ولا مبدل لكلمات الله. ولقد جاءك من نبإ المرسلين.:
"ائت بقرآن غير هـذا أو بدله"

الشيخ احمد درامى Ýí 2016-12-12


"ائت بقرآن غير هـذا أو بدله"

طلب قريش من النبي ص. أن يبدل القرآن، ويأتي بقرآن بديل غير هذا. فامتنع النبي وقال أنه لا يستطيع تبديله، لأنه رسالة موحاة إليه من رب العالمين. وأكد أنه ليس من صنعه؛ إذ انه مكث فيهم من قبله أربعين سنة ولم يكُ شيئا، وما استطاع خلالها من نظم حتى بيت واحد من الشعر؛ كما كان يفعل أقرانه من العرب. (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات، قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هـذا. أو بدله! قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي. إن أتبع إلا ما يوحى إلي. إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به. فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون؟!)[يونس: 15]وقال جل وعلا: لنبيه الكريم: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا. وأوذوا حتى أتاهم نصرنا. ولا مبدل لكلمات الله. ولقد جاءك من نبإ المرسلين.)

فلما استيأسوا منه، قالو نربص به ريب المنون. فلما توفي النبي، واستولوا هم زمام الأمور، بادروا إلى خلق بديل للقرآن السماوي. وفعلوه بذكاء ومهارة. إذ أنهم لم يلغوا الوحي الأول ولم يحاولوا تحريف نصه (الشيء الذي ما كان يقبله المسلمون) وإنما ضاعفوه بقرآن ثان، مدعين أنه، هو الآخر، موحَى من عند الله سبحانه تعالى. واتهموا النبي ص بأنه أقر ذلك وقال:(أوتيت القرآن ومثله معه). أي أن النبي، بزعمهم، أقر أن الله أتاه وحيين: الوحي الأول (القرآن الكريم) والوحي الثاني (قرآنهم البديل الذي باتوا يطلبونه من النبي ص) بقولهم إياه: (ايت بقرآن غير هذا...).

قلت أن هناك وحيان فعلا: وحي من الله جل وعلا، بواسطة جبريل إلى النبي ص.، ووحي من الشيطان إلى عقول قريش. قال جلا وعلا: (...وإن الشياطين ليوحون إلى أوليآئهم (قرآنهم المثل)ليجادلوكم! (به أحكام الوحي الصحيح)وإن أطعتموهم (في اعتقادهم بوجود وحيين)إنكم لمشركون.)ثم قال عز وجل: (ويجادل الذين كفروا بالباطل (بوحيهم المثيل)ليدحضوا به الحق (الوحي الصحيح)واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا.).والنبي ص. كان يقول ويكرر: "إن اتبع إلا ما يوحى إلي" ، "إن اتبع إلا ما يوحى إلي". وعن السؤال ما الذي أوحي إليك يا رسول الله؟ أجاب" (وأوحي إليّ هذا القرآنُ لأنذركم به ومن بلغ.). وعليه فالوحي وحي واحد. وهو هذا القرآن فحسب. وليس هناك أي مثل معه إطلاقا.

 أعلنوا أن سبب وجود "الوحي الثاني" (أي قرآنهم البديل) هو تبيين وإيضاح الوحي الأول، الذي زعموه غامضا. سبحان الله! وبذلك تمكنوا من جعل الثاني فوق الأول. طالما الثاني هو المبين الموضح، الذي يؤتي للأول معناه الأخير؛ وطالما هو (أي الثاني) غير محتاج إلى مبين كالأول. لذلك قالوا قولهم المشهور " أن القرآن بحاجة إلى السنة(الأحاديث عندهم)، أكثر منحاجة السنة إلى القرآن". لأن الذي يبيّن لا يحتاج إلى مبيِّن آخر. وإلا لكان تسلسلا عبثا.

وهناك تدليس في هذه الصيغة الأخيرة للقاعدة. لأن العبارة (أكثر من) مجاملة. إذ أنهم أبدلوا به (وليست) المحذوف. غير أن العاقل يستطيع أن يقرأ بين السطور الصيغة الأولى التي بها تفهم هذه الأخيرة. والتي كانت "القرآن بحاجة إلى السنة؛ وليست السنة بحاجة إلى القرآن". فلخطورة العبارة غيروا (وليست) ب (أكثر من)، مجاملة. فأصبحت الصيغة الجديدة والأخيرة (القرآن بحاجة إلى السنة أكثر منحاجة السنة إلى القرآن)، حتى يكون هذا الإفك أقل صدما وأقوم قيلا. وهكذا بدلوا القرآن الكريم عندهم بقرآن آخر تخدم أهواءهم ونزعاتهم؛ كما طلبوا ذلك من قبل من النبي ص.، فامتنع.

 

ولقد دوّنوا قرآنهم ذاك في البخاري والمسلم أساسا، وفي غيرهما. فظل الحديث موسوعة "ويكيبيدية" حرة، يستطيع كل حاذق وبليد أن يزيد فيها ما يشاء. وقد قالوا من قبل أنه "لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" وأنا أقول " بالإسناد يستطيع كل من عرف الرجال أن يقول ما يشاء".

فغدا ساداتهم وكبراءهم من السنة والشيعة والصوفية، كلما أرادوا فعل فعلة، أوجدوا لها شرعية في وحيهم الثاني أولا، واحتجوا بأن النبي ص. قد فعل شيئا من هذا القبيل. فيكون ذلك مبررا لهم فيما همّوا أو فعلوا.

فطفقوا يحلّون بوحيهم الثاني ما شاءوا، ويحرمون. وأعلنوه "مرجعا ثانيا" مع القرآن الكريم. أي مرجعا بديلا. بحيث إذا قيد المرجع الأول مسعاهم، استطلقوه من المرجع الثاني. وكلما تعسّـر تشريع شيء بالمرجع الأول (القرآن)، شرّعوه بالوحي الثاني، أي قرآنهم البديل. وكل ما لم يسمح به الأول يجدون منفذا إليه من الثاني. "ما أضيق الإسلام! لولا وجود الوحي الثاني"- قالوا!

وقد حملوا على النبي ص. من قبل وألحوا عليه بطلب تبديل هذا القرآنبآخرن وقالوا"ائت بقرآن غير هذا! أو بدله!". حتى كاد النبي أن يلبي بطلباتهم بعض شيء. لولا أن هتف عليه ربه محذرا له قائلا: (يا أيها الرسول!!بلغ ما أنزل إليك من ربك! وإن لم تفعل، فما بلغت رسالته!!...) [المائدة: 68]. فهتاف العزيز الجبار عليه ب (يا أيها الرسول!) بدلا من "يا أيها النبي" المعتاد، لها دلالتها. فيه تنبيه وتذكير له أنه ما هو إلا مرسل!! وأن ما على الرسول إلا البلاغ! (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه؛ ولا يخشون أحدا إلا الله! وكفى بالله حسيبا!) [الأحزاب: 39]. ثم قال له في موطن آخر، ولا أدري بأي مناسبة:(يا أيها النبي اتق الله! ولا تطع الكافرين!) أي قريشا. [الأحزاب: 1]. فتحذيرات ربه وتنبيهاته إياه من مكر قريش عليه وعلى الوحي القرآني كثيرة.وآخرها، على ما يبدو، هو قوله إياه:(وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره. وإذا لاتخذوك خليلا. ولولا أن ثبتناك، لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا. إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات! ثم لا تجد لك علينا نصيرا!) [الإسراء: 75]. أتصوّر النبي ص خرّا ساجدا باكيا أسفا! عند نزول هذه الآيات. وخاصة الأخيرة منها.

 

 يكون من السذاجة بمكان، أن يظن واحد أن قريشا سيكفون، بعد موت النبي ص.، عن حرصهم وإصرارهم على تبديل هذا القرآن بقرآن آخر أكثر تجانسا مع أنماط حياتهم، وما وجدوا عليه آباءهم! ألا ترون أنهم حاولوا وأصروا ومكروا حتى كادوا يزيغون النبي، والوحي ينزل؟!.. وما تظنون هم فاعلون بعد اختفاء النبي؟ واستسلامهم زمام الأمور؟! فلولا حفظ الله كتابه المبين لحرّفوه. لكن هيهات! قال ربنا جل من قال: نا نحن نزلنا الذكر! وإنا له لحافظون!). [الحجر: 9]. تدبروا، يا أولي العلم؛ القوة والجبروت في هذا التعبير!: ("إنا"، و"نحن"، ثم"إنا"، ..و "ل".). وستعرفون أن لا السبيل إلى النيل بالقرآن الكريم إلى قيام الساعة؛ ولو كره قريش!    والحمد لله.

 

 وعلى كل حال، لقد تمكنوا، بعد النبي، من اقتران القرآن الكريم بقرآن من صنعهم. واختاروا له (بمهارة) اسم (الحديث). وهو اسم من أسماء القرآن. قال جل وعلا: (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث (أي القرآن)؛ سنستدرجهم من حيث لا يعلمون!وأملي لهم! إن كيدي متين!). [القلم: 45،44]

وهكذا سموا، هم كذلك، قرآنهم البديل ب (الحديث). فأصبح هناك حديثان! كتب الله، جل وعلا، حديثا، وكتبواحديثا. فتشابه الأحاديث على العوام المساكين.! وما أضلهم إلا المجرمون.

لقد رأيت بعينيّ في تلفزة بلادي (السنيغال) "عالما" سئل عن مكانة الحديث القدسي. فقال أن الحديث القدسي أسمى من القرآن! وعلل بقوله إذ أن في وحي القرآن وسيطة بين الله النبي؛ بينما الحديث القدسي، حسب زعمهم، مكالمة مباشرة، دون وساطة جبريل، بين الله والنبي. فبذلك أفكوا أن الحديث القدسي أقوى من القرآن.

المهم، لقد صنعوا من قرآنهم ذاك إسلاما "بطاقيا" يخدم مصالحهم الاجتماعية، ويتفق مع نزعاتهم العدوانية الحربية. فاستعمروا بذلك الإسلام العالم، واحتلوا الأراضي، ونهبوا الثروات، وسبوا النساء والصبيان، وكوّنوا مجدا لأنفسهم ولأولادهم وأحقادهم. وهكذا نشروا إسلاما مشوّها غير أصيلبين شعوب العالم.

ثم صنعوا ودوّنوا، بتعاليم مستمدة من البخاري والمسلم، شريعة تجسّم ذلك الإسلام. إسلام "آية السيف" المستوحاة من وحيهم الثاني، الذي يلجؤون إليه كلما لم تجدوا ما يريدون في القرآن الكريم.وما كادوا يبحثون.

ما زالت السلفية، والسنة، والصوفية، وداعش، وبوكوحرام، والشيعة يحكمون اليوم شريعة مستمدة من ذلك الوحي الثاني، (البخاري والمسلم)، أو بشطحات أئمة الشيعية؛ وتركوا جنبا شريعة الله ورسوله الواردة في القرآن الكريم!  فبعدا للقوم الظالمين!

(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان؛ ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا؛ ربنا إنك رؤوف رحيم.)

اللهم إني أعوذ بك من أن أَضِل أو أُضَل؛ واهدنا، رب ، والأحياء منهم  سواء السبيل. إنك لطيف بالعباد.

والله من وراء القصد. وهو يهدي السبيل.

 

اجمالي القراءات 10530

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الثلاثاء ١٣ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[83880]

وصدق الله العظيم إذ يقول :


(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ.(الأنعام 93)



شكرا للأستاذ  أحمد الدرامي على هذا الموضوع  القيم 



شكرا لكم، ودمتم بخير 






 


 


 


 


 





2   تعليق بواسطة   الشيخ احمد درامى     في   الثلاثاء ١٣ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[83886]

شكرا يا الأستاذة عائشة


بارك الله فيك يا أمنا عائشة على هذه الإضافة القيمة!  لقد زادني تشجيعك  قوة وعزما.



تحياتي



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2016-06-30
مقالات منشورة : 39
اجمالي القراءات : 564,295
تعليقات له : 105
تعليقات عليه : 42
بلد الميلاد : Senegal
بلد الاقامة : Senegal