أدم .منذ سنوات عديدة وأن أشارك في كل الندوات والمحاضرات التي تتناول موضوع النشأة الاولى أو الخطيئة الاولى، والتي تقوم بها مجموعات من افراد المذاهب المتعددة للديانات السماوية ،والتي أصبحت بعد تعددها عبارة عن ديانات أرضية لاأكثر ولا اقل ،تستخدم فلسفة الدين وتطوعه حسب مقتضيات المصلحة. الشيء الغريب في ذلك تأكيد الجميع على إدانة أبونا أدم وأمنا حواء عليهما السلام. وأنهما كانا السبب في طرد الانسان من جنة الخلد الى ارض المشقة والعذاب ،ومن ثم الموت والحساب. ومع أن ا&aacucute;له عز وجل قد تقبل توبة أدم وحواء ،إلا أن البشرية ما زالت تضعهما في قفص الاتهام وكأنها تطالب بإستئناف الحكم من جديد. وموضوع الخطيئة الاولى متوفر بكل الادبيات الدينية اليهودية والمسيحية والاسلامية وغيرها بدون استثتاء.لهذا وكوني إنسان خلقه رب العالمين ، ووهبني العقل والقلب كأدوات للتفكير والشعور، بدأت أتخيل وكأن المحكمة قد تم تشكيلها لاعادة النظر في القضية المرفوعة من الإنسان ضد أدم وحواء ،وحيثيات القضية هي الخطيئة الكبرى. والمحكمة تتألف من قضاة حيادين من عوالم أخرى تتكلم وتشعر، مثل بني أدم ، والمدعي العام الذي يحمل في ملفه قضية وحيثات التهمة.وكنت أنا محامي الدفاع الذي تولى بشكل طوعي المرافعة وتبرئة المتهمين من هذه التهمة التي نسبت اليهم وهي من صنع البشر .
بدأت الجلسة بدخول رئيس المحكمة والمحلفين، وقف الجميع أحتراما وتقديرا لهم. ومن ثم اتخذوا أماكنهم ، وبدأ رئيس المحكمة الجلسة، بدعوة المدعي العام لقراءة مرافعته.
المدعي العام:
: سيدي رئيس المحكمة ....السادة المحلفين ،البشر أولاد أدم وحواء جميعاً منذ خلق الله بني أدم وحتى يوم الدين. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. ابدأ مرافعتي ، كوني المدعي العام ، بتوجيه الاتهام المباشر الى أمنا حواء التي أغراها الشيطان او الافعى، وهي بدورها كانت قد أغرت أبونا أدم عليه السلام ، وأكلا من شجرة الخلد، التي كانت محظرورة عليهما بامر من الله عز وجل ،وبذلك وقعوا في الخطيئة الأولى وبانت لهم بعد ذلك عوراتهما... وكانت النتيجة طردهما من الجنة ،جنة الخلد الى أرض الشقاء والموت والحساب.اي بمعنى أخر دفعنا نحن البشر ومازلنا وسنبقى ندفع ثمن تلك الخطيئة. لهذا فاني اتقدم الى هيئة المحكمة الأخذ بعين الاعتبار ما أصاب البشر من جراء ذلك وأتخاذ الاجراءات اللازمة واصدار الحكم العادل .
أعتراض من محامي الدفاع.
رئيس المحكمة : تفضل
محامي الدفاع: سيادة رئيس المحكمة لدى سؤال للمدعي العام ... هل هناك وثائق تثبت ما ذهب إليه
المدعي العام ؟.....بحيث تكون موثقة موثقة ، أم أن القصة من بنات خيال البشر. هذا سؤالي الأول...السؤال الثاني...من أين جاء حضرة المدعي العام قوله أنهما كانا في جنة الخلد.؟... وهل فعلاً كانا في جنة الخلد ؟..وشكراً
محامي الاتهام:
سيدي رئيس المحكمة ، كل ما ذكرته موثق في الكتب السماوية وادبيات الدينات الثلاث.ولدي المئات من هذه الكتب ، لعلماء الدين واللاهوت الذين يؤيدون ما ذكرته أمامكم في ادبياتهم.
رئيس المحكمة : المرافعة الآن لمحامي الدفاع.
محامي الدفاع:
رئيس المحكمة الاعضاء المحلفون. أسمحوا لي في البداية أن أبدا مرافعتي بتوجيه الشكر لكم لاتاحة الفرصة لي في الدفاع عن ابوينا أدم  .وحواءعليهما السلام. سيدي حتى نحيط بحيثات القضية، لابد لي من أن أقدم شاهدأ على ما اقول، ينفي كل الشواهد التي ذكرها محام الاتهام من مؤلفات وكتب. لأنها في الحقيقة هي كتب كتبتها أيادي البشر وذلك بحسب فهمهم النسبي وتصوراتهم البشرية التي هي في النهاية تمثل المستوى المعرفي لتلك الفترة التي كتبت بها هذه الكتب.وشاهدي هو اخر كتاب سماوي ،وجامع ومصدق لما قبله  ومهيمن عليها،ومصححاً لما تناوله الفكر البشري وما تناقله جيلاً بعد جيل من أخطاء تراثية. شاهدي هو القرآن الكريم. وأيضاً تحكيم العقل الانساني الذي هو هبة من الله تعالى ليحكم على الاشياء حسب المنهجية القرآنية في فهم الامور.....
