رحلتي من الإخوان إلى العلمانية (3)

سامح عسكر Ýí 2015-12-14


كان مشروعي الديني للتجديد يتضمن النظر في أصول وثوابت المذهب نفسه، وليس مجرد النظر في تعاليم البنا أو مراجعة سلوكيات ومبادئ الجماعة.

فمثلا عندما يقولون أن الله ينزل من السماء السابعة إلى السماء الدنيا كل ليلة ويدعو البشر للتوبة والاستغفار كنت أقول..أليس هذا تقريراً بالحركة؟..أليس هذا تقرير بالمكانية؟..أليس هذا مضمون عقائد المجسمة؟..وهل نزول الله كل ليلة عند العرب فقط أم في أمريكا اللاتينية؟..فالمعلوم أن ليل العرب نهار اللاتين والعكس، فمعنى أن الله ينزل كل ليلة للسماء الدنيا -مع عدم غروب الشمس عن كوكب الأـرض- يعني أن الله في حال انتقال دائم أو أنه قابع في السماء الدنيا للأبد..فلما القول أنه يتحرك..ومن أين؟؟!

ليس هذا فقط كانوا يسقون لنا عقائد السلفية الوهابية في التشبيه بالخالق كقولهم أن الله يجلس فوق العرش والكرسي ضمن إطار حلقات التفسير الأسبوعية بعد صلاة المغرب، رغم أن هذه الأشياء من صفات البشر ولا يجوز نسبها لله، وعند الاطلاع على رأي الفرق في ذلك أعجبني رأي الأشاعرة والإمامية الذين قالوا بالتفويض والتأويل، وعند البحث في رأي الفرق البائدة -كالمعتزلة -وقفت على تأصيل شرعي وفلسفي محكم من رؤوسهم كالقاضي عبدالجبار، وكذلك حدث توافق بين رأي القاضي وبين تأصيلات الفخر الدين الرازي في تفسيره الكبير..رغم أن الرازي لم يكن معتزليا إلا أن مساحة التوافق بينه وبين القاضي عبدالجبار في أمور كثيرة ملحوظة بشكل واضح.

كذلك في فصلهم التوحيد ما بين توحيد ألوهية وتوحيد ربوبية، والإقرار بإيمان المشركين على عهد النبي بتوحيد الربوبية وكفرهم بنوع واحد وهو الألوهية..كانوا يقولون أن الربوبية تعني الإيمان بأن الله رب الأرباب ..هو الخالق المتفرد والأول والآخر..وفي ذلك لم يكن يختلف كفار قريش مع المسلمين، لكن في الإيمان بألوهية الله اختلفوا..فقال المشركون أن هبل ومناة واللات والعزى آلهة، وقال المسلمون هؤلاء أصنام لا تضر ولا تنفع.

هذه العقيدة رغم منطقيتها في بعض الجوانب إلا أن لوازمها على الأخ تعني انخراطه في تكفير كل من حوله من باب كفر الناس بتوحيد الألوهية وتشبيههم بكفار قريش، فالصوفية مثلا يؤمنون أن الله رب، ولكن يتخذون البدوي والجيلاني والرفاعي آلهة يستغيثون بهم وقت الضيق، وبذلك تشابه الصوفية مع مشركي مكة..نفس الحال مع الشيعة حين كانوا يستغيثون بالحسين والأئمة الإثنى عشر في صلواتهم وأدعيتهم..وعليه سينطبق عليهم ما انطبق على الصوفية..!

كانت رؤية دينية غفلت عن أن هذا التقسيم لم يحدث من النبي ولا صحابته ولا من التابعين..بل أقره ابن تيمية وتوسع فيه ابن عبدالوهاب، وعن طريقه تم تكفير كل سكان شبه الجزيرة العربية والشام ومصر والعراق، وشرعوا في محاربتهم بدعوى الشرك..فعلى أي أساس كانوا يدعون انتسابهم للسنة حرفيا وقد فعلوا ما لم يجزه السلف في مدوناتهم أو المأثور عنهم؟

ثم ما حال قول يوسف لأصحاب السجن حين قال.."أأرباب متفرقون أم الله الواحد القهار"..؟..هذا يعني أن معنى الرب الوارد في طبيعة التقسيم غير صحيح، فالأرباب على لسان يوسف تعني الآلهة المتعددة وليس الرب الواحد..وهو معنى يتكرر كثيراً في القرآن بحيث يتم استخدام الرب بمعنى الإله والعكس..فقد أخطأوا بشدة في هذا التقسيم..وقلت مع منطقيته أن وقعه على العقل (حَسَن) لكن حين مقاربته مع الشرع نجده يتضاد كلياً مع القرآن..وكذلك لما يلزمه من التكفير والتوسع فيه..حتى أن من قال ذلك شهد بإيمان أبي جهل وأبي لهب ربوبيا..في حين يشهد بكفر بعض المسلمين ألوهيا..وهذا مدخل مهم للتكفير وتحريف الدين حدث مع السلفيين وتوسعوا فيه حتى ضل الأكثرون منهم..وبما أن هذه العقائد الضالة كنت تدرس في الإخوان كان العضو الإخواني معها سلفياً بالمعنى الحرفي الأيدلوجي..بحيث لن يبحث عن إيمان أحد بل سيبحث عن كُفرهم..هذا لو جاز له البحث من الأصل..

إن التطرف في تصور معنى التوحيد جعل شغلهم الشاغل هو البحث في عقائد الناس، وقد شاع في الإخوان هذا الإسم، حتى عندما كنت أحاور البعض منهم في بعض المنتديات كان البعض يلقب نفسه بابن التوحيد وفارس التوحيد ، وشاعت كتب بعض القيادات والرموز الروحية على شاكلة.."ما هو التوحيد وكيف اهتديت للتوحيد".. في سلوك متطرف جعل من الأخ مشروع تكفيري يرى الناس بمنطق الإيمان والكفر وليس بمنطق العدل والظلم..أو الخطأ والصواب..

ما حدث من غلو في تصور معنى التوحيد هو نتيجة طبيعية لصعود القُطبيين في الجماعة، فسيد قطب هو من توسع في هذا التقسيم المنسوب لابن تيمية وابن عبدالوهاب، وهو من توسع في الانشغال بالتوحيد ومصادرة حق الناس في الإيمان بناءً على قناعاتهم الشخصية وليست قناعات قُطب الوصائية، وقد ذكرت في كتابي .."مدينة الإخوان"..كيف كان المُحاضر الإخواني –مستشار وزير الصناعة-يدرس لنا هذه الأفكار الضالة وكيف رددت عليه في الجلسة وما حدث بعدها من عقاب تنظيمي وحرمان من الجلسات الشهرية المسماه بالكتائب..

للإنصاف لم يكن الكثير من الإخوان-وقتها-منشغلون بالتكفير بل كانوا ضد الفكرة أصلا..بل وضد طرحها للمناقشة كونها أمور مرفوضة في التنظيم، وأذكر كلما ارتفعت معدلات الغضب من الآخر وأصبحوا على وشك تكفيره يجري تذكيرهم بكتاب .."دعاه لاقضاه"..للمرشد السابق حسن الهضيبي، في سلوك متوارث من زمن حرب الجماعة الفكرية مع تنظيم شكري مصطفى في الستينات والسبعينات المعروف إعلاميا بجماعة التكفير والهجرة..

لكنني أؤمن بأن غرق السفينة يبدأ بجرام ماء، والسير في طريق المجهول يبدأ بخطوة..فما كان يدرس لنا من ثقافة ومنع من الاطلاع ليس له إلا نتيجة واحدة وهي الغرق في وحل التكفير والتورط في مستنقع مجهول للإخوان كجماعة، وضرر كبير سيحدث للأفراد تنتهي معها كل بادرة أمل في إصلاحهم ولو لأنفسهم..

وإلى اللقاء في الجزء الرابع من الرحلة

اجمالي القراءات 8034

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,607,058
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt