ق1 ب 3 : مشكلة ( الأمر بالمعروف وتغيير المنكر ) فى الوهابية النجدية

آحمد صبحي منصور Ýí 2014-06-09


كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الأول :  المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز

الفصل الثالث : التكوين الأيديولوجي للإخوان أساس المعارضة السعودية في عهد عبد العزيز

مشكلة ( الأمر بالمعروف وتغيير المنكر ) فى الوهابية النجدية

أولا : الأرضية الثقافية للإختلاف فى موضوع ( الأمر بالمعروف وتغيير ) بين عبد العزيز والاخوان النجديين :

 1-قام التكوين الفقهي للاخوان علي اساس الامر بالمعروف و النهي عي المنكر ، ليس مجرد ( النهى عن المنكر ) بل إغتباره جهادا يستلزم ( تغيير المنكر ) بالسيف والقتل والإكراه والإجبار . لذا نقول ( تغيير المنكر ) وليس مجرد الانكار عليه . ألأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاسلام هو مجرد نصيحة قولية ، يتناصح بها المسلمون جميعا  ، دون أن يتخصص بها طائفة تعظ الناس ولا يعظها الناس . وبالتالى فإن التناقض هائل بين (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) فى الاسلام ، وأن تقوم طائفة بقتل من يخالفها فى الرأى والمذهب ، كما يعتنق الوهابيون . المذاهب السنية المعتدلة لا تقول بهذا العنف فى التغيير ، والتصوف على النقيض من السنّة يؤمن أهله بعدم الاعتراض ، وترك كل إنسان وحاله وعدم الانكار على العاصى والمخالف فى الدين والمذهب ، وهذا هو الذى ساد ثلاثة قرون من سيطرة التصوف قبل ظهور محمد بن عبد الوهاب . جاءت الوهابية برؤيتها الدموية الجهادية فى تغيير المنكر وفى الإلزام والإكراه على ما تعتبره الوهابية معروفا ، فأقامت مذابح تحت شعار الجهاد وتغيير المنكر ، وأحدثت تيارا قويا من الانكار على الوهابيين فى الدولة السعودية الأولى . وفي تأسيس عبد العزيز للدولة السعودية الثالثة الراهنة ظهر التعارض بين عبد العزيز واخوانه النجديين فى مدى التطبيق لتغيير المنكر واستمرارية الجهاد فى سبيله ، وتحول الخلاف الفقهي الي اقتتال حربي بين فريقين يشتركان في نفس المنهج العقيدي و الفقهي .وفي الظروف العادية قد يمكن حل الخلاف السياسي و الفقهي سلميا ، اما في ظروف نجد في عصر عبد العزيز فقد ادي فهم الاخوان للامر بالمعروف وتغيير المنكر الي طريقة تتعارض مع الفهم السياسي لعبد العزيز ، و من هنا تحول الاساس الذي قامت عليه الدولة السعودية  ـــ وهو الامر بالمعروف و تغيير المنكر  ـــ الي اساس لمعارضة كادت ان تقضى علي الدولة . .

2- ان الخبرة التاريخية لاهل نجد و عزلتهم الجغرافية و طبيعتهم القتالية و توجسهم من الغرباء جعلهم اسرع في اللجوء الي السلاح في حسم الخلافات السياسية والعقيدية . وقد بدأ ذلك في الفتنة الكبري في القرن الاول الهجري ، وظهر واضحا في موقف اعراب نجد من الخليفة عثمان و من الخليفة  علي بن ابي طالب وخروجهم عليه في صفين، ومع انقراض الخوارج و تشتت القبائل النجدية وحلول قبائل اخرى محلهم في نجد الا ان الطبيعة النجدية صهرت السكان بنفس الخصائص ،خصوصا مع الموقع الجغرافي و العزلة التاريخية و اعتياد الغارات بين القبائل و علي القوافل ، مما اعاد الي نجد الطبيعة الجاهلية التي كانت قبل  الاسلام .

3 ـ وعندما ظهرت الدعوة الوهابية اعتمدت على السلاح  ، ووجدت من أحاديث السّنة والترمث الحنبلى التيمى  ما يؤيدها نظريا و عمليا ، و في عصر الدولة السعودية الاولي كانت حواضر العالم الاسلامي تعيش علي التصوف وتستنكر الحنلية السنية المتشددة ، مما جعل الدعوة الوهابية إنقلابا فكريا مذهلا ، مع انها في حقيقة الامر لم تأت بجديد في تاريخ المسلمين العقيدي ، وكل ما هنالك انها ارجعت التراث السني ــــ فى صورته الحنبلية المتشددة ـــ ليحل محل التراث الصوفي المسيطر .وقد واجهت الدولة العثمانية ( المتأثرة بالتصوف ) وواليها فى مصر ( محمد على باشا ) الحركة الوهابية بمعارك حربية اسقطت الدولة السعودية سياسيا ، الا انها لم تستطع القضاء علي الدعوة الوهابية ، بل علي العكس ادت الي مزيد من انتشارها خارج الجزيرة العربية و ادت الي تجمع المؤمنين بها دون شقاق عقيدي او مذهبي . وحتي مع الشقاق الحربي بين السعوديين في الدولة السعودية الثانية فلم تتأثر الدعوة الوهابية بهذا السقوط . بل ادت الدعوة الوهابية الي يقظة فكرية نوعية وسط عالم صوفى مسلم عاش فى الجمود والتقليد قرنين وأكثر فبدأ النقاش والرد على الوهابية ، ولكن الصوفية عجزوا عن الدفاع عن خرافاتهم وتقديس أضرحتهم . مما أدى لانتشار الوهابية أكثر وجعلها تزعم أنها حركة إصلاحية ، مع أن أى حركة إصلاحية تقوم على الدعوة السلمية والإقناع العقلى وليس بالسيف والمذابح والاحتلال والإكراه فى الدين .. على أن الحملة الفرنسية وجهت الأنظار الى بديل إصلاحي مخالف للإصلاح الوهابى القائم على تغيير ما يعتبرونه منكرا بالقوة . هو الأخذ عن الغرب والتعلم منه . وهذا بدأ به الوالى محمد على الذى وقف موقفا اصلاحيا من كل القديم المتوارث ، ( الأزهر ، الجيش العثمانى ، المماليك ) وبدأ حركة اصلاح عسكرية أنشأت على هوامشها إصلاحات مختلفة فى النظام التعليمى المدنى والنهضة الصناعية وتأسيس اسطول وجيش مصرى حديث ، وتابع الخديوى اسماعيل هذا الاصلاح فوصلت أصداؤه الى جعل القاهرة قطعة من اوربا وانشاء مجلس نيابى ثم ـ فيما بعد ـ تكوين احزاب سياسية . وقد ترك محمد على الأزهر يأسا من إصلاح أشياخه ، ولكن النهضة الثقافية التى أسسها محمد على وطورها اسماعيل ما لبث أن تأثر بها الأزهر . والأزهر فى العاده يصحو متأخرا بعد فوات الأوان وهو متخصص فى حرب التجديد والاصلاح ، ثم يوافق عليه متأخرا بعد موافقة المجتمع عليه . هذه النهضة الاصلاحية المتوجهة للغرب أسّست التيار العلمانى ، وأدت فى النهاية الى ظهور مدرسة الامام محمد عبده فى اصلاح الأزهر وفى الدفاع عن الاسلام ضد الملحدين والمتعصبين من المستشرقين ، كما عمل محمد عبده على اصلاح المسلمين فكان ضد الخرافات الصوفية والتشدد السنى الحنبلى الوهابى ، وهذا يتضح فى الجزء الذى قام به فى تفسير ( المنار ). هذا التأثر بالغرب إزدادت وتيرته بالاحتلال الانجليزى لمصر ونفوذها فى المنطقة وهزيمة تركيا وسقوط الدولة العثمانية راعية التقليد والجمود .  

4 ـ   أي انه في الظروف التي صاحبت انشاء الدولة السعودية الراهنة في القرن العشرين (1902-1932)كانت هناك ثلاثة تيارات فكرية سائدة ، الفكر الوهابي الذي تعلمه الاخوان وفق المرجعية التي ارساها محمد ابن عبد الوهاب والتي تحارب لتدمر ما تراه مخالفا لما كان عليه السلف السنى والحنبلى خصوصا ، ثم علي النقيض الفكر العلماني الذي يريد الفصل التام بين الدين و الدولة و الاعتماد التام  علي الغرب، ويقع في المنتصف مدرسة الامام محمد عبده التى كانت تحاول الاجتهاد في ايجاد صورة اسلامية تعايش المستجدات و تفهم النصوص الشرعية من خلال المقاصد الشرعية و اهدافها الكلية دون التوقف الحرفي مع تفسيرات السابقين من الائمة ، علي اعتبار انهم قد اجتهدوا لعصرهم  و نحن اولي بالاجتهاد لعصرنا..هذا مع وجود أغلبية من ( العالم الاسلامى ) واقعة فى إدمان التصوف وخرافاته ، وأقلية شيعية كانت ولا تزال تتلطم الخدود وتشق الجيوب استنكارا لبيعة السقيفة ومواقع الجمل وصفين وكربلاء .

5 ـ   و من هنا اختلفت ظروف عبد العزيز عن ظروف الدولة السعودية الاولي ، اذ كان عليه ان يتعامل مع عصر مختلف سياسيا و فكريا بنفس درجة الاختلاف بين القرن الثامن عشر و القرن العشرين .و يتضخ من سيرة عبد العزيز أنه كان مرنا فى سياساته ، وهذه المرونه كانت تحتاج الى تقعيد فقهى معتدل ، أى مدرسة فقهية وهابية أكثر تفتحا تناصره فى سياساته وتفلح فى ترشيد الإخوان لتعمل سيوفهم وفق مراده .

 حافظ وهبة كان الوحيد الذى كانت له هذه القدرة فى المجموعة المحيطة بعبد العزيز . ولكن دوره إنحصر فى المشورة طبقا لوظيفته الرسمية ، ولم تكن له سُلطة على الاخوان ، ولكن  كان له تأثير ملموس فى تفكير عبد العزيز. كان حافظ وهبة  من تلاميذ الامام محمد عبده ، صحيح أنه تنكب طريق استاذه الامام محمد عبده وعمل لصالح عبد العزيز ( الوهابى ) وهو الأعرف برأى محمد عبده المناقض للوهابية ، ولكن من يقرأ بامعان ما كتبه حافظ وهبه يجد أنه لا يزال يحتفظ فى داخله بقبس من تنوير محمد عبده ، ويتراءى هذا بين سطور حافظ وهبة فى نقده للإخوان ، وربما كانت نصائح حافظ وهبة أثر فى إقتناع عبد العزيز بأنه على حق فى وقوفه ضد الاخوان وتزمتهم الوهابى بما يعوق سياسة عبد العزيز فى التصالح مع مخترعات العصر الحديث وفى التعامل مع الانجليز والمصريين.

عبد العزيز ( الوهابى ) كان من الممكن أن يجد صعوبة فى الخروج على العقلية الوهابية ، إلّا أنه كان لديه إستعداد لقبول الجديد ،ووجد فى مستشاره المصرى حافظ وهبة عضدا له ، وبذلك واجه عبد العزيز الاخوان النجديين وعلماء الوهابية معتقدا أنه على الحق أكثر منهم . هذه هى الأرضية الثقافية التى جرى حولها إختلاف الرؤى فى موضوع ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) بين عبد العزيز والاخوان النجديين .

التأثير السياسى لحديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره )

1 ـــ حديث  ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده .. ) إخترعه الفقهاء الحنابلة فى ظل صراعهم مع السلطة العباسية ، والاضطهاد الذى حدث لابن حنبل  فى عهد الخليفة المأمون واخيه الخليفة المعتصم ، وقتل الفقيه الناشط ( أحمد بن نصر الخزاعى ) فى عصر الخليفة هارون الواثق . هذا الحديث يؤسس تشريعا سُنّيا جديدا يعطى سلطة الامر والنهي والتغيير باليد  الي الافراد ، و بالتالي فان من حق أي شخص ان يكون ـــ وفقا لتشريع هذا الحديث ـــ  أن يبادر بتغيير ما يراه منكرا ، بما يعتبره السلطان إفتئاتا على سلطته وتدخلا فى هيمنته على الأمر و على حُكم ( الرعية ). وأوجد هذا فيما بعد تخريبا للعراق فى العصر العباسى الثانى ، حين إنضم للحنابلة مئات الألوف من العوام ، وسيطروا على الشارع فى العراق وفى بغداد بالذات ، وإستأصلوا المعتزلة وإضطهدوا الأشاعرة وهم سنيون أيضا . وحاربوا الشيعة والصوفية . وكان لهم دور ـــ بالفوضى التى أحدثوها ـــ فى سقوط بغداد أمام المغول . ثم برز الفقيه الحنبلى ابن تيمية فى القرن الثامن يرفع هذا  الشعار فى العصر المملوكى ضد الشيعة والصوفية فى وقت سيطر فيه التصوف على الحياة الدينية للمسلمين فتعرض ابن تيمية وأعلام مدرسته للاضطهاد ، ولقى تلميذه المتأخر البقاعى فى القرن التاسع الهجرى بعض الاضطهاد .

2 ــ فاذا جئنا الي نجد و طبيعتها المتشددة و قبائلها المتحاربة كان من السهل ان يزعم كل شخص حقا في السلطة يؤكده بسلاحه الذي يحمله . فإذا وجد ايدلوجية دينية وحديثا يأمر بتغيير المنكر فان النزاع حتمى بين الحاكم و بين أولئك الافراد خصوصا اذا كان لهم سطوة و نفوذ داخل الدولة و اسهموا في اقامتها .

وهنا أساس الأزمة ، فحديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره .. ) قد صيغ ليكون مبررا تشريعيا للمعارضة ضد سلطان قائم ، فإذا كان السلطان القائم وهابيا فإن هذا الحديث يستخدمه  الوهابيون الطموحون للمشاركة فى السلطة وللمزايدة على السلطان الوهابى القائم ، وبالتالى يكون وسيلة للإنشقاق والتفرق والصرع داخل الوهابيين أنفسهم ، من هو فى السلطة ومن هو خارجها . ولهذا فإن الشقاق والتفرق والصراع يصاحب أى مشروع سياسى تتبناه وترفعه أى حركة وهابية ، سواء فى مرحلة المعارضة والثورة أو فى قيام الدولة . نرى هذا فى علاقة الاخوان النجديين بسيدهم عبد العزيز ، ونراه حاليا فى حركة الاخوان المسلمين المصرية وإنقساماتها ، وما خرج من عباءتها من حركات سرية وعلنية ، كلها تعتنق الوهابية وتتبنى نفس الشعار ولها نفس الأهداف ونفس المرجعية ولكنها تزايد على بعضها حتى قبل وصولها للسلطة ، ومتى وصلت للسلطة تحولت المزايدة الى صراع سياسى ثم حربى ، وكل فصيل يرى الآخر الوهابى ( منكرا ) يجب ــ بالشريعة الوهابية السنية تغييره وإزالته .

3 ـــ   ونعود الى الاخوان النجديين ومصطلح المعروف و المنكر و قد فهمه الاخوان (حسبما تعلموه في المهجر ) فهما تقليديا يناسب عصر ابن الوهاب ومذهبه والطبيعة النجدية ، و بالتالي يحتاج الي اعادة نظر حين يتطلب الامر تطبيقا سياسيا  علي ارض الواقع  ، و هذا التطبيق الواقعي يحتاج الى اجتهاد سُنّى يخرج عن تزمت الوهابية والحنبلية الى رحاب المذاهب السنية الأخرى المعتدلة والتى صاغت أحاديث سنية تحتم طاعة الحاكم.  كان يمكن اللجوء اليها للتخفيف من غلواء الوهابية  وتعطى السلطة السياسية للحاكم ( الوهابى ) عبد العزيز . وحيث ان ذلك الاجتهاد لم يكن موجودا فان الاختلاف في تحديد ماهية الامر بالمعروف و النهي عن المنكر احتدم بين الاخوان و بين عبد العزيز في القضايا السياسيةو الفقهية ،وتحول الخلاف الي معارضة مسلحة .وصاحب القوة هو الأقوى فى الحُجّة ، فالاحتكام للسلاح هو الذى يفرض ( الحق ) وهو الذى يعطى الشرعية السياسية طبقا للوهابية . وبهذا يستمر الصراع يغذيه حديث تغيير المنكر.

4- وزاد من حدة الخلاف بين الفريقين الاختلاف في تحديد الاوليات لدي كليهما ،ذلك الترتيب الذي تأثر بالفجوة بين رؤية عبد العزيز السياسية ورؤية الاخوان الفقهية الحرفية للامر بالمعروف وتغيير المنكر ، فالأخوان يرون الامر بالمعروف وتغيير المنكر ثوبا فضفاضا يتسع لإلغاء  وتكفير وتدمير كل ما يخالفهم وكل ما لا يعرفونه، يبدأ بإلغاء وتكفير المختلف في الدين من اهل الغرب الانجليز ،وحين اسلم احدهم وهو فيلبي الذي كان مستشارا للملك عبد العزيز ، فإن إسلامه لم يكن يعفيه من الكراهية والمقت لأنه مع تظاهره باسلامه واعتناقه الوهابية كان مختلفا ، وأهل نجد لايأمنون للغريب خصوصا إذا أتى من الغرب .وتمتد هذه الكراهية الي كل ما يأتي من الغرب من مخترعات لا يعرفونها مثل السيارة واللاسلكي والتليفون والموتوسيكل ،ثم يمتد الالغاء الي المختلف  في المذهب مثل شيعة الاحساء، فكل ما يفعلونه منكر يجب ازالته ،وهم ايضا منكر يجب ابعاده او ادخاله في المذهب الوهابي ،ثم يمتد الامر ليشمل الوهابيين  انفسهم الذين هم من خارج الاخوان ،اذ يجب عليهم ان يهاجروا الي المهجر كالأخوان ويرتدوا العمامة دون العقال التقليدي ..اذن هي سلسلة من النفي والالغاء تبدأ بالغرب وتنتهي بأهل المذهب الوهابي انفسهم طالما لا يلتزمون ببعض الشكليات السطحية ..الا ان تلك الشكليات السطحية وغيرها تمثل اولوية في التفكير الاخواني ،واهم معالم الامر بالمعروف وتغيير المنكر لديهم .

اما رؤية عبد العزيز الواقعية فهي تستعمل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى ضوء المصلحة السياسية ، وفى خدمتها ، وبحيث لا تعلو على سلطانه وسلطاته . وباعتباره حاكما له اعوانه ومستشاروه ولديه كل المعلومات المعروف منها والمحظور اعلانه ،وباعتباره حاكما يراعي الحقائق السياسية الداخلية والاقليمية والدولية ويتحرك في اطارها فان حركته في اقامة المعروف وتغيير المنكر  لا يمكن ان تستجيب لرؤية الاخوان المخالفة له فى التعامل مع الشيعة في الاحساء والوهابيين في المدن او في التعامل مع الانجليز والمسلمين الاخرين في مصر والشام والعراق والحجاز ،ومن هنا كانت اولوياته في اقامة دولته ونجاحها في توسعاتها ومواجهة مكائد اعدائها ، وليس من أولوياته التمسك بحرفية الرؤية الوهابية .

5 ــ والامر بالمعروف وتغيير المنكر يعنى مواجهة المحتلف أو الآخر فى الداخل ، كما يعنى الجهاد ضد الآخر المختلف فى الخارج .وقد إستعمله عبد العزيز بسيوف الاخوان حتى حقّق مراده ، وإستعاد ما كان بعتبره ملك آبائه . وهذه هى أولى أولويات عبد العزيز .ولكن الاولوية المطلقة في حركة الجهاد لدي الاخوان هي التوسع في الداخل والخارج ،وهذا ما فعلته الدولة السعودية الاولي في تحركاتها في العراق والشام في عصر لم تكن قد تميزت وترسخت الحدود السياسية …ولأن التكوين الفقهي للاخوان اعتمد علي تراث الشيخ ابن عبد الوهاب المكتوب في تلك الفترة بنفس اعتماده علي تاريخ السعوديين في دولتهم الاولي فأنهم لم يستوعبوا التطور الجديد الذي جاءت به التوازنات الدولية بعد الحرب العالمية الاولي، حيث سيطرت انجلترا و فرنسا علي الشام و العراق و مصر و سواحل الخليج ، و اصبح لانجلترا بالذات الكلمة العليا في المنطقة ، فهي التي تخط الحدود  وهي التي تقيم الدول ، او تسقطها كما اسقطت الدولة العثمانية ، وتتدخل في كل صغيرة و كبيرة تري ان لها مصلحة فيها .. وهذا ما أدركه عبد العزيز بحكم فهمه لحقائق الوضع السياسي و تحتم عليه ان يتعامل مع الانجليز(الكفرة) من اجل مصلحته، بل عليه ان يتوقف بالجهاد عند الحدود التي يتفق معهم عليها خلال المفاوضات بينما تعنى المفاوضات لدي الاخوان  منكرا  يجب ازالته ضمن اهم الاولويات .

6- علي ان هذا الخلاف بين الرؤيتين لم يمنع وجود بعض الاتفاقات او التنازلات بين الطرفين ، ولكل منها ظروفه، فقد استجاب عبد العزيز مؤقتا لطلب الاخوان  فيما يخص منع اللاسلكي واتفق معهم في منع المحمل المصري ، و في غزوهم للحجاز، كما انه انشا هيئة الامر بالمعروف في الحجاز بعد فتحه فأتعبت أهله . و من تتبعنا لمواقفه مع معارضة الاخوان يتاكد لنا انه كان يحاول تفادي الضرر و تفادي الاصطدام معهم بقدر ما يستطيع ادراكا منه الي ان تكويهم الفقهي الذي رباهم عليه هو الذي دفعهم الي هذا التشدد ، و لعل اتفاق العلماء معهم في بداية معارضتهم له جعله يدرك حاجته الي علماء من نوع اخر يوافقونه ويصيغون له من الفتاوى ما يتفق مع اجتهاده السياسي  .

ونعطي تفصيلات تحليلية عن معارضة الاخوان لعبد العزيز تلك المعارضة التي قامت اساسا علي التكوين الايدولوجي للاخوان .

اجمالي القراءات 10114

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,339,792
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,621
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي