مظاهرالتحالف بين رشيد رضا وعبد العزيز بعد مؤتمر الحجاز1925

آحمد صبحي منصور Ýí 2017-05-13


أولا : إتصالات رشيد بعبد العزيز قبل مؤتمر الحجاز 1925:

1 ـ بموت الامام محمد عبده كان عبد العزيز قد بدأ من الرياض رحلة الغزو والاحتلال فى نجد وخارجها . وواكب هذا خروج رشيد رضا عن منهج استاذه محمد عبده ، وبدء دعوته الى الوهابية تحت مسمى السلفية . وقد أسّس  مدرسة الدعوة والارشاد لتخريج الدعاة السنيين ( الوهابيين ) في جزيرة الروضة سنة 1912 وكانت تجاورها مؤسسة الزهراء للسلفي الشامي محب الدين الخطيب في نفس المنطقة. كما بدأت مجلته (المنار)ذائعة الصيت فى نشر مقالات متخصصة في الدعوة الوهابية تحت مسمى السّنّة والسلفية ,

المزيد مثل هذا المقال :

2 ـ قبل مؤتمر الحجاز 1925 كانت هناك مراسلات بين عبد العزيز ورشيد رضا . وقتها كان رشيد رضا عميلا لبريطانيا متحالفا مع الشريف حسين باوامر بريطانية . ولم يمنعه هذا من التواصل بالرسائل مع عبد العزيز خصم الشريف حسين . ولقد كانت كثيرٌ من الرسائل بين رشيد وعبدالعزيز تبحث في نواحٍ سياسية ، وهذه الرسائل كانت يخضع لرقابة شديدة من قِبَل دوائر الاستعمار البريطاني التي كانت قد وضعت رقابة على البريد الصادر من وإلى الخليج والجزيرة العربية عن طريق بومباي، وفي بعض الأحيان كان يُتَرجَم الخطاب من قِبَل الجهات المختصة في الهند ثم يبعث به إلى لندن.

 3 ـ وأحد الخطابات التي وقعت فى يد الانجليز خطاب موجَّه من الأمير عبدالعزيز آل سعود إلى رشيد رضا بالقاهرة، وقد ترجم الخطاب إلى الإنجليزية في 28 يناير سنة 1916م، ويتضمَّن الخطاب التحذير من مزالق السياسة والمؤامرات الأجنبية وحماية بلاد الجزيرة العربية منها.ويُشِير الخطاب إلى أن رشيد رضا قد عمل بصدد ذلك إجراءات وترتيبات لم يفصح الخطاب عن مضمونها وشكلها، إلا أن الأمير عبدالعزيز آل سعود قابَل هذه الإجراءات بحذر لخشيته من أن تتعارَض مع تقاليد بلاده وأحوال منطقته المتمسِّكة بحبل الدين ( الوهابى ) ، كما أشار الخطاب إلى علاقة الأمير عبدالعزيز آل سعود بشريف مكة في ذلك الوقت، وأنها هادئة بالرغم من وجود خلافات طفيفة لم يذكرها الخطاب، كما أشار إلى علاقته بالحكومة التركية وقال: "وفيما يختصُّ بمعاهدتنا مع الحكومة التركية لا نظن أننا من الضعف لدرجة الحفاظ عليها، فنحن نتبع رابطة الدم".. خطاب من ( الأمير عبد العزيز ) الى الشيخ رضا يبدأ بقول عبد العزيز الى رشيد رضا : (في الحقيقة يا صاحب الشرف الرفيع أنك تبذل نصحك بأمانة وإخلاص، نظرًا لغيرتك على الإسلام والعروبة"، كما ختم خطابه برجاء إلى رشيد رضا في أن يواصل كتابته إليه .

 4 ـ ومن الواضح أن رشيد رضا عمل كمستشار خارجى لعبد العزيز عبر البريد ، يعطى النصح لعد العزيز ، وعبد العزيز يتقبل تلك النصائح بقبول حسن ، تعبيرا عن عُمق الثقة بينهما  .  

 5 ـ وبعد هزيمة الشريف حسين ألقى عبد العزيز بنفسه تحت أقدام عبد العزيز ، وتكاثرت بينهما الرسائل . يقول د أحمد الشرباصى مؤلف كتاب عن رشيد رضا : ويظهر من هذا  ان العلاقة بين ابن سعود ورشيد طيبة ، وستزداد هذه العلاقة مع الأيام توثقا وتعمقا ، وقد عثرت على رسائل من ابن سعود إلى رشيد يتضح منها عمق هذه العلاقة . ) .

6 ـ وفى رسائله ذكر رشيد مساوئ الإنجليز على المسلمين، وأنهم هم الذين يساعدون أعداء الوهَّابيين في الحجاز وهم (شرفاء مكة) ضد ابن سعود وذلك ليكون وسيلة لتدخُّلهم في الحجاز  ، كما ذكر أنه حينما استولى ابن سعود على الحجاز وأعلن أنه لن يكون لأجنبيٍّ نفوذ فيه ساء ذلك إنجلترا وأرادت مساعدة علي بن الحسين بأسلحة من مصر .وفي موضع آخر يتعرَّض للموانع التي وقفت في وجه دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب وتجديدها لمجد الإسلام الديني والدنيوي، فيذكر أن هذه الموانع هي الدولة العثمانية، ومحمد علي باشا، و(دولة الدسائس) ويقصد بها بريطانيا وإن لم يصرح باسمها  .

ثانيا : التحالف العلنى بين رشيد رضا وعبد العزيز :

1 ــ يرى د الشرباصى أنه ( كان الشيخ رشيد رضا يؤمن بزعامة الملك عبدالعزيز الإسلامية في المحيط السياسي للعالمين العربي والإسلامي، ويؤيِّد هذه الزعامة ويناصرها، خاصة بعد أن أتَمَّ الملك عبدالعزيز توحيد بلاده السعودية، وبالمقابل فالملك عبدالعزيز يقدِّر رشيد رضا كعالم إسلامي مُصلِح، ويستنير بآرائه ويصغي لنصائحه وتوجيهاته.وغنيٌّ عن البيان أن هذه العلاقة القوية بين الشخصيتين قامت على أساس اعتناقهما العقيدة السلفية، فالملك عبدالعزيز يُعَدُّ زعيم أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب السلفية في عهده ورشيد رضا أعجب بهذه الدعوة وناصَرَها وتأثَّر بها - كما مرَّ - حتى إن أعداءها يلقِّبونه بـ(الوهَّابي)  - أمَّا أصدقاؤه وتلاميذه ومحبُّوه فقد جعلوه (زعيم السلفيين) في عهده ، والدافع القوي للسلفية في العصر الحاضر ، كما لقبوه بـ(محيى السنة)) .

2 ـ قبيل مؤتمر الحجاز عاد رشيد رضا الى مصر وقد جعل نفسه بوقا دعائيا لعبد العزيز، فأخذ ينشر على صفحات "مجلة المنار" كثيرًا من القرارات السياسية للدولة السعودية ويعلِّق عليها مؤيدًا لها؛ مثل البلاغ الذي أعلنه الملك عبدالعزيز عند دخوله الحجاز، ومثل وثيقة دعوة الملك عبدالعزيز لمؤتمر إسلامي في مكة لتقرير مستقبل الحجاز، وغير ذلك .

 وبعد مؤتمر الحجاز نشر يؤيد الملك عبدالعزيز في سياسته الخارجية وإصلاحاته الداخلية  ، وذكر أنه عمل في الجزيرة العربية أعمالاً لم يسبق لها نظير إلا في صدر الإسلام، وذلك بتحويله الأعراب إلى التوحيد والعلم والحضارة، وتوجيههم الوجهة الإسلامية الصحيحة، ووقف رشيد مؤيدًا للملك عبدالعزيز في حربه ضد "الإخوان النجديين " وقضائه على فتنتهم، ونشر تفاصيل ذلك في "مجلة المنار .

3 ـ وتكثفت المراسلات بينهما ، حيث لعب رشيد رضا دور الإمام الدينى الناصح للإمام السياسى ، ولم تقتصر النصائح حول أمور دينية بل إمتدت الى السياسة والفقه ، وقد ذكر الدكتور أحمد الشرباصي أنه عثر على أغلب رسائل الملك عبدالعزيز إلى رشيد، كما عثر على طائفة من رسائل رشيد إلى الملك .) ويقول : ( والشيء المهم في هذه الرسائل التي يرسلها رشيد إلى الملك عبدالعزيز أنها تحمل ألوانًا من النصائح التي يوجِّهها رشيد إلى الملك عبدالعزيز فيتقبَّلها الملك بصدر رحب بالرغم ممَّا تحمله بعض تلك النصائح من الشدة في الأسلوب، وفي ذلك يقول عبدالرحمن بن عاصم - ابن عم رشيد -: "وإن أنسى لا أنسى أني وجدت شدَّة في خطابٍ منه إلى جلالة الملك عبدالعزيز وراجعتُه فيها، فغضب وقال: أتريد أن تعلمني المداجاة والجبن؟ اقفل المكتوب وأرسله إلى البريد، واعلم أن مزيتي عند الملك إخلاصي وصراحتي في النصيحة، ومزيته عندي أن يقبل النصيحة".. ثم ذكر أن من هذه الرسائل قوله في كتاب أرسله إلى الملك عبدالعزيز: "ولا أزال كذلك أجاهد معكم ما دمتم تجاهدون في سبيل الله وإعلاء دينه"، وفي كتابٍ آخر يقول رشيد: "وقد عاهدناكم على أن نؤيِّدكم ونخدمكم في إقامة السنة وهدم البدع، وإحياء الإسلام على منهاج السلف في أمور الدين ومستحدثات الفنون العصرية في أمور الحرب . وقد ذكر رشيد أنه يسلك في نصيحته للملك عبدالعزيز طريقة السلف الصالح في موعظة الخلفاء والأمراء، وأن الملك عبدالعزيز يحب هذه الطريقة . )

4 ـ وتكلم رشيد عن حديثه مع الملك عبد العزيز فى أول لقاء بينهما فى مؤتمر الحجاز ، قال :    "قلت لابن سعود في أوَّل مجلس جلسته إليه عقب وصولي إلى مكة المكرمة: لقد أُوذِيتم من قبلُ ومن بعدُ فصبرتم، فنصركم الله كما وعد الصابرين، فحق لقومك أن يمتثلوا ويعتبروا بما حكاه الله - تعالى - عن بني إسرائيل مع موسى - عليه السلام - بقوله: ﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129].فعليكم أن تحسنوا عملكم بشكر هذه النعمة، فإن الله - تعالى - ينظر كيف تعملون، فيجزيكم به، فأجابني قائلاً: "إننا والله لا نخاف إلا من القرآن - فتأملوا هذه الجواب يا أولي الألباب. )

5 ـ وبسبب عمل رشيد فى نشر الوهابية فى مصر نائبا عن عبد العزيز فقد كان يتلقى منه تمويلا ، لذا إنضمت الأمور المالية الى الموضوعات الشرعية والسياسية ,

6 ـ  والملك عبدالعزيز كان معجبًا برشيد رضا أيضًا، وما جاء ذكره في مجلس إلا وهو يُثنِي عليه، ومن ذلك ما رواه شكيب أرسلان في رسالةٍ منه إلى رشيد أن الملك عبدالعزيز قال: إن السيد رشيدًا لا يوجد مثله اليوم في علماء الشرع في كل العالم الإسلامي وأخذ يطنب في مزاياه، ويذكر شكيب أن الملك عبدالعزيز حينما علم بضائقة رشيد المالية فرَّج عنه بعض كربتها . 

ثالثا : رشيد رضا يهاجم الأزهر بسبب كراهية الأزهر وقتها للوهابية

 تصدى بعض شيوخ الأزهر للهجوم على الوهابية ، فواجهم رشيد رضا يعايرهم بالتخلف والجمود ، ذاهبا بالموضوع الى موضوع مختلف . قال " اتسع نطاق العلوم كلها : لسانية وعقلية وعملية ، فكثرت فروعها وتعددت طرق تعليمها ، وأهل الأزهر ومن على شاكلتهم من مقلدي الأموات على جمودهم ، لا ينقصون من كتب مشايخهم ، ولا يزيدون فيها ، حتى صرنا لا نرى شيئاً من الإصلاح في العلوم العربية ، حتى علوم اللغة ، إلا ممن تعلم في المدارس النظامية التي أصبح زمامها بأيدي الفرنج في كل قطر "(2) . ثم يتوسع رشيد في اللذع والإيجاع فينوه بكتب لأدباء مسيحيين جبر ضومط وجورجي زيدان   .

رابعا : إخلاص الى آخر العمر :

1 ـ علاقة رشيد بالملك عبدالعزيز أخذت تزيدها الأيام رسوخًا وقوَّة، وبلغ من إعجاب رشيد بالملك عبدالعزيز ما أسماه (السيف المسلول للسنة وهدي السلف الصالح). وبالمقابل، فإن الملك عبدالعزيز كان معجبًا برشيد رضا أيضًا، وما جاء ذكره في مجلس إلا وهو يُثنِي عليه، ومن ذلك ما رواه شكيب أرسلان في رسالةٍ منه إلى رشيد أن الملك عبدالعزيز قال: إن السيد رشيدًا لا يوجد مثله اليوم في علماء الشرع في كل العالم الإسلامي وأخذ يطنب في مزاياه. ثم يقول رشيد: "كيف لا أنصر ابن سعود وأناضل خصومه من المبتدعين والخرافيين وقد فعل كلَّ هذا، ويرجى أن يفعل ما هو أتمُّ منه وأكمل".وفي الأخير يرى رشيد أنه مقصِّر في الثناء على ابن سعود وخدماته الإسلامية الجليلة،

2 ـ واستمر إخلاص رشيد لأل سعود حتى وفاة رشيد، بل إن قصة وفاته تدلُّ على عمق هذه العلاقة؛ فقد صادَف أن زار الأمير سعود بن عبدالعزيز - ولي العهد السعودي حينذاك - مصر في جمادى الأولى سنة 1354هـ (1935م)، وحرص رشيد رضا على الاجتماع بالأمير وحده ليفضي إليه بآرائه ونصائحه، فلم تسنح فرصة ذلك الاجتماع إلا صباح يوم سفر الأمير سعود من مصر، ثم رافَق رشيد الأمير سعودًا إلى السويس لتوديعه رغم إجهاد رشيد، فودَّعه وعاد سريعًا إلى القاهرة في اليوم نفسه متعبًا جسمه بركوب السيارة ذهابًا وإيابًا والطريق يومئذ ليست سهلة، فأُصِيب بدوار من ارتجاج السيارة وتقيَّأ ومات  في ظهر يوم الخميس  23 جمادى الأولى سنة 1354هـ (22 أغسطس 1935م).

ولقد كانت آخِر الرسائل في تاريخ العلاقة بين رشيد رضا والملك عبدالعزيز برقيَّة التعزية التي بعث بها الملك إلى أسرة رشيد التي قال فيها: "أسأل الله - تعالى - أن يُحسِن عزاءنا وعزاءكم بفقيد الإسلام والمسلمين، وأن يعوِّضه عنَّا بجناته ورضوانه"  .

اجمالي القراءات 10684

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4979
اجمالي القراءات : 53,294,874
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,621
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي