الإنسان في القرآن الكريم - 13:
إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين تواصوا بالصبر - 13‏

خالد اللهيب Ýí 2013-04-09


أتابع حديثي حول المعاني التي إستثنى بها الله المؤمن من الذم بعد أن ذمّ الإنسان بأبشع ‏الصفات والأوصاف ،( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ‏الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر. ‏

المزيد مثل هذا المقال :

‏1-- الصبر يرتبط بالصعاب فلا يكون الصبر صبرا إلا عند الشدائد والمحن فهو يتطلب ‏العزم والمجالدة والمثابرة ، كما يرتبط بالوقت ، فهو آنيٌّ مرحلي و إن طال ، فلا يحمل ‏صفة المداومة الى ما لا نهاية فيقال :(الصبر مفتاح الفرج)، فالصبر صفة المؤمن والقنوط ‏صفة الكافر، والتواصي بالصبر ينطبق على الفرد والمجتمع والحكومة والمحكومين ، ‏‏(..وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران ، (..إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) الأنفال ، فمن ‏أحبه الله عز وجل وكان معه فهو حسبه وكافيه .‏
‏2-- الصبر يرتبط بالصلاة فهما متلازمان متحدان ، يُستعانُ بهما لمواجعة مشاكل الحياة ‏وصعابها ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) ‏البقرة ، الله سبحانه و تعالى مؤيد ومؤآزر وداعم للصابرين ، كما هو معهم أينما كانوا ‏لمواجهة صعابهم ومتاعبهم، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، مقررا أن الإلتزام بإقامة ‏الصلاة ، أمركبير، صعب إلا على الخاشعين، فهو سهل، هين ، ينبع من الذات المؤمنة ‏ويتفق مع هواها وملذاتها ، ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ )45 ‏البقرة .‏
أمر اللهُ المؤمن بعبادته والصبر عليها ، فالعبادة تحتاج الى الإيمان القوي الراسخ ، تُطمئن ‏القلب وتريح النفس فيُثابر المؤمن على تأدية العمل الصالح ، فلا عبادة مقبولة دون إيمان ‏وصبر ، كما أمر الله جل و علا ، النبيّ محمد عليه الصلاة والسلام بالصبر على عبادته وقد ‏ملئ قلبه بالإيمان ، ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ..) طه ، فكيف بنا و نحن الفقراء ‏الى الله عز وجل ، وأصحاب ما قلّ وما كثر من الإيمان ، فنحن أحوج ما نكون الى الصبر ‏والمثابرة على الطاعة والتقوى ، ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ ‏لِعِبَادَتِهِ .. )65 مريم .‏
‏3-- كما اُمر النبيُ محمد عليه الصلاة والسلام والأمر ينسحب على كل مؤمن بالله عز وجل ‏، (وهو أمر واجب التنفيذ وليس إختيار بأن يفعل أولا يفعل)، ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ‏وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ ‏بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل ، أمر بالدعوة الى عبادة الله الواحد الأحد وبالدعوة الى الطريق ‏الموصل الى تقواه ورضاه ، عبر الحكمة التي تظهرالحق الذي لا شك فيه عقلا ومنطقا ، ‏والموعظة الحسنة التي في بيانها القدوة الصالحة ، التي تُرقّ القلب وتُخضع النفس والمجادلة ‏بأحسن سبل المجادلة ،الرقيقة ،التي لا تهين الخصم ولا تحط من قدره و مكانته ، إذ الهدف ‏هدايته لا إهانته ، فالدعوة الى سبيل الله عز وجل لا تكون بالقوة والإجبار ، أوالإيمان ‏بمقولة : من ليس معي فهو بالضرورة ضدّي و من الفجّار الكفار ، أستبيح دمه وعرضه ‏وماله ، كما يؤمن السلفيون الوهابيون والإخوان ، فالله عز وجل ، (هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن ‏سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، حتى انسحب أمر الله عز وجل الى المسامحة والتجاوز عن ‏عقوبة من آذانا وظلمنا ، فهو أفضل للصابرين و أحسن عملا ، ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ ‏مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ (126) النحل ، تطبق العقوبة على الجاني ‏الذي أرتكب ذنبا ضد الغير من الناس، ولا تطبق على مذنب في حق الله جل وعلا إلا فيما ‏شرعه وبينه في قرآنه المجيد ، المؤمن والكافر مردّهما الى الله العزيز الحكيم و هو خير ‏الحاكمين ، ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ ‏كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت . ‏
كما جاء أمر الله جل وعلا من قبل الى موسى وهارون عليهما السلام أن يدعوان فرعون و ‏هو من أظلم الظالمين وأشدهم قسوة عبر التاريخ البشري ، بأن يقولا ، ( .. لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ ‏يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) طه ، ولكن الصبر، لا يكون الى ما لا نهاية له ، كما لا يكون على ‏تجاوز شرع الله عز وجل أو تجاوز القانون والدستورالذي إرتضاه المجتمع لذاته ، فالصبر ‏محله المسائل الفردية ، الشخصية ، لا العامة التي تحكم المجتمع بأسره .‏
‏4-- صبر المؤمن ليس على الأذى المادي أو الجسدي فقط بل صبر على كفرالآخرين ، ‏كذبهم ، إفترائهم وقولهم ، بهتانا و زورا، ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ ‏طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) طه ، ‏أمرنا بالتسبيح ، فالتسبيح يطفئ الغضب ويهدئ النفس ويحقق الرجاء والأمل من عند الله جل ‏وعلا ، فوعده حق متحقق على أرض الواقع لا محالة ، كما هو حق بصدقه وثبوته ، ( ‏فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) الروم ، فلا يقرب وهن النفس ‏وعدم يقينها ولا يقرب منها الشعور بخفة الرأي والعقل ، إذا ما جوبهت بالمشككين الكافرين ‏‏. ‏
‏ 5-- صبر المؤمن مدعوم من الله عز وجل ، فيذهب ضيقة الصدر والغم مما يمكر الكافرون ‏والظالمون ، ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ‏‏(127) النحل ، المؤمن محفوظ برعاية الله سبحانه وتعالى ، منتصرٌ في الدنيا قبل الآخرة ، ‏‏( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ..) (48) الطور . ‏
أمر الله عز وجل رسوله الكريم محمدا عليه الصلاة والسلام ، أن يتبع و يلتزم بما يُوحي إليه ‏وهو القرآن الكريم ، فهو وحي واحد فقط لا غير، ( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ ‏اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) يونس ، والمؤمن يلتزم بما أمر الله العليّ العظيم به ، ‏‎ )‎‏ ‏فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ ‏مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) هود .‏
عتاب من الله الرحمن الرحيم على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام ، كيف يضيق صدره ‏بما يوحى له ، حتى تساءل رب العالمين ، مُأنبا (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ؟ ) ، ( ‏لعل ) تفيد هنا الشك مع إستبعاد التحقق ، ذلك أن هذا الضيق ليس لأنه لا يوافق هوى ‏الرسول الكريم وتطيب نفسه به ، بل لأن ما يوحى له ، لا يلقى الرضى والقبول من المجتمع ‏الكافر الذي من حوله ، مما يصعب على نفسه الشريفة الصادقة تكذيبهم لها .‏
‏ كما تمنى الرسول ، أن ينزّل عليه مما يطلبون ويسألون ، كإنزال كنز أوملك من السماء ، ‏كآيه حسية دامغة ، ولكن الأمر ليس له ولا بيده وما هو إلا نذير وبشير، مبلغ ما يوحى له ‏دون زيادة أو نقصان ، أمر بالصبر الجميل ، الذي لا تأفف ولا ضيق فيه ، (فَاصْبِرْ صَبْرًا ‏جَمِيلا (5) المعارج ، فما يسري على النبي عليه السلام يسري على عباد الله جل وعلا من ‏المؤمنين ، فلما نحن تاركون بعض ما اُنزل في القرآن الكريم وراء ظهورنا ، مفضلون ‏ومصدقون قول القصاصين على قول الله عز وجل ، سبحان الله عما تصفون ! ‏
‏6-- الكافر يريد آية حسية تهبط من السماء ، دون بذل عناء التفكر والتبصر ، بينما الله عز ‏وجل شاء أن يستخدم المؤمنُ بصره وبصيرته وعقله وفكره ، فجاءت الآيات القرآنية تترى ‏، متسائلة ، ألا يتفكرون ، ألا يعقلون ... ، وقد أنزل رب العالمين آياته الحسية ، وما على ‏الإنسان الا أن يُعمل بصره وبصيرته وعقله وخياله ، ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ‏بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) لقمان ، ( إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ‏الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) الشورى ، ولكن ‏الكافرون لهم آذان لا يسمعون بها وعقول لا يفقهون بها ، هم كالأنعام ، بل أضل سبيلا ، ‏جريان السفن الشراعية في البحر بفعل دفع الريح لأشرعتها ، هي نعمة من نعم الله عز وجل ‏وآية من آياته الحسية، عبر خلقه وتفعيله سنته في الطبيعة والكون، خدمة ونعمة للإنسان ، ‏فهذه الآيات لا يبصرها ولا يعقلها إلا المؤمنون ، الصابرون ، الشاكرون . ‏
‏7-- الصبر والثقة الكاملة بآيات الله جل وعلا ، يجعل من المؤمن ، إماما ونبراسا ، يحتذا ‏ويُهتدى به ، إذ أن قلبه وفكره إمتلئ إيمانا وثقة بالله عز وجل ، ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ‏فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ‏لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) السجدة . ‏
‏8-- الصبر يرتبط بالصدق قولا وعملا وبتقوى الله سرا وعلانية ، (..وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء ‏وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة ، الصابرون ‏على صعاب الحياة الدنيا والذين بلا قدرة على الهجرة فرارا بدين الله عز وجل ، والصابرون ‏على ظلم الآخرين لهم ، نتيجة لضعفهم وقلة حيلتهم ، يُعطون أجرهم ولكن بغير حساب ولا ‏محاسبة ، فهو عطاء غير محدّد بأي شكل من الأشكال ، لا بالكمية ولا بالنوعية ولا بالكيفية ‏، فلهم ما يطلبون ويتمنّون ، بينما المؤمن المتقي المحسن الى نفسه بإختياره دين الله عز ‏وجل والمحسن الى الآخرين بأي شكل من أشكال الإحسان ، فله في حياته الدنيا حسنة ، ( ‏قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا ‏يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر .‏
‏9-- الصبر يرتبط بالتوكل والثقة بالله عز وجل ، ( الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) ‏النحل ، كما يرتبط بثواب الله وعطائه سبحانه وتعالى فلا يُلقّى الثواب إلا الصابرون ، يعلمها ‏أهل العلم والمعرفة بدين الله عز وجل ،‎ ‎‏( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ ‏آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ )80 القصص .‏
‏10-- الإيمان ينقص بالجهل وإغفال العقل و يذداد بالطمأنينة واليقين ، ويتولدُ عن ذكر الله ‏سبحانه وتعالى عبر الصلاة والتسبيح وقراءة القرآن ، ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ‏أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )28 الرعد ، قلب المؤمن يحتاج الطمأنينة والإطمئنان وهو ليس ‏بأفضل حال ولا أكثر إيمان من سيدنا ونبيّنا إبراهيم عليه السلام ، ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‏أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ ‏فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ‏حَكِيمٌ )260 البقرة .‏
أرسل له ربُ العزة والجلالة (أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ) آية معجزة تُطمئن قلبه ، أدركها واختبرها ‏بنفسه وهذا من عطاء‎ ‎ورحمة الله سبحانه وتعالى ، ليكون صلبا علما ، لا تهزه الصعاب ولا ‏المحن ولا النكبات ، ليكون قدوة ، قائدا لأمة بأسرها ، بينما المؤمن العادي يكفيه أن يقود ‏نفسه و ذاته وأسرته ما أمكنه ذلك ، وكل هذا يحتاج الى جهد و مثابرة و صبرعلى الطاعة ‏والعمل الصالح .‏
سلسلة متصلة تبدأ بميل النفس والذات الإنسانية بالإقبال على طاعة الله عز وجل ، حتى ‏تستشعرالطمأنينة والرضا الى أن يمتلئ القلب بها الى حد الإطمئنان والخشوع لله سبحانه ‏وتعالى ، ومن ثمّ تذداد النفس بالإقبال على إقامة الصلاة بعمق وصلة وحب ، في حركاتها ‏ومناجاتها لربها وتفاعلاتها مع غيرها في الحياة الدنيا ، في ليلها ونهارها ، و في سرها ‏وعلنها ، وحيثما كانت راضية مرضية ، وكل ذلك مغلف بالصعاب والمجاهدة و الصبر ‏والمصابرة ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )200 ‏آل عمران‎ ‎‏.‏
‏11-- إن دخول الجنة ، لم يكن فوزا عظيما لولا أن الجنة ذات قيمة عظيمة عالية ، فهي ‏ثواب الله العليّ القدير وحسابه ، وهذا الدخول يحتاج الى جهاد وصبر عظيمين ، فلا دخول ‏بالمجان دون مجاهدة وصبر و دون حساب و مساءلة ، ولا دخول دون اختبار وفتنة ، ( أَمْ ‏حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ )142 آل عمران ، ‏‏( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ .. (31) محمد ، ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ‏الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة .‏
لكي يفوز المؤمن بالجنة ويُؤتى كتابه بيمينه ، واثقا بما قدم في حياته الدنيا ، قائلا ، ‏‏(..هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ (19) الحاقة ، فلا بدّ له من النجاح في تكوين رصيد متراكم من ‏الأعمال الصالحة خلال حياته والصبرعليها ، ليدخله الله جل في علاه جنته عن بيّنة ‏واستحقاق و جدارة ، فلا بد أن يكون عبدهُ أهل لدخول الجنة ، وأهل لمقامه ومكانته ، فكل ‏إنسان مؤمن يحجز مكانته ومقامه بإيمانه وعمله وصبره في حياته الدنيا قبل مماته ، ويأتي ‏رد ملائكة الرحمة على النفس المؤمنة ، ( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) الحجر، ( وَالَّذِينَ ‏صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ ‏بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ ‏وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ ‏عُقْبَى الدَّارِ (24) ‏‎ ‎الرعد ، ( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) ‏المؤمنون ‏
المؤمن الواعي المتقي يعلم ذلك الأمر ، فيلتزم الأمر وينهى النفس عن الهوى ويجاهد حق ‏الجهاد ويصبر محتسبا أجره على الله رب العالمين ، دخول الجنة يحتاج الى المجاهدة و ‏الصبر إلا أن هذا لا يعني أن الدخول ، كان نتيجة لعمل المؤمن ولا فضل لرب العالمين عليه ‏سبحانه وتعالى ، إذ مهما عمل العبد المؤمن من أعمال المجاهدة والتقوى والصبر فلن تكفيه ‏للفوز بجنة الخلد ، نحن لا ندخل بأعمالنا فقط بل برحمة من ربنا سبحانه وتعالى تغلفها ‏وتدعمها ، (..وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (96) النحل ، ( الَّذِينَ ‏آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ ‏الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) خَالِدِينَ ‏فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) التوبة ، بينما الإنسان الغافل تمتع وانقاد لهواه وحب ‏دنياه ، إتكل وتغافل حتى رأى العذاب المهين .‏
‏12-- المجتمع المسلم المسالم يتواصى أفراده بالصبر ويُآزر بعضهم بعضا في المحن ‏والمصائب والنكبات ، فتخف الأوجاع والمحن وتستمرالحياة بحلوها ومرها ، إذ يعلمون أن ‏مردهم جميعا ، قويّهم وضعيفهم الى الله العزيز الجبار، سحرة فرعون علموا تفاهة الحياة ‏الدنيا إذا ما قورنت بالحياة الآخرة الخالدة ، لذا ( قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ‏وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )72 طه ، ( وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ ‏أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) الأعراف ، آية ‏واحدة ، بجلسة واحدة وفي يوم واحد ، فازوا الفوزالعظيم ، بينما الإنسان العاصي الكافر، ‏يقضي حياته كاملة ، فلا يرى ولا يتفكر بأي آية من آيات الله عز وجل وهي من حوله و بين ‏يديه .‏
‏13-- يتواصى أفراده المجتمع المسلم بالصبر على الطاعة وترك المعصية وفقا لشريعة الله ‏جل وعلا ، التي أقرها في قرآنه الحكيم ، فالإنسان المؤمن يصبرعلى نزع ‏‎ ‎شيئ من الرحمة ‏منه ، فلا ييأس ولا يكفر ، يعلم أن الرحمة جميعا بيد الله عز وجل يعطيها لمن يشاء من ‏عباده وقت ما يشاء وبقدر ما يشاء ، إذ لا يأتي من الله الرحمن الرحيم إلا الخير لعباده ‏المخلصين ، بينما الكافر يؤس كفور ،( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ ‏لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ ‏فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ )11 هود .‏
‏14-- كما المؤمن إذا أذاقه رب العالمين نعمة بعد نصب وضر وتعب في الحياة الدنيا يعلم أن ‏الأمر بيد الله عز وجل يهب لمن يشاء ويحرم من يشاء ، وما يشاء الله العزيز الحكيم إلا ‏الخير لعباده المؤمنين ، فلا يفرح ولا يتفاخر بما أعطيّ ولا يأس بما حرم ولا يكفر ، يكمل ‏حياته صابرا محتسبا ، عاملا الصالحات ، كل على قدره وقدرته ، مؤمنا ، واثقا، ومنتظرا ‏المغفرة والأجر إن لم يكن في الدنيا فهو في الآخرة حقا على الله العزيز الحكيم ، بينما ‏الكافرفرح فخور، يريد الكسب المادي ، العظيم لذاته ونفسه وعلمه وقدره ، فهو كاذب مدعي ‏، ويسخرالله عز وجل من الكافرين، قائلا ، ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ ‏بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) البقرة،التي إرتضوها واختاروها لأنفسهم ، مسبقا ‏في حياتهم الدنيا ، إذ لا سبيل للخروج من النار في الآخرة ، ( وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن ‏وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ (44) الشورى .‏
لا يكتفي المجتمع المسلم المؤمن بالصبر والمثابرة وتحمل الصعاب والمرابطة والتقوى بل ‏يُصبّر بعضهم بعضا على كل ذلك حتى يغدو مجتمعا يخيم فوقه غمامة من الأمن والأمان ‏والرحمة والعدل والتقوة والعلم ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ ‏لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )200 آل عمران.‏
‏(.. رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) البقرة .‏
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .‏
أكمل البحث إنشاء الله تعالى في المقال القادم .‏
 

اجمالي القراءات 6637

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-12-18
مقالات منشورة : 1
اجمالي القراءات : 4,688
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 110
بلد الميلاد : 0000
بلد الاقامة : 0000