ف1 : الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي :
تاريخ الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي :الفتوة والتشيع

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-09-17


 

نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

جماعات الفـُـتـوة في الأناضول في العصرين السلجوقي والعثماني في المصادر الفارسية

المزيد مثل هذا المقال :

 

ف1 : الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي :  تاريخ الفتوة حتى بداية العصر السلجوقي :الفتوة والتشيع

تعريفات الفتوة السابقة تنبيء عن مراحل تاريخها ، فمن الثابت اتصاف العربي قبل الإسلام بالفتوة من شجاعة وكرم ووفاء بالوعد وحماية للضعيف وفك العاني وغير ذلك . فقد فرضت قوانين الحياة الصحراوية القاسية على العربي أن يكون شجاعا يغير على جاره إذا جف الزرع والضرع ويذود عن حياضه إذا تعرض للغارة عليه والغلبة للقوى في ذلك :

فتى قُدّ قَدّ الســــيف لا متضائل    ولا رهــــــل لَبّاته وأبا جلـــــــــــه

إذا جَدّ عند الجد أرضــــــــــاك     وذو باطل إن شئت أرضاك باطله

يسرك مظلوما ويرضيك ظالما     وكل الذي حمّلته فهو فاعـلــــــــه )[1]

أما الكرم فهو ضرورة اجتماعية حكمتها ظروف الصحراء إذا شَحّت السماء أو تغرب العربي عن دياره بصرف النظر عن شخصه او قبيلته :

وداع دعا بعد الهــــــــدوء كأنما           يقاتل أهــــوال السّـــــــرى وتقاتله

فلما سمعت الصوت ناديت نحوه          بصــــــــوت كريم الجد حلو شمائله

فأبرزت ناري ثم أثقبت ضوؤها          وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله

وقلت له : أهلا وسهلا ومرحبا           رشــــدت ، ولم أقـعــــــد إليه أسائله  )[2]

وقد تمثل الفتوة الجاهلية من شجاعة وكرم ووفاء بالوعد الصعاليك العرب وهذا واضح في أشعار شعرائهم مثل عروة بن الورد والشنفري )[3] .

وقد هذب الإسلام الفتوة الجاهلية وجعل مبعثها الإيمان بالله لا العصبية ولم يعد الكرم تبادلا نفعيا وإنما أصبح المؤمن يؤثر به عن رضا ويتقبله الفقير بعزة . كما لم تبق الشجاعة للسطوة وإنما وجهت وجهة صالحة إلى جهاد الكفر وأهله . وقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين الفقراء والأنصار الأغنياء خشية أن تثور الأنفس القريبة العهد بالغارة والنزاع إذا نزل قوم فقراء على أغنياء . لكن الأنصار تقبلوا إخوانهم المهاجرين بإيثار على أنفسهم . قال تعالى في ذلك : (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ  وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [4].

أولا : الفتوة والتشيع :

تم توجيه الفتوة العربية نحو الفتوحات تمسحا بالجهاد الاسلامى فتم غزو الشام وفتح دمشق (14 هـ) في عهد أبي بكر وحسم الموقف في معركة اليرموك بقيادة خالد بن الوليد والقضاء على الجيش البيزنطي بها . ولما ولى عمر بن الخطاب الخلافة اشتدت هجمات المسلمين في الشرق ، وبعد انتصارات عدة في البويب والقادسية دخلوا المدائن (14 هـ) ونهاوند (21هـ) ثم الدينور وهمدان وأصبهان وقزوين وزنجان والرى وجرجان وطبرستان وأذربيجان وخراسان )[5].

وفي الشمال استكمل المسلمون فتح الشام وتسلم عمر بيت المقدس واستولوا على الجزيرة ، أما في الغرب فقد تمكن عمرو بن العاص من فتح مصر ودخل المسلمون طرابلس الغرب وبرقة .

وواجه عمر   تطورات جديدة بعد أن انفتحت الدولة الإسلامية على المدنيات القديمة فأوجد نظام الديوان الذي يضمن للمجاهدين وأعقابهم دخلا ثابتا من موارد البلاد المفتوحة فينصرفون بكليتهم إلى الجهاد ، كما بنى الثغور الإسلامية التي تضم الأجناد لتحفظ فتوتهم من الضعف للاختلاط بالرعايا المحليين مثل البصرة والكوفة في العراق والفسطاط في مصر والقيروان في شمال إفريقية )[6].

بيد أن الخشونة والشدة التي أخذ عمر بهما المسلمين لم يدم حالهما بعد وفاته ، فما أن ولى عثمان حتى لان لقريش واستعمل أقرباءه ، فقدم عليه عمه مروان طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب له خمس إفريقية . وولى عقبة بن أبي معيط الكوفة ثم ولاها الوليد بن عقبة وظهر فسقه ، فولَّاها سعيد بن العاص فنهب الأموال وادعى السواد أى ريف العراق لقريش لأهل بيته فنقم الناس عليه )[7].

وفي عام (35هـ) كثر الطعن عليه لما نال عمار بن ياسر ــ الذي تشيع لعلى بن أبي طالب عقب مبايعة عثمان ــ من الضرب ولما فعله بأبي ذر الغفاري الذي أنكر عليه وعلى كعب بن ثابت قولهما بترك الإنفاق والإيثار وإذا زكى المسلم وبجواز أخذ المال من بيته للإنفاق الشخصي ) [8].  واتجه الناقمون إلى علىّ ممن كان يريد خلافته وغيرهم ليقضى مظالمهم ويعزل أقرباء عثمان . وتغلب معاوية والى الشام ومروان بن الحكم وابن عامر والى البصرة وغيرهم على عثمان فقامت الفتنة وقتل عثمان (35هـ) ووسط هذا بويع لعلي )[9].

(1)           الفتوة وعلب بن أبي طالب :

يمثل (على) الفتوة الإسلامية من إيمان بالله صادق وإيثار وجهاد في وقت ظهر فيه الهوى والأثرة والتكالب على الدنيا لما ذاق المسلمون الثراء الواسع بعد فقر والعز بعد هوان . ففي صباه آثر النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه بمبيته في فراشه ليلة الهجرة ، وفي شبابه ظهرت فتوته في المعارك الإسلامية فأعطاه الرسول راية خيبر )[10] وكان أن آثره الرسول صلى الله عليه وسلم بإخائه يوم المؤاخاة . ورغم سبقه وقرابته وفتوته فلم يثر لما ولى أبو بكر وعمر وعثمان تغليبا للمصلحة العامة.

ولم تكد تتم بيعته حتى خرج طلحة والزبير بعد أن بايعاه يريدان الخلافة )[11] ، وقد آزرتهما عائشة وأتحد الجمع فيقتلون رجالا في المسجد في البصرة ويأبون الصلح والعودة ويتقابل الناس في معركة سقط فيها عشرة آلاف . ويعلن معاوية انتفاضه طالبا دم عثمان من علي ويثير الشوام ، وينضم إليه عمرو بن العاص وكلاهما يبغي الدنيا . وتعود وفود على خائبة المسعى وكانت تعرض الصلح والجماعة وتقوم الحرب ويقاتل عمار وشيعة على مؤمنين بأنهم على حق . ويشتد الأمر على معاوية وعمرو فيشيران بتحكيم القرآن خدعة فيجيب أئمة الخوارج بعدُ على كره من علىّ وخوف من أن يتقاتل أصحابه وتنتهي موقعة صفين بنجاة الشوام . وتنطلي خدعة التحكيم ويخلع على وينادي بخلافة معاوية ويخالف الحرورية الخوارج التحكيم ويقاتلهم على وينفض عنه جنده حين يندبهم لقتال معاوية بل يلحق بعضهم به ويدرك أن فتوته قد مضى زمنها وأن الناس مالوا إلى الدنيا كما كان حالهم قبل الإسلام فيقول بمرارة : ( ألا إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم ) [12].

" لا فتى إلا على " :

وصف على بالفتوة يوم أحد ، وزعموا حديثا يقول ان أعجب بقتال ( على ) فى المعركة  فقال : ( يا رسول الله إن هذه للمواساة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه منى وأنا منه . فقال جبريل : وأنا منكما ، فسمعوا صوتا :

لا سيف إلا ذو الفقار    و لا فتى إلا على  )[13]

وقال علاء الدين دده السكتوري ( أول ما قيل في حقه : لا فتى إلا على ــ رض ــ يوم أحمد ، وذلك أن الرسول ــ ص ــ جلس تحت راية الأنصار وأرسل إلى على أن قدم الراية ، فتقدم ونادى بين الصفوف ( أنا أبو القاسم) . وقاتل وبارز حتى قيل في حقه لا فتى إلا على . وزيد بعد ذلك لما انتقل إليه وصاية ووراثة السيف الشهير المسمى بذى الفقار قول الأخبار العلوية ( لا سيف إلا ذو الفقار) وهو كان اسم سيف النبي ــ ص ــ أهداه له المقوقس وفى بعض الأخبار أصابه في غنيمة خيبر )[14] . وبذا جعلوا عليا أول من وصف بالفتوة في الإسلام .



[1]
ــ اللبات جمع لبه وهي المنحر ومحل القلادة والأبجل عرق غليظ يكون في الفخذ والساق .. الفتوة عند العرب 25 ــ 6 .

[2]الفتوة عند العرب  66 ــ 9

[3]ــ الصعلوك في لسان العرب الفقير الذي لا مال له زاد الأزهري ولا اعتماد ، وصعاليك العرب ذؤبانها وكان عروة بن الورد يسمى عروة الصعاليك لأنه كان يجمع الفقراء في حظيرة فيرزقهم مما يغنم .. ويرى الدكتور يوسف خليف في كتابه (الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلى . طـ . 1966 ) أن فقر الصعاليك دفعهم إلى الغارة والسلب والنهب (انظر كتابه 28 ــ 61) وأن هناك نوعين منهم : : الصعلوك العامل الذى يمثل صعاليك الدائرة الاجتماعية مثل عروة والشنفرى والصعلوك الخامل وهو الذي يمثل صعاليك الدائرة اللغوية أي بدأ فقيرا وانتهى فقيرا .. ثم يضع تفسيرات لظاهرة الصعلكة وهي التفسير الجغرافي (انظر كتابه 63 ــ 88) فاصطلح أن ظاهرة التضاد الجغرافي في جزيرة العرب كانت السبب في نشأة الصعاليك وتوجه حركاتهم من المناطق المجدبة إلى الخصبة .. ثم التفسير الاجتماعي (89 ــ 121) ومقتضاه أن الصعاليك طائفة الهجناء والأغربة او الرقيق كفروا بالعصبية القبلية وطائفة الخلعاء والشذاذ لإيمان العرب بوحدة القبيلة .. وأخيرا التفسير الاقتصادي (123 ــ 150) ومبناه على أن وجود الأسواق ساعد على وجودهم ولذلك كثروا في منطقة السراة حول مكة لوقوع هذه المنطقة على الطريق التجاري ووجود ثلاث أسواق مشهورة فيها .. كما أن الفارق الاقتصادي وتضخم الثروة أحدث اختلالا اقتصاديا نشأ عنه كثرة الصعاليك .. انظر أيضا ما أورده في أخبار عروة والشنفرى (322 ــ 338) .. وظاهرة التصعلك ــ كما سيتبين ــ ظاهرة تكررت في كل مكان وزمان فظهرت في ثورات العلويين فى العهد الأموي والعيارين في العصر العباسي وهي فتوة ناقصة ..  

[4]ــ الحشر 8 ـ 9  وانظر في رياض الصالحين (356) قصة الصحابي المؤثر وأمثلة الجهاد في بدر وأحد (483 ، 69 ـ 70 ، 219) طبعة مصر 1956..

[5]ــ الكامل لابن الأثير (مصر 1301هـ ) 3 / 2 ــ 14 ..

[6]ــ تاريخ الشعوب الإسلامية .. كارل بروكلمان تعريب نبيه فارس ومنير البعلبكي (لبنان 1949) 1 / 128 .. وانظر وصية عمر للجنود بالخشونة ومراعاة الفروسية في الفتوة عند العرب (253 ، 254 ، 216)..

[7]ــ مروج الذهب للمسعودي (تحقيق محمد الصباغ ) 1 / 233 ــ 5  ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي (مصر 1305 هـ ) 1 / 60 .

[8]ــ مروج الذهب 1 / 235 ــ 7

[9]ــ الكامل 3 / 62 ــ 75

[10]ــ انظر في ذلك رياض الصالحين 99 ــ 100

[11]ــ كان طلحة يريد الخلافة بدلا من عمر برغم أن أبا بكر بايع له (صبح الأعشى للقلقشندي .. مصر 1918) 9 / 349 ــ 60  .. أما الزبير فقد مات عن خمسين ألف دينار وفرس وألف عبد وألف أمة وخطط كثيرة (مروج الذهب (2 / 6 ) ..

[12]ــ تاريخ الطبرى تحقيق محمد أبي الفضل (مصر 1963) 5 / 39 ــ 47 .. وانظر في الكامل 3 / 133 ــ 9 كيف تشابه معاويه وعمرو وجندهما بكفار مكة لما رفض الأول كتابة (على أمير المؤمنين) في التحكيم كما رفض الكفار كتابة (محمد رسول الله) في صلح الحديبية ، الصلة بين التصوف والتشيع للشيبي (مصر) 84 ..

[13]ــ تاريخ الطبري (القاهرة 1957) 2 / 197  ويؤيده ابن هشام في السيرة (تحقيق محيي الدين عبد الحميد  مصر 1937) 3 / 52 

[14]ــ كتاب الفتوة 6 ــ 7 ، 136 ــ 7  وقد نقل جواد في مقدمته عن محاضرة الأوائل ومسامرة الأواخر (69) للسكتورى .. 

اجمالي القراءات 5298

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more