من هم أهل العلم في الاسلام ؟

مولود مدي Ýí 2017-10-04


من هم أهل العلم في الإسلام؟ قبل أن نجيب على السؤال يجب أن نضبط المصطلح أولًا، كيف لا؟ ونحن نعيش في عصر مراجعة المفاهيم، وإعادة النظر في المصطلحات والأفكار أيضًا من أجل إيجاد رؤية جديد عصرية تجمع بين أسس الدين الثابتة ومتطلّبات العصر الكثيرة التقلّب، وسنتناول قضيّة العلماء من وجهة نظر دينية؛ لأن موضوعنا ديني.

كلمة العلماء ذكرت في القرآن مرة واحدة في قوله تعالى..”ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور”.. [فاطر : 28]، ويبدو أن كلمة العلماء هنا جاءت في سياق الآيات الطبيعية شديدة البساطة، مثل الإنسان والدابة والأنعام وغيرها، فكل خلق الله هو آية بحدّ ذاته تعكس قدرة الصانع، فالله تحاشى التعقيد، ولم يذكر المخلوقات الأشد تعقيدًا، والتي لم يعرفها الإنسان وقت نزول القرآن، وهذا لكي يكون النص القرآني في حدود فهم العقل الإنساني آنذاك، وبالتالي المقصود بالعلماء هنا الناس الذي يعملون عقولهم في الخلق، سواء كان حيًّا أو جمادًا، ليكتشفوا القوانين التي وضعها الله في تلك المخلوقات، ليدركوا أنها لم تخلق عبثًا، وكأن الله يريد بهذه الآية أن يقول لنا: إنه خلق لهذا الكون قوانين، وتركه يسير بها، ثم كلّف العقل الإنساني مهمّة البحث فيها واكتشافها، لذلك نستنتج أن صفة العلماء مرتبطة بحركة إعمال العقل، وهذا واحد.

هل العلماء المقصودون في هذه الآية هم علماء الدين أم علماء العلم الدنيوي، مثل علماء الطب والفيزياء والفلك؟ القرآن يردّ مباشرة في سورة المجادلة ”يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير“.. [المجادلة : 11]، مبيّنًا أن القرآن لم يفاضل بين العلم الديني والعلم الدنيوي جاعلًا الهدف واحدًا هو الوصول إلى وجود الصانع، والملاحظة المهمّة جدًا هنا أن المخاطب في هذه الآية هي الإنسانية جمعاء، وليس المسلمون فقط، والدليل أن الله فصل في هذه الآية بين العلم والإيمان ”الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم” فيمكن أن يكون الذين أوتوا العلم من غير المسلمين – وما أكثرهم حاليًا! – وهذا يعني أن الله سيرفع العلماء الحقيقيين الذين خدموا العلم والإنسانية، حتى ولو كانوا غير مؤمنين، وفي الآية لفتة إنسانية رائعة، وكذلك تشجيع على العلم وعلى البحث، بغض النظر عما إذا كان المبحث هو العلم الديني أو الدنيوي.

لكن هل يعجب هذا التحليل البسيط كهنة الإسلام وأنصارهم؟ بالطبع لا، فادعوا أن المقصود من العلماء في القرآن هم..”الفقهاء والشيوخ” وهذا كي يحصروا فهم الدين وتفسيره في فهمهم. فيعود الناس إليهم وتعلو منزلتهم؛ فيشعروا بمتعة السلطان والتحكم في رقاب الناس وتوجيههم أينما وكيفما يُريدون، فتعمّدوا تحويل النصوص الدينية إلى طلاسم من أجل أن لا يفهمها غيرهم، وتناسوا أنه بعملهم الشنيع هذا وضعوا الله تعالى في وضع خطير، وهو كيف يعقّد الله على عباده فهم دينهم؟ هل هو عاجز عن أن يوصل الفكرة اليهم مباشرة؟ ونضيف إلى هذا تمادي الكهنة باتّهام كل صاحب فهم جديد للدين أو لنص قرآني أو لقضية فقهية بتلك التهمة المضحكة، وهي ”الابتداع” وكأن الإسلام والفكر الديني البشري حكم عليه بالجمود والثبات منذ عصر الأئمة الأربعة، متناسين أن أشهر الفقهاء المسلمين الذي استنبطوا قواعد جديدة في الفقه الإسلامي هم مبتدعون أيضًا؛ لأنهم أتوا بقواعد ووضعوا أصولًا للفقه لم يعرفها الإسلام، ولم يأت بها لا الرسول ولا الصحابة، فلا نفهم لماذا يتجاهلون هذه النقطة، لذا المشايخ لا يفهمون أن السلف صاغ فقهًا وفكرًا دينيًا حسب الواقع الذي عاش فيه، فالحقيقة تقول إن أصحاب المذاهب ومؤسسيها لجؤوا إلى الاجتهاد كوسيلة معرفة الحق وإصابته والعمل به، وليس من أجل حمل الناس على التقليد، وكل شخص كان يرى الدين بمنطقه الخاص، والبيئة التي كان يعيش فيها، وهذا سبب ظهور التيارات الفقهية الإسلامية وتعددها وتشعبها واختلف المسلمون حول تفسير القرآن وعلوم الحديث، لكن الفقهاء جمّدوا الدين الإسلامي عند حدود أفهام ”أبي حنيفة النعمان” و”مالك” وأخبار ”البخاري” وقال فلان بن علاّن في قرار إسلامي انهزامي، وكأن الإسلام نزل على شعب من الأغبياء الذين لا يستطيعون إعمال عقولهم، فسادت المذاهب المتعصبة للتقليد وكفّرت أصحاب الرأي والعقل فانتقل العالم الإسلامي من رحابة الفكر وحرية الاعتقاد إلى التعصب الأعمى للطائفة، فمن يطالع تاريخ تشكّل المذاهب الإسلامية سيفهم أن صراع المذاهب من سنة و شيعة وخوارج يفهم أن الفقه تحوّل إلى حلبة مصارعة حتى بين أصحاب المذهب الواحد، أي بتعبير آخر يصبح المهزوم بالقوّة العددية هو الكافر.

إن العالم في الإسلام هو كل مسلم حاول البحث عن الحقيقة، وكل من يريد خدمة الله في سبيل الهداية، لذلك فالدين ليس ملكًا للأزهر ولا لمجموعة علماء السلطان السعوديين والمعروفة ”بهيئة كبار العلماء“، بل الدين ملك لنا جميعًا، ويحقّ لنا الاجتهاد فيه في أطره الواضحة، وهي عدم الإشراك بالله، عدم تحليل الحرام أو تحريم الحلال أو اختراع التحريمات التي ما أنزل الله بها من سلطان، أو التعدّي على حقوق الله في التشريع، ونريد أن نوضّح للقرّاء الكرام أن كل من يحتكر صفة الفقيه في الإسلام، ما هو إلا – في الحقيقة – مجرد حافظ لكتب الحديث ومردد للآراء الفقهية لأسلافه، تجد دعايته وخطابتهم عند الذين لا يعرفون شيئًا عن تاريخ الفقه في دينهم، وعندما يحاول أن يصدر الفتاوى بنفس عقلية الفقهاء الغابرين، سيخرج لنا بهذه الفتاوى الغريبة، بل المخزية:

– أستاذ الفقه المقارن في الأزهر ”صبري عبد الرؤوف” يرى أنه لا حرج في نكاح الميتّة!

– رئيس قسم الحديث في الأزهر ”عزت عطية” يفتي بوجوب إرضاع المرأة لزميلها في العمل، ويرى أن حديث رضاع الكبير صحيح و لا غبار عليه!

– الرئيس الأسبق لهيئة كبار العلماء في السعودية ”صالح اللحيدان” يفتي بحرمة قيادة النساء للسيّارة وبوجوب معاقبة كل من تقوم بذلك!

– الشيخ الوهّابي ”صالح الفوزان” يفتي بأن التصوير حرام، بالرغم من أن كل جلسات فتاويه مصوّرة! ومشاهير الدعاة والأئمة أصبحنا نشاهدهم يلتقطون «السيلفي» و«السنابات» ويضعون صورهم في المناسبات على «إنستغرام» وغيرها من وسائل التواصل الحديثة، حتى أصبحوا محل السخرية والاستهزاء، مثل ”عمرو خالد” و”محمّد العريفي” الذي يستغل عدد متابعيه في ”تويتر” من أجل القيام بالحملات الإشهارية!.

المهم.. قالوا إن الإسلام بدأ غريبًا – يعني عظمته كانت غريبة على عقول القرون الوسطى أن تتقبّل مبادئه التنويرية – وسيعود غريبا بسبب خزعبلات دعاة المسلمين وممارساتهم!.

اجمالي القراءات 25285

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2017-04-13
مقالات منشورة : 59
اجمالي القراءات : 520,748
تعليقات له : 23
تعليقات عليه : 39
بلد الميلاد : Algeria
بلد الاقامة : Algeria