الجيش في سيناء ولكن ليس لإسرائيل!

سامح عسكر Ýí 2013-05-24


 

عندما تتطور الأوضاع العسكرية في أي منطقة فهي إما تأخذ شكلاً مغايراً عن الأول مع بقاء المواجهات، أو أن تنتهي النتيجة لصالح أحد الأطراف..ولكن يصدق ذلك على المواجهات العسكرية بين الجيوش التنظيمية، أما أن تكون المواجهات بين جيش تنظيمي ومجموعات إرهابية فحينها تكون المعركة ذات طبيعة خاصة تختلف بقدر اختلاف طبيعة أحد الأطراف عن الثاني..سنأخذ جانباً من هذا الاختلاف ونُسقط ذلك على الأحداث في سيناء.. سنرى طرفاً يحارب عقائدياً وآخر يحارب وطنياً، ولكن في ذات الوقت فالطرف الوطني ذات طبيعة غامضة لا تسمح برؤية الجانب الوطني بوضوح، فجماعة الإخوان هي جماعة عقائدية وليست وطنية، وهم يُعلنون عن ذلك باستمرار أن ولائهم الأول لمبادئهم وأهمها الخلافة والشريعة ...لِذا فهي تتفق مع هذه الجماعات من حيث المبدأ ولكنها تختلف معها فقط في الفروع والإسقاطات.

الأزمة في سيناء هي امتداد لأزمة العقل المصري بالخصوص والعربي بالعموم، تلك الأزمة التي سمحت بتوغل العقل السلفي التقليدي بين أوساط الجماهير، هذا العقل لا يعرف سوى التفسير الحرفي للنصوص الدينية، وبحثهم في ما وراء النصوص غير موجود، لذلك فعندما تتعامل مع أحدهم- أو إحدى تشكيلاتهم- تعلم على الفور أنك أمام إنسان لا يعرف.. "لُغة المقاصد"..وبالتالي فهو غير مشغول بنتائج أعماله لأنه يعتقد بأن التدين الحقيقي في تطبيق النص دون النظر إلى ما وراء التطبيق، فالمسألة لديه مترابطة وتكاد تكون بديهية أن الله أنزل القرآن والشريعة لصالح البشر، وأن الالتزام بهذا القرآن هو لصالح البشر أيضاً، وعليه فالتطبيق الحرفي له لن يخرج من هذه النتيجة، أما لو ارتأى نتائج أخرى لأعماله -غير التي ينتظرها- فحينها ينسب الخطأ لنفسه من حيثية عمله وإخلاصه وليس من حيثية فهمه وعِلمه ، لذلك فالخطأ لديه مادي ذات طبيعة خارجة عن المضمون،بينما الخطأ أصلاً يكمن في المضمون، أي أنه داخلياً وليس خارجيا.

يُعزز هذا التوجه قيام سُلطة ذات امتدادِ شعبي تحمل نفس الأفكار، ولكنها تختلف فقط في حجم تواصلها مع القواعد والنُخَب من قبل، هذا التواصل بدا أنه لم يؤثر في منهجيتها ورؤيتها للأمور لأسباب تتعلق بالحِرص الدنيوي وقواعد السياسة الشرعية وأشياء أخرى يخدعون أنفسهم بها للبقاء ومن ثم التمكين..أما بعد التمكين فالتوجه-الذي لم يتغير-سيكون هو الحاكم، وعليه تتساوى جماعات الإرهاب والسُلطة في مقدار الجريمة، أن الجماعات أخطأت وتعجلت فكان نصيبها من العَجلة أقل، وأن السُلطة لم تتعجل فكان نصيبها أكبر من كعكة السُلطة ورِضا الجماهير والمغفلين ممن يُسمون أنفسهم.."مثقفين"...هي أزمة عقل ودين معاً يعاني منها العرب إجمالاً ، ولو كان التصور السابق يشوبه نوعاً من الخلط أو الخطأ فسيتوقف على حقيقة دعم هذه السُلطة للحريات.

إذن نحن أمام أزمة ستظل محصورة"دائرياً"في النطاق العربي، وكلما أردنا الانتهاء منها تظهر لنا نتائج أخرى تُطيل من أمدها لم نكن نتوقعها..وعليه فيبقى السؤال..متى يذهب الجيش إلى الشمال "الإسرائيلي" ويُعيد الحق لأصحابه؟..أو على الأقل يضغط لوقف الاعتداء ومصادرة الأراضي..في تقديري أن المنظور الذي ترى به إسرائيل العرب هو ذاته المنظور الذي نرى به هذه الجماعات الإرهابية..وطِبقاً للقواعد الرياضية المنطقية -كالنسبة والتناسب- أننا لن نردع إسرائيل إلا إذا وجدنا فارقاً جوهرياً بين طبيعتنا وطبيعة تلك الجماعات...وهو ما يُفسره المثقفين والفلاسفة بإعلاء قيم العقل -كالعقل الناقد- وحصار الوهم والخُرافة، وبالتالي كان سقوط الشباب العربي بين براثن هذه الجماعات سيتوقف على مدى تأثير هذه الجماعات في الجماهير"العقلانية"التي تنظر في الأمور والأشياء بمعايير العقل والمنطق أكثر من ارتدائها ثوب الدين الذي يخدعون به الجماهير ويُكثرون به الشعارات الطنّانة.

في قلبي شئُ من الحُرقة على سنواتٍ أمضيتها في الجماعة على وهمٍ كشفته السُلطة، وسألت نفسي لماذا لم أعد أرى الجماعة –كم أفهمتنا-وهي تقود الجماهير للنضال والكفاح ضد المستعمِرين؟..والجواب رأيته في فقه الجماعات التي قعّدت لنفسها قواعد أهمها أن العدو القريب أولى بالقتال من العدو البعيد، فرأيت الجماعة وهي تحارب"عدوها"القريب المُمثّل في المعارضة والأحزاب السياسية وشباب الثورة..إضافة إلى مؤسسات الدولة ومن أهمها القضاء والإعلام..حينها أيقنت أن فقه الجماعات والخوارج قديماً يُحييه من أكثر من الشعارات على حِساب العمل، وأن إسرائيل لم تكن تحلم يوماً بأن يسوس مصر من يهدمها ويهدم جيشها ومُجتمعها ومؤسساتها..أو من يقعد عن النضال وإرساء قيم العدل في أقرب بقعة جغرافية تمتد فيها أواصر الصداقة بين شعبين لا زالا "يُظنّان" أنهما واحد.

اجمالي القراءات 8097

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,591,385
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt