جماعات الفـُـتـوة في الأناضول في العصرين السلجوقي والعثماني في المصادر الفارسية:
فتوة العيارين : فى العصر العباسى الأول

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-11-19


 

نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

 

جماعات الفـُـتـوة في الأناضول في العصرين السلجوقي والعثماني في المصادر الفارسية

المزيد مثل هذا المقال :

ف1 : الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي :  تاريخ الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي

رابعا : فتوة العيارين : فى العصر العباسى الأول :

اعتبر العلويون بنى عمومتهم العباسيين مغتصبين لأن الحق ــ كما كتب محمد بن عبد الله بن الحسن إلى المنصور في ثورته عليه (145هــ) : (حقنا وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضله فإن أبانا عليا كان الوصى وكان الإمام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء .؟) . فرد المنصور (جل فخرك بقرابة النساء لتضل به الجفاة والغوغاء )[1] . ولذا ثار العلويون بعون السوقة أو أرباب الحرف أو الشطار أو العيارين ) [2].

ذكر ابن الأثير في بناء بغداد أن المنصور أخرج الأسواق والسوقة إلى ناحية الكرخ لأنهم ثاروا مع إبراهيم أخى محمد بن عبد الله ولم يدع منهم إلا بقالا في كل ربع )[3] . وهؤلاء السوقة أو أرباب الحرف هم الشطار في تسمية أخرى كما دل على ذلك المنصور لما رأى صبر موسى أخى ابراهيم ومحمد على الضرب على نحو يشبه الفتيان الذين أيدوهم ، قال : (عذرت أهل الباطل في صبرهم فما بال هذا الغلام المنعم الذي لم تره الشمس ؟) ، وقد فسر الحصرى المنقول عنه معنى أهل الباطل بأنهم الشطار . ويستدل . ويستدل "الشيبي" من ذلك على أن الفتوة كانت معروفة ومنظمة في منتصف القرن الثاني الهجري وأن الصبر على الضرب كان من آداب مشربهم ) [4].

وقد سلك الثوار من العلويين مسلك الشطار في ثوراتهم ، ففي خلافة الهادي ظهر الحسين بن على بن الحسن (169هـ) في المدينة وأقام أتباعه في مسجدها يأكلون ويُحدثون . ولما أتى مكة أتاه العبيد وفرق في بغداد والكوفة أربعين ألف دينار وخرج ما يلبس إلا فرواً ليس تحته قميص ) [5]. وفي خروج الحسن ابن الحسين بن على المعروف بابن الأفطس (189هـ) تطرق أصحابه إلى قلع شبابيك الحرم وأخذ ما على الأساطين من الذهب وما في خزانتها من مال وما عليها من كسوة ولم يتورع اتباعه من قتل الأبرياء وإحراق دورهم  ) [6].

(1)           العيارون والحرب مع الأمين (197هـ) :

كان حكم الرشيد بما فيه من أثرة البرامكة وتسلطهم سببا من أسباب زيادة فقر السوقة ، وزاد الحال سوءا في عهد الأمين . وما أن شبت الحرب بين الأمين والمأمون حتى انتهزها العيارون فرصة لنهب الأغنياء متظاهرين بمعرفة الأمين وهم يريدون ــ كما ذكر بنفسه ــ ماله )[7] . ولما شرع طاهر وقواد المأمون في حصار الأمين تفرق عن الأخير جنده  (إلا باعة الطريق والعراة وأهل السجون والأوباش والطرارين وأهل السوق ) [8] ، فنصب عليهم (على أفْراهْمرد) العيارى . قال العيارون في ذلك :