المدعي العام يعترض:
... رئيس المحكمة : تفضل
... سيدي رئيس المحكمة أقبل أن يكون القرآن الكريم كلام الله الحق شاهدا بيننا.... لكني استطيع أن أقدم الاف الامثلة للكتب الاسلامية لأكبر علماء التفسير وعلماء الحديث وهي كتب أصبحت بحكم المقدسة ومؤلفيها صارو بحكم الموحى إليهم والمعصومين عن الخطأ تقريباً لدى عامة المسلمين و التي تؤكد ما ذكرته...وهي بين يدي.... وهي تعتمد الرؤيا التوراتية مع بعض التعديل البسيط، وفيها نقرأ أن أدم وحواء طردا من جنة الخلد لمخالفتهما ما امر الله ووقعا في الخطيئة التي ندفع نحن بني ادم ثمنها الى يوم الدين.
رئيس المحكمة:
محامي الدفاع هل لديك اعتراض..... اوافق على كل ما ذكره محامي الاتهام وأؤيد ذلك لأنني أعلم ما جاء في كتب التراث الاسلامي وغيرها ،والذي استمد في غالبيته التصورات التوراتية في سفر التكوين، ولكني سعيد جداً بقبول المدعي العام أن تكون مرجعيتنا هي القرآن الكريم.
محامي الدفاع :
سيدي رئيس المحكمة النقطة ا لاولى التي سأبدأ بها مرافعتي ألا وهي الاعتراض على ما جاء في مرافعة محامي الاتهام ذلك بقوله أن أدم جُعل ليعيش في جنة الخلد . هذا التصور لا أساس له من الصحة وذلك لقول الخالق عز وجل للملائكة قبل جعل أدم بذاته الانسانية ،( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لاتعلمون) إذن مشيئة الله أن يعيش أدم من قبل جعله إنساناً في الأرضأو على الأرض.وتأكيداً لذلك أن الله قبل هبوط أدم الى الآرض وقبل خلقه سخر له ما في السموات والأرض لقوله ( وسخر لكم ما في السموات والأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ومن ثم أعتراضي الثاني على أن أدم و وحواء كانا في جنة الخلد. لا أؤيد هذه النقطة أيضاً استناداً الى كتاب الله ذلك بان جنة الخلد ستقام على أنقاض هذه الآرض وجنة الخلد لايوجد فيها ممنوعات (كل من هذه الشجرة ولا تأكل من تلك)
وجنة الخلد لايمكن ان يغري فيها الشيطان احداً لأنه لا وجود للشيطان فيها. والأصح أن ادم وحواء عاشا في جنة أعدت لهم على هذه الأرض.ووصفها رب العالمين بقوله (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى) وقوله ( وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)
أي أن الخالق يصف جنة أرضية يعيش فيها أدم بدون أن يعمل وبدون أن يعرى .والعراء هنا أي الخروج من الجنة لأن أدم كان بدون ملابس والعراء معناها الخروج من الجنة كما في قوله ( فنبذناه بالعراء وهوسقيم).أي أن الفترة التي أراد الله تعالى لأدم أن يعيشها في هذه الجنة اتصفت بأن كل حاجياته كانت مؤمنة من أكل وشرب بدون أن يغادرها ليشقى في كسب عيشه والحفاظ على بقائه.
اعتراض .المدعي العام .... رئيس المحكمة... تفضل
سيدي ماجاء به محامي الدفاع لايستند الى أية أدلة، وذلك بقوله أن تلك الجنة كانت جنة على الآرض... وأن مشيئة الله كانت وما زالت أن يعيش أدم وبني البشر على الأرض...لماذا... وما معنى أن يعيشا لفترة ما.... في تلك الجنة ....ثم يكون الشيطان أو ابليس شريكهما فيها.... ومن ثم يطردان منها نتيجة اقترابهما من الشجرة التي منعا من الاقتراب أليها.... أليس في هذا تناقض واضح ياسيدي... ألا يشعر المحلفون أن هنالك ديماغوغية لا اساس لها من الصحة ...سوى منطق استنباطي انتقائي وتبريري هدفه تبرير الخطيئة الاولى وتبرئة المتهمين.....لماذا لم يهبطا الى الأرض مباشرة إذا كانت مشيئة الله أن يكونا في الارض؟
رئيس المحكمة:
الكلمة لمحامي الدفاع.
سيدي رئيس المحكمة السادة المحلفين. محامي الاتهام يُعذر على ارائه طالما أنه قد استند الى الادلة المذكورة التي بين يديه، وقد تناولها بدون تحكيم العقل لاستنتاج الحقيقة التي أعتقد أنها قد غابت عنه. ولتبسيط الامر فأني أسالكم وأسأل المحلفين سؤالاً بسيطا : وهو إذا اخترنا إنسانا ما ليشارك في معركة عسكرية...هل يمكننا أن نرسله دون إعداده الاعداد اللازم....؟ ولو فلعنا نكون قد أجرمنا بحقه ،وكنا مسؤوليين عما سيصيبه... والمنطق والعقل يقول لنا لابد من إعداده إعداداً كاملاً ..ومن ثم ارساله الى المعركة... عندها سيقاوم وسوف يستخدم كل المعلومات والتدريبات التي تلقاها اثناء فترة الاعداد. فكيف برب العالمين الذي خلق الانسان، ايتركه على الأرض بدون فترة تدريب... وإعداد...أين هي العناية الآلهية؟ وهكذا كان لابد لأدم وحواء من دخول جنة الأرض.... وكونه سيكون خليفة الله على الأرض خلقه حرا في خياراته الايمانية.... وهذه الحرية هي الاساس الذي ستبنى عليها عمارة الأرض... لأن المخلوق الحر قادر على الابداع.... لكن للحرية ثمناً أيضاً ألا وهو الابتلاء الدائم ، الصراع ما بين الحقيقة والوهم ما بين الايمان والكفر في دواخل هذا الانسان.... وكونه حراً فسيقع أحيانا في الوهم.... وهكذا وقعا أدم وحواء.... لكن الله جعل التوبة والمغفرة آلية ترافق الانسان طيلة حياته وهي ايضاً من أسماء رب العزة (الغفور) أي دائم الغفران.... وقع ادم وحواء في الخطأ...وأصابهما الندم ...وطلبا المغفرة من الغفور... فكانت لهم.... وكانت هذه الواقعة مدرسة تدرب فيها أدم وحواء ومن بعدهم وكانت عبرة الى بني ادم كوسيلة لمن أراد التوبة بعد الخطيئة والسقوط في الوهم الى يوم الدين .... وعلمتنا هذه التجربة أن نندم ونستغفر لنعيش في الأمل و أن لانقنط من رحمة الله الذي يغفر الذنوب جميعاً... لأنه بدون التوبة وبدون المغفرة.... لايمكن متابعة مسيرة الحياة لمن أراد رضوان الدنيا والأخرة..ومشيئة الله أن نستمر ونبني ونعمر الأرض..... ابليس وجنده هم شركاء لنا على هذه الارض ... فقط ليضلوننا عن الصراط المستقيم وهي مشيئة الله أيضاً وذلك من أجل الابتلاء وآختبار قوة الايمان .... ومن هنا جاءت مدرسة الثواب والعقاب.... للمخلوق الحر... وأول الأوامر والنواهي التي بدأت من عهد ادم وكانت من ابسط الامور قول الخالق لهما (لا تقربا) ومن ثم بعد هبوط أدم وحواء وبداية النسل تسلسلت اوامر رب العالمين حتى انتهت برسالة محمد (ص)

لهذا ياسيدي القاضي ،اعتقد والله اعلم أن ادم خلق ليكون على الأرض... وما جرى في جنة الأرض ماهو إلا التدريب العملي للحياة اللاحقة.... وهذا ماحصل.... اما كون أمنا حواء هي المسؤلة عن الاغواء... لا أساس له من الصحة ففي نص القرآن يقول الخالق( فوسوس لهما الشيطان ) أي أن حواء مثلها مثل أدم وقعا معاً في الخطيئة ، وتلك النظرية التي اتهمت امنا حواء بوقوعها في الخطيئة وجر أدم اليها عن طريق الاغواء ، جرت على المرأة وما زالت الويلات ،لهذا أطالب بمحاكمة من ابتدع هذه الرواية والتي دفعت المراة وما زالت تدفع ثمنها باهظاً.....
سيدي القاضي... ارجو من عدالتكم وعدالة المحلفين ، النظر في هذه القضية ، وتبرئة ساحة أبونا آدم وأمنا حواء ، وانزال أكبر العقوبات بالذين حرفوا مشيئة الله ، وابتدعوا فكرة الخطيئة الاولى التي كان لها اثرا سلبياً ،على مجمل التطور المعرفي اللاحق لبني أدم وشكراً.
رئيس المحكمة: رفعت الجلسة للتدوال.
وبعد ساعة من المشاورات ، عقدت جلسة المحكمة للنطق بالحكم.
رئيس المحكمة :يلعن صدور الحكم
بناء على حيثات الدعوى ، واستناداً الى الوثائق المرفقة ، ومرافعة المدعي العام ومحامي الدفاع ، ومداولة المحلفين.. أعلن براءة أبونا أدم وأمنا حواء من التهمة الموجهة أليهم... هذا الحكم غير قابل للأستئناف أو النقض ... وهو قطعي ... اما الذين ابتدعوا تلك التهم الباطلة بحقهم ...فعقابهم يوم الدين ،عند الملك العادل، الذي لايظلم عنده احداً.
صحوت من تخيلاتي ،وأنا اردد بصمت أنهم ابرياء ، انهم ابرياء.. لعنة الله على المفترين.