خواطر علمانية

كمال غبريال Ýí 2013-07-13


 

 قبل أن تكون العلمانية نظاماً سياسياً ينبغي أن تصير منهج حياة، سخافة العلمانية أنها تقتضي منك أن تكون مؤهلاً علمياً ومهنياً، ومستعداً لأن تبذل الجهد المضني في الإنتاج طوال عمرك، وأن تعتمد اعتماداً تاماً على ذاتك، أما ما خلا العلمانية فتفتح لك آفاقاً غير محدودة من الرؤى الجميلة والهلاوس البصرية والسمعية، تتطلب العلمانية أن تنمي قدراتك الفكرية والمعرفية والمهارية بالدرجة الكافية لأن تثق في ذاتك، فلا تعود بعد في احتياج لمن يسحبك خلفه أو يدفعك أمامه، فالعلمانية هي أن يكون الإنسان سيد مصيره، والعلمانية تعني أن تدير ظهرك لتهاويم الميتافيزيقا وعوالمها الموازية، وأن تحتضن الكون الشاسع بجسدك وعقلك، مستشرفاً أنوار المعرفة التي تتفجر في وعيك، فالعلمانية تعني مركزية العقل الذي أتاح للإنسان الادعاء بأنه أرقى الكائنات.
• أظن أن مفهوم "العدالة الاجتماعية" في ذهن من يروجون له مقارب لمفهوم الدولة الدينية، حيث يشتركان في الوعد بهبات مجانية للناس، وإن كانت الأخيرة تؤجل النعيم المجاني إلى الحياة الأخرى، لكن المنظور العلماني للحياة يحتاج لإرساء عدة مبادئ: دعه يعمل دعه يمر- من لا يعمل لا يأكل- لكل قدر عائد مجهوده لا أكثر ولا أقل- توفير فرص التأهيل العلمي والمهني لكل راغب فيه وقادر عليه، فقط المعوقون هم من يستحقون دعماً متناسباً مع درجة إعاقتهم، وما خلا ذلك هو من قبيل التنطع الذي لا طائل من ورائه. . الثائر الباحث عن الحرية ليس بالتأكيد من يطالب الحاكم بالإغداق عليه كما كان يفعل السلاطين مع التنابلة على أبواب قصورهم.
• المصالحة الوطنية تعني توبة الضالين الذين اعتبروا مصر قنطرة للعبور عليها إلى خلافة إسلامية وأستاذية العالم في الفقر والجهل والمرض. . لا نتحدث عن أقصاء من الحياة السياسية لعامة الناس مهما كان فكرهم، نتحدث عن إقصاء لفكر أخطر من النازية والفاشية، وإقصاء لمجرمين سابقين وحاليين. . هم يحولون الخلاف حول هوية الوطن وشكل مستقبله، إلى خناقة على اقتسام كعكة ينبغي حلها باقتسامها بالتراضي بين الجميع!!. . من فرط سماحة المصريين وكريم أخلاقهم يتوسلون الصلح مع جلاديهم ومكفريهم، رغم رفض هؤلاء للصلح بإباء وشمم. . كان الشباب طليعة ثورة 30 يونيو، لكن عمادها الأساسي لم يكن "الفلول" كما يتقول البعض، هي قوى مصر التقليدية، الممثلة في عامة الناس الذين تهددت أو تبددت مقومات حياتهم، والعائلات العريقة ومؤسسات الدولة العتيدة كالجيش والشرطة والقضاء والمثقفين والإعلاميين، هي مصر ذات الخمسة آلاف عام من التاريخ المكتوب، والتي يستحيل على عصابة مهما بلغ تنظيمها أو بريق وخداع شعاراتها أن تدفع مصر إلى الخراب.
• لعلم من لا يعلم، الحلول الوسط بين طرفي الانقسام الحالي في مصر هي في المنطقة ما بين حكم مرسي وحكم مبارك، فلا مبارك غَلَّب العلمانية، ولا مرسي غَلَّب الإسلامية، كلا القطبين حاول السيطرة من خلال مهادنة الآخر، ولهذا بالتحديد نقف في المقابل مما يسمى "مصالحة وطنية"، فعدم الفرز والعودة لاختلاط الزيت بالماء سيبقينا في ذات المستنقعات الضحلة التي نرتع فيها من عقود عديدة. . نتمنى أن يكون 30 يونيو 2013 هو بداية رحلة تجفيف منابع الإرهاب في العالم.