  لنا من طاهر يوم        عظيم الشأن والخطب

أتاه كــــــل طـــرار       ولص كان ذا نقــــــــب

وعريان على جنبيـــــــــه آثار من الضــــــــــرب

وصمد العيارون (وكانوا يقاتلون عراة في أوساطهم التبابين ) [9] والميازر وقد اتخذوا لرؤوسهم دواخل من الخوص وسموها الخوذ ودرقا من الخوص والبوارى قد قيرت وحشيت بالحصى والرمل . على كل عشرة منهم عريف وعلى كل عشرة عرفاء نقيب وعلى كل عشرة نقباء قائد وعلى كل عشرة قواد أمير . ولكل ذي مرتبة من المركوب على مقدار ما تحت يده . فالعريف له أناس مركبهم غير ما ذكرنا من المقاتلة ، وكذلك النقيب والقائد والأمير ، وناس عراة قد جعل في أعناقهم الجلاجل والصوف الأحمر والأصفر ومقاود قد اتخذت لهم ولجم وأذناب من مكانس ومذاب . فيأتي العريف وقد أركب واحدا وقدامه عشرة من المقاتلة على رؤوسهم خوذ الخوص ودرق البوارى ويأتى النقيب والقائد والأمير كذلك . فتقف النظارة ينظرون إلى حربهم مع أصحاب الخيول الفره والجواشن والدروع والتجافيف والسواعد والرماح والدورق التبتية عراة وهؤلاء على ما ذكرنا من العدة )[10].

وتمكن طاهر من استئمان أفراهمرد فوكل الأمين الأمر إلى 0الهرش) العيارى فكان العيارون يسلبون تجار الكرخ الأغنياء حتى خرجوا هاربين إلى الحج )[11].

وتقدم أحد الخراسانيين فاستهان بالعيارين فتقدم إلى أحدهم وفي بداية بارية مقيرة وتحت إبطه مخلاة فيها حجارة فجعل الخراساني كلما رمى بسهم استتر منه العيار فوقع في باريته أو قريبا منها فيأخذه ويتركه وصاح (دانق) أي ثمن النشابة دانق قد أحرزه فلم يزالا كذلك حتى فنى سهام الخراساني ، ثم حمل عليه العيار ورمى بحجر من مخلاته في مقلاع فما أخطأ عينه ثم خر فكاد يصرعه فانهزم وهو يقول : ليس هؤلاء بناس ، هؤلاء شياطين )فأنشد شاعرهم :

خرجت هذه الحـــــــــــــــــــــــــروب رجالا     لا لقحطانها ولا لنزار

معشرا في جواشن الصوف يغدرون إلى الحرب كالليوث الضواري

وعليهم مغامر الخــــــوص تجزيهم على البيض والتراسُ البوارى

ليس يدرون ما الفـــــــــــــــــرار إذا الأبطال عاذوا من القنا بالفرار

واحــد منهــم يشـــــــــد على ألفين عـــريان مال مــــــــــــــــن إزار

ويقول الفتى إذا طعن الطعــــــــــنة خـــــــــــــــــذها من الفتى العيار

كم شريف قد أخملته وكم قد     رفعــــــــت من مقامـــر طـــرار )[12]

ثم كانت واقعة بدرب الحجارة فنى فيها خلق من العراة أصحاب (رماح القصب وأعلام الخرق وبوقات القصب وقرون البقر) وثبت بعضهم أمام قواد المأمون فهزموا أحدهم وأسروه فقال عمرو الوراق :

عريان ليس بذي قميص       يغدو على طلب القميص

يغدو على ذي جوشــــن      يعمي العيون من البصـيـص

في كفه طـــــــــــــــرادة حمراء  تلمع كالفـصــــــــــــــوص

حرصا على طلب القتال       ل أشد من حرص الحريــص

سلس القيادة كأنما        يغدو على أكل الخبيص )[13]

ليثا مغيرا لم يــزل       رأسا يعد من اللصـــوص

أجرى وأثبت مقدما      في الحرب من اسد رهيص

يدنو على سنن الهوا    ن وعيصة من شر عيص )[14]

ينجو إذا كان النجـــا    ء على أخف من القلــــــوص

ما للكمى إذا لمقــــــ    تلــه تعرض من محيـــــــــص

كم من شجاع فــارس  قد باع بالثمن الرخيــــــــــص

يدعو : ألا من يشترى   رأس الكمى بكف شيــــص.؟ ! )[15]

وانتهى الأمر بطاهر بوعد من بقى من رؤساء (الأبناء) أو (التوابع) أو العيارين الكرخ )[16].

وبعد مقتل الأمين وثب العيارون بطاهر فاعتذر قوادهم إليه فأمر طاهر لهم برزق أربعة أشهر ن فقال في ذلك بعض الأبناء :

آلى الأمير وقوله  وفعاله      حق بجمع معاشر الزعار )[17]

وكان لأهل بغداد في أيام حرب المستعين والمعتز (248هــ) حرب نحو هذا من خروج العيارين إلى الحرب وقد اتخذوا خيلا منهم وامراء كالملقب بـ (نينويه خالويه) وغيرهم ، يركب الواحد منهم على واحد من العيارين ويسير إلى الحرب في خمسين ألف عراة ) [18].

(2)           آداب العيارين :

للعيارين آداب عسكرية سبقت وآداب سلوكية وأخلاق متميزة ، قال أحدهم ذهب الفتيان فما ترى فتى مغرق الشعر بالدهن معلقا نعله ولا صديقا له صديق إن قمر ضفا وإن عوقب جزع وإن خلا بصديق فتى خنثه وإن ضرب أقرب وإن طال حبسه ضجر ولا ترى فتى يجسر أن يمشى في قيده ولا يخاطب أميره.

وكان لهم كلام خاص ، قال أحدهم مفتخرا : انا الموج الكدر ، أنا القفل العسر ن أنا النار انا العار ، أنا الرحى إذا دار مشيت أسبوعين بلا رأس وأكلت جميع ما في قدور الهراس ، أقطف رأسك وأجعله زر قميص واستسقيك فلا أعطشك إلا في الجحيم وأشربك فلا أبولك إلا على الصراط المستقيم .....)[19]

واستتبع ذلك أن يكون قاض كأبي الفاتك الديلمي الملقب بقاضي الفتيان ، كان يسكن بغداد عند باب الكرخ ويجتمع عنده الفتيان يملى عليهم آداب الفتيان .

ومن كلامه في ذلك : الساقي لا ينبغي أن يكون محدثا ولا مغالطا ولا محابيا ولا حريصا ولا منكرا ولا متكئا ولا محتبيا ولا مشتغلا بأمر غيره ، وله فصول في آداب الفتوة.

قيل لأحد الفتيان : لِمَ تبيح الطعام لمن لا يحمدك ومن إن حمدك لم يحسن أن يحمدك ومن لا يفصل بين الشهى الغذى والغليظ الزهم .؟ قال يمنعني من ذلك أبو الفاتك . فقيل له : ومن أبو الفاتك .؟ قال : قاضي الفتيان.

قيل : فما قال أبو الفاتك .؟ قال : قال أبو الفاتك : الفتى لا يكون نشافا ولا نشالا ولا مرسالا ولا لكاما ولا مصاصا ولا نفاضا ولا دلاكا ولا مقورا ولا مغربلا ولا محلقما ولا مسوغا ولا مبلعما ولا مخضرا ، فكيف لو رأى أبو الفاتك اللطاع الذي يلطع أصبعه ثم يغمسها في المرق أو اللبن او السويق .. والقطّاع الذي يعض على اللقمة فيقطع نصفها ثم يغمس النصف الآخر في الأدام .. والنهاس الذي ينهش اللحم كنهش السباع .. والمدّاد الذي إذا أكل مع أصحابه الهريسة أو غيرها أتى على ما بين يديه ومد يده إلى ما بين أيديهم أو الذي يعض على الغضروف الذي لم ينضج ويمده بفيه من جهة وبيده من الجهة الأخرى فيقطعه بنثرة واحدة فينثر ما عليها على مؤاكله .. والدفّاع إذا وقع في القصعة عظم فيما يليه نَحَّاه بلقمة من الخبز حتى تصير في مكانه قطعة لحم وهو في فعله ذلك يظهر للمؤكلين أنه يريد تشريب اللقمة مرقا .. والمحّول الذي إذا رأى كثرة النوى بين يديه احتال له حتى يخلطه بنوى صاحبه (عن البخلاء للجاحظ)..  والقطاع والنهاش والمداد والدفاع والمحول ...؟

