جَميل بالمَرء أن يخلُو بنفسِه أحيانًا لمُدَّة تطُول قليلاً؛ بعيدًا عَن لغط النَّاس وهرج النَّاس، وأنظار النَّاس؛ في مَكان هادِئ مُريح؛ لا صَخب فيه ولا ضَجيج؛ وفي وَقت نشاطٍ وتَركيز وفَراغ ذِهن؛ حتَّى يُفكِّر في مصلحَة نفسِه بتروٍّ وأناة؛ ماذا فرّطَ في الماضي وماذا ضيَّع؟! في ماذا أحسَن وفي ماذا أخفَق؟! نقاطُه الإيجابية حتَّى يُثمِّنَها، ونقاطُه السِّلبيَّة حتَّى يُصلحَها؟! واجباتُه التي لَم يُنجِزها حتَّى يُخطِّطَ لَها التَّخطيط الأمثل لتدارُك ما فاتَه مِنها، وأخطاؤُه حتَّى يتنصَّل من آثارِها! علاقتُه مع ربِّه ومع والديه وأقربائِه، والنَّاس أجمَعين؟! مصيرُه بعد المَوت، وبماذا يلقى الله سُبحانَه وتعالى من أعمال نافعَة يَوم المَعاد؟! يتأمَّل في آيات الله تعالى المتلوَّة والمجلُوَّة، بسياحَة فِكر، وحُضور قَلب، حتَّى تزكُو نفسُه، وتعظُم آفاقُه!! وهكذا من هذه الأُمور المُهمَّة في حَياة كُلِّ واحدٍ منَّا، والتي يستَحيل - أو على الأقل يصعُب جدا - أن يُعطي الإنسان لَها حقَّها في خضمِّ الحياة وأعبائِها، ومشاغلها المُتلاحقَة، وهُمومِها المُتراكمَة!!
أعجبني عَن أحد العارفين بالله؛ تشبيهُه لحياة الإنسان بكُرة الثَّلج المُتدحرجَة من أعلى الجَبل؛ كُلَّما طالَت مسافة التَّدحرج، كُلَّما ازدادت سُرعتُها، وازداد حجمُها أيضًا، ونهايتُها الانكسار والتفتُّت في سَفح الجَبل!! إن لَم تكُن هُنالك وقفات مُنتظمَة للمُحاسبَة والمُراجعَة والتَّخطيط، جرفت الإنسانُ سيُول الدُّنيا إلى حياة الضَّياع واللامَعنى، وغرَّته بزُخرفها وبريقِها، وناءت ظهره بأحمالِها وأوهاقِها؛حتَّى يكُون من الهالكين والعياذُ بالله!!
فنصيحَتي لنفسي أوَّلا ولإخواني، أن تكُون لنا مجالس تفكُّر مُنتظمَة، والأورع أن تكُون مُشفَّعة بشيء من ذِكر الله تعالى والصَّلاة وتلاوة القُرآن؛ حتَّى يجتمع السُّكونان المادِّي والغيبي؛ يختار لها أحسَن الأوقات وأطيبها؛ فسننتفع بتِلك الجلسَات أيَّما انتفاع، نتهيَّأ بعدَها لمُواجهَة الدُّنيا وتحدِّياتِها بأكثر صبر وثَبات وقُوَّة...
(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) [سبأ : 46].
صدق الله العَظيم.