من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه.

يوسف ترناصت Ýí 2020-05-27


    لا يختلف إثنان في ان الشفاعة بين البشر لا تقبل عند الله يوم القيامة، مهما بلغت درجة التقوى لدى الشفيع، ومهما عظمت وجلت مقربته عند الله سبحانه، فكل نفس ستكون منهمكة حول نفسها، وتجادل عن نفسها، وتوفى كل نفس ما عملت بدون ظلم وبدون تحيز لفئة على حساب الأخرى، أو لفائدة مسلم على حساب كتابي، أو كتابي على حساب مسلم، يقول سبحانه : {..يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِل عَن نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَت وَهُم لاَ يُظْلَمُونَ(النحل 111)}، وقوله سبحانه : {..وَنَضَع المَوَازِينَ القِسْطِ لِيَوْمِ القِيّامَةِ فَلاَ تُظْلَم نَفْسٌ شَيْءًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ(الأنبياء 47)}.

  والشفيع غدا يوم القيامة، ليس بشرا وإنما سيكون ملكا، فكل نفس غدا يوم القيامة ستأتي عند الله بمفردها، ولا تستطيع أن تتكلم، والملائكة بدورها لا تستطيع أن تخاطب رب العزة، إلا بعد الإذن، لذلك فكل نفس مؤمنة سيشفع فيها ملكا عند الله، بعد أن يأذن بذلك، فالشفيع هنا هو ملكا، والمشفوع فيه هي النفس المؤمنة التي حملت كتاب أعمالها بيمينها(الإحالة رقم 1)، المشفوع عنده هو رب العزة سبحانه، أما المشفوع به هو العمل الصالح، لذلك فالشفاعة المقصود بها هنا هي الملازمة، فالنفس المؤمنة وكل نفس أخرى ستأتي يوم القيامة بمفردها كما ستصادر حريتها(الإحالة رقم 2) التي كانت تتمتع بها في الحياة الدنيا، ولا تستطيع أن تخاطب رب العزة وتدافع عن موقفها فيأتي الشفيع بعد أن يأذن له الله بتقديم كتاب أعمال المؤمن الى الله وثم حسابه (وسيكون الحساب يسيرا اذا كان المؤمن قد حمل كتابه بيمينه).  

 سيتساؤل البعض لماذا سيكون الشفيع ملكا وليس بشرا ؟

 لأن الله سبحانه قد نفى شفاعة النفس البشرية(الإحالة رقم 3)، وأكد على ان الشفاعة تكون للملائكة الكرام بعد إذن الرحمان، بكل بساطة، لنقرأ قوله تعالى في ما جاء في الآية 255 من سورة البقرة (آية الكرسي) : {..مَن ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْدَه، إِلاَّ بِإِذْنِه، يَعْلَم مَا بَيْنَ أَيْدِيهِم وَمَا خَلْفَهُم وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ، وَسِعَ كُرْسِيَّهُ السّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ يَءُودُه حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ.}.

  سنفكك الآية ونوضح معنى كل جملة الملونة بألوان مختلفة، لتقريب الصورة الى القارئ العزيز :

1 - مَن ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْدَه :

  لو عدنا الى الآية السابقة لآية الكرسي نجدها تقول : {..يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَـةٌ..(البقرة 254)}، فالله سبحانه ينفي من خلال الآية الكريمة مبدأ الشفاعة البشرية التي تمارس في الدنيا والتي من خلالها يطمع البشر ويحول يوم القيامة سوقا للشفاعات والوسطات، لذلك لا يمكن حمل سياق الآية 255 على ذلك.

  لذلك فسياق الآية الكريمة يمكن حمله على أن هناك مخلوقات تشفع عند الله بعد إذنه سبحانه، وهذ المخلوقات ليست من الجِنَّة ولسيت من الناس، وبما أن القرءان لحمة واحدة ويفسر بعضه بعضا، فالله سبحانه يقول في سورة الأعراف الآية 206 : {..إِنَّ الّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَه وَلَه يَسْجُدُونَ}، فهذه آخر آية في سورة الأعراف، وليس قبلها من الآيات ما يفسر قوله "إِنَّ الّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ"، كما يقول سبحانه : {..فَإِن اِسْتَكْبَروا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَه بِالّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُم لاَ يَسْءَمُونَ(فصلت 38)}، وهذه الآية بدورها ليس قبلها ولا بعدها ما يفسر قوله "فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ"، وان كانت اشارة خفيفة في الآية 30 من نفس السورة، ولكن لا يمكن الجزم بأنها تفسر وتوضح الآية 38 من نفس السورة، كما يقول سبحانه : {..وَلَه مَن فِي السّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَن عِنْدَه لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَتِه وَلاَ يَسْتَحسِرُونَ، يُسَبِّحُون الّيلَ وَالنّهَارَ لاَ يَفْتَرُونَ(الأنبياء 19 و20)}، وهذه الآيات نفس الشيء.

  فمن هم لا ترى الذين عند الله، وهل توجد مخلوقات تستطيع تسبيح وتمجيد الله والسجود له ليلا نهارا بدون ملل ولا فتور، بلى توجد، يقول سبحانه : {..لَن يَسْتَنْكِف المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لله وَلاَ المَلاَئِكَةُ المُقَرُّبُونَ (النساء 172)}، فهؤلاء الملائكة المقربون هم الذين عند الله "في الملأ الأعلى"، وليس ملائكة السماوات ولا ملائكة الأرض ولا المخلوقات الأخرى، لتوضيح ذلك يقول سبحانه : {..وَلَه مَن فِي السّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَن عِنْدَه لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَتِه وَلاَ يَسْتَحسِرُونَ، يُسَبِّحُون الّيلَ وَالنّهَارَ لاَ يَفْتَرُونَ(الأنبياء 19 و20)}، فالله سبحانه قال هنا في الآية الكريمة ((وله مـن في السموات والأرض ولم يقول وله مـا في السموات والأرض))، ف(من) هي حصرا للعاقل في البلاغة القرءانية أما (ما)، فهي تشمل العاقل والغير العاقل، كقوله : {..لله مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ(المائدة 120)}، (فما) هنا تشمل كل المخلوقات بدون استثناء.

  نستنتج من خلال هذه القرءاة السريعة أن "الذين عند الله" هم الملائكة المقربون، وليس بمعنى مقربون عنده بالعبادة وإنما مقربون اليه لتواجدهم في الملأ الأعلى، لأن كل الملائكة فهي عباد الله ولا تعصى أمره أبدا يقول سبحانه : {..وَلله يَسْجُد مَا فِي السّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالمَلاَئِكَةُ وَهُم لاَ يَسْتَكْبِرُونَ، يَخَافُونَ رَبَّهُم مِن فَوْقِهِم وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(النحل 49 و50)}.

  وهناك تدرج في الوظائف لدى الملائكة الكرام، وان الله سبحانه فهو المدبر لأمر السموات والأرض، في حين أن الملائكة تنفذ هذه الأوامر، فهناك الملائكة العظام الذين يحملون عرش الرحمان (أي يدبرونه)، وعددهم ثمانية، وكل ملك موكل بأمر معين، فهناك ملك الموت، وهناك ملائكة قبض الأرواح الذين ينفذون أوامر هذا الملك، وهناك ملك الوحي وهو جبريل، وينفذ أوامره ملائكة كذلك...وهكذا، وهؤلاء الملائكة العظام ستتحول وظائفهم الى وظائف أخرى يوم القيامة، (وظائف تدمير الكون، والبعث والحشر والعرض والحساب والجزاء).

 وحتى لا يتيه القارئ الكريم، نعطي بعض الأمثلة :

 - فعن موضوع الوفاة، فالله سبحانه وتعالى يقول : {..الله يَتَوَفّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا(الزمر 42)}، فهو صاحب الأمر الأول والأخير، وقد كلف سبحانه بهذا الأمر ملك الموت، لقوله سبحانه : {..قُل يَتَوَفَّاكُم مَلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُم ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم تُرْجَعُونَ(السجدة 11)}،  وملك الموت الكبير يسخر الملائكة الصغار، يقول سبحانه : {..وَهُوَ القَاهِر فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِل عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُم المَوْتَ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُم لاَ يُفَرِّطُونَ (الأنعام 61)}.

 - وعن موضوع الوحي يقول سبحانه : {..وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَه الله إِلاَّ وَحْيًا أَو مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَو يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِّيٌّ حَكِيمٌ(الشورى 51)}، وجبريل الروح الأمين هو المكلف والموكل بالوحي الإلهي، لقوله سبحانه : {..قُل مَن كَانَ عَدُوَّا لِجِبْرِيلَ فِإِنَّهُ نَزَّلَه عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله ..(البقرة 97)}، وجبريل عليه السلام يسخر كذلك الملائكة الصغار، يقول سبحانه : {..الحَمْدُ لله فَاطِر السّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلاَئِكَةَ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَعَ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير(فاطر 1)}، والخصوصية التي تميز بها النبي محمد عليه السلام أنه رأى جبريل عليه السلام في الأفق الأعلى فتلقى منه الوحي مباشرة، وهو الذي أيد به الله سبحانه عيسى (لقوله سبحانه : "إذ أيدتك بروح القدس")، أما بعض الرسل فقد يأتيه الوحي مباشرة من الله كموسى الذي كلمه الله من وراء الحجاب (من وراء نار).

 - ملك العذاب، يقول سبحانه : {..وَإِن مِن قَرْيَةٍ إِلّا نَحنُ مُهلِكوها قَبلَ يَومِ القِيَامَةِ أَو مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُورًا(الإسراء 58)}، فأي قرية ظالمة، يهلكها الله سبحانه بعدما يرسل اليها الرسول، والله سبحانه هو صاحب هذا الأمر(لأنه في الكتاب مسطورا)، وهناك الملك الكبير الموكل بذلك (ربما ميكائيل والله أعلم)، وينفذ ذلك الملائكة، فمثلا قوم لوط يقول سبحانه : {..وَلَمَّا جَاءَت رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلَ هَذِهِ القَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَّنَه وَأَهْلَهُ إِلاَّ اِمْرَأَتَه كَانَت مِنَ الغَابِرِينَ(العنكبوت 31 و32)}.

  ونعود حيث بدأنا، فالذين عند الله هم الملائكة العظام المتواجدون في الملأ الأعلى، وهم الذين يحملون العرش (بمعنى يدبرونه)، يقول سبحانه : {..الّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَن حَوْلَه يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِر لِلَّذِينَ تَابُوا وَاِتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِم عَذَابَ الجَحِيمَ(غافر 7)}.

  وهؤلاء الملائكة الذين يدبرون عرش الدنيا، هم أنفسهم سيتحولون الى مدبري العرش الآخرة يوم القيامة، لنقرأ قوله تعالى : {..فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةً وَاحِدَةً، وَحُمِّلَتِ الأَرْضُ وَالجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ، وَاِنْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَّةٌ، وَالمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُم يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ(الحاقة 13 الى 17)}.

  عزيزي القارئ ربما بدأت معالم الصورة تتضح لك، ولا أشك في ذلك، فالريح تهب بما تشتهيه السفينة وتجري في مجاريها، لنبحر ونتعمق في بحر كلمات الله أكثر، يقول سبحانه : {..وَكَم مِن مَلَكٍ فِي السّمَوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُم شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى(النجم 26)}.

  2 - إِلاَّ بِإِذْنِه :

  يقول سبحانه : {..قل لله الشفاعة جميعا(الزمر 44)}، فالملائكة لا تشفع بدون إذن الله، إلا بعد أن يأذن لها، لأن الملائكة بدورها لا تتكلم يوم القيامة، ولا تسبقه سبحانه بالقول إلا بعد أن يأذن لها، يقول سبحانه : {.. رَبُّ السَّمَوَاتِ وَاَلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَانِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا، يَومَ يَقُوم الرُّوحُ وَالمَلاَئِكَة صَفَّا لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَن أَذِنَ لَه الرَّحْمَان وَقَالَ صَوَابًا (النبأ 37 و38)}، فشفاعة الملائكة هنا أعزائي القراء كما تؤكده الآية الكريمة يتطلب شرطين، وهما : إذن الرحمان أولا والشهادة بالحق ثانيا (قول الصواب).

  لماذا إذن الرحمان، لأنه هو صاحب الأمر الأول والأخير وصاحب قول الفصل، يقول سبحانه ردا عن الذين كانوا يعبدون الملائكة في عهد النبي محمد عليه السلام : {..قُل اِدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُم فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَه مِنْهُم مِن ظَهِيرٍ، وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَة عِنْدَه إِلاَّ لِمَن أَذِنَ لَه حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِم قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُم قَالُو الحَقُّ وَهُو العَلِيُّ الكَبِيرُ(سبأ 22 و23)}.

  ولماذا الشهادة بالحق لأن الملائكة لا يمكن أن تشهد بالباطل، يقول سبحانه ردا عن أولئك الذين كانوا يعبدون الملائكة ويتقربون بهم الى الله : {..وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَة إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُم يَعْلَمُونَ، وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَن خَلَقَهُم لَيَقُولُنَّ الله فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ(الزخرف 86 و87)}.

   3 - يَعْلَم مَا بَيْنَ أَيْدِيهِم وَمَا خَلْفَهُم وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ :

  قلنا أن الشفاعة لله جميعا وأن الله يفوض ذلك لملائكته الكرام بعد أن يأذن لهم، وهذا المقطع من الآية يقصد به الملائكة الكرام، فالله له العلم المطلق أما الملائكة فلها علم محدود، وفي نفس المعنى يقول سبحانه في سورة طه الآية 108 الى 112 : {..يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ اَلْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا، يَوْمَئِذٍ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، وَعَنَتِ اَلْوُجُوه لِلْحَيِّ اَلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا، وَمَنْ يَعْمَل مِنَ الصَّالِحَاتَ وَهُو مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا}، كما تفسرها الآية 26 و27 و28 من سورة الأنبياء في قوله تعالى : {..وَقَالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لاَ يَسْبِقُونَهُ بِاَلْقَوْلِ وَهُم بَأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ اِرْتَضَى وَهُمْ مِنْ خِشْيِتِهِ مُشْفِقُونَ}.

    ونختم بقوله تعالى في سورة غافر : ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو اَلْعَرْشِ يُلْقَى الرُّوحُ مِنَ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمِ التَّلاَقِ (15) يَوْمُ هُمْ بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى الله مِنْهُم شَيْءٌ لِمَنْ اَلْمُلْكُ اَلْيَوْمَ لله اَلْوَاحِدُ اَلْقَهَّارُ (16) اَلْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ اَلْيَوْمَ إِنَّ الله سَرِيعُ اَلْحِسَابُ (17)﴾..ويخاطب سبحانه النبي بقوله...﴿وَأَنْذِرْهُم يَوْمَ اَلْءَازِفَةِ إِذْ اَلقُلُوبَ لَدَى اَلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لَلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ اَلْأَعْيُنِ وَمَا تَخِفِي الصُّدُورَ (19) وَالله يَقْضِي بِاَلْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يُقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ الله هُوَ السَّمِيعُ اَلْبَصِيرُ(20)﴾.

_________________________________________________________________

 1 - يقول سبحانه : {..فَأَمَّا مَن أُوتِي كِتَابَه بِيَمِينِه، فَسَوْفَ يُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا، وَيَنْقَلِب إِلَى أَهْلِه مَسْرُورًا(الإنشقاق 7 و8 و9)}.

 2  - يقول سبحانه : {..وَجَاءَت كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سَائِقٌ وَشَهِيدٌ(ق 21)}.

 

3  -  يقول سبحانه لبني إسرائيل : {..وَاِتَقَوْا يَوْمَا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلْ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذْ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ(البقرة 48)}، وقوله سبحانه : {..وَاِتَّقَوْا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلْ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُم يُنْصَرُونَ(البقرة 123)}.

 - كما يقول سبحانه وهو يخاطب المؤمنين : {..يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِنْ قَبْلُ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ..(البقرة 254)}.

  - ويقول سبحانه عن المتقين مخاطبا رسوله الكريم : {..وَأَنْذِر بِهِ اَلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا اِلَى رَبِّهِم لَيْسَ لَهُم مِنْ دُونِهِ وَلِيِّ وَلاَ شَفِيعٍ لَعَلَّهُم يَتَقُونَ(الأنعام 51)}، وقوله سبحانه : {..وَذَرِ اَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُم اَلْحَيَاُة الدُّنْيَا وَذَكِّر بِه أَنْ تُبْلَسَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا  مِنْ دُونِ الله وَلِيِّ وَلاَ شَفِيعٍ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ اَلَّذِينَ أُبْلِسُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُم شَرَابٌ مِنْ حَمِيمِ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (الأنعام 70)}.

 - أما الذين يتخذون من دون الله شفعاء ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله فيوم القيامة يتقطع بهم ويبدون لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، يقول تعالى : {..وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُم وَلاَ يَنْفَعَهُم وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله قُلْ أَتُنَبِئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي اَلْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(يونس 18)}، ويقول سبحانه فيهم عند العرض امامه : {..َولَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَا خَوَّلْنَاكُم وَرَاءَ ظُهُورِكُم وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ اَلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُم فِيكُم شُرَكَاءَ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُم وَضَلَّ عَنْكُم مَا كُنْتُم تَزْعُمُونَ(الأنعام 94)}.

 

  صـدق الله العظيـم على آيات القرءان الكريم.

 

 

  ذ.يوسـف ترناصـت.

 

  باحـث فـي الثـراث الإسـلامي.

اجمالي القراءات 3383

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   عبدالله أمين     في   الجمعة ٢٩ - مايو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[92454]

بارك الله بك اخي الاستاذ يوسف


السلام عليكم اخي الاستاذ يوسف وبارك الله فيك وفي علمك القرآني  وجزاك الله خيرا 



تدبر رائع للآيات التي تنفي شفاعة البشر وتثبت ان الشفاعة بعد اذن الله جل وعلا لن تكون الا للملائكة التي تشهد بالحق وتقول الصواب وغالبا هم الموكلون بتسجيل اعمال الانسان .



كنت آمل ان تركز المقال في موضوع الشفاعة بالتدبر القرآني وذلك بإيراد الايات التي تنفي شفاعة البشر وتثبت شفاعة الملائكة التي تشهد بالحق وتقول الصواب أي الملازمة للشخص المشفوع له بعد أذن الله جل وعلا ( وقد بينت ذلك جزاك الله خيرا ) ولكن شتت القاري بموضوع آخر عن وظائف الملائكة كنت آمل أن تترك هذا الموضوع (وظائف الملائكة)لمقال آخر وتدبر قرآني آخر .



وفقك الله اخي الاستاذ يوسف وجزاك الله كل الخير في الدنيا والاخرة ..



2   تعليق بواسطة   يوسف ترناصت     في   الجمعة ٢٩ - مايو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[92456]

ردا على التعليق


  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...والثناء على الله سبحانه وتعالى على حفظه للقرءان الكريم، وجعله ميسرا للذكر والتدبر.



  شكرا على تعليقك الجميل، هذا واجبنا نحن أهل القرءان، ونسأل الله العظيم ان يتبثنا ويعيننا على التدبر أكثر في فهم القرءان الكريم، وحسن التعامل معه لأنه كلام الله وليس كلاما عاديا.



  فيما يتعلق بشفاعة محمد، فقد سبق لي ان حررت مقالا في الموضوع بعنوان لا شفاعة ونقطة على السطر، وسأحاول التدبر في الموضوع أكثر بتعديل المقال، اما شفاعة البشر بصفة عامة لقد تطرقت له في مقال سبق أن نشرته في الموقع بعنوان شفاعة الملائكة ، وهو بدوره موضوع اقحام وتعديل قريبا.



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2020-04-05
مقالات منشورة : 28
اجمالي القراءات : 95,392
تعليقات له : 20
تعليقات عليه : 26
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco