الإنسان في القرآن الكريم - 12:
إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ -- 12 ‏

خالد اللهيب Ýí 2013-04-03


أتابع حديثي حول المعاني التي إرتبطت بالإنسان والتي ذمّ بها الإنسانُ بأبشع الصفات ، ‏كما بيّنتُ فيما سبق نشره ، فالله عز وجل إستثنى بعض المسلمين المؤمنين من صفات ‏الذمّ هذه ، (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ‏وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر، فالإنسان في خسر إلا الذين تواصوا ‏بالحق .‏

المزيد مثل هذا المقال :

الحقُ إسمٌ من أسماء الله عز وجل ، ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ‏الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) الحج ،( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ‏اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) النور ، فالله عز وجل هو الحق المبين ، المتحقق وجوده ، ‏الموافق للواقع والحكمة ، كما أن الحق إسم صفة للقرآن الكريم ، فالرسول محمد عليه ‏السلام أرسل بشيرا ونزيرا بالحق أي بكتاب الله عز وجل ، ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا ‏وَنَذِيرًا..)119 البقرة ، ولا تغططوا الحق آي القرآن الكريم بالباطل وهو كفر وإفتراء ، ‏‏(وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42) البقرة. ‏
‏ وتأتي كلمة الحق في القرآن الكريم بمعنى :‏
‏1- الدين المادي الواجب سداده ، (..وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ..)282 البقرة .‏
‏2- الصدق الصدوق الكامل ، فوعد الله عز وجل صادق واقع ، لا محالة ، (وَالَّذِينَ آمَنُواْ ‏وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ‏وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً )122 النساء .‏‎ ‎
‏3- وتأتي بمعنى الصواب من عند الله عز وجل (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ ‏عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )32 الأنفال .‏
‏4- كما تأتي كلمة الحق بمعنى الأعمال الصالحة التي سجلت للإنسان في حياته الدنيا ، ‏فالذي يُعتد به يوم القيامة هو وزن العمل الصالح المقبول من قبل الله عز وجل ، والذي ‏له قيمة و يثقلُ وزنُهُ في الميزان ، فإذا ثقلت هذه الأعمال و كان لها وزنا يُعتد به كان من ‏المفلحين ، ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) 8 الأعراف .‏
‏5- وتأتي كلمة الحق بمعنى العدل والإنصاف ، (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ..) 105 ‏الإسراء ، فالقرآن أنزل بالصدق الثابت ليُرسي دعائم العدل في الدنيا بين الناس ، فالذين ‏يقتلون النبيين من دون عدل أوإنصاف إنما هم من العصاة المعتدين ، (..وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ ‏بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ )61 البقرة ، لا يكتفي الكافرون بقتل الأنبياء ‏عليهم السلام ، بل يتعدّون ذلك ، ليقتلوا من يحث ويدعو الناس للقسط والعدل ، فهم على ‏عداء وكره للأنبياء ولإقامة العدل والإنصاف ، ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ‏النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )21 أل ‏عمرآن ، يقتلون النبين دون وجه حق و بأي ذنب كان ، صغر أم كبر ، حقيقي أم مفتعل ‏‏.‏
‏ كما أنزل القرآن ليكون حجةعلى الناس يوم القيامة ، فالله عز وجل يحكم بالعدل ويفصل ‏الحق عن الباطل يوم القيامة ، ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )57 ‏الأنعام .‏
‏ ما أروع القرآن الكريم وما أدق معانيه ، فحينما ندقق ونفكر في قوله تعالى ، (وَيَقْتُلُونَ ‏النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) 21 أل عمرآن ، فقد جاءت كلمة (الحق) دون أل التعريف ليتضح ‏منها الآتي : ‏