والنشاف في اصطلاح الفتيان في 1لك الوقت الذي يفتح الرغيف من حاشيته ثم يغمسه في رأس القدر ويُشْرِبُه الدسم ويأكله وحده ، والنشال الذي يتناول الطعام من القدر ويأكله قبل النضج وقبل اجتماع الآكلين . والمرسال من إذا وضع في فمه لقمة هريسة أو ثريدة أرسلها في حلقه إرسالا . واللكام من يلتقم لقمة فيلكمها بأخرى قبل إجادة مضغها وابتلاعها . والمصاص من يمص قصبة العظم بعد استخراجه مخه . والمقور من يقور الرغيف ويأخذ وسطه ويدع حواشيه . والمحلقم من يتكلم واللقمة قد بلغت حلقومه . والمغربل من يأخذ وعاء الملح فيديره إدارة الغربال ليجمع بهاراته ويستأثر به على أصحابه . والمسوغ الذي يعظم اللقمة فتقف في حلقومه ويغص بها ويسيغها بالماء ولا يزال يفعل ذلك . والمبلعم من يغمس حواشي الرغيف في الزبد وغيره لأنها تحمل أكثر من الأوساط . والمخضر من يدلك يده بالأسنان من الودك حتى إذا اخضر من الدرن دلّك به شفتيه والدلاك هو الذي لا يجيد تنقية يديه بالأسنان ويجيد دلكها بمنديل الغمر ) [20].

 

 



[1]
ــ الكامل 5 / 254

[2]ــ الشاطر في اللغة من أعيا أهله خبثا ، والعيار الكثير المجيء والذهاب والذكي الكثير التطواف وأطلقت على الأسد و الشجاع (أنظر لسان العرب والقاموس في هاتين المادتين) وهي معان تنطبق على اوصافهم كما أثبتها التاريخ وسوف يرد ذلك وترد على " بهار " الذي ادعى أن " عيار " بهلوية الأصل فقد تحرفت من (أدى وار) إلى ( ايي وار) و ( اييار) ثم ( يار) في الفارسية بمعنى الحبيب والرفيق (راجع نمونه هاى ازنظم ونثر فارسي .. توضيحات على أكبر فرزام بور (تهران 1354 ش) 189 ، 406

[3]ــ الكامل 5 / 254

[4]ــ الصلة بين التصوف والتشيع 497

[5]ــ الكامل 6 / 37 ــ 8

[6]ــ الطبري 8 / 528 ـ‘ـ 41  ، والكامل 6 / 123 ــ 9

[7]ــ الكامل 6 / 112

[8]ــ الطبري 8 / 448 والكامل 6 / 110

[9]ــ جمع تبان أصله فارسي (تنبان) السروال به حزام (فرهنكِ عميد)

[10]ــ مروج الذهب تحقيق محمد محيي الدين (مصر 1387) 2 / 316 وكان يمكن ان تسلح هذه الجموع وتوجه إلى الجهاد بدلا من أن تصل إلى هذا الحال..

[11]ــ الطبري 8 / 456  ، والكامل 6 / 110 ــ 111

[12]ــ الطبري 8 / 457 ــ 8 ، والكامل 6 / 111 ــ 2  والمروج 2 / 320 ــ 22  ..  والتراس جمع ترس

[13]ــ الخبيص الحلواء المخبوصة

[14]ــ العيص منبت خيار الشجر والعيص الأصل ، وفي المثل عيصك منك وإن كان أشبا (غير صحيح) وعيص الرجل منبت أصله .. (لسان العرب مادة عيص) ..

[15]ــ الشيص والشيصاء رديء التمر واحدته شيصة وشيصاءه (لسان العرب مادة شيص) ..

[16]ــ الطبري 8 / 465 ــ 75  والمروج 2 / 322 ــ 5 ، والكامل 6 / 111 ــ 7 وقد ذكرت هذه المصادر من قوادهم (علاء) و (قريش) و (الحبيشى) و(ابن الصقر) و(الأفريقي)..

[17]ــ الطبري 8 /495 ــ 7 والزعار والزعران من زعر زعرا والزعر في شعر الرأس وفي ريش الطائر قلة ورقة وتفرق .. ومنه قيل للأحداث زعران ومن هنا اطلقت على الفتيان ، وربما لكثرة خروجهم وعبثهم ، فقوله (في خلقه زعارة بتشديد الراء أي شراية وسوء خلق لا يتصرف منه فعل وربما قالوا زعر الخلق والزعرور السيء الخلق ) (لسان العرب مادة زعر) ..

[18]ــ المروج 2 / 319 والكامل 7 / 44 ــ 54

[19]ــ مقدمة كتاب الفتوة 16ــ 17

[20]ــ مقدمة كتاب الفتوة 17 ــ 20  ، وانظر أيضا ما اورده من حكايات تلصصهم بما يفيد أن لبعضهم ثقافة أدبية ودينية وظرافة (29 ــ 30 )

اجمالي القراءات 5954

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more