خالد اللهيب Ýí 2013-04-03
أتابع حديثي حول المعاني التي إرتبطت بالإنسان والتي ذمّ بها الإنسانُ بأبشع الصفات ، كما بيّنتُ فيما سبق نشره ، فالله عز وجل إستثنى بعض المسلمين المؤمنين من صفات الذمّ هذه ، (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر، فالإنسان في خسر إلا الذين تواصوا بالحق .
الحقُ إسمٌ من أسماء الله عز وجل ، ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) الحج ،( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) النور ، فالله عز وجل هو الحق المبين ، المتحقق وجوده ، الموافق للواقع والحكمة ، كما أن الحق إسم صفة للقرآن الكريم ، فالرسول محمد عليه السلام أرسل بشيرا ونزيرا بالحق أي بكتاب الله عز وجل ، ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا..)119 البقرة ، ولا تغططوا الحق آي القرآن الكريم بالباطل وهو كفر وإفتراء ، (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42) البقرة.
وتأتي كلمة الحق في القرآن الكريم بمعنى :
1- الدين المادي الواجب سداده ، (..وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ..)282 البقرة .
2- الصدق الصدوق الكامل ، فوعد الله عز وجل صادق واقع ، لا محالة ، (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً )122 النساء .
3- وتأتي بمعنى الصواب من عند الله عز وجل (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )32 الأنفال .
4- كما تأتي كلمة الحق بمعنى الأعمال الصالحة التي سجلت للإنسان في حياته الدنيا ، فالذي يُعتد به يوم القيامة هو وزن العمل الصالح المقبول من قبل الله عز وجل ، والذي له قيمة و يثقلُ وزنُهُ في الميزان ، فإذا ثقلت هذه الأعمال و كان لها وزنا يُعتد به كان من المفلحين ، ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) 8 الأعراف .
5- وتأتي كلمة الحق بمعنى العدل والإنصاف ، (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ..) 105 الإسراء ، فالقرآن أنزل بالصدق الثابت ليُرسي دعائم العدل في الدنيا بين الناس ، فالذين يقتلون النبيين من دون عدل أوإنصاف إنما هم من العصاة المعتدين ، (..وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ )61 البقرة ، لا يكتفي الكافرون بقتل الأنبياء عليهم السلام ، بل يتعدّون ذلك ، ليقتلوا من يحث ويدعو الناس للقسط والعدل ، فهم على عداء وكره للأنبياء ولإقامة العدل والإنصاف ، ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )21 أل عمرآن ، يقتلون النبين دون وجه حق و بأي ذنب كان ، صغر أم كبر ، حقيقي أم مفتعل .
كما أنزل القرآن ليكون حجةعلى الناس يوم القيامة ، فالله عز وجل يحكم بالعدل ويفصل الحق عن الباطل يوم القيامة ، ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ )57 الأنعام .
ما أروع القرآن الكريم وما أدق معانيه ، فحينما ندقق ونفكر في قوله تعالى ، (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) 21 أل عمرآن ، فقد جاءت كلمة (الحق) دون أل التعريف ليتضح منها الآتي :
أولا - أن النبيين جائز قتلهم ، إذا إستحقوا ذلك وفقا لشريعة الله عز وجل ، مما يعني أن النبيين غير معصومين ويطبق عليهم شريعة الله عز وجل كما يطبق على سائر الناس ، و إن كان من الصعب وقوعهم في المعصية التي تفضي الى قتلهم .
ثانيا - جاءت الآية الكريمة بكلمة النبيين وليس المرسلين ( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ ) ، ذلك لأن المرسلين يمثّلون شريعة الله عز وجل على وجه الأرض فلا ينطقون إلا بالوحي المرسل إليهم ، ولا يخطئون ولايعصون ، فهم معصومون بمؤازرة الله جل وعلا في شأن تبليغ الرسالة المكلفين تبليغها للناس .
