النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين ) :
الشفاعة فى (يوم الدين) تخضع لهيمنة (مالك يوم الدين ): ب 1 ف 3

آحمد صبحي منصور Ýí 2013-10-06


 


الشفاعة فى (يوم الدين) تخضع لهيمنة (مالك يوم الدين ): ب 1 ف 3
النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الأول : الشفاعة فى الاسلام .
الفصل الثالث : الشفاعة فى ( يوم الدين) تخضع لهيمنة (مالك يوم الدين )
أولا : شفاعة الدنيا واختلافها عن شفاعة الآخرة


1 ـ تنتشر الواسطة أو الشفاعة فى التعامل البشرى كأحد مظاهر الحرية الانسانية فى عمل الخير أوالشّر . قد تكون شفاعة فى سبيل خير كأن تتوسط لصاحب حق كى يأخذ حقه أو ترفع عنه ظلما ،وقد تكون فى الشر حين تعين ظالما او تساعد من لا يستحق على اخذ ما لا يستحق . ومقابل هذه الحرية هناك مسئولية مترتبة عليها يوم القيامة ، فمن يتوسط (او يشفع) فى الخير يكن له نصيب فى الخير ،ومن( يشفع) او يتوسط فى الشر يكن عليه نصيب من الشر ، وهذا معنى قوله تعالى عن شفاعة الدنيا : ( مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا )( النساء 85).
2 ـ شفاعة الدنيا ليس لها مكان فى الاخرة ، فالدنيا هى دار البيع والشراء والعلاقات والصداقات ، وأهم من ذلك هى دار الحرية فى الطاعة أو المعصية . أما الاخرة ففيها تحكم ( مالك يوم الدين ) حيث يأتى الحساب المترتب على هذه الحرية ، وكل منا سيكون مشغولا بنفسه ، حين يفر المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم شأن يغنيه ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )(عبس 34-37)،فليس فى الاخرة مراعاة للقرابة اوالنسب،حتى لا يملك الاب يوم القيامة ان يتساءل عن مصير ابنه ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ )( المؤمنون 101) ويسرى ذلك على كل والد وكل مولود ، فلا يستطيع النبى عليه السلام ان يجزى عن ابيه او ولده ،وهذا مما حذر منه رب العزة حين قال للناس جميعا ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ )(:لقمان 33)، فالله تعالى يحذرنا من ان نغتر بالحياة الدنيا وما فيها من بيع وشراء وصداقات وشفاعات فنقيس عليها احوال الاخرة. وأيضا يحذرنا رب العزة جل وعلا من تصديق الشيطان الذى يخدع البشر ويضلهم باحاديثه الكاذبة المنسوبة ظلما لله تعالى ولرسوله ، هذه الاحاديث تعزز للبشر تصورهم للحياة الاخرة بالتصور الدنيوى من الصداقات والشفاعات والبيع والشراء ، لذلك يقول الله تعالى محذرا الذين يؤمنون بذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (البقرة 254). والله تعالى يختم الاية بتقرير أن الكافرين هم الظالمون فمن الكفر والظلم للمولى جل وعلا ان نحول اليوم الاخر الى مكان للظلم والشفاعات ودخول الجنة لمن لا يستحق ،والله تعالى سيعلن يوم القيامة ( لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ . لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ. إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )( :غافر 16-17) ويقول تعالى عن يوم الحساب إنه يوم العدل الاكبر حيث لن يوجد مثقال ذرة من الظلم بل العدل المطلق لأن القاضى الأعظم الذى يقضى بالحق هو وحده الذى يعلم الغيب ويعلم ما فى السرائر ، وهو الشهيد على كل شىء : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )( الانبياء 47). ان اليوم الاخر له اسماء متعددة منها يوم التغابن (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ )(التغابن 9)والغبن هو الظلم ،ويوم التغابن يوم رفع الظلم والقصاص من الظالمين ، هو اليوم الذى يأخذ فيه المظلوم حقه، وهذا يتناقض مع أكاذيب الشفاعة فى الأحاديث السنية.
3 ـ ومن المفجع أنّه خلافا للقرآن الكريم تنتشر فى بلاد المسلمين الوساطة والمحسوبية،أو الشفاعة الدنيوية الظالمة جنبا الى جنب مع الايمان بشفاعة النبى ( المزعومة ) فى الآخرة ، مع أن رب العزة حذّر من هذا وذاك . ومن المؤلم ايضا اننا فى دعوتنا للا صلاح نحارب الغش فى المدارس والوساطات فى الوظائف التى تعطى الحقوق لغير اصحابها ونطالب بالعدل والمساواة ووصول الحق لمستحقيه، نطالب بهذا فى النيا بينما نجعل الاخرة سوقا للوساطات والشفاعات حربا لله تعالى ورسوله،وصدق الله العظيم : ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )(فصلت 40) .
ثانيا : الحرية فارقا اساسا بين شفاعة الدنيا وشفاعة يوم الدين
1ـ نتمتع بالحرية فى الدنيا ، ونفقدها مؤقتا بالنوم ، ونفقدها جزئيا بحدوث خلل أو مرض فى الجسد ، ونفقدها تماما عند الاحتضار . النفس البشرية حُرّة فى إختيارها ، وهى تتحكم جزئيا فى جسدها تسير به هنا وهناك حسب المجال والحيّز المُتاح لها . ولكن التحكم الكلى فى الجسد هو لله جل وعلا. فأجهزة الجسد الحيوية تسير بمشيئة الخالق لها جل وعلا . وهذا الجسد مهما بلغت قوته فهى محدودة ، يقول رب العزة للفرد منّا ( إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37)الاسراء).وبمرض الانسان وشيخوخته ووهنه تقل حريته ، وعند المرض تقلّ خياراته فيتذكر ربه جل وعلا داعيا منيبا (الزمر 8 ، 49). وعند الموت يصبح أسيرا مُجبرا لا حول له ولا قوة وهو يرى ملائكة الموت. وبالموت يمسك رب العزة بالنفس ( الزمر 42 )،أى تفقد حريتها تماما، فتدخل فى برزخ (المؤمنون 99 : 00 ) تظل فيه الى يوم البعث . ومن البعث الى الحشر والعرض والحساب يفقد الفرد منا حريته تماما . ثم إذا كان مصيره الجنة إستعاد حريته وتمتع بالحرية فيها أبد الآبدين .أما إذا دخل النار فهو مستمر فى الأسر والقهر من الموت الى أبد الآبدين فى الجحيم . أى إن كل ما تمتع به من حرية هو تقريبا ثُلث عمره فى هذه الحياة الدنيا ، ويكون جزاء عصيانه وسوء إستغلاله لحريته فى هذه المدة البسيطة أن يظل يعانى عذابا مهولا ، لا نهاية له ولا تخفيف فيه أبد الآبدين .!
2 ـ فقدان الحرية فى يوم الدين هو ملمح من ملامح كونه جل وعلا ( مالك يوم الدين ).نحن فى هذه الدنيا أحرار فى الايمان أو الكفر (بالدين )،ولكنّ لهذا ( الدين ) يوما هو ( يوم الدين ) نفقد فيه حريتنا ، ويتعين علينا أن نعايش معنى قوله جل وعلا ( مالك يوم الدين )، فالتحكم يكون تاما له جل وعلا فى هذا اليوم ، ونكون فى هذا اليوم أسرى ومجبرين ومقهورين تحت سلطانه جل وعلا لأنه ( مالك يوم الدين ).
3 ـ ويأتى التعبير عما يحدث لنا فى يوم الدين أحيانا بالمبنى للمجهول ، فليس أحد منا (فاعلا ) بل هو مفعول به مجبور مُسيّر لا مُخيّر .!. لا فارق بين الأنبياء والشهداء والمجرمين.يقول جل وعلا: ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ )(69) الزمر) لم يقل ( وجاء النبيون والشهداء ) بل ( جىء بهم ) وعلى نفس المنوال يقول جل وعلا عن مصير الكافرين ومصير المتقين إنهم ( يُساقون ):( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً )(71)( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً )(73)الزمر). ويأتى حينا بتعبير الإحضار أى الاعتقال :( وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) يس ) (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) الصافات )( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) الروم ) أو تعبير ( يُرجعون ) أى يُرغمون على الرجوع لله جل وعلا يوم القيامة، يقول جل وعلا:( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) مريم )( فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)غافر)( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) آل عمران )(ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) الانعام ) ، أو أنّ اليه جل وعلا ( مصيرنا ) الحتمى الذى لا مهرب منه ، أى إن مسيرنا اليه ومصيرنا اليه جبرا وقهرا. ويتكرر تعبير ( اليه المصير) كقوله جل وعلا: ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) المائدة )(خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) التغابن )( اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) الشورى ). أى إن ( مالك يوم الدين ) قد جعله حتما ، لن يستطيع المجرمون الغياب ( أو الزوغان ) : ( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار ). أو هو ( يوم لا مردّ له ) أى لا مهرب منه ولا ملجأ من الله جل وعلا إلا اليه ، لذا يقول جل وعلا لنا : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) الشورى ).
4 ـ والذى يستجيب لله جل وعلا فى هذه الدنيا هو الذى يؤمن باليوم الآخر . إنّ الايمان باليوم الآخر قلبيا يعنى الايمان بالله جل وعلا ( مالك يوم الدين ) كما سبق بيانه . أما الايمان باليوم الآخر سلوكيا فهو تقوى الله جل وعلا فى السلوك وفى التعامل مع الناس ، حيث يحاسب الفرد منا نفسه ، وتتكون فى داخله ( النفس اللوامة ) أو ( الضمير ) أو ( الأنا العليا ) التى تنهى النفس عن الهوى ، فيستحق بعمله دخول الجنة:( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات ) . المؤمن باليوم الآخر قلبيا وسلوكيا يعتمد على عمله الصالح الذى سيكون شفيعا له يوم القيامة لأنه يؤمن بقول الله جل وعلا مالك يوم الدين عن يوم الدين : (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) الانفطار ) . أى إن الشفاعة الحقيقية للعمل الصالح هى ملمح من ملامح الايمان باليوم الآخر وبالله جل وعلا مالك يوم الدين .
ثالثا : موقع الشفاعة الحقيقية فى عقيدة الاسلام ( لا اله إلا الله ):
هذه الشفاعة الحقيقية ملمح من ملامح ( لا اله إلا الله ) .وهنا يتّحد الايمان بالله جل وعلا والايمان باليوم الآخر، إذ يجمع بينهما الايمان بأنه جل وعلا هو مالك يوم الدين. ونوضحها فى الآتى :
1 ـ الله تعالى وحده هو الشفيع لأنه وحده خالق السماوت والأرض ومالك يوم الدين ، وهذا يناقض إعتقادهم فى شفاعة الأولياء والقديسين يوم الدين . إنّ جوهر العقيدة الاسلامية أن الله جل وعلا وحده هو الولى والشفيع، لأن الشفاعة مرتبطة بهيمنته جل وعلا يوم الدين ، لذا فليس غيره للمؤمن وليا ولا شفيعا . فى التأكيد على أن الشفاعة لله وحده وفى الرد على المشركين الكافرين يقول تعالى ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )( الزمر 43 : 44). أى ان اولئك (اتخذوا ) اى هم بدافع من أنفسهم وبدون هدى من الله قاموا باتخاذ فلان وفلان شفعاء ، والله تعالى يؤكد أنهم لا يملكون هذه الأهلية ولا يعقلون، لأن الشفاعة لا تكون إلا لمن له ملك السماوات والأرض والذى يملك وحده اليوم الآخر ، والذى اليه وحده يرجع الناس للحساب يوم الدين. ونلاحظ هنا مجىء صيغة الشفاعة باسلوب القصر : (قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )، أى اليه وحده جل وعلا موضوع الشفاعة ، وله وحده جل وعلا ملك السماوات والأرض ، واليه وحده مرجع البشر يوم الدين . وفى كل ذلك ليس له شريك من المخلوقات . وقد أمر جل وعلا رسوله أن يعلن هذا وأن يقوله:( قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )، وبالتالى فإن ما ينسبه المشركون للرسول من أحاديث كاذبة تناقض ذلك إنّما هم أعداء للرسول ولرب العزّة جل وعلا .
2 ـ ويتكرر نفس المعنى فى قوله تعالى ردا على عبادتهم آلهة يزعمون أنها تشفع وتنفع مع أنها لا تضر ولا تنفع :( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون )( يونس 18 ) والله تعالى هنا يأمر النبى محمدا وكل مؤمن أن يقول لهم : (أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْض) ولأن اتخاذ الشفعاء جريمة شركية (من الشرك ) فان الله تعالى ينزه ذاته عن ذلك الاتهام بوجود شفيع آخر معه، فيقول جل وعلا (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون ). أمر رب العزة رسوله أن يقول هذا ، ثم يأتى المشركون من ( المسلمين ) وينسبون أكاذيب للرسول أحاديث تخالف هذا .!!
رابعا:ارتباط الشفاعة الحقيقية بالهيمنة الالهية لخالق السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات
1 ـ والشفاعة الحقيقية ترتبط بالهيمنة الالهية لخالق السماوات والأرض جل وعلا مالك يوم الدين . ولأنه جل وعلا وحده هو الخالق لكل السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات ، ولأنه وحده هو الذى يهيمن على خلقه لذا فإنه تعالى هو وحده الولى المقصود بالتوسل وطلب العون والمدد ، وهو وحده الشفيع الذى لا شفيع غيره. يخاطبنا جل وعلا خطابا مباشرا فيقول:( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ )( السجدة 4). وهذا خطاب يأتى باسلوب القصر:( مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ). فليس غيره الاها ( لا اله إلا الله ) وليس غيره وليا أو شفيعا. ويدعونا رب العزة لأن نتذكر:( أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ )؟. فهل تذكّر المسلمون ؟ أم أنهم فى ضلالهم يعمهون ؟.
2 ـ قوله جل وعلا لنا :( مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ) هو آية مُحكمة ، نفهم فى ضوئها الآيات المتشابهة التى تفصّل آلية الشفاعة للملائكة بعد إذنه جل وعلا خالق السماوات والأرض . ومنها قوله جل وعلا فى خطاب مباشر للبشر:( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ )(يونس 3 ). ونلاحظ هنا أيضا صيغة القصر التى يستعملها رب العزة فيما يخص عقيدة الاسلام، فكما أنه ( لا اله إلا الله ):( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ )(19)محمد ) فإن الشفاعة أيضا باسلوب القصر:( مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ). وأيضا يدعونا رب العزة لأن نتذكر: (أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ )؟ فهل تذكّر المسلمون؟ أم أنهم فى ضلالهم يعمهون ؟. 3 ـ ومما سبق يتضح أن الشفاعة صفة الاهية لا شريك لله تعالى فيها لأنه وحده الخالق للسماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات ، ولأنه وحده جل وعلا المسيطر المتحكم فى يوم الدين . فهل شارك أولئك الشفعاء المزعومون رب العزة فى خلق السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات ؟
خامسا : ارتباط الشفاعة الحقيقية بالعلم الالهى والهيمنة الالهية فى الآيات المتشابهة عن الشفاعة :
1 ـ تأتى الآيات المتشابهة عن الشفاعة عن إذنه ورضاه فى سياق الحديث عن هيمنته جل وعلا وعلمه الالهى المحيط بكل شىء . وهذا عكس ما يفعله المشركون الذين يقومون بتحريف معنى تلك الآيات المتشابهة ليزيفوا شفاعة للنبى محمد وغيره . ونعطى بعض الأمثلة القرآنية :
2 ـ جمعت آية الكرسى (12 ) من أسماء الله الحسنى جل وعلا وصفاه التى لا يشاركه فيها أحد من خلقه، والتى تعبّر عن الهيمنة والقيّومية ، ومنها أن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذنه وعلمه . يقول ربى سبحانه وتعالى : ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (البقرة 255 ). تبدأ الآية الكريمة بالصفة الأولى لرب العزة: (للّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) ، وطالما أنه لا اله إلا هو فلا بد أن تختلف صفاته عن صفات المخلوقات ، ولأن اللسان البشرى لا يستطيع أن يعبّر عن صفاته جل وعلا ، ولأن العقل البشرى لا يستطيع إدراك صفاته جل وعلا وعظمته جل وعلا فإن رب العزة يأتى بصفاته بلغة البشر مع التأكيد بأنه ليس كمثله شىء : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11 ) الشورى) ، لذا فهو( الْحَيُّ ) الذى لا يموت عكس المخلوقات (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58) الفرقان )، وهو الحىّ ( الْقَيُّومُ ) أى القائم على مخلوقاته بالهيمنة والتحكم ، والقائم على كل نفس بما كسبت من عمل سىء او عمل صالح:( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ )(33) الرعد ) وفيما عدا حرية الايمان والكفر والطاعة والمعصية التى منحها للبشر مقابل مسئوليتهم يوم الحساب فإنه جل وعلا هو القيوم على أجسادهم وله السيطرة الكاملة على المخلوقات غير المُكلفة. وبينما ينام البشر فإنه جل وعلا:( لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ )،وهو المالك للسماوت والأرض: ( لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) ، ولذلك فإن من تمام تحكمه يوم الدين ألا تكون هناك شفاعة إلا من بعد إذنه ورضاه:( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )، وهذا الإذن الالهى لملائكة الشفاعة التى تسجل الأعمال مبنى على أنه جل وعلا يعلم حقيقة عمل كل فرد: ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )بينما لا يحيط البشر بشىء من علمه إلا بما يشاء وقت ما يشاء :( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء )، وتحكمه جل وعلا يسع كل ملكوته أو عرشه أو كرسيّه، أى السماوات والأرض :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) ، ولا يتعبه حفظهما (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ) لأنه العلى ( وَهُوَ الْعَلِيُّ) ولأنه العظيم ( الْعَظِيمُ ). جاء هنا ذكر الشفاعة بعد إذنه جل وعلا فى سياق تحكمه وقيوميته وفى سياق علمه بما بين أيدينا وما خلفنا . وهذا لا يتأتى إلا له جل وعلا وحده . وهذا تأكيد لأنه جل وعلا ( مالك يوم الدين ).!
2 ـ وعن ارتباط الشفاعة بالعلم الالهى والهيمنة الالهية يقول جل وعلا عن الملائكة التى تحمل عمل الفرد بعد رضاه جل وعلا : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )( الانبياء 26- 28 ). قال جل وعلا عن هيمنته على الملائكة : (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) وعلى هيمنته على شفاعتهم يقول جل وعلا : (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) . وعن علمه الالهى بهم وبنا يقول جل وعلا : (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ).
3 ـ ويقول جل وعلا عن هيمنته على الخلق وخضوعهم له يوم الدين :( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ). أى إستسلام تام منّا يومئذ وخشوع للرحمن فلا تسمع إلا همسا. وفى هذا الموقف العظيم يأتى الحديث عن الشفاعة كملمح من ملامح الهيمنة الالهية والعلم الالهى :( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) هنا ايضا ربط الشفاعة بالرضى والإذن والعلم الالهى . ثم بعدها التأكيد على هيمنته جل وعلا علينا يوم الدين :( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ) طه 108 ـ )
4 ـ ويقول جل وعلا عن جمع الناس ليوم الدين ليكونوا تحت هيمنة الواحد القهّار ( ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) هود ). لا يستطيع أحد التكلم دفاعا عن نفسه إلا بإذن الرحمن .! .
5 ـ وعن هيمنته جل وعلا يقول عن يوم الحشر : ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (47) الكهف ) أى لا يستطيع أحد الهرب من مالك يوم الدين الواحد القهّار . ثم يتم عرضنا يوم العرض ونحن نقف صفّا ( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً )(48) الكهف).
6 ـ ويشمل هذا الملائكة من الملأ الأعلى من الروح جبريل وغيره ، إذ لا يملك مخلوق من المخلوقات أن يملك خطاب الرحمن إلا بعد أن ياذن له الرحمن . فعن تمام التحكم والهيمنة فى الملائكة وجبريل والجميع ووقوف الملائكة صفا لا يتكلمون إلا بعد إذن الرحمن مالك يوم الدين يقول جل وعلا : ( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا )( النبأ :36 ـ ). يقف الملائكة صفا لا يتكلمون إلا بإذن الرحمن ، ولا بد أن يقول هذا المخلوق الملائكى صوابا ، والذى يعرف ما سيقوله هو الذى يحيط بكل شىء علما ، جلّ وعلا رب العالمين .!
5 ـ فارق هائل بين هيمنة الرحمن مالك يوم الدين وذلك الإفك الكاذب فى أحاديث الدين السّنى التى تُكذّب بيوم الدين وتكفر بمالك يوم الدين .!... هذا مع أنهم يقولون فى صلاتهم فى الفاتحة ( مالك يوم الدين ) . يقولونها وهم فعلا يكفرون بها .!!
وسنرى العجب من اساطيرهم فى الباب الثانى . 

اجمالي القراءات 14794

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   جمال خالدي     في   الثلاثاء ٠٨ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[73163]

مهلا سيدي الكريم.

 السلام عليكم سيدي الفاضل احمد صبحي منصور ,سيدي لقد تعلمت منكم الكثير و لازلت اتعلم جازاك الله خير الجزاء, سيدي هناك أمر أود لو توضحه وهو الأية رقم 26 من سورة الأنبياء فهل هذه الأية تتحدث على الملائكة ام على الرسل لأن الله عز وجل يقول وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [29] فهل يمكن أن تقول الملائكة قولا فتسبق قول الله عز وجل وهو يقول لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [27]. وهل يمكن للملائكة أن تعمل عملا من تلقاء نفسها من غير أمر الله عز وجل . وهل يمكن أن تعذب الملائكة في جهنم . سيدي تقبت مني فائق الأحترام و التقدير .


2   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الجمعة ٢٨ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[86721]

هل تختلف شفاعة الدنيا عن شفاعة الآخرة


ـ تنتشر الواسطة أو الشفاعة فى التعامل البشرى كأحد مظاهر الحرية الانسانية فى عمل الخير أوالشّر . قد تكون شفاعة فى سبيل خير كأن تتوسط لصاحب حق كى يأخذ حقه أو ترفع عنه ظلما ،وقد تكون فى الشر حين تعين ظالما او تساعد من لا يستحق على اخذ ما لا يستحق . ومقابل هذه الحرية هناك مسئولية مترتبة عليها يوم القيامة ، فمن يتوسط (او يشفع) فى الخير يكن له نصيب فى الخير ،ومن( يشفع) او يتوسط فى الشر يكن عليه نصيب من الشر ، وهذا معنى قوله تعالى عن شفاعة الدنيا : ( مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا )( النساء 85). شفاعة الدنيا ليس لها مكان فى الاخرة ، فالدنيا هى دار البيع والشراء والعلاقات والصداقات ، وأهم من ذلك هى دار الحرية فى الطاعة أو المعصية . أما الاخرة ففيها تحكم ( مالك يوم الدين ) حيث يأتى الحساب المترتب على هذه الحرية ، وكل منا سيكون مشغولا بنفسه ، حين يفر المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم شأن يغنيه ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )(عبس 34-37)،فليس فى الاخرة مراعاة للقرابة اوالنسب،حتى لا يملك الاب يوم القيامة ان يتساءل عن مصير ابنه ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ )( المؤمنون 101) ويسرى ذلك على كل والد وكل مولود ، فلا يستطيع النبى عليه السلام ان يجزى عن ابيه او ولده ،وهذا مما حذر منه رب العزة حين قال للناس جميعا ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ )(:لقمان 33)، فالله تعالى يحذرنا من ان نغتر بالحياة الدنيا وما فيها من بيع وشراء وصداقات وشفاعات فنقيس عليها احوال الاخرة. وأيضا يحذرنا رب العزة جل وعلا من تصديق الشيطان الذى يخدع البشر ويضلهم باحاديثه الكاذبة المنسوبة ظلما لله تعالى ولرسوله ، هذه الاحاديث تعزز للبشر تصورهم للحياة الاخرة بالتصور الدنيوى من الصداقات والشفاعات والبيع والشراء ، لذلك يقول الله تعالى محذرا الذين يؤمنون بذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (البقرة 254). والله تعالى يختم الاية بتقرير أن الكافرين هم الظالمون فمن الكفر والظلم للمولى جل وعلا ان نحول اليوم الاخر الى مكان للظلم والشفاعات ودخول الجنة لمن لا يستحق ،والله تعالى سيعلن يوم القيامة ( لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ . لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ. إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )( :غافر 16-17) ويقول تعالى عن يوم الحساب إنه يوم العدل الاكبر حيث لن يوجد مثقال ذرة من الظلم بل العدل المطلق لأن القاضى الأعظم الذى يقضى بالحق هو وحده الذى يعلم الغيب ويعلم ما فى السرائر ، وهو الشهيد على كل شىء : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )( الانبياء 47). ان اليوم الاخر له اسماء متعددة منها يوم التغابن (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ )(التغابن 9)والغبن هو الظلم ،ويوم التغابن يوم رفع الظلم والقصاص من الظالمين 



3   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الجمعة ٢٨ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[86722]

مازلنا مع الحرية بين الدنيا والآخرة


    نتمتع بالحرية فى الدنيا ، ونفقدها مؤقتا بالنوم ، ونفقدها جزئيا بحدوث خلل أو مرض فى الجسد ، ونفقدها تماما عند الاحتضار . النفس البشرية حُرّة فى إختيارها ، وهى تتحكم جزئيا فى جسدها تسير به هنا وهناك حسب المجال والحيّز المُتاح لها . ولكن التحكم الكلى فى الجسد هو لله جل وعلا. فأجهزة الجسد الحيوية تسير بمشيئة الخالق لها جل وعلا . وهذا الجسد مهما بلغت قوته فهى محدودة ، يقول رب العزة للفرد منّا ( إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37)الاسراء).وبمرض الانسان وشيخوخته ووهنه تقل حريته ، وعند المرض تقلّ خياراته فيتذكر ربه جل وعلا داعيا منيبا (الزمر 8 ، 49). وعند الموت يصبح أسيرا مُجبرا لا حول له ولا قوة وهو يرى ملائكة الموت. وبالموت يمسك رب العزة بالنفس ( الزمر 42 )،أى تفقد حريتها تماما، فتدخل فى برزخ (المؤمنون 99 : 00 ) تظل فيه الى يوم البعث . ومن البعث الى الحشر والعرض والحساب يفقد الفرد منا حريته تماما . ثم إذا كان مصيره الجنة إستعاد حريته وتمتع بالحرية فيها أبد الآبدين .أما إذا دخل النار فهو مستمر فى الأسر والقهر من الموت الى أبد الآبدين فى الجحيم . أى إن كل ما تمتع به من حرية هو تقريبا ثُلث عمره فى هذه الحياة الدنيا ، ويكون جزاء عصيانه وسوء إستغلاله لحريته فى هذه المدة البسيطة أن يظل يعانى عذابا مهولا ، لا نهاية له ولا تخفيف فيه أبد الآبدين .! فقدان الحرية فى يوم الدين هو ملمح من ملامح كونه جل وعلا ( مالك يوم الدين ).نحن فى هذه الدنيا أحرار فى الايمان أو الكفر (بالدين )،ولكنّ لهذا ( الدين ) يوما هو ( يوم الدين ) نفقد فيه حريتنا ، ويتعين علينا أن نعايش معنى قوله جل وعلا ( مالك يوم الدين )، فالتحكم يكون تاما له جل وعلا فى هذا اليوم ، ونكون فى هذا اليوم أسرى ومجبرين ومقهورين تحت سلطانه جل وعلا لأنه ( مالك يوم الدين ).ويأتى التعبير عما يحدث لنا فى يوم الدين أحيانا بالمبنى للمجهول ، فليس أحد منا (فاعلا ) بل هو مفعول به مجبور مُسيّر لا مُخيّر .!. لا فارق بين الأنبياء والشهداء والمجرمين.يقول جل وعلا: ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ )(69) الزمر) لم يقل ( وجاء النبيون والشهداء ) بل ( جىء بهم ) وعلى نفس المنوال يقول جل وعلا عن مصير الكافرين ومصير المتقين إنهم ( يُساقون ):( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً )(71)( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً )(73)الزمر). ويأتى حينا بتعبير الإحضار أى الاعتقال :( وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) يس ) (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) الصافات )( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) الروم ) أو تعبير ( يُرجعون ) أى يُرغمون على الرجوع لله جل وعلا يوم القيامة، يقول جل وعلا:( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) مريم )( فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)غافر)( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) آل عمران )(ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) الانعام ) ، أو أنّ اليه جل وعلا ( مصيرنا ) الحتمى الذى لا مهرب منه ، أى إن مسيرنا اليه ومصيرنا اليه جبرا وقهرا. ويتكرر تعبير ( اليه المصير) كقوله جل وعلا: ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) المائدة )(خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) التغابن )( اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) الشورى ). أى إن ( مالك يوم الدين ) قد جعله حتما ، لن يستطيع المجرمون الغياب ( أو الزوغان ) : ( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار ). أو هو ( يوم لا مردّ له ) أى لا مهرب منه ولا ملجأ من الله جل وعلا إلا اليه ، لذا يقول جل وعلا لنا : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) الشورى ).



4   تعليق بواسطة   حسن عمر     في   السبت ٢٩ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[86724]

الشفاعة فى (يوم الدين) تخضع لهيمنة (مالك يوم الدين ): ب 1 ف 3


مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا  [النساء:85]



 



هاذهِ هى الشفاعة التى سوف تحدث يوم القيامة



على المسلمون مراجعة هذهِ الأية .



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,347,250
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي