وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا

خالد اللهيب Ýí 2014-03-12


إعتاد الظالمون الإفتراء على دين الله عز وجل ، فلم تثنهم آياته البينات ولا العقل ولا المنطق، ‏فستحقوا كلمة الكفر وهم يعلمون، إلا أنهم في ضلالهم قد جيّروا كفرهم وإفتراءهم لمن سيأتي ‏من بعدهم ، إمعانا وتأكيدا على منهجهم ، فاستحقوا صفة الإضلال عن جدارة وتصميم ، ‏وصفة الإفتراء بالتأكيد.‏

المزيد مثل هذا المقال :

إذ ترد كلمة (الإفتراء) في القرأن الكريم كنوع من أنواع الظلم ، إلا إنها أشد أنواعه قاتبة ، ‏كونها كذب محض لا أساس له من الصحة على الإطلاق.‏
أما قوله تعالى :( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) مريم ، (شَيْئًا ‏فَرِيًّا) ، أي شيئ نادرغير مسبوق.‏
وقوله تعالى :( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا ‏يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء ، (لا يَفْتُرُونَ) ، أي كل ‏شيئ لله عز وجل ، وممّن عنده من الملائكة ومما لا نعلم ، لا يخفُ وهج تسبيحهم مع مرور ‏الوقت ، ولا يملون. ‏
‏-- وصف رب العالمين للمفترين :‏
إذ قال تعالى:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن ‏قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ ‏أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ ‏عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) الانعام.‏
لقد أوضح الله رب العالمين في هذه الآية الكريمة عدة نقاط ذات شأن كبير ، بما يخص ‏موضوع الإفتراء ، إذ أشارت الى :‏
‏1-- أن الإفتراء ظلم أساسه الكذب الصارخ ،( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ).‏
‏2 – أن إدعاء الوحي من السماء كذلك هو إفتراء وكذب عبر أشكاله المختلفة كنزول ملك ‏رسول من السماء ، أو كرؤية منامية ، أو إلهام كاذب سماوي وقد كثرت هذه الأنواع من ‏الوحي الكاذب عند كافة المذاهب خاصة المذهب الصوفي والشيعي ،( أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ ‏يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ). ‏
‏3 – إدعاء القدرة على القول بمثل ما جاء في القرآن الكريم ، أيضا هو إفتراء ظالم ، وقد ‏ظهر عجز العرب قديما وحديثا على الإتيان بمثل قال القرآن ولو من بعيد ، وقد أمعن المدعي ‏في كذبه حينما ،( قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ )، إذ جعل من قدرته الإنزال من السماء ، ‏وهي خاصية لا تكون إلا لله عز وجل ، وليست لمخلوق يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ‏والقذارة تملؤ جوفه. ‏
‏4 -- إعتياد الجاهلون والكافرون على الظلم والإفتراء لأهداف وغايات دنيوية ، ومردّ ‏إستشراء ظلمهم هذا ، أنهم كافرون ، مفترون ، لم يقدّروا الله جل وعلا حق قدره ، خاصة ‏بعد موت النبي محمد عليه الصلاة والسلام، عبر كتابة أحاديث مفتراه كاذبة ونسبتها الى ‏الرسول ظلما بغير حق. وقد حذرهم رب العالمين مسبقا حين قال :( فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللَّهِ ‏الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) آل عمران ، (مِن بَعْدِ ذَلِكَ) أي من بعد إنزال ‏القرآن الكريم والتحذيرات التي جاءت به.‏
‏5-- والإفتراء الأكبر حينما نصدق ونتحدث بحديث معارض ومكذب لحديث الله عز وجل ، ‏متجاهلين الآيات القرآنية ، وكأنها غير موجودة أو مكذبة لهذه الأحاديث المفتراه ، ليصدق ‏عليهم وعلى من يتمسك بالقرآن كتابا دون أي كتاب غيره ، قول الله تعالى حينما تحدث عن ‏فئة من اليهود ، قائلا :( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ ‏يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) البقرة.‏
فنحن أهل القرآن نتمسك بحديث الله عز وجل دون غيره من الآحاديث ، ونطمع أن يؤمن لنا ‏أصحاب الأديان الأرضية السياسية الحزبية ، ويلتزمون بما جاء في كتاب الله عز وجل و ‏يذرون الكتب البشرية المختلفة والمخالفة للقرآن الكريم.‏
‏6-- إن أصحاب الأديان الأرضية حينما يجادلون أهل القرآن لا ينكرون آيات القرآن الكريم ، ‏فليس لهم ذلك ، ولكنهم يقولون كما قالت فئة من اليهود من قبلهم ،( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ ‏آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ ‏تَعْقِلُونَ (76) أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)البقرة.‏
فلا يستطيعون التنكر لآيات الله عز وجل ، المثبة والمحفوضة بين دفتي القرآن الكريم ، لذا ‏يعلنون إيمانهم بكل ما جاء بها ، إلا أنهم يأوّلون الآيات بما لا تحتمل ، مما يبطل عملها ‏ومفعولها لتصبح بحكم الملغاة.‏
وقد أعلنوا إلغاءها دون مخافة من رب العالمين ولا خجل أوعلم ، عبر ما يسمى لديهم ‏بالآيات المنسوخة حكما لا تلاوة ، كمسألة قتل المخالفين تحت مسمى الجهاد ، والرجم ، و ‏عقوبة الزنى ، وتقليص فترة الحج ليوم واحد وغيرها كثير.‏
كما تمادوا في ظلمهم و وقاحتهم حينما قالوا أن هنالك آيات منسوخة بالتلاوة والنص ، ‏مكذبين قول الله عز وجل ،( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر، ومثاله حديث ‏عائشة أم المؤمنين ، إذ قالت: ( كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحُرمن ، ثم نسخن ‏بخمس معلومات‏‏) رواه مسلم وغيره .‏ ‏
‏7-- يستمرُ ربُ العالمين في وصفهم قائلا :( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ ‏هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) البقرة ، نعم علماء الأديان الأرضية يقرؤون القرآن ويستشهدون بآياته ‏الكريمة ، إلا أنهم لا يعلمون ولا يفقهون المراد منها ، فهم أميّون يظنون ظنا ، غير واثقين ‏مما يقولون ،( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ‏‏(36) يونس.‏
ذلك مرده لعدم إلتزامهم بالنص القرآني، إذ أضافوا الأحاديث البشرية الكاذبة والمخالفة لآيات ‏القرآن الكريم والرأي الشخصي والإستنساب والقياس ، مما أبعدهم عن حكم الله عز وجل.‏
‏8-- يكملُ رب العالمين محذرا من يفعل ذلك ،( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ ‏يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ‏‏(79) البقرة ، يدّعون ما توصلوا إليه من الرأي هو دين الحق ، بينما دين الحق لا يكون إلا ‏لله عز وجل والكامن في قرآنه المبين، أليس كتاب البخاري ومسلم جزء لا يتجزؤ من دينهم ‏الأرضي ومن أنكر ذلك يعد كافرا بالدين. ‏
‏9-- إن التقول على الله رب العالمين بما لم يقل هو إفتراء فاضح حين ،( تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ‏غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) ، حين يعتبرُ أهل الأديان الأرضية الحزبية من سنة ‏وشيعة وآخرين غيرهم كثيرين، أن أديانهم ممثله لدين الله عز وجل دون دليل إلا ما إستندوا ‏عليه من أحاديث كاذبة مفتراة أو ما قاله وفعله الصحابة والتابعين والأئمة الصالحين والناس ‏أجمعين ، ليضاف ويحذف في دين وشريعة الله عز وجل ما شاء لهم من الإضافة والحذف ، ‏وليشكل كل فريق منهم دينا خاصا به. ‏
حينذاك لا شك أنهم قد تقولوا على الله سبحانه وتعالى بما لم يقل واستكبروا عن آياته البينات ‏وافتروا إفتراءا عظيما ،( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ‏الْمُجْرِمُونَ (17) يونس ، لنجد أنفسنا أمام أديان بشرية حزبية ، لا تشبة ولا تطابق دين الله ‏عز وجل ولو من بعيد. ‏
‏10-- فلو كان بهم القليل من الصدق أو الخير لراجعوا كلمة (الْحَقِّ) في كتاب الله عز وجل ، ‏إذ لا ترد إلا لله وحده سبحانه وتعالى ولآياته البينات في كتابه الحكيم ، كذلك كلمة (آيَاتِهِ) ، ‏فالآيات كامنة في القرآن وليس في ما افتروه في كتبهم ، من أقاويل متعارضة ، متناحرة ، ‏مكذبة بعضها بعضا. ‏
‏11-- هؤلاء القوم الكافرون ، يكذبون على أنفسهم قبل كذبهم على الناس الغافلين ،( انظُرْ ‏كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24) الأنعام. ‏
‏-- الحالات التي يفتري بها الكافرون كما جاءت في القرآن الكريم :‏
‏1-- الشرك بالله عز وجل هو إفتراء وكذب وإدعاء القدرة كذبا لمن أشرك مع الله عز وجل ‏،( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا ‏عَظِيمًا (48) النساء. ‏
‏2-- تزكية النفس وإدعاء بما ليس فيها من التقوى والصلاح والفلاح وكل ما تميل إليه النفس ‏الإنسانية ، إفتراء وكذب ، بينما التزكية خالصة لله عز وجل دون العالمين جميعا ،( أَلَمْ تَرَ ‏إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) النساء.‏
وقد فضح رب العالمين إفتراءهم وكذبهم ، موضحا أن هذا الإفتراء كاف ليلقي بصاحبه الى ‏التهلكة كأثم مبين ،( انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50) النساء.‏
‏3-- التقول على رسالة وشريعة رب العالمين بما لم ينزل ، هو إفتراء كاذب وقد كثر وتنوع ‏في القرآن الكريم ، فمنها : ‏
‏-- قولهم أن هنالك أنواع من الإبل والبهائم محرمة عليهم جميعا وأحيانا محرمة على نسائهم ‏دون رجالهم ،( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ‏يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103) المائدة. ‏
‏-- قولهم كذبا ، بأن من أفتاك يتحمل عنك الوزر والعقاب يوم القيامة ،( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ‏لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ‏‏(12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) ‏العنكبوت.‏
‏-- وقولهم (لا يأتيك الوزر والعقاب باعتبار أنك لا تعلم) ، هذا ما يسعون إليه وما يريدون ، ‏من تجهيل الأمة بدين الله عز وجل والإكتفاء بأقوالهم واتباع أحزابهم ومذاهبهم وقد تغاضوا ‏عن مئات الآيات التي تحث على المعرفة والعلم والتفكر في الدين. ‏
‏-- قولهم بشفاعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام دون دليل من الكتاب ، إلا ما إستدلوا به ‏من أكاذيبهم المفتراة ، فالنبي يوم القيامة ليس له من الأمر شيئا ، بل يسأل كما يسألون ، فلا ‏ينفعهم ولا يضرهم في شيئ ، وصدق الله رب العالمين حين قال عنهم :( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ‏اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ‏السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) يونس.‏
‏4-- قتلهم لأولادهم كوأدهم للبنات أو تقديمهم قربانا لآلهتهم ،( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلادَهُمْ ‏سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاء عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (140) ‏الأنعام. ‏
‏5-- التحليل والتحريم بما لم ينزل رب العالمين في كتابه المبين ،( قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم ‏مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) يونس ، كذلك ‏قوله تعالى :( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ ‏الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (116) النحل.‏
إن الحلال والحرام لله رب العالمين ، والقاعدة : أن كل شيئ حلال إلا ما حرمه رب العالمين ‏نصا في قرآنه الكريم ، إلا أن علماء الأديان الأرضية الحزبية أصرّوا على حشر أنوفهم في ‏كل صغيرة وكبيرة من شؤون الناس والدين ، منتحلين صفة العلم والمعرفة في كافة العلوم ‏والمعارف وقد ضلوا وأضلوا من حولهم. ‏
‏-- إفتراء الكافرون على عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام :‏
بدأ الإفتراء على دين الله عز وجل قبل نزول الآيات القرآنية ، وقبل البعثة ، واستمر أثناءها ‏، واستشرى وعظم شأن الإفتراء بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد عانى ‏الرسول في حياته ، من إفترائهم الكثير والكثير من الألم والمصاعب ، فلم يَدَعوا مسلكا إلا ‏وسلكوه تكذيبا للرسول في شخصه الكريم ولرسالة رب العالمين. ‏
‏-- التشكيك بنبوة النبي ورسالة رب العالمين:‏
‏1-- تارة يفترون بأنه هو من تقول القرآن ولم يوح له من قبل الله عز وجل ،( أَمْ يَقُولُونَ ‏افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُواْ ‏بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ‏الظَّالِمِينَ (39) يونس. ‏
‏2-- وتارة يقولون (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ، فرد خالق السموات والأرض مع جلالة قدره وعلو ‏شأنه عليهم عبر آيات القرآن الكريم ، مدافعا عن رسالته وعن نبيه ، بينما النبي محمد لم يرد ‏عليهم في كتب التراث عبر الأحاديث ، مما يستدعي الإنتباه لمدى صدق الأحاديث وكذبها ، ‏وقد ردّ رب العالمين قائلا :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ ‏أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) النحل.‏
‏3-- وتارة أخرى ،(...إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47) الإسراء ، كما ‏،(.. قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5) الأنبياء ، ‏فقد طالب كفار مكة بآيات حسية مادية ، كما كانت للرسل من قبل ، وقد جهلوا أن المعجزة ‏الوحيدة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ، كآية حسية مادية هي القرآن الكريم وهي لا تشبه ‏ما كان ينزل للرسل السابقين ، إن هي إلا كتاب مبين ، معجزة باقية الى يوم الدين، لمن أراد ‏أن يستقيم ،( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ‏الأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) الشعراء. ‏
جهلها أصحاب الأديان الأرضية فيما مضى ليستمر جهلهم مع أحفادهم الى الآن ، لذا أرادوا ‏أن يسدوا الخلل والنقيصة في دين الله عز وجل ،(... إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ ‏يَخْرُصُونَ (116) الأنعام ، (يَخْرُصُونَ) أي يكذبون ويلغون.‏
قاموا بتأليف الحكايات والمعجزات المادية الخارقة لقوانين الطبيعة التي سنها رب العالمين في ‏خلقه ، ومن ثمّ نسبوها ظلما وافتراءا للنبي عليه الصلاة والسلام وللصحابة في بعض الأحيان ‏، لذا ردّ عليهم رب العالمين قائلا :(... قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ‏اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) البقرة. ‏
‏4-- قالوا افتراءا ، ما أمكنهم من القول الكاذب إلا أنهم لم يقولوا ، ولم يعترفوا ، ولم يقرّوا ما ‏أقره الله رب العالمين في كتابه المبين ، فهم المخالفون دوما ، كفرا وافتراءا، فما أشبة قول ‏الأديان الأرضية الحزبية اليوم بما قاله كفار الأمس في رفضهم لآيات القرآن الكريم ،( نَبَذَ ‏فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) البقرة ، ألم ‏نؤت نحن المسلمون كتاب الله عز وجل أم على قلوبنا أقفال لا سبيل لفتحها؟ ‏
‏5-- إن الإفتراء مردهُ الى عدم الرغبة في الإلتزام بما جاء به القرآن الكريم من شريعة ‏ومنهاج لله رب العالمين ، على الرغم من أنه يرفع من شأن وسمو الإنسان ويرسي دعائم ‏العلم والمنطق والحق، وينتشر العدل والحرية والمساواة بعيدا عن الظلم والقهر والجبروت ، ‏فهذه الأهداف والغايات لا تتفق وتصب في مصلحة الظالمين والفاسدين في المجتمع ، إذ ‏تساوي ما بين العامة والخاصة من الناس ، وفيها الضرر الفادح لقادة المجتمع والحكام ‏الفاسدين ، لذا كان الرفض للآيات القرآنية ولا يزال ، فلم يستطيعوا تحريف أو إلغاء الآيات ‏القرآنية ، لذا قاموا بصناعة الآحاديث بما يصب في مصلحتهم وأهدافهم ،( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ‏الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ‏وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة. ‏
‏6-- ولكنهم أصروا ويصرّون على غيهم وافترائهم ، آملين أن لا يكون من لقاء وحساب قادم ‏لله عز وجل وإلا كيف يبدّلون الآيات القرآنية الصادقة لديهم كما يدّعون بالأحاديث المشكوك ‏في أمرها فيما بينهم،( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ ‏هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ ‏عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) يونس.‏
‏7-- لهذا طالبوا النبي محمد عليه الصلاة والسلام أن يأتي بقرآن غيره أو يبدله ،( وَإِن كَادُواْ ‏لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ ‏لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذَاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ ‏عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) الإسراء ، إذ التبديل والتغير هيّن وسهل عندهم وهو الإفتراء عينه الذي ‏إرتضوه لأنفسهم عبرالأحاديث المفتراة ، بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة و السلام. ‏
‏8-- حينما رفض الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، التقول والإفتراء على دين الله عز ‏وجل ويئسوا منه ذلك ، حوّلوا وجهتهم الإتهامية للنبي نفسه دون دين الله عز وجل ، إذ قالوا ‏للنبي (إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ)، وهذه الخاصية والصفة من عادة الظالمين في بني آدم ، فحينما يعجز ‏الإنسان الظالم عن الفعل والتأثير أوالإلتزام بسمو الخلق والعدل والدين ، يبادر الى إلقاء التهمة ‏والنقيصة على الغير.‏
‏9-- كذلك حينما وضع رب العالمين أية قرآنية مكان أية أخرى مع بقاء الآية الأولى ، بهدف ‏ترتيب آيات القرآن الكريم وفقا لمشيئة رب العالمين ، بادر الظالمون باتهام النبي بالإفتراء ‏والتبديل والتغير ،( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ ‏لاَ يَعْلَمُونَ (101) النحل. ‏
‏10-- كان النبي محمدا عليه الصلاة والسلام يتألم من جهل وظلم وإفتراء أعدائه من شياطين ‏الإنس والجن ، وكان الوحي ينزل من السماء بما يواسي ويهدؤ من ألمه وحسرته ، إذ يخبره ‏أنه كباقي الرسل والنبيين ، خاضعين لسنة الله عز وجل في خلقه ،( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ ‏عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا ‏فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ ‏وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (113) الأنعام . ‏
‏11-- وقد قدم رب العالمين شياطين الإنس على شياطين الجن دلالة على عظيم أثر وعمل ‏شياطين الإنس حيث تفوقوا على شياطين الجن ،( لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ).‏
شياطين الإنس والجن ،( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) ، الإيحاء متبادل ما ‏بين فريقي شياطين الإنس والجن وهذا هو المعنى الأول ، ولكن من عظمة وإعجاز صياغة ‏القرآن الكريم إذ أنه موحى من رب عظيم ، هنالك معنى آخر وهو أن شياطين الإنس فيما ‏بينهم ،( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا).‏
ونحن اليوم أشد ما نعاني مما أوحى به أئمة الأديان الأرضية المذهبية من (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) ، ‏المفترى به على دين الله عز وجل، (غُرُورًا) وقد غرّوا و أوردوا المسلمين مورد الظلال ‏والفتنة ، بما استحدثوا من أديان أرضية ما أنزل الله بها من سلطان وقد ولدت ونمت بعد ‏موت النبي عليه الصلاة والسلام بعشرات السنين. ‏
‏12 -- ونزل أمر السماء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام بأن يدعهم وشأنهم ،(فَذَرْهُمْ وَمَا ‏يَفْتَرُونَ) ، وهو الرسول والنبي والمفترى عليه شخصيا ، وفي آيه أخرى ( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ ‏وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (48) الأحزاب.‏
‏13 – أمر النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، أن يدعو الى سبيل ربه عز وجل بالحكمة ‏والموعظة الحسنة وأن يتصف بالقدوة الحسنة حتى إستحق بعظيم الخلق من رب العالمين ،( ‏وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم ، وليس بالقتل والإجبارعلى الإيمان والإلتزام بشريعة ‏الرحمن.‏
فالنبي هو القدوة والأسوة الحسنة التي تتفاعل مع محيطها بالحكمة والمحبة ،( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ ‏رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن ‏سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل ، بأخلاقه العالية الرفيعة وسلوكه الإنساني آمن الناس ‏وارتضوا الإسلام دينا ولو كان فظا لإنفظ الناس من حوله ،( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ ‏كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا ‏عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران.‏
‏14-- بينما الأديان الحزبية الأرضية لا تجيد إلا القتل والتكفير والتعصب والظلم والإفتراء ‏على دين الله عز وجل لهذا أنزل ،( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) ‏يونس ، لا يفلحون لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وقد فرض رب العزة على المؤمنين القرآن ‏ولم يفرض الأحاديث النبوية ،( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ... (85) ‏القصص.‏
‏-- الغفلة وبدعة الأحاديث والإفتراء في الدين :‏
إن أخطر قراريتخذه الإنسان في حياته ، هو الى أي دين ينتمي ، أهو الى دين الله عز وجل ، ‏أم الى دين باطل به الكفر والظلال ، ذلك إن مفعول وتبعات هذا القرار يرافق الإنسان طيلة ‏حياته الدنيوية ليمتد أثره الى حياه الآخرة الخالدة ، سواء إن كان الخلد في الجنة أو في النار. ‏
حينما يأتي ذلك الإنتماء من إنسان ليس على علم أو اطلاع ، إنما هكذا وجد نفسه منتميا الى ‏دين آبائه بحكم الولادة والنسب ، فاتبع ذلك الدين وما شرع من الأحكام، دون أن يبذل أي ‏جهد ليعلم أهو على دين الله عز وجل ، أم هو ليس على شيئ من الدين ، ولم يكن له هدف ‏أوغاية دنيوية يسعى لها ، حينذاك يسمى غافلا ، فقد أخطأ سبيل الحق دون قصد أو رغبة ، ‏وأمره متروك الى الله أرحم الراحمين ، هذا ما تقوله الأديان الأرضية الحزبية ، والمسلم لديها ‏لا يؤاخذ إلا بما علم من أمردينه ، بهذه المقولة إنما يشجع أصحاب الأديان الأرضية المسلمين ‏الى الخمول وعدم التفقه في آيات القرآن الكريم ، ولا يستخدمون العقل أو الحكمة والمنطق ‏وقد خوطبوا وأمروا بها في الكثير من آيات الله عز وجل.‏
فالغافل لا يعفى من أشد العذاب والخلود في النار تحت مقولة أنه لا يعلم ، إذ المطلوب أن ‏يعلم أمر دينه ويعلم جيدا رسالة رب العالمين إليه قبل مماته ، فيلتزمها ويتقي ما أمكنه ذلك ‏خلال حياته.‏
آلا يخشى أو يخجل الإنسان أن يقابل رب العالمين في الآخرة وقد مكث عمرا طويلا في ‏حياته الدنيا دون أن يبدي الإهتمام لقراءة رسالة رب العالمين إليه قبل مماته ، وعلى مهل ‏وترو ،( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ ‏الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) ال عمران.‏
فإذا كان الله رب العالمين رحيما ، وقد وسعت رحمته كل شيئ ، فلا يكن أحدنا وقحا لا ‏يقربه الحياء أوالعقل والتفكر، فإن لم يقدر الله في حياته الدنيا ، ولو بقدر يحتسب له في ‏حياته الآخرة ، فاليرتقب أي منقلب سينقلب ، واليرَ بعين اليقين سوء الجحيم . ‏
فالغافل لا عزر له ، وقد خدعته الأديان الأرضية بما كانت تمنّي وتفتري على دين الله عز ‏وجل ، وقد خص الله رب العالمين جهنم بالكثير من الجن والإنس ،( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا ‏مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ ‏بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف.‏
فإذا كان القانون الوضعي البشري لا يعتد بجهل القانون ولا يعفي من المسؤولية عند المخالفة ‏، وإن جاءت المخالفة بأمر بسيط كالمخالفة المرورية ، فكيف إذا كان الأمر والمسألة عظيمة ‏ربوبية إلهية ، من الله القاهر فوق عبادة ، فعقوبة المخالفة والكفر لا شك الخلد في النار، و ‏إن جاءت عن طريق الغفلة والجهل بالدين.‏
‏1-- إن الإيمان بما يناقض النص القرآني ، نتيجة لغفلة الغافل ، أو الدفع بمقولة الجهل بمراد ‏آيات الله عز وجل لا تعفي المسلم من المسؤولية ، إذ المطلوب من كل مسلم أن يعلم دينه ‏ويعي أمر ربه ، خاصة أن الله سبحانه وتعالى لم يوكل أحد في أمر دينه من بعد الرسل.‏
فكل إنسان منوط به أن يكون على بينة وعلم ، لا أن يتبع دين الآباء دون أن يحكم العقل ‏والفكر ، فلا يستويان مثلا ،(.. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ ‏أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9) الزمر ، فلا يستوي الغافل مع العالم العارف. ‏
‏2-- إلا أن الغفلة أخف ذنبا من الإفتراء والكذب على رب العزة بتلك الأحاديث المفتراه ، ‏خاصة حينما جُعل ذلك الإفتراء بديلا أو جزءا مكملا لدين الله عز وجل ، إذ الأديان الأرضية ‏السياسية قد بدّلت وألبست دين الحق بأديان باطلة كاذبة ، مختلفة متناحرة ،( وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ ‏بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ‏‏(43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (44) البقرة.‏
‏3-- إن الغفلة لم يكن لها أن تستشري وتنتشر، لولا جهل وظلم من يطلقون على أنفسهم ‏بعلماء الأمة ، أولئك الذين إتخذوا من الدين مطية للوصول الى غايات دنيوية آنية دون غايات ‏الآخرة الخالدة ، وقد أصبح لهم صنعة وحرفة ، تدر عليهم الأموال الطائلة ، حرفتهم هذه ، ‏تنمو وتزدهر بنموي الجهل والتعصب والتشدد ، وتخبو ويقل شأنها وشأنهم كلما زاد العلم ‏والمعرفة لدى عامة الناس والمسلمين.‏
‏4-- ونحن أهل القرآن لا نتوقع ولكننا نطمع أن يؤمنوا بما نقول وندعي بعد أن قال الله عز ‏وجل عنهم ، مسبقا ،( أفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ ‏يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) البقرة. ‏
‏5-- إذا كان علماء الأديان الأرضية قد مردوا على النفاق وكتم شهادة القرآن ، وقد أوردوا ‏الأمة الجهل والغفلة ، ظلما وافتراءا فنحن أهل القرآن لا نفعل ، (..وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً ‏عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) البقرة.‏
‏6-- سأل رب العالمين ،( وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...(60) يونس ، ‏السياق القرآني يقتضي أن يجيب رب العالمين على ما أورد من سؤال ، ولكنه لم يفعل مما ‏يشير الى سوء المنقلب وليتخيل الظالمون ما شاء لهم من العذاب ، فهو سؤال ملؤه التهديد ‏والوعيد بسوء العاقبة والعذاب الأليم.‏
ولكن الله رب العالمين يضع مباشرة قاعدة قرآنية بعد التساؤل ، ،( وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ ‏عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ (60) يونس ‏، مرد الفضل أنه عز وجل قد أنزل القرآن وبعث الرسل ووهب العقل والمنطق وخلق ‏الإنسان في أحسن تقويم رأفة بالعباد ، إلا أن أكثرهم لا يشكرون. ‏
‏ وآخر دعوانا ، الحمد لله رب العالمين ،( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ ‏رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ‏‏(9) آل عمران.
 

اجمالي القراءات 20668

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-12-18
مقالات منشورة : 1
اجمالي القراءات : 4,688
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 110
بلد الميلاد : 0000
بلد الاقامة : 0000