أولا - أن النبيين جائز قتلهم ، إذا إستحقوا ذلك وفقا لشريعة الله عز وجل ، مما يعني أن ‏النبيين غير معصومين ويطبق عليهم شريعة الله عز وجل كما يطبق على سائر الناس ، و ‏إن كان من الصعب وقوعهم في المعصية التي تفضي الى قتلهم . ‏
ثانيا - جاءت الآية الكريمة بكلمة النبيين وليس المرسلين ( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ ) ، ذلك لأن ‏المرسلين يمثّلون شريعة الله عز وجل على وجه الأرض فلا ينطقون إلا بالوحي المرسل ‏إليهم ، ولا يخطئون ولايعصون ، فهم معصومون بمؤازرة الله جل وعلا في شأن تبليغ ‏الرسالة المكلفين تبليغها للناس . ‏
ثالثا – جاء في قوله تعالى ، ( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ‏‏) 61 البقرة ،كلمة (الحق) جاءت معرفة بأل التعريف لتدل على أن (الحق) هو شريعة ‏الله عز وجل ذاتها،التي لا تتبدل ولا تتغير، المعروفة لديهم ، ثم وضح ذلك بقوله تعالى ‏‏(ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ ) دلالة على عصيانهم لأمر الله عز وجل ، فالذي عصى لا بد له أنه ‏كان على علم بالتكليف الذي كلف به فيتبعه أو يعصوه ، الآية تشيرالى قتلهم النبيين بغير ‏حق وفقا للدستور والقانون الذي بين أيديهم والذي يعلمونه، وهو القرآن الكريم ، كما جمله ‏، ( وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) ، يعتدون وفقا لشريعة الله عز وجل .‏
بينما في الآية الأخرى، ( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ ‏النَّاسِ ) جاءت كلمة (بِغَيْرِ حَقٍّ) غير معرفة دلالة على قتلهم النبيين بغير دستور أو قانون ‏أرضي عادل أو لأي سبب وجيه مقنع يستوجب ويسمح بذلك ، فهو مجرد إعتداء وظلم ‏وجور، زاده إيضاحا ربنا الرحمن الرحيم بقوله تعالى ، (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ ‏مِنَ النَّاسِ )، يشير الى طبيعة منهجهم في القتل والإعتداء ، إذ يقتلون كل من يأمر بالعدل ‏من الناس (وهم عادة الأنبياء والصالحون) ، وفقا للعقل والمنطق والإنصاف ، ناهيك عن ‏شريعة الله عز وجل أو القانون الوضعي العادل ، يعادون العدل بذاته وكل من يأتي ‏ويأمر به ، سواء النبيين أو الصالحين في المجتمع .‏
‏6- وتأتي كلمة الحق في القرآن الكريم ، بمعنى الفرض الواجب تأديته ، فالمتقون لشريعة ‏الله عز وجل يلتزمون بكل ما جاءت به هذه الشريعة ،وحيث أنه حق عليهم فهم ملتزمون ‏بإتباعه ، (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ‏بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )180 البقرة ، كذلك كتابة الوصية كونها أمر من أوامر الله ‏عز وجل يُأديها المؤمنون المتقون ، فهي بالنسبة لهم فرض واجب لابدّ من تأديته أما ‏الغير متقين يتهاونون ويعتكفون عن تأديتها ، إتباعا لما جاء عند أهل السنة والسلف من ‏الرواة الكاذبين ، فقد جاؤا بحديث كاذب مفترى على النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، ‏الذي يدّعي زورا وبهتانا ، أنّ ( لا وصية لوارث ) مخالفا شريعة الله عز وجل و آياتة ‏البينات ، ليطبق هذا الحديث على رقاب الناس في توزيع التركة والميراث لدى المحاكم ‏الإسلامية الشرعية ، فيظلم الناس وتنتهك حرمة القرآن الكريم ، دون خجل أو تقى ، وقد ‏تكررت عبارة (من بعد وصية أو دين) أربع مرات في القرآن الكريم ، (مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ ‏تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )12 النساء .‏
‏7- وتأتي كلمة الحق بمعنى حُسنُ وكمال تأدية ما فرضه رب العزة على أفضل طريقة ، ‏عبر ما جاء في قرآنه الكريم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم ‏مُّسْلِمُونَ)102 آل عمران ، أي إتقوا الله عز وجل على كمال وتمام التقى ما أمكنكم ذلك .‏
‏8- كما تأتي كلمة الحق بمعنى الحكم الصادرالعادل المستحق التنفيذ دون مراجعة من أحد ‏، فحكم الله عز وجل لا رجعة عنه ، ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ‏النَّارِ)19 الزمر ، إذ لا يبدل الحكم الصادرولا يتغير ، فلا شفاعة للنبي محمد عليه ‏الصلاة والسلام ولا يستطيع إنقاذ من في النار .‏
‏9- وتأتي بمعنى الواجب الذي ألزم رب العالمين ذاته به ، فهو سنة الله عز وجل في حق ‏النجاة للرسل والأنبياء والمؤمنين ، ( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ ‏الْمُؤْمِنِينَ )103 يونس .‏
‏10- كما تأتي كلمة الحق بمعنى شريعة الله عز وجل ودينه وكتابه ، (..وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ‏الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ..)29 التوبة ،. ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ ‏اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) آل عمران . .‏
‏11- تأتي كلمة الحق بمعنى الرغبة حيث قال قوم لوط عليه السلام له : ( قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ ‏مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ)79 هود ،المعني الظاهر والسطحي لكلمة ‏الحق هو الرغبة إذ قالوا ليس لدينا رغبة في بناتك وأنت تعلم ذلك من قبل وتعلم ما نريد ‏الآن ، ولكن إذا تأملنا مليا في هذه الأية الكريمة ، إنكشف لنا معنى أبعد من ذلك وهو ‏المعنى الأشمل والأدق ولا يحيد عن معنى كلمة الحق بمفهومها العام ، وهو الدين الحنيف ‏،العدل ، المنطق والصواب ، فحينما يقول قوم لوط عليه السلام (مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ ‏حَقٍّ) هم صادقون في قولهم ، إذ لهم حق خاص بهم ، يرونه عدلا ومنطقا وصوابا ، ‏حقهم هذا يختلف عن الحق الذي يؤمن به النبي لوط عليه السلام ، الذي يعتمد على دين ‏الله عز وجل ، بينما حقهم ينبع من نفوسهم المريضة ، نفوسٌ بعدت عن الفطرة السليمة ‏وإختل توازن العدل والمنطق لديها ، فكونت حقها الخاص بها ، تراه يتصف بالعقل ‏والمنطق والعدل وأمر طبيعي بديهي يتفق مع رغباتهم وأهوائهم ، لهذا ، (قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ ‏مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) ، مجتمع النبي لوط عليه السلام كان منحلا ‏أخلاقيا ، ينتشر به معاشرة المثلين ، الذكر مع الذكر، وأصبح حدثا عاديا يحدث كل يوم ‏فلا معرة ولا ملامة ولا ذنب على فاعليه وبكل وقاحة ، دون حياء ولا خجل ، يخاطبون ‏النبي هود عليه السلام (َإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) ، لهذا أهلكهم جميعا ، رب العزة والقوة ، ( ‏قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ‏إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ ‏أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ ‏رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )83 هود .‏
فوقعت عليهم سنة الله عز وجل في خلقه ، إذ ما من فرد أو مجتمع يفسق عن أمر رب ‏العالمين ويعلن ذلك الفسوق والعصيان جهارا دون حياء وخجل أو دون الحشمة و طلب ‏السترة ، إلا وأهلكهم رب العالمين بأمر من عنده جل في علاه .‏
وفي المجتمعات الغربية اليوم ، من ينادي ويطالب بحرية زواج المثليين وقد أُستجيب ‏لطلبهم في بعض الدول تحت بند الحرية الشخصية للفرد ، إذ أنه حق مقدس لدى الغرب ، ‏إلا أن المثليين لازالوا أقلية لا يمثلون مجتمعهم بأي شكل من الأشكال ، ناهيك عن ‏الأفعال المحمودة والإيجابية التي يؤمن بها مجتمعهم ويطبقها على أرض الواقع ، لهذا لم ‏يقع عليهم غضب رب العالمين سبحانه وتعالى الى الآن .‏
‏12- وتأتي كلمة الحق بمعنى كامل قيمة وقدرالله عز وجل ، (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ‏اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )74 الحج ، الإنسان لا يعلم قدر وقيمة الله عز وجل وهذا أمر طبيعي ‏ليس لضعف عقل الإنسان وعجزه عن تقدير قدر وقيمة الله عز وجل فقط ، بل لأن قدر ‏وقيمة رب العالمين أكبر وأعظم من أن تقدر أو تقاس بأي مقياس من المقايس و إلا ما ‏كان إله يستحق العبادة ، رغم هذا يبقى الإنسان غير مقدر لعظمة الله عز وجل وفقا ‏لمقايس الإنسان نفسه ، ونرى من الناس من يعظم مخلوق يبول على نفسه صغيرا وكبيرا ‏وينسى القوي العزيز القدير، فسبحان الله عما يصفون . ‏
‏(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا ‏بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر. ‏
‏ 1-- التواصي من الوصية عبرالحث على تطبيق شريعة الله عز وجل والأمر بالمعروف ‏والنهي عن المنكر والعرف والتقاليد الحميدة وعبرالدعوة لسموالخلق والرحمة وسيادة ‏وتنفيذ القانون واعطاء كل صاحب حق حقه للفرد والمجتمع ، ( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ‏وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) البلد .‏
التواصي أكبر وأعظم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الوصية جاءت من ‏الله عز وجل في كتابه المبين ، كأمر واجب تنفيذه ، بينما الأمر بالمعروف والنهي عن ‏المنكر ، صفة فعل الصالحون من خلقه يأمرون بها ويحثون عليها .‏
والتواصي سمة من سمات المجتمع وترتبط بالجماعة والكثرة ، بينما الوصية أمر فردي ‏ترتبط بصاحبها الفرد وغالبا ما ترتبط الوصية الفردية بالتركة المادية دون الأمور الدينية ‏الإعتقادية .‏
‏ أ -- الله عز وجل أوصى الرسل والمؤمنين رحمة وتبيانا لدينه الكريم ، ولم يوص ‏الكافرين لأن الوصية أمر بالتكليف الواجب التنفيذ لمن آمن وخضع ورضي باتباع شريعة ‏رب العالمين ، بينما الكافر الغير معترف بالله الخالق الواجد، لا تكليف عليه ، إذ يرمى ‏بنار جهنم من فوره لصفة الكفر التي يحملها فالله عز وجل بالغنى عنه وعن إيمانه و ‏طاعته فهو الغني الحميد ، وقد أخبرالرسول عيسى عليه السلام ما وصاه رب العالمين به ‏، فقال ، (. وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم .‏
‏ ب -- كما أوصى كل من اليهود والنصارى والمسلمين بالتقوى ، (..وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ ‏أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ‏الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) النساء ، أوصاهم بالإلتزام بشريعته عز وجل التي ‏أنزلها للناس ، وقد وصف من يحلل ويحرم من ذاته ونفسه بأظلم الظالمين ، لأن دين الله ‏عز وجل وشريعته خالصة له وحده فلا يشاركه بها أحد من مخلوقاته حتى الرسل ‏والأنبياء ، فقال عز من قائل، معاتبا، ناكرا، نافيا شهادتهم ، مثبتا إفترائهم وكذبهم :(.. ‏أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ ‏عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) الأنعام ، فالوصية الشرعية التي تتعلق ‏وتختص بدين الله عز وجل تحتاج الى علم ، وهذا العلم لا يتأتى إلا من الله رب العالمين ‏وهو العليم الحكيم الخبير ، الله عز وجل بيّن وأوضح وحدد كل ما شاء له أن يحرمه على ‏عباده وما دون ذلك فهو حلال مباح في كتابه المبين، وزيادة في التأكيد والتحديد أنزل ‏قائمة محددة كبيان دعاهم لسماعه ، عبر أمره للرسول محمد عليه الصلاة والسلام بما ‏يقوله ، تبليغا عن ربه جل وعلا ، ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ) ، لكي نفهم ‏ونعي ونتقي ، ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ‏وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا ‏بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ ‏تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..) 152 الأنعام ، وقد أكمل رب العالمين وصيته ‏لعباده في محرماته ، قائلا ، ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ ‏بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الأنعام .‏
ت -- كما وصى الله عز وجل الإنسان ، ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ..) 8 العنكبوت ‏‏.‏
ث -- والله عز وجل أوصى المسلمين المؤمنين بضرورة وأهمية توزيع نصاب التركة ‏وفقا لما جاء وحُدّد في قرآنه الكريم ، ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ‏الأُنثَيَيْنِ...) 11 النساء.‏
والمجتمع المسلم المسالم المؤمن يتواصى أفراده بالدين الحنيف وعبادة الله وحده ، هذا ‏دأب الأنبياء والرسل من قبل ، فقد (.. وَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ ‏اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) البقرة . ‏
بينما المجتمع الكافر بآيات الله عز وجل والمؤمن بمقولة الرواة والقصاصين أو يؤمن ‏بالفكرالإنساني الناكر لوجود الله عز وجل أو من يشركون به ، فهم يجادلون في الآيات ‏القرآنية كما يكذبون بعضهم بعضا فيما يروون مّما قاله الرواة والقصاصون، رغم أنهم ‏يدينون بها ويؤمنون ، كما يؤثرون الأحاديث الضنية الكاذبة على الآيات القرآنية ، الثابتة ‏الصادقة ، مدّعين بطلان حكمها لقصة خرافية واهية ، إكتتبها فاجر كاذب ، و قد تساءل ‏رب العالمين ، مستنكرا وصية القوم الطاغون بعضهم لبعض ودعوتهم لتكذيب وإتهام كل ‏رسول يأتيهم بالسحر أو الجنون، ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ ‏أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) الذاريات .‏
‏ حبا بالمال والشهرة والمنصب وإثباتا للرأي والفكر وادعاء للعلم والمعرفة وطاعة ‏وخنوعا للسلطة الحاكمة ، تناسى الإنسان الميثاق الذي أعطاه من قبل لله عز وجل ، ‏يتقوّل أسوء الأحاديث ويكتم أحاسنها ، ويجحد قول الله جل وعلا ويهملها ، ألم يقرؤا ‏قوله تعالى ، (..أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا ‏فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )169 الأنفال .‏
‏2- المجتمع المسلم المسالم يتواصى أفراده بالحق والعدل لا بالظلم والفساد ، القوي ‏كالضعيف والمؤمن كالكافر، كلهم سواسية أمام قانون الله عز وجل وقانون البشر في ‏حركتهم ومسلكهم في المجتمع ، حساب العباد على عقائدهم منوط فقط بالله الرحمن ‏الرحيم ، لا بالمفسدين المدعين ، مجتمع يسوده العدل والإنصاف ، يتعاون أفراده على ‏البر والتقوى ، تطبيقا لشريعة الله عز وجل (..وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ ‏عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..)2 المائدة .‏
فالمجتمع الذي يسوده الظلم والفساد والطائفية ، يصل وينتهي الى التمزق والتشرزم والى ‏فوارق اجتماعية وإقتصادية كبيرة ، والى تصارع وتصادم بين الطبقة الحاكمة الأقلية ‏المسيطرة الغنية وبين الطبقة المقهورة المحكومة وهي الأكثرية ، فتزداد الأقلية المتخمة ‏ثراءا على ثرائها والأكثرية فقرا على فقرها ، ليصل معظم أهل البلاد الى ما دون خط ‏الفقر العالمي وتغيب الطبقة الوسطى أو تكاد ، وتدخل البلاد في دائرة الفقر المغلقة ، ومن ‏ثم الى ثورة الجياع والمجتمع وإنهيار البلاد من الداخل والى الحرب الضروس بين طبقاته ‏الإجتماعية و طوائفه الدينية وقد يأدي الى تقسيم البلاد الى دويلات طائفية متعددة ضعيفة ‏متشرزمة ، متناحرة متصارعة فيما بينها ، وتاريخ حكام العرب بعد إستقلال بلادنا ‏‏(الشكلي) عن دول الإستعمار البريطاني والفرنسي ، مفعم بالإنجازات المخجلة والمحطمة ‏لمستقبل البلاد والعباد، ما أسهل أن نحيل التهمة على الغرب وإسرائيل والمؤامرة ‏والمخطط الخارجي ونجعل أرباب السلطة والنفوز إبرياء أتقياء ، بينما العفن والنتانة في ‏حكامنا و أفرادنا ونفوسنا وفكرنا وتطبيقنا ومخططنا .‏
كمجتمع مسلم مؤمن عربي قد كفر وشبع كفرا وزندقة ، بأنعم الله عز وجل وكتابه الكريم ‏وبعد هذا ننتظر النصر المؤزر المؤيد من السماء ، ألم نقرأ قوله تعالى ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ‏آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد ، فهل آمنا بالله عز وجل أم آمنا ‏بالجبت والطاغوت وبسيادة الحاكم الملهم الأغر؟
اليوم وفي كل الأزمنة ، كان هنالك إتفاقات ضمنية ، عرفية ، غير معلنة و (في علم ‏الإدارة تسمى التنظيمات الغير رسمية) تسود وتنتشر بين أفراد الطبقة الحاكمة الغنية ، إذ ‏إنها متحدة ، متكاتفة سرا على الطبقة الفقيرة وعلى الشعب ، أفرادها يتخاصمون علنا ‏وفي وسائل الإعلام ، ولكن فعليا وعلى أرض الواقع والحقيقة يمثلون أدوارا مسرحية ‏يلهون بها الشعب ، يتنافسون فيما بينهم على قسمة الغنائم وأدوار الحكم والمنفعة ، ولكنهم ‏لا يعادون بعضهم بعضا إلا في الإعلام ، و أمام الشعب البسيط المنهك ، والأمر ليس ‏بجديد فحينما نزل القرآن الكريم على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، نرى أكثر ‏الناس للحق كارهون ، رافضون ، خاصة أغنياء المجتمع من الطبقة الحاكمة والسلطة ‏الدينية الحاكمة ، ( أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ ‏اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ..)71 المؤمنون .‏
‏ ولكن الله عز وجل لم يدع الناس لأهوائهم وميولهم بل أنزل إليهم كتاب الحق ليسترشدوا ‏به ويتبعوه ، منهاجا للعدل والإنصاف ، لتتساوى فرص الحكم والكسب والنجاح والعمل ‏ولمحاربة الإحتكار بكل صورة وأشكاله ، من إحتكار السلطة الى إحتكار السلعة، فلا ‏يأكل القوي الضعيف ولا يسجن البريئ ولا تنتهك المحارم والكرامات .‏
‏3- المجتمع المسلم المسالم يتواصى بالمساواة وحرية المعتقد وكل ما هو صالح ، يوصي ‏ويحث أفراده بعضهم بعضا على الإيمان وفعل الخير والعدل فيسود مناخ عام ايجابي ‏صالح منتج ، ويعم مناخ من الأمن والرضا .‏
‏4- والتواصي كما هو قول وحث ، أيضا هوعمل وفعل على أرض الواقع يمارس وينفذ ‏، المجتمع الذي يتواصى أفراده بفعل الخير والعدل تخف صعابه وتُحققُ أهدافه بأقل وقت ‏وتكلفة ، مما يؤدي الى نجاح الفرد والمجتمع ، التقوى ومخافة الله عز وجل هي اساس ‏التواصي بالحق و سر نجاحه و التي محلها القلب وساحتها العمل ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ‏اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )102 آل عمران .‏
‏5- المجتمع المسلم المسالم يتواصى أفراده بالتواضع ، فلا يتكبرون على بعضهم البعض ‏، وسمة التآخي والتواضع تظهرعلى أفراده إما من باب التقوى والتدين وخشية الله عز ‏وجل أو من باب الإنسانية والعلم الذي يهذب النفوس والعقول ، كما هو حاصل في ‏المجتمعات الغربية التي لا تدين بدين الإسلام ، والقرآن الكريم حذرالناس من التكبر ‏والتطاول على الآخرين دون وجه حق ، فهو عمل زائف ينم عن الجهل والغباء ولا ‏يعكس حقيقة الإنسان ، كونه مهما أوتي من قوة وعلا في الأرض يضل ضعيفا متهالكا ، ‏آخرته الى الموت والزوال ، للإنسان أن يعتز بدينه وأخلاقه وليس له أن يتكبرعلى أخيه ‏الإنسان ، فالتكبرعمل باطل غير صالح ، لا يرضى عنه الله عز وجل ولا الناس ، فقد ‏حذر رب العزة المتكبرين بصرفهم عن آيات الله عز وجل فلا يرونها ولايعقلونها ‏وبالتالي لايطبقونها مما يوقعهم في الخسران المبين ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ ‏فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ ‏سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ‏‏)146 الأعراف .‏
‏6- التواصي بالفرح والسرور لا بالتجهم والعبوس والقنوط ولا بالمرح والرزيلة ، ‏التواصي بالفرح الذي يستند الى موجباة حقيقية مطلوبة ويتداعى إليها المجتمع بالتوصية ‏والحث عليها ، كالفرح بإقامة الدين الحنيف وبالنجاح والعزة للفرد والمجتمع ، فهذا فرح ‏الحق الواجب القيام به ونشره ، بينما المرح والصخب والعمل المخل بالآداب والحشمة ‏والدين والأخلاق والعرف والتقاليد الحميدة مذموم مكروه من رب العالمين ، (كَذَلِكَ يُضِلُّ ‏اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ )75 ‏غافر.‏
‏7- المجتمع المسلم يتواصي أفراده بمحاربة الظلم والقهر من الذين يبغون في الأرض ‏ويجمعون مكاسب الدنيا وملذاتها من مجهود وإنتاج الآخرين عبر ظلمهم وقهرهم ‏واستغلالهم ، يتوعدهم رب العالمين بالعذاب الأليم ،(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ‏وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ )42 الشورى ، إنما السبيل أي ‏العقوبة على الظالمين الذين يبغون أي يأخذون ما ليس لهم مخالفين أحكام الشريعة ‏والقانون العادل المنصف .‏
‏8- المجتمع المسلم المؤمن يتواصي أفراده ويحث بعضهم بعضا على عدم مودة الكفار ‏أوالركون إليهم وإتباعهم ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ ‏إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ..)1 الممتحنة ، جاءت كلمة (الحق) لتعني ‏كتاب الله عز وجل ، كما أن رب العزة والجلالة ينهى عن مودة من كفر بالقرآن الكريم ‏والكفر يأتي من الذي لا يعترف به كتابا منزلا ، كما يأتي من المسلمين من أمة محمد ‏عليه الصلاة والسلام ، حينما ينسخوا آياته الكريمة بحديث سواء كان صادقا أو كاذبا ، ‏معطلين أحكام القرآن الكريم .‏
ينهانا رب العالمين عن مودة ومحبة وتكريم الكافرين ، فهم أعداء لله عز وجل كما هم ‏أعدء لنا ، ما أعظمه من كتاب ، يكفينا فخرا وعزة نحن أهل القرآن ، أن رب العزة ‏والجلالة جمعنا وذاته العلية كفريق واحد يواجه فريق الكفر والضلال ، كما جمع أهل ‏الكفر والمعصية بحزب واحد مناقض مخالف ، كافر من الإنس والجن ، يوحي بعضهم ‏الى بعض ،( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ‏زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ..)112 الأنعام ، لهذا المجتمع المسلم المؤمن بكتاب الله عز وجل ‏يتواصى ويتحد على دحر أفكار ومفاهيم حزب الشيطان ، ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ‏فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) ‏المجادلة .‏
‏9- المجتمع المسلم المسالم المؤمن ، مأمورٌ بالتواصى والتكاتف والحث على قتال الذين ‏أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى والمسلمين ، من الذين يفسدون في الأرض بالقتل ‏والعدوان والتسلط وإجبار الناس على الدين السطحي ، إذ يجب على السلطة الحاكمة أن ‏تطبق شريعة الله عز وجل على جميع أفراد وفئات الشعب ، والتي تنادي بالعدل ‏والمساواة وحرية المعتقد والأخلاق الحميدة والأمن والأمان وعبادة الرحمن لا عبادة ‏الشيطان ، قتال المفسدين في الأرض ، عبر إرساء القانون الوضعي العلماني الذي يأخذ ‏بالخطوط العريضة للإسلام ، وعبر القول الطيب والموعضة الحسنة والدعوة والإرشاد ، ‏عبرالدولة ورجال القانون وليس عبر أوكار الليل والعتمة والجهل والغدر من الذين فهموا ‏الدين الإسلامي على أهوائهم ورؤياهم ويسعون بكل قوة وقسوة وجهل لإجبارالناس على ‏الإيمان بفكرهم ومذهبهم ، والكفّر بكل ما خالفهم ، فالذي ليس معهم هو بالضرورة عدو ‏لهم ، لهذا أمرنا رب العزة قائلا : ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ ‏يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ ‏الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‎ ‎‏)29 التوبة ، إعطاء الجزية ، أي الجزاء والدية و الغرم ‏المادي ، نتيجة لما إقترفوا من الفساد والظلم على الأرض ، وليس المقصود قتال ‏وإجبارالكافرين على الإيمان أو فرض الغرامة المادية عليهم أو على اليهود والنصارى .‏
‏10- المجتمع المسلم المؤمن يتواصي أفراده بالجهاد خاصة أن الله عز وجل هو بذاته ‏الذي إختار هذه الأمة من دون الناس جميعا ليقيموا هذا الدين الحنيف (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ ‏حَقَّ جِهَادِهِ..)78 الحج ، الجهاد من الجهد والتعب الذي يرافقه العزم والإصرار على ‏الهدف ، فلا جهاد دون تعب ومكابدة ، وأعظم الجهاد ، جهاد النفس في حثها على فعل ‏أوامر الله عز وجل ونهيها عن ما نهى عنه ، تُلخص الأوامر والنواهي في كلمة واحدة ‏ألا وهي تقوى الله عز وجل، من يتقي الله عز وجل ، يفعل ما أمر وينتهي عما نهى في ‏كتابه الكريم ، فمن عايش التقوى عاش في كنف الله جل في علاه .‏
كما من معاني الجهاد مجابهة الأعداء وقتالهم دفاعا عن الفرد والمجتمع وإعلاء لكلمة ‏التوحيد (لا إله إلا الله) جل في علاه ، وسلاح الجهاد ليس القوة والسيف فقط بل ربما ‏وقع الكلمة والإعلام أقوى وأمضى من السيف في عصرنا هذا ، لهذا المجتمع مطالب بأن ‏يتكاتف ويتآزر ويتواصى لإعلاء كلمة التقوى ومجابهة أعداء المجتمع في الداخل ‏والخارج . ‏
‏11- المجتمع المسلم يتواصي أفراده بالحث والتكاتف على العطاء والبذل والصدقة ‏وتزكية النفس ، بالإنفاق والسخاء في جميع أوجه الإنفاق التي جاءت في القرآن الكريم ‏والغير محددة في وقت معين بذاته ، كالعطاء عند تصفية الحسابات المالية وتحديد ‏الأرباح ، وعند تيسر المال لديه ، مباشرة يوم الحصاد دون تأخير ولا تسويف ، هذا ‏الزرع والإنتاج وهذا الربح ، إنما زرعه وأنشأه ونماه وباركه رب العالمين ، فهو المعطي ‏الوهاب ، (أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ )64 الواقعة ، (..كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ‏وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)141 الأنعام .‏
فالمقصود بالحصاد ليس حصاد الزرع الناتج عن الأرض فقط ، إنما كل ما يثمر ويعود ‏بالخير والفائدة على المؤمن سواء من الزراعة أو التجارة والصناعة وأي باب من أبواب ‏الكسب الحلال ، (وَآتُواْ حَقَّهُ) هو حق وليس منةٌ وتفضل من المؤمن على المحتاجين ، ‏ذلك لأن المعطي الحقيقي هو الله عز وجل، عبر المؤمنين المنفقين ، فهو ليس سوى ‏وسيلة وصل بين الله عز وجل و بين المعطى لهم .‏
‏(وَلاَ تُسْرِفُواْ) يأمرنا الله عز وجل بعدم الإسراف والمغالات في العطاء ، إنما العطاء ‏بقدر، ذلك لأن الإسراف منافيا للعقل والحكمة كما هو مظهر من مظاهر التكبر والغرور ‏والله عز وجل لا يحب الإسراف بكافة أشكاله وصوره حتى في العطاء والبذل (إِنَّهُ لاَ ‏يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ، (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)26 ‏الإسراء .‏
المجتمعات الغربية والدول الصناعية أكثر عطاءا وبذلا على الفقراء والمحتاجين من ‏الدول الإسلامية ، إيمانا منها برب العالمين سبحانه وتعالى أو إيمانا بإنسانية الإنسان ‏وربما تكفيرا عن إستغلالهم للدول الفقيرة أومساهمة ودعما للدول الفقيرة لتقوى كسوق ‏مستهلك لمنتجاتهم، كما الإبقاء على صلة وصل مع الدول الفقيرة لنهب واستغلال ثرواتهم ‏الأولية من باطن الأرض وخارجها و نهب شبابها كيد عاملة رخيصة منتجة أوعقول ‏متعلمة مفكرة عبر فتح باب الهجرة والعمل لديهم .‏
‏( رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) أل عمران . ‏‎ ‎
أكمل البحث في المقال القادم إنشاء الله تعالى .‏
 

اجمالي القراءات 9452

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-12-18
مقالات منشورة : 1
اجمالي القراءات : 4,677
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 110
بلد الميلاد : 0000
بلد الاقامة : 0000