خطبتي جمعة:
الغني

عبدالوهاب سنان النواري Ýí 2016-09-03


الخطبة الأولی:

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل.

له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد.

في خطابا عالمي مهيب يقول الحق تبارك وتعالی: يأيها الناس أنتم الفقراء إلی الله والله هو الغني الحميد ، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ، وما ذلك علی الله بعزير (فاطر 15-17) .

فالله جل وعلا هو الغني الحميد، هو الذي لا يضره كفر من كفر، ولا ينفعه إيمان من آمن، هو الذي خلق الخلق، وهو القادر علی أن يذهب به ويستخلف من بعدنا قوما آخرين، ولذلك فقد تركنا نعمل في هذه الأرض علی مكانتنا وبمنتهی الحرية.

كل هذه المعاني وغيرها جاءت في قوله تعالی: وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم ءاخرين ، إن ما توعدون لأت وما أنتم بمعجزين ، قل يا قوم اعملوا علی مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون (الأنعام 132-135) .

أيضا يقول الحق تبارك وتعالی: إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضی لعباده الكفر وإن تشكروه يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخری ثم إلی ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور (الزمر 7) . فالحق تبارك وتعالی لا يرضی لنا الكفر، ويرضی لنا الشكر، ولكنه لم يجبر أحد علی ذلك، بل ترك الناس أحرارا، دون أن يحمل أحد وزر غيره. وهذا معناه مطلق حرية الاختيار، والتي سيتحمل الإنسان تبعاتها ونتائجها يوم الحساب، حين نرجع إلی الله جل وعلا فينبئنا بما كنا نعمل.

توجيهات وتوصيات الحق تبارك وتعالی لنا، هي من باب الرحمة بنا، وفي سبيل تحقيق مصالحنا نحن، فتوصيته لنا بلزوم التقوی، هو نجاة لنا في الدنيا قبل الآخرة، أما مالك الملك، مالك السماوات والأرض، فهو الغني عن ذلك كله، جاء هذا في قوله تعالی: ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبل وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا (النساء 131) .

وقد جاءت كل هذه المعاني علی لسان نبي الله سليمان (ع) في قصته مع ملكة سبأ وحواره مع حاشيته، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالی: فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم (النمل 40) .

كما جاءت هذه المعاني في قصة نبي الله لقمان (ع) ، كلها تحكي أن الله غني عن العالمين، وأن من يشكر فقد نفع نفسه، ومن كفر فلن يضر الله شيئا، وفي ذلك يقول سبحانه: ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد (13) .

وحتی لا يغتر المؤمنون المجاهدون بعملهم وجهدهم، يبين لهم الحق تبارك وتعالی بأن من يجاهد فإنما يجاهد لنفسه، أي أن المجاهد هو من يحصد خير جهاده، أما الحق تبارك وتعالی فهو الغني جل جلاله، جاء ذلك في قوله تعالی: من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لأت وهو السميع العليم ، ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين (العنكبوت 5-6) .

وحتی لا يفرح الكافرون بكفرهم ويظنون أنهم معجزين في الأرض، يخبرهم الحق تبارك وتعالی بأنه حتی لو كفر من في الأرض جميعا، فإنه جل وعلا الغني عن العالمين، قال تعالی: ومن كفر فإن الله غني عن العالمين (آل عمران 97) .

وجاء هذا المعنی علی لسان نبي الله موسی (ع) في خطابه لقومه، قال تعالی: وقال موسی إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد (إبراهيم 8) .

وفي موضوع الانفاق في سبيل الله جل وعلا، يقول سبحانه وتعالی لمن يبخلوا ويأمرون الناس بالبخل، بأنهم يبخلون عن أنفسهم، وأنهم الفقراء، وأن الله هو الغني الحميد، جاء ذلك في قوله تعالی: ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وأن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم (محمد 38) .

وكم تكرر قوله تعالی: ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد. وهو تكرار يؤكد علی الحرية المطلقة، لم يقل: ومن يتول فأعتقلوه في الأمن القومي. ولم يقل: ومن يتول فأقتلوه. ولم يقل: ومن يتول فعذبوه .. الخ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه تعالی ملك بر رؤوف رحيم.

قلت ما سمعتم، واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، ولوالدي ووالديكم، ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

لم يأمرنا الحق تبارك وتعالی أن نقيم محاكم تفتيش لمحاسبة الناس علی عقائدهم، لأن هذا ليس في وسعنا أصلا، فنحن لا نعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، هذا أولا.

ثانيا: خالق الخاق هو الذي يحاسب ويعاقب الخلف علی عقائدهم، ومن يتدخل في علاقة الناس مع الله جل وعلا فقد جعل من نفسه شريكا لله الواحد القهار.

وآيات الله جل وعلا كما أسلفنا واضحة في هذا الصدد، ولمزيد من التوضيح نتتبع آيات الله البينات التي تنص علی أن الحساب والعقاب بيده تعالی وحده لا شريك له.

قال تعالی: ويل لكل أفاك أثيم ، يسمع ءايات الله تتلی عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم , وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ، من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبو شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم ، هذا هدی والذين كفروا بأيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم (الجاثية 7-11) .

فالله جل وعلا يتوعد المستكبرين عن عبادته والمستهزئين بآياته بالعذاب المهين، ولم يوكل أحد بأن يقوم باعتقالهم أو تعذيبهم.

حتی أولئك المشركين الذين كانوا يكيدون للإسلام والمسلمين، لم يعط الله جل وعلا الاذن لخاتم النبيين بأن يحاسبهم ويعاقبهم، فقط قال له رب العزة: فذرهم حتی يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ، يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون (الطور 46) .

ختاما: يقول الحق تبارك وتعالی: يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخركم من الظلمات إلی النور وكان بالمؤمنين رحيما (الأحزاب 41-43) .

وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (غافر 60) .

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علی الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا ، واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا علی القوم الكافرين.

قوموا إلی صلاتكم يرحمكم الله

اجمالي القراءات 6767

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   سعيد علي     في   الأحد ٠٤ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[83056]

خطبة رائعة استاذ عبد الوهاب النواري


خطبة رائعة أستاذ عبد الوهاب حفظكم الله فما قلتم لهو ( ذكر الله ) ، تقبل الله جل و علا ( سعي ) من ذرأ البيع و سعى الى ذكره جل و علا ، الاجمل ان كل استشهادكم كان من الذكر الحكيم ، تقبل الله جل و علا جمعتكم و كل طاعاتكم .



2   تعليق بواسطة   عبدالوهاب سنان النواري     في   الثلاثاء ٠٦ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[83071]

أشكرك كثيرا


أشكرك كثيرا أخي سعيد علي، وارجو من الحق تبارك وتعالى أن يجمعنا بكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-11-03
مقالات منشورة : 84
اجمالي القراءات : 961,924
تعليقات له : 60
تعليقات عليه : 67
بلد الميلاد : Yemen
بلد الاقامة : Yemen