ثالثا – جاء في قوله تعالى ، ( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) 61 البقرة ،كلمة (الحق) جاءت معرفة بأل التعريف لتدل على أن (الحق) هو شريعة الله عز وجل ذاتها،التي لا تتبدل ولا تتغير، المعروفة لديهم ، ثم وضح ذلك بقوله تعالى (ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ ) دلالة على عصيانهم لأمر الله عز وجل ، فالذي عصى لا بد له أنه كان على علم بالتكليف الذي كلف به فيتبعه أو يعصوه ، الآية تشيرالى قتلهم النبيين بغير حق وفقا للدستور والقانون الذي بين أيديهم والذي يعلمونه، وهو القرآن الكريم ، كما جمله ، ( وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) ، يعتدون وفقا لشريعة الله عز وجل .
بينما في الآية الأخرى، ( وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ) جاءت كلمة (بِغَيْرِ حَقٍّ) غير معرفة دلالة على قتلهم النبيين بغير دستور أو قانون أرضي عادل أو لأي سبب وجيه مقنع يستوجب ويسمح بذلك ، فهو مجرد إعتداء وظلم وجور، زاده إيضاحا ربنا الرحمن الرحيم بقوله تعالى ، (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ )، يشير الى طبيعة منهجهم في القتل والإعتداء ، إذ يقتلون كل من يأمر بالعدل من الناس (وهم عادة الأنبياء والصالحون) ، وفقا للعقل والمنطق والإنصاف ، ناهيك عن شريعة الله عز وجل أو القانون الوضعي العادل ، يعادون العدل بذاته وكل من يأتي ويأمر به ، سواء النبيين أو الصالحين في المجتمع .
6- وتأتي كلمة الحق في القرآن الكريم ، بمعنى الفرض الواجب تأديته ، فالمتقون لشريعة الله عز وجل يلتزمون بكل ما جاءت به هذه الشريعة ،وحيث أنه حق عليهم فهم ملتزمون بإتباعه ، (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )180 البقرة ، كذلك كتابة الوصية كونها أمر من أوامر الله عز وجل يُأديها المؤمنون المتقون ، فهي بالنسبة لهم فرض واجب لابدّ من تأديته أما الغير متقين يتهاونون ويعتكفون عن تأديتها ، إتباعا لما جاء عند أهل السنة والسلف من الرواة الكاذبين ، فقد جاؤا بحديث كاذب مفترى على النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، الذي يدّعي زورا وبهتانا ، أنّ ( لا وصية لوارث ) مخالفا شريعة الله عز وجل و آياتة البينات ، ليطبق هذا الحديث على رقاب الناس في توزيع التركة والميراث لدى المحاكم الإسلامية الشرعية ، فيظلم الناس وتنتهك حرمة القرآن الكريم ، دون خجل أو تقى ، وقد تكررت عبارة (من بعد وصية أو دين) أربع مرات في القرآن الكريم ، (مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )12 النساء .
7- وتأتي كلمة الحق بمعنى حُسنُ وكمال تأدية ما فرضه رب العزة على أفضل طريقة ، عبر ما جاء في قرآنه الكريم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)102 آل عمران ، أي إتقوا الله عز وجل على كمال وتمام التقى ما أمكنكم ذلك .
8- كما تأتي كلمة الحق بمعنى الحكم الصادرالعادل المستحق التنفيذ دون مراجعة من أحد ، فحكم الله عز وجل لا رجعة عنه ، ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ)19 الزمر ، إذ لا يبدل الحكم الصادرولا يتغير ، فلا شفاعة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ولا يستطيع إنقاذ من في النار .
9- وتأتي بمعنى الواجب الذي ألزم رب العالمين ذاته به ، فهو سنة الله عز وجل في حق النجاة للرسل والأنبياء والمؤمنين ، ( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ )103 يونس .
10- كما تأتي كلمة الحق بمعنى شريعة الله عز وجل ودينه وكتابه ، (..وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ..)29 التوبة ،. ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) آل عمران . .
11- تأتي كلمة الحق بمعنى الرغبة حيث قال قوم لوط عليه السلام له : ( قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ)79 هود ،المعني الظاهر والسطحي لكلمة الحق هو الرغبة إذ قالوا ليس لدينا رغبة في بناتك وأنت تعلم ذلك من قبل وتعلم ما نريد الآن ، ولكن إذا تأملنا مليا في هذه الأية الكريمة ، إنكشف لنا معنى أبعد من ذلك وهو المعنى الأشمل والأدق ولا يحيد عن معنى كلمة الحق بمفهومها العام ، وهو الدين الحنيف ،العدل ، المنطق والصواب ، فحينما يقول قوم لوط عليه السلام (مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ) هم صادقون في قولهم ، إذ لهم حق خاص بهم ، يرونه عدلا ومنطقا وصوابا ، حقهم هذا يختلف عن الحق الذي يؤمن به النبي لوط عليه السلام ، الذي يعتمد على دين الله عز وجل ، بينما حقهم ينبع من نفوسهم المريضة ، نفوسٌ بعدت عن الفطرة السليمة وإختل توازن العدل والمنطق لديها ، فكونت حقها الخاص بها ، تراه يتصف بالعقل والمنطق والعدل وأمر طبيعي بديهي يتفق مع رغباتهم وأهوائهم ، لهذا ، (قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) ، مجتمع النبي لوط عليه السلام كان منحلا أخلاقيا ، ينتشر به معاشرة المثلين ، الذكر مع الذكر، وأصبح حدثا عاديا يحدث كل يوم فلا معرة ولا ملامة ولا ذنب على فاعليه وبكل وقاحة ، دون حياء ولا خجل ، يخاطبون النبي هود عليه السلام (َإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) ، لهذا أهلكهم جميعا ، رب العزة والقوة ، ( قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )83 هود .
فوقعت عليهم سنة الله عز وجل في خلقه ، إذ ما من فرد أو مجتمع يفسق عن أمر رب العالمين ويعلن ذلك الفسوق والعصيان جهارا دون حياء وخجل أو دون الحشمة و طلب السترة ، إلا وأهلكهم رب العالمين بأمر من عنده جل في علاه .
وفي المجتمعات الغربية اليوم ، من ينادي ويطالب بحرية زواج المثليين وقد أُستجيب لطلبهم في بعض الدول تحت بند الحرية الشخصية للفرد ، إذ أنه حق مقدس لدى الغرب ، إلا أن المثليين لازالوا أقلية لا يمثلون مجتمعهم بأي شكل من الأشكال ، ناهيك عن الأفعال المحمودة والإيجابية التي يؤمن بها مجتمعهم ويطبقها على أرض الواقع ، لهذا لم يقع عليهم غضب رب العالمين سبحانه وتعالى الى الآن .
12- وتأتي كلمة الحق بمعنى كامل قيمة وقدرالله عز وجل ، (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )74 الحج ، الإنسان لا يعلم قدر وقيمة الله عز وجل وهذا أمر طبيعي ليس لضعف عقل الإنسان وعجزه عن تقدير قدر وقيمة الله عز وجل فقط ، بل لأن قدر وقيمة رب العالمين أكبر وأعظم من أن تقدر أو تقاس بأي مقياس من المقايس و إلا ما كان إله يستحق العبادة ، رغم هذا يبقى الإنسان غير مقدر لعظمة الله عز وجل وفقا لمقايس الإنسان نفسه ، ونرى من الناس من يعظم مخلوق يبول على نفسه صغيرا وكبيرا وينسى القوي العزيز القدير، فسبحان الله عما يصفون .
(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر.
1-- التواصي من الوصية عبرالحث على تطبيق شريعة الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعرف والتقاليد الحميدة وعبرالدعوة لسموالخلق والرحمة وسيادة وتنفيذ القانون واعطاء كل صاحب حق حقه للفرد والمجتمع ، ( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) البلد .
التواصي أكبر وأعظم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الوصية جاءت من الله عز وجل في كتابه المبين ، كأمر واجب تنفيذه ، بينما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، صفة فعل الصالحون من خلقه يأمرون بها ويحثون عليها .
والتواصي سمة من سمات المجتمع وترتبط بالجماعة والكثرة ، بينما الوصية أمر فردي ترتبط بصاحبها الفرد وغالبا ما ترتبط الوصية الفردية بالتركة المادية دون الأمور الدينية الإعتقادية .
أ -- الله عز وجل أوصى الرسل والمؤمنين رحمة وتبيانا لدينه الكريم ، ولم يوص الكافرين لأن الوصية أمر بالتكليف الواجب التنفيذ لمن آمن وخضع ورضي باتباع شريعة رب العالمين ، بينما الكافر الغير معترف بالله الخالق الواجد، لا تكليف عليه ، إذ يرمى بنار جهنم من فوره لصفة الكفر التي يحملها فالله عز وجل بالغنى عنه وعن إيمانه و طاعته فهو الغني الحميد ، وقد أخبرالرسول عيسى عليه السلام ما وصاه رب العالمين به ، فقال ، (. وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم .
ب -- كما أوصى كل من اليهود والنصارى والمسلمين بالتقوى ، (..وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) النساء ، أوصاهم بالإلتزام بشريعته عز وجل التي أنزلها للناس ، وقد وصف من يحلل ويحرم من ذاته ونفسه بأظلم الظالمين ، لأن دين الله عز وجل وشريعته خالصة له وحده فلا يشاركه بها أحد من مخلوقاته حتى الرسل والأنبياء ، فقال عز من قائل، معاتبا، ناكرا، نافيا شهادتهم ، مثبتا إفترائهم وكذبهم :(.. أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) الأنعام ، فالوصية الشرعية التي تتعلق وتختص بدين الله عز وجل تحتاج الى علم ، وهذا العلم لا يتأتى إلا من الله رب العالمين وهو العليم الحكيم الخبير ، الله عز وجل بيّن وأوضح وحدد كل ما شاء له أن يحرمه على عباده وما دون ذلك فهو حلال مباح في كتابه المبين، وزيادة في التأكيد والتحديد أنزل قائمة محددة كبيان دعاهم لسماعه ، عبر أمره للرسول محمد عليه الصلاة والسلام بما يقوله ، تبليغا عن ربه جل وعلا ، ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ) ، لكي نفهم ونعي ونتقي ، ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..) 152 الأنعام ، وقد أكمل رب العالمين وصيته لعباده في محرماته ، قائلا ، ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الأنعام .
ت -- كما وصى الله عز وجل الإنسان ، ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ..) 8 العنكبوت .
ث -- والله عز وجل أوصى المسلمين المؤمنين بضرورة وأهمية توزيع نصاب التركة وفقا لما جاء وحُدّد في قرآنه الكريم ، ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ...) 11 النساء.
والمجتمع المسلم المسالم المؤمن يتواصى أفراده بالدين الحنيف وعبادة الله وحده ، هذا دأب الأنبياء والرسل من قبل ، فقد (.. وَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) البقرة .
بينما المجتمع الكافر بآيات الله عز وجل والمؤمن بمقولة الرواة والقصاصين أو يؤمن بالفكرالإنساني الناكر لوجود الله عز وجل أو من يشركون به ، فهم يجادلون في الآيات القرآنية كما يكذبون بعضهم بعضا فيما يروون مّما قاله الرواة والقصاصون، رغم أنهم يدينون بها ويؤمنون ، كما يؤثرون الأحاديث الضنية الكاذبة على الآيات القرآنية ، الثابتة الصادقة ، مدّعين بطلان حكمها لقصة خرافية واهية ، إكتتبها فاجر كاذب ، و قد تساءل رب العالمين ، مستنكرا وصية القوم الطاغون بعضهم لبعض ودعوتهم لتكذيب وإتهام كل رسول يأتيهم بالسحر أو الجنون، ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) الذاريات .
حبا بالمال والشهرة والمنصب وإثباتا للرأي والفكر وادعاء للعلم والمعرفة وطاعة وخنوعا للسلطة الحاكمة ، تناسى الإنسان الميثاق الذي أعطاه من قبل لله عز وجل ، يتقوّل أسوء الأحاديث ويكتم أحاسنها ، ويجحد قول الله جل وعلا ويهملها ، ألم يقرؤا قوله تعالى ، (..أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )169 الأنفال .
2- المجتمع المسلم المسالم يتواصى أفراده بالحق والعدل لا بالظلم والفساد ، القوي كالضعيف والمؤمن كالكافر، كلهم سواسية أمام قانون الله عز وجل وقانون البشر في حركتهم ومسلكهم في المجتمع ، حساب العباد على عقائدهم منوط فقط بالله الرحمن الرحيم ، لا بالمفسدين المدعين ، مجتمع يسوده العدل والإنصاف ، يتعاون أفراده على البر والتقوى ، تطبيقا لشريعة الله عز وجل (..وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..)2 المائدة .
فالمجتمع الذي يسوده الظلم والفساد والطائفية ، يصل وينتهي الى التمزق والتشرزم والى فوارق اجتماعية وإقتصادية كبيرة ، والى تصارع وتصادم بين الطبقة الحاكمة الأقلية المسيطرة الغنية وبين الطبقة المقهورة المحكومة وهي الأكثرية ، فتزداد الأقلية المتخمة ثراءا على ثرائها والأكثرية فقرا على فقرها ، ليصل معظم أهل البلاد الى ما دون خط الفقر العالمي وتغيب الطبقة الوسطى أو تكاد ، وتدخل البلاد في دائرة الفقر المغلقة ، ومن ثم الى ثورة الجياع والمجتمع وإنهيار البلاد من الداخل والى الحرب الضروس بين طبقاته الإجتماعية و طوائفه الدينية وقد يأدي الى تقسيم البلاد الى دويلات طائفية متعددة ضعيفة متشرزمة ، متناحرة متصارعة فيما بينها ، وتاريخ حكام العرب بعد إستقلال بلادنا (الشكلي) عن دول الإستعمار البريطاني والفرنسي ، مفعم بالإنجازات المخجلة والمحطمة لمستقبل البلاد والعباد، ما أسهل أن نحيل التهمة على الغرب وإسرائيل والمؤامرة والمخطط الخارجي ونجعل أرباب السلطة والنفوز إبرياء أتقياء ، بينما العفن والنتانة في حكامنا و أفرادنا ونفوسنا وفكرنا وتطبيقنا ومخططنا .
كمجتمع مسلم مؤمن عربي قد كفر وشبع كفرا وزندقة ، بأنعم الله عز وجل وكتابه الكريم وبعد هذا ننتظر النصر المؤزر المؤيد من السماء ، ألم نقرأ قوله تعالى ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد ، فهل آمنا بالله عز وجل أم آمنا بالجبت والطاغوت وبسيادة الحاكم الملهم الأغر؟
اليوم وفي كل الأزمنة ، كان هنالك إتفاقات ضمنية ، عرفية ، غير معلنة و (في علم الإدارة تسمى التنظيمات الغير رسمية) تسود وتنتشر بين أفراد الطبقة الحاكمة الغنية ، إذ إنها متحدة ، متكاتفة سرا على الطبقة الفقيرة وعلى الشعب ، أفرادها يتخاصمون علنا وفي وسائل الإعلام ، ولكن فعليا وعلى أرض الواقع والحقيقة يمثلون أدوارا مسرحية يلهون بها الشعب ، يتنافسون فيما بينهم على قسمة الغنائم وأدوار الحكم والمنفعة ، ولكنهم لا يعادون بعضهم بعضا إلا في الإعلام ، و أمام الشعب البسيط المنهك ، والأمر ليس بجديد فحينما نزل القرآن الكريم على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، نرى أكثر الناس للحق كارهون ، رافضون ، خاصة أغنياء المجتمع من الطبقة الحاكمة والسلطة الدينية الحاكمة ، ( أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ..)71 المؤمنون .
ولكن الله عز وجل لم يدع الناس لأهوائهم وميولهم بل أنزل إليهم كتاب الحق ليسترشدوا به ويتبعوه ، منهاجا للعدل والإنصاف ، لتتساوى فرص الحكم والكسب والنجاح والعمل ولمحاربة الإحتكار بكل صورة وأشكاله ، من إحتكار السلطة الى إحتكار السلعة، فلا يأكل القوي الضعيف ولا يسجن البريئ ولا تنتهك المحارم والكرامات .
3- المجتمع المسلم المسالم يتواصى بالمساواة وحرية المعتقد وكل ما هو صالح ، يوصي ويحث أفراده بعضهم بعضا على الإيمان وفعل الخير والعدل فيسود مناخ عام ايجابي صالح منتج ، ويعم مناخ من الأمن والرضا .
4- والتواصي كما هو قول وحث ، أيضا هوعمل وفعل على أرض الواقع يمارس وينفذ ، المجتمع الذي يتواصى أفراده بفعل الخير والعدل تخف صعابه وتُحققُ أهدافه بأقل وقت وتكلفة ، مما يؤدي الى نجاح الفرد والمجتمع ، التقوى ومخافة الله عز وجل هي اساس التواصي بالحق و سر نجاحه و التي محلها القلب وساحتها العمل ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )102 آل عمران .
5- المجتمع المسلم المسالم يتواصى أفراده بالتواضع ، فلا يتكبرون على بعضهم البعض ، وسمة التآخي والتواضع تظهرعلى أفراده إما من باب التقوى والتدين وخشية الله عز وجل أو من باب الإنسانية والعلم الذي يهذب النفوس والعقول ، كما هو حاصل في المجتمعات الغربية التي لا تدين بدين الإسلام ، والقرآن الكريم حذرالناس من التكبر والتطاول على الآخرين دون وجه حق ، فهو عمل زائف ينم عن الجهل والغباء ولا يعكس حقيقة الإنسان ، كونه مهما أوتي من قوة وعلا في الأرض يضل ضعيفا متهالكا ، آخرته الى الموت والزوال ، للإنسان أن يعتز بدينه وأخلاقه وليس له أن يتكبرعلى أخيه الإنسان ، فالتكبرعمل باطل غير صالح ، لا يرضى عنه الله عز وجل ولا الناس ، فقد حذر رب العزة المتكبرين بصرفهم عن آيات الله عز وجل فلا يرونها ولايعقلونها وبالتالي لايطبقونها مما يوقعهم في الخسران المبين ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ )146 الأعراف .
6- التواصي بالفرح والسرور لا بالتجهم والعبوس والقنوط ولا بالمرح والرزيلة ، التواصي بالفرح الذي يستند الى موجباة حقيقية مطلوبة ويتداعى إليها المجتمع بالتوصية والحث عليها ، كالفرح بإقامة الدين الحنيف وبالنجاح والعزة للفرد والمجتمع ، فهذا فرح الحق الواجب القيام به ونشره ، بينما المرح والصخب والعمل المخل بالآداب والحشمة والدين والأخلاق والعرف والتقاليد الحميدة مذموم مكروه من رب العالمين ، (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ )75 غافر.
7- المجتمع المسلم يتواصي أفراده بمحاربة الظلم والقهر من الذين يبغون في الأرض ويجمعون مكاسب الدنيا وملذاتها من مجهود وإنتاج الآخرين عبر ظلمهم وقهرهم واستغلالهم ، يتوعدهم رب العالمين بالعذاب الأليم ،(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ )42 الشورى ، إنما السبيل أي العقوبة على الظالمين الذين يبغون أي يأخذون ما ليس لهم مخالفين أحكام الشريعة والقانون العادل المنصف .
8- المجتمع المسلم المؤمن يتواصي أفراده ويحث بعضهم بعضا على عدم مودة الكفار أوالركون إليهم وإتباعهم ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ..)1 الممتحنة ، جاءت كلمة (الحق) لتعني كتاب الله عز وجل ، كما أن رب العزة والجلالة ينهى عن مودة من كفر بالقرآن الكريم والكفر يأتي من الذي لا يعترف به كتابا منزلا ، كما يأتي من المسلمين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، حينما ينسخوا آياته الكريمة بحديث سواء كان صادقا أو كاذبا ، معطلين أحكام القرآن الكريم .
ينهانا رب العالمين عن مودة ومحبة وتكريم الكافرين ، فهم أعداء لله عز وجل كما هم أعدء لنا ، ما أعظمه من كتاب ، يكفينا فخرا وعزة نحن أهل القرآن ، أن رب العزة والجلالة جمعنا وذاته العلية كفريق واحد يواجه فريق الكفر والضلال ، كما جمع أهل الكفر والمعصية بحزب واحد مناقض مخالف ، كافر من الإنس والجن ، يوحي بعضهم الى بعض ،( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ..)112 الأنعام ، لهذا المجتمع المسلم المؤمن بكتاب الله عز وجل يتواصى ويتحد على دحر أفكار ومفاهيم حزب الشيطان ، ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) المجادلة .
9- المجتمع المسلم المسالم المؤمن ، مأمورٌ بالتواصى والتكاتف والحث على قتال الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى والمسلمين ، من الذين يفسدون في الأرض بالقتل والعدوان والتسلط وإجبار الناس على الدين السطحي ، إذ يجب على السلطة الحاكمة أن تطبق شريعة الله عز وجل على جميع أفراد وفئات الشعب ، والتي تنادي بالعدل والمساواة وحرية المعتقد والأخلاق الحميدة والأمن والأمان وعبادة الرحمن لا عبادة الشيطان ، قتال المفسدين في الأرض ، عبر إرساء القانون الوضعي العلماني الذي يأخذ بالخطوط العريضة للإسلام ، وعبر القول الطيب والموعضة الحسنة والدعوة والإرشاد ، عبرالدولة ورجال القانون وليس عبر أوكار الليل والعتمة والجهل والغدر من الذين فهموا الدين الإسلامي على أهوائهم ورؤياهم ويسعون بكل قوة وقسوة وجهل لإجبارالناس على الإيمان بفكرهم ومذهبهم ، والكفّر بكل ما خالفهم ، فالذي ليس معهم هو بالضرورة عدو لهم ، لهذا أمرنا رب العزة قائلا : ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )29 التوبة ، إعطاء الجزية ، أي الجزاء والدية و الغرم المادي ، نتيجة لما إقترفوا من الفساد والظلم على الأرض ، وليس المقصود قتال وإجبارالكافرين على الإيمان أو فرض الغرامة المادية عليهم أو على اليهود والنصارى .
10- المجتمع المسلم المؤمن يتواصي أفراده بالجهاد خاصة أن الله عز وجل هو بذاته الذي إختار هذه الأمة من دون الناس جميعا ليقيموا هذا الدين الحنيف (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ..)78 الحج ، الجهاد من الجهد والتعب الذي يرافقه العزم والإصرار على الهدف ، فلا جهاد دون تعب ومكابدة ، وأعظم الجهاد ، جهاد النفس في حثها على فعل أوامر الله عز وجل ونهيها عن ما نهى عنه ، تُلخص الأوامر والنواهي في كلمة واحدة ألا وهي تقوى الله عز وجل، من يتقي الله عز وجل ، يفعل ما أمر وينتهي عما نهى في كتابه الكريم ، فمن عايش التقوى عاش في كنف الله جل في علاه .
كما من معاني الجهاد مجابهة الأعداء وقتالهم دفاعا عن الفرد والمجتمع وإعلاء لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) جل في علاه ، وسلاح الجهاد ليس القوة والسيف فقط بل ربما وقع الكلمة والإعلام أقوى وأمضى من السيف في عصرنا هذا ، لهذا المجتمع مطالب بأن يتكاتف ويتآزر ويتواصى لإعلاء كلمة التقوى ومجابهة أعداء المجتمع في الداخل والخارج .
11- المجتمع المسلم يتواصي أفراده بالحث والتكاتف على العطاء والبذل والصدقة وتزكية النفس ، بالإنفاق والسخاء في جميع أوجه الإنفاق التي جاءت في القرآن الكريم والغير محددة في وقت معين بذاته ، كالعطاء عند تصفية الحسابات المالية وتحديد الأرباح ، وعند تيسر المال لديه ، مباشرة يوم الحصاد دون تأخير ولا تسويف ، هذا الزرع والإنتاج وهذا الربح ، إنما زرعه وأنشأه ونماه وباركه رب العالمين ، فهو المعطي الوهاب ، (أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ )64 الواقعة ، (..كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)141 الأنعام .
فالمقصود بالحصاد ليس حصاد الزرع الناتج عن الأرض فقط ، إنما كل ما يثمر ويعود بالخير والفائدة على المؤمن سواء من الزراعة أو التجارة والصناعة وأي باب من أبواب الكسب الحلال ، (وَآتُواْ حَقَّهُ) هو حق وليس منةٌ وتفضل من المؤمن على المحتاجين ، ذلك لأن المعطي الحقيقي هو الله عز وجل، عبر المؤمنين المنفقين ، فهو ليس سوى وسيلة وصل بين الله عز وجل و بين المعطى لهم .
(وَلاَ تُسْرِفُواْ) يأمرنا الله عز وجل بعدم الإسراف والمغالات في العطاء ، إنما العطاء بقدر، ذلك لأن الإسراف منافيا للعقل والحكمة كما هو مظهر من مظاهر التكبر والغرور والله عز وجل لا يحب الإسراف بكافة أشكاله وصوره حتى في العطاء والبذل (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ، (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)26 الإسراء .
المجتمعات الغربية والدول الصناعية أكثر عطاءا وبذلا على الفقراء والمحتاجين من الدول الإسلامية ، إيمانا منها برب العالمين سبحانه وتعالى أو إيمانا بإنسانية الإنسان وربما تكفيرا عن إستغلالهم للدول الفقيرة أومساهمة ودعما للدول الفقيرة لتقوى كسوق مستهلك لمنتجاتهم، كما الإبقاء على صلة وصل مع الدول الفقيرة لنهب واستغلال ثرواتهم الأولية من باطن الأرض وخارجها و نهب شبابها كيد عاملة رخيصة منتجة أوعقول متعلمة مفكرة عبر فتح باب الهجرة والعمل لديهم .
( رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) أل عمران .
أكمل البحث في المقال القادم إنشاء الله تعالى .
دعوة للتبرع
أنا من أهل القرآن: الشيخ احمد صبحي منصور لقد قرأت الكثي ر من...
شعائر الوضوء : هل المضم ضة و الاست نشاق في الوضو ء من البدع...
زوجى لا يصلى: السّل ام عليكم و رحمة الله و بركات ه سيدى لي...
مودة بالأوثان: ما معنى أوثان ا في قوله تعالى {وَقَ لَ ...
التوبة من الشذوذ: شاذ جنسيا سلبى ويريد التوب ة ولا يستطي ع ...
more