• عكس ما يتصور كثيرون، السير على هدى المبادئ قد يؤدي للضلال، فيما التركيز باستقامة على تحقيق المصلحة يقود إلى شاطئ الأمان، المبدأ الوحيد الخالد هو "السعي لتحقيق السعادة للإنسان، كل إنسان". . الخلاف بين الليبراليين حول قضية غلق القنوات الدينية ليس خلافاً بين المثالية وبين البرجماتية العملية والواقعية، لكنه الخلاف حول منهج من يتعامل مع صناديق مغلقة تؤدي به إلى المثل الدارج: "كله عند العرب صابون"، ومنهج من يفتح الصناديق ليرى ما بها، إن كان سمكة أم ثعباناً، "حمرا" أم جمرة".
• يستهجن كثيرون مداومتي على النقد، ويسألونني عن مشروعي الخاص، والحقيقة أن مشروعي الخاص ليس اختراعاً أو لغزاً، وقد سارت فيه شعوب أوروبا الشرقية وشرق وجنوب شرق آسيا، والمشكلة عندنا هي الكثير مما يعوقنا عن قبول ذلك المشروع، ويدفعنا في الاتجاه المضاد له. . هل يكفي هذا لتبرير أو توضيح لماذا يتركز كلامي على نقد ما هو كائن، وأكاد أصمت عما ينبغي أن يكون؟!!
• الفوضى الخلاقة تكاد تتحقق شروطها الآن في مصر، سيولة ودوامات وظروف حرجة وتفاعلات غير محدودة ولا منضبطة. . الجديد الرائع في مرحلة المخاض!!
• لقد سقط منطق أرسطو الذي يعتمد صحة القضية من سلامة استنتاجاتها من مقدمات يفترض صحتها، فهو بهذا يأسرنا في نطاق الثوابت التي لا نستطيع مفارقتها إلى جديد، لتأتي البرجماتية لتستدل على صحة القضية ببراهين بعدية، أي بعد تطبيقها العملي، والذي نستدل منه على مدى صلاحية القضية بدرجة تحققها العملي. . البرجماتية هي الحل.
• من الطبيعي في الداخل والخارج من اعتبروا أن مبارك كان في الثمانينات والتسعينات يطارد ثواراً لهم رسالة وطنية وليس إرهابيين، أن يعتبروا ما قام به السيسي أخيراً هو انقلاب عسكري، ولا ننسى خطاب مبارك الصريح شديد اللهجة إلى أوروبا بعد مذبحة الدير البحري بالأقصر، حين واجه أوروبا بأنهم يأوون الإرهابيين باعتبارهم لاجئين سياسيين، وها هم يقتلون أبناءهم.
اجمالي القراءات 9093

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   محمد أبو السعود     في   الجمعة ١٩ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[72580]

هذا هو الطريق

أستاذ كمال، كالعادة أصبت كبد الحقيقة.    لا فرق بين ديكتاتورية دينية ودكتاتورية اشتراكية.  الهدف واحد وهو جعل الشعب يعتمد كليا على الحكومة ويعتد، للأسف كما يعتقد الكثير، أن وظيفة الدولة أن تجد لهم مسكنا وتعليما وعلاجا مجانيا ولا يسألون أنفسهم من أين تأتي هذه الأموال.  عموما لا حل سوى الدولة العلمانية التي يرفع فيها من قدر الفرد وتعطى له حريته الكاملة في السعي والتقدم طالما لم يخالف القانون.  إن كلمة عدالة اجتماعية هي أكثر كلمة كرهتها لعلمي بما تنطوي عليه من أكاذيب تساعد على تدعيم الدكتاتورية.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 598
اجمالي القراءات : 5,203,220
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 264
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt