها..وهذ الشعور المزمن باليأس ولد الامبالاه..والامبالاه هذه في صالح أصحاب القوى و النفوذ والمنافع في مصر..فلا رقابة شعبية..ولا رأي عام قوي يحاسب..يعني لا وزن ولا قيمة للشعب..جهاز الشرطة في العالم كله يعمل في خدمة الشعب بينما في مصر أصبح يحركه أصحاب النفوذ والمنافع لمصالحهم الخاصة..فأصبح هناك كمبيوتر الداخلية الشهير الذي يضمن نسبة نجاح للحزب الحاكم في الإنتخابات لاتقل عن 99.99999% من أصوات المنتخبين والمنتخبات الأحياء منهم والأموات,وأصبح هذا الجهاز يملؤه الفساد..فالرشوة والمحسوبية والمعارف والمجاملات بين الكبار أصبحت السمة الرئيسية لفساد هذا الجهاز الخطير.وأصبح أصحاب السلطة و النفوذ والمصالح في واد والشعب المطحون الغلبان في واد آخر...مشاكل الناس تزداد...تتضخم...تستفحل...تزمن...أصحاب السلطة في واد آخر يبددون أموال الشعب في الدواعي الأمنية وملئ السجون بالمظلومين من أصحاب الرأي الحر والمثقفين المعارضين وأقارب المشتبه بهم الذين لاناقة لهم ولا بعير فيما إقترفه البعض من التقصير..نفسي أسمع رأي علماء الإجتماع مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم في هذا الأمر وما هو الحل..تتردد في أوساط الناس كلمة سعد زغلول الشهيرة"مفيش فايده"ياترى هل فعلا مفيش فايده؟؟؟؟!!

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 217
اجمالي القراءات : 2,325,503